البيئة الداخلية للابنية الخضراء والتأثير على الانتاجية

تواجه الابنية الخضراء مشكلة كبيرة ولفترة قريبة من الزمن وتتمثل في كون المستهلك و/أو المستعمل بصورة عامة وفي العديد من دول العالم ولا يستطيع بالضرورة من التمييز في الاهمية ما بين الابنية الخضراء والابنية التقليدية، ولعل مرد ذلك يعود مع الاسف الى ضعف الوعي لدى كل منهما بماهية التوجهات الخضراء وعلى مختلف الصعد ومنها ما يتعلق بالبناء الاخضر. وقد يصل الامر إلى أن المستهلك وبخاصة في الدول النامية لا يتعامل مع السلع الصديقة للبيئة (الخضراء) لانها قد تكون مرتفعة الثمن واكثر كلفة قياساً بالسلع التقليدية المماثلة لها، وبالتالي فانه لا يعرف معنى المنتج الاخضر بشكل دقيق ومدى اهميته في الحفاظ على البيئة ومواردها وما يعود عليه من نفع ذاتي بالمحصلة النهائية.

ولكن الحقيقة التي يجب أن يدركها المستهلك و/او المستعمل بأن الابنية الخضراء او التصميم المستدام للابنية ما هو الى تجسيد حقيقي لمفهوم التنمية المستدامة. لكونه يصب في معالجة الخلل والاضطرابات الحاصلة في البيئة الاقتصادية والتحديات التي تواجهها في مجال الطاقة والموارد الطبيعية المستنزفة والارتفاع الحاد في الضياعات والهدر في عناصر مدخلات العمليات الانتاجية ومخرجاتها. وهذا ما ينطبق على تأثير الابنية الخضراء من خلال بيئتها الداخلية على مستوى الانتاجية المتحققة لشاغليها من كوادر عاملة بمختلف التخصصات، وهذا ما تشير اليه الدراسة التي اجراها 2003, Kemmila & Lonnqvist الى ان البيئة الداخلية للابنية الخضراء لها تأثير على انتاجية العاملين في تلك الابنية والذي يمثل عامل النجاح المهم في جميع المنظمات ذات التوجهات الخضراء. لما له من تأثير لاحق على العديد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية كالنمو الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة، ومن ثم تحقيق الاستقرار النفسي لاحقاً. وبهذا الخصوص ايضاً وفي دراسه اجراها 2003 ,Greg Kats شملت 33 مبنى في الولايات المتحدة الامريكية لقياس تأثير المباني الخضراء على قيمة الانتاجية في العمل، وقد توصلت الى انها ارتفعت من 37$ الى 55$ لكل قدم مربع، وقد كانت هذه الزيادة بسبب الشعور المرضي للموظفين لوجود اجواء بيئية سليمة تتمثل وبالدرجة الأولى في جودة الاضاءة والتهوية ومناخ العمل.

ويوضح الشكل (1) مفردات عناصر البيئة الداخلية للابنية الخضراء والتي لها التأثير المباشر وغير المباشر على الانتاجية للعاملين في تلك الابنية وهذه العناصر هي :-

1 - مواد البناء والاثاث والاجهزة

المواد المستخدمة في الابنية الخضراء لا تنبعث منها روائح او مركبات عضوية أو جزيئات يمكن ان تخلق ضرر صحي على شاغلي هذه الابنية من جراء الاستنشاق او التعرض للحرارة او الرطوبة، والتي من شأنها أن تزيد من فاعلية التأثير السلبي لهذه المواد وما ينتج عنها في اغلب الاحيان من بكتريا ضارة لصحة الانسان وقد تؤدي الى مرضهم او انقطاعهم عن العمل. وبهذا الخصوص فقد أجريت دراسة من قبل 2009 Dunckley على مكتب كبير للمحاماة في استراليا انتقل من بناية تقليدية الى بناية خضراء، وتوصلت هذه الدراسة الى انخفاض نسبة الاجازات المرضية التي يتقدم بها العاملون في المكتب من 39% على أساس متوسط الاجازات السنوية الى 28 % وهذا الأمر قد أسهم في تخفيض متوسط التكلفة السنوية من الاجازات المرضية الى حد كبير والتي كانت تتحملها ادارة مكتب المحاماة. 

2 ـ غلاف البناية

السيطرة والرقابة على غلاف البناية يمكن ان يحول دون دخول اي تسرب هوائي غير مسيطر عليه ورطوبة قد تسببان ضرراً في داخل البناية ولشاغليها وبهذا الخصوص قد اجرى 2004 Wyun دراسه تحت عنوان "تاثير الهواء الداخلي على جوده الانتاجية" وتوصلت الى ان ردائة نوعية الهواء الداخلي في المباني يمكن أن تخفض من انتاجية العمل لدى الموظفين ولنسبة تصل الى 6 ــ  9% . كما ان رداءة الهواء الداخلي تؤدي الى التعبير عن عدم الرضى للزوار والمراجعيين لهذه المكاتب من تلك الاجواء الرديئة.

3- انظمة التهوية

المواد والاجهزة المستخدمة في التكييف (تدفئة وتبريد) قد تكون سبب رئيسي في احداث التلوث للهواء الداخلي وبالطريقة ذاتها التي تحدثها مواد البناء . مما يتطلب الرقابة على هذه الانظمة والتأكد من سلامتها الصحية وهو ما يتم تطبيقه ومراعاته في الغالب عند تشييد الابنية الخضراء. 

4- الصيانة

دقة اعمال الصيانة في الابنية الخضراء تؤدي الى تقليل أو الحد من الأوساخ والغبار والروائح الكريهة وما ينتج عنها من حالات التلوث المختلفة وهذا ما تسعى اليه ادارة الابنية الخضراء في تحقيق الصيانة الدائمة للابنية وبالاعتماد على وكالات متخصصة في مجال الصيانة لملاقات اي خلل يمكن أن يحصل في مكونات ونظام البيئة الداخلية للابنية الخضراء.

5 ـ الشاغلون

من يشغل هذه الابنية لابد ان يكون متوافق في سلوكه وتعامله مع مكونات ومجالات البناية بالشكل الذي يتوافق مع التوجهات البيئية المصممة لها بالاساس. وبالتالي فان نجاح وديمومة البناية وطول عمرها الانتاجي يتأثر الى حد كبير بسلوك شاغلي البناية وتفاعلهم الايجابي في خلق بيئة داخلية مريحة ومتوافقة مع مصادر الطاقة المتاحة فيها واسلوب العيش مع التسهيلات المستخدمة في الابنية الخضراء.

6 - المجالات الكهربائية والمغناطيسية

تأثر هذه المجالات في الابنية التقليدية بشكل فعال على صحه الانسان من جراء الاشعاعات المتولدة فيها، وتكمن خطورتها في ان اثارها تمتد الى سنوات لاحقة وقد تكون بعيدة نسبياً مما يصعب معرفة تأثيرها السلبي في حينه على صحة الانسان الذي يشغل البناية. ولكن في الابنية الخضراء تكاد تختفي هذه المجالات لكون استخدامها يكون محدود في الغالب ويتم الاعتماد على مصادر البيئة الطبيعية كاساس في الكثير من الاستخدامات الممكنة في الابنية.

وكخلاصة لذلك يمكن الاشارة الى دراسة انجزها Bary Sherman المدير التنفيذي لحلول الانتاجية عام 2008 للمقارنة مابين الانتاجية المتحققة للموظفين من ذوي الياخات البيضاء (مدراء، موظفي الادارة العليا والوسطى، المسؤلين التنفيذيين) بلغ عددهم 3200 موظف في عدد من الشركات تعمل في مجال (التصنيع، السيارات ، التمويل ، التكنلوجيا، التعليم ،التأمين ،المحاسبة) والتي تشغل مباني خضراء في انجاز اعمالها . وقد توصلت الدراسة الى التطور الحاصل في مستوى انتاجية العاملين وكما يوضحها الجدول رقم (2) ولعدد من المؤشرات والتي تصب في نهايه الأمر في صالح الاداء والنتائج المالية لهذه الشركات.