الفصل الثالث عشر

البناء الاخضر والمقاولة المستدامة

Green Building and Sustainable Entrepreneurship

المقدمة :

يتجه العالم بجميع مفاصله الى المزيد من حالات التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي، والتي انعكست بدورها على ارتفاع مستوى سقف الحاجات والرغبات للانسان من السلع والخدمات وبما تسهم في تحقيق الرفاهية والارتقاء بنوعية الحياة. ولكن الأمر هذا صاحبه العديد من الآثار السلبية التي تمثلت في جوهرها بالاعتداء على البيئة الطبيعية ومكونات النظام البيئي من مياه وتربة وغلاف جوي والحياة الطبيعية المكونة للنظام. فأصبحت المناداة بالاستدامة والاستدامة البيئية كمنهج للحفاظ على البيئة من جانب، والاستثمار في موارد ومصادر نظيفة وصديقة للبيئة ولا تعكس اضرار واثار سلبية على استخدامها قدر المستطاع من جانب آخر، بمثابة توجه استراتيجي على مستوى منظمات الاعمال والحكومات ايضاً.

ولعل قطاع المقاولات الانشائية هو واحد من بين تلك القطاعات التي اسهمت الى حد كبير في خلق الآثار السلبية على البيئة، وعلى الرغم من الحقيقة التي لابد ان تقال في اسهامها الكبير في التعبير عن الازدهار الاقتصادي والتطور العمراني الذي اصاب اغلب دول العالم. فكان لابد من التوجه نحو تطبيق الاستدامة في هذا القطاع بأتجاه التوافق مع البيئة وحمايتها والعمل على الاسهام في تحقيق التنمية المستدامة ايضاً ولاشك بان التوجه المعاصر اليوم يقوم نحو اعتماد الابنية الخضراء كأسلوب متقدم في تحقيق الاستدامة المقاولاتية، وهو منهج متوافق مع الفلسفة الفكرية والتطبيقية للارتقاء بنوعية الحياة مع الحفاظ على سلامة البيئة الطبيعية ومواردها المختلفة، وهذا ما نسعى الى تناوله في هذا الفصل.

وتكمن أهمية الموضوع من القيمة الاعتبارية التي تمثلها الابنية الخضراء التي تم اعتمادها كنموذج لتطبيق المقاولة المستدامة ووصولاً الى تحقيق التنمية المستدامة والتي من شأنها ان تسهم في بلوغ مستوى افضل في الانتاجية والنهوض الاقتصادي، وتخفيض الاعباء عن كاهل الدولة والمجتمع وعبر التحول الى موارد  ومصادر طبيعية أقل كلفة وضرراً على البيئة. وللتعبير عن اهمية الاستدامة وما يترتب عليها من تطبيقات ميدانية فيمكن الاشارة في القول هنا الى أن عدد من الكليات والجامعات الامريكية قد اعتمدت 137 برنامج اكاديمي في مجال الاستدامة عام 2011 لغرض اشاعة هذا المفهوم واهميته في المجتمع والسعي الجاد لتطبيقه. علماً بأن عدد البرامج لذات الموضوع كانت عام 2010 قد بلغت 146 برنامج اكاديمي في الجامعات الامريكية.

والشكل (1) يمثل الجوانب الاساسية التي سيتم تناولها في هذا الفصل. حيث يعبر الجزء الأول عن الاستدامة بمضامينها المتمثلة بالاستدامة البيئية والمقاولاتية والتنمية المستدامة والجزء الثاني الذي يتمثل في العناصر البيئية الداخلية المؤثرة على شاغلي الابنية الخضراء وانعكاس ذلك على مستوى انتاجيتهم. وكلا الجزئيين يؤثران على مفهوم وجوهر الموضوع والمتمثل بالبناء الاخضر والذي سيكون من نتائجه الجزء الثالث وهو الاثار الايجابية المتولدة عن التوجه نحو اعتماد الابنية الخضراء. وسيتم الاشارة في ذلك ايضاً الى بعض التجارب المنتقاة من عدد من الدول حول ممارساتها وتطبيقاتها لمفوم البناء الاخضر وفي تطبيق المقاولة المستدامة.