أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2016
2302
التاريخ: 17-5-2017
11733
التاريخ: 11-5-2017
4670
التاريخ: 13/9/2022
1343
|
يحتل القانون الفرنسي مكانة مهمة كونه يمثل مصدراً مهماً في التشريع العراقي الجنائي، والاشارة إليه إنما يجعل من هذه الدراسة واضحة المعالم خاصة وأن النظم القانونية الأخرى كالنظام الانكلوسكسوني قد انتحى له منحاً مغايراً من حيث نظم الاتهام والتحقيق والمحاكمة. عليه وللإحاطة بأصل مبدأ تقييد الدعوى الجزائية بنطاقها الشخصي والعيني في القانون الفرنسي ولبيان الموقف الأخير له بما يسوّغ الشكل الخاص الذي تشكلت به القاعدة والنطاق هنا، قسمنا هذا الموضوع على ثلاث مراحل، تمثل كل منها مرحلة رئيسة من مراحل تطور النظام القانوني الفرنسي بشكل وسوف نخصص لكل منها فرعاً على انفراد وهي:
الفرع الأول : نطاق الدعوى الجزائية قبل مؤتمر لاتيران.
الفرع الثاني : نطاق الدعوى الجزائية من مؤتمر لاتيران حتى الثورة الفرنسية.
الفرع الثالث : نطاق الدعوى الجزائية بعد الثورة الفرنسية حتى الوقت الحاضر.
الفرع الأول
نطاق الدعوى الجزائية قبل مؤتمر لاتيران
تعرضت فرنسا كغيرها من البلاد إلى الكثير من الغزوات من قبل الشعوب الأخرى ، إلا أن ما يستوقفنا ونحن نعرض هذه الفكرة، تلك الطبيعة التي يمكن استشفافها من خلال طروحات كتب التاريخ، ومن خلال الكتب القانونية التي رصدت جانباً منها إلى الحقبة التاريخية للقوانين الفرنسية. حيث أننا نلمس وبوضوح تقبل هذه البلاد إلى الاقتباس والنقل، بل والأكثر من هذا طواعيتها أو انصياعها إلى ثقافات الغير بخلاف بلاد الإنكليز، حيث شكلوا ما يشبه الجبهة في وجهة أي تغيير في تقاليدهم أو نظمهم سواء الاجتماعية أو الحياتية. وكنتيجة لهذا السرد المقدم طغت الصيغة الرومانية للقوانين التي حكمت فرنسا حيث اختلف مصير قاعدة التقييد بالاتهام عما كان مطبقاً في فرنسا أبان الحكم الروماني(1) بما جاء بعد ذلك به الرومان من أطر قانونية جديدة الغت بشكل جذري القاعدة ، وبعدما تعرضت أحد أهم مستنداتها الفقهية ألا وهي حالة الفصل بين سلطة الاتهام والحكم التي كما أوردناها سلفاً من دعائم تسويغ مبدأ التقييد بالاتهام إلى عدم احترام هذا المبدأ الخاص بالفصل، حيث كانت القوانين تبيح بشكل أو بأخر للقضاء القيام بدور الاتهام والتحقيق ومن ثم المحكمة، وبالتالي انهيار مبدأ الفصل لدى القوانين الجرمانية المطبقة التي يُرجع بعض الفقهاء سببه إلى تدني مستوى هذه القوانين بالمقارنة بالمكانة التي احتلتها القوانين الرومانية القديمة(2). ولا يمكن جعل نظام الاتهام الفردي الذي ظهر في هذه الفترة تطبيقاً لقاعدة التقييد بالاتهام على اعتبار انفصال مركز المتهم عن مركز القاضي، كون هذه الصورة ما هي إلا تطبيق استثنائي لم يرد به سلوك جماعي درج عليه المتعاملون في القضاء أنذاك(3). وبعد هذه الفترات وفي بداية القرن الثالث عشر عادت قاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى إلى الظهور مجدداً. حيث ظهر مبدأ تقييد القاضي ومنعه من التدخل في الاتهام أوحتى بين الخصوم متخذاً في عمله الطابع السلبي بشكل واضح وللوقوف على مركز التقيد بنطاق الدعوى الجزائية نبحث مركزه في كل من إجراءات الاتهام والمحاكمة للوقوف عليها بشيء من التفصيل :
إن المستقرئ لإجراءات الاتهام في هذه الفترة يتضح له وبصورة جلية وجود ما يمكن أن يوصف بالقاعدة الإجرائية المستفاد منها أن الاتهام لا يمارسه إلا المضرور من الجريمة أو من يمثله من أقارب المضرور. وإن برز بشكل كبير عدم العدالة والمنطقية فالقانون آنذاك يسمح وبشكل غير مباشر على قتل شخص إذا لم يكن هناك من يدعي بحقه. كما ان الادعاء يثبت الشخص بذاته ولا يمكن التنازل أو لإنابه فيه كقاعدة عامة، أي أن الخصومة الجنائية مقصورة على أطرافها على قول بعض الفقهاء للقانون الجنائي(4).
ثانياً : بالنسبة لمرحلة المحاكمة(5) :-
قيدت المحكمة في هذه الفترة بعدم الخروج عما احتوته وثيقة الاتهام المقدمة من قبل المدعي سواء بالحذف أو الإضافة حتى وإن توافر لديها العلم بعدم دقة الاتهام المقدم، الحال الذي كان مصير المتهم يتحدد بقدرته على استغلال عيوب تفاصيل الاتهام للإفلات من العقاب. ومن هنا نجد أن هذه الفترة التي أخذت من القرن الثالث عشر مجالاً لها امتازت بالتطبيق المطلق الواضح لقاعدة تقيد الدعوى الجزائية بنطاقها الشخصي والعيني بما حددت به المحاكم من عدم الخروج عن تفاصيل الاتهام المرفوع إليها والوقوف موقف الترجيح لكفة العدالة دونما تغيير أو تعمق في الواقع المفترض من قبل الخضوم. وبذلك فالقاعدة معروفة لدى القانون الفرنسي منذ حكمها كولاية رومانية وحتى عام 1225 حيث زال تطبيقها.
الفرع الثاني
نطاق الدعوى الجنائية من مؤتمر لاتيران حتى الثورة الفرنسية
كان من الممكن الاكتفاء بسرد تاريخي لواقع تطور نظم الإجراءات الفرنسية منذ القدم وصولاً إلى العصر الحديث دون وضع محاور للبحث كالذي نروم مناقشته، وما داعي ذلك إلا لكون هذا التوقف استوجبته ضرورة ملحة تمثلت في دخول نظام جديد على نظم الإجراءات الفرنسية أدت بلا شك في التأثير على القواعد الإجرائية ومن ضمنها قاعدة التقييد بنطاق الدعوى الجزائية تأثيراً يمكن القول عنه أنه لربما أهدرها واسقط التطبيق الذي حظيت به القاعدة أبان الفترة التي سبقتها، تمحور هذا التغيير بشكل ملموس في مؤتمر لاتيران الذي جاء بقاعدة مهمة شكلت الخروج عن القاعدة والنطاق تحت مسمى (المحاكمة من تلقاء القاضي)(6).حيث أُهدر فيه واحد من أهم الدعائم لها وهو مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام والحكم. حيث أن النظام الجديد الذي درج العديد من الفقهاء في مؤلفاتهم على تسميته بالنظام الكنسي(7).
المشكلة في النظام الكنسي اثيرت عندما بدأ الأخذ بنظام التحري والتنقيب(8) وبالتالي إعطاء القاضي تلك السلطات الواسعة التي طغت على باقي السلطات الإجرائية من اتهام وتحقيق متمثلاً بمبدأ (المحاكمة من تلقاء القاضي) الذي تمت صياغته في مؤتمر لاتيران، وأن اختلفت كيفيات تطبيقه بحسب الحالات فنادراً ما كان يقوم المضرور من الجريمة بتولي الاتهام وممارسة النظام الاتهامي بحرفيته وحتى من يروم التبليغ عن أي جريمة فدوره هنا لا يعدو كونه محركاً للاتهام الذي ينسب إلى من يتولاه ويمارسه وهو القاضي الذي تعود إليه أغلب السلطات الأخرى خاصة في جرائم التلبس(9) بل أن مداه يتوسع ليشمل حتى من لا يكون عليه أي اتهام أو تلبس، إنما مجرد اشتباه حيث يحق للقاضي القيام بالتحقيق بسريه تامة، ومن ثم يقيم اتهامه عليه ويحكم فيه. ولا يعني تطبيق مبدأ المحاكمة من تلقاء القاضي في القضاء الكنسي عدم وجوده في القضاء العادي، بل أن المبدأ نقل بتأثير سطوة الكنيسة إلى القضاء العادي كبيان عن تحكم الكنيسة وهيمنتها على الحركة الاجتماعية في داخل فرنسا في ذلك الوقت. بقي ان نذكر أن ما يلفت الانتباه أن مبدأ المحاكمة من تلقاء القاضي الذي يجمع بين سلطتي الاتهام والحكم لم يترك دون وضع قالب نصي له قُنن بشكل مراسيم ملكية كانت لها أهميتها الكبيرة. ومن هذا تقول بأن الخطوة التي خطتها الكنيسة وحسب رأي العديد من الفقهاء لم تكن نتيجة تطور مطلقاً وأنما جاءت نتيجة تدخل التشريع، وفي ذلك تدليل على ان النظام الفرنسي في صورته الحالية لم يكن وليد تطور هادئ ، وأنما كان نتيجة ظروف سياسية وتشريع خاص(10). وبذلك يتضح لنا ان هذه الفترة شكلت ثغرة في جدار النظام القضائي الجنائي الفرنسي أمتد حتى بروز فجر الثورة الفرنسية .
الفرع الثالث
نطاق الدعوى الجزائية بعد الثورة الفرنسية حتى الوقت الحاضر
كنتيجة طبيعية للوضع الذي كان سائداً في الفترة السابقة اصبح المجتمع الفرنسي في حالة نقاش مستمر حول الكيفية التي يمكن أن يتم بها استبدال الواقع القانوني الموروث قبل، الثورة ولم يكن الحل إلا بالاتجاه نحو النظام المعمول به في بلد التقييد المطلق للمحكمة والذي يظهر فيه نطاق الدعوى واضحاً إلا وهو إنكلترا(11). وفرنسا في مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية وبسبب التغيير الحاصل في المجتمع أنقلب الواقع القانوني لنظم الإجراءات الجنائية بصورة صدور تشريع هو تشريع عام1791 الذي طبقت فيه قاعدة تقييد المحكمة بحدود ما يحال إليها من متهمين ووقائع بشكل كامل وثابت بحيث لم يقتصر على وصف الفعل المادي بل حتى ما يعطى للجريمة من وصف قانوني تلتزم به. وللتأكيد على صورة الواقع للفكر القانوني ونصوص التشريع الفرنسي في تلك الحقبة وإلى كثافة المناقشات والآراء حول مدى واتجاه التغيير الواجب القيام به في النظام القانوني أصدر المشروع الفرنسي قانون (7) بليفوز للسنة الرابعة الذي أعاد إلى نظام الإجراءات الجنائية ملامح نظام البحث والتحري وبالتالي قلقله الثبات النسبي لقاعدة تقييد المحكمة بحدود الدعوى الذي تمتعت به قبل صدوره(12). كان للمشرع الفرنسي اتجاه خاص لم يكن أمامنا إلا ان نقول عن هذا الاتجاه بأنه انحراف لمضمون هذه القاعدة عن مسارها الأصلي عندما ضمها داخل تشريع أهم القوانين الإجرائية الجنائية وهو قانون تحقيق الجنايات الذي أصدرته الجمعية الوطنية عام 1808 ، والذي لم يعكس المفهوم الحقيقي للقاعدة ومبدأ حياد القاضي ، ومع ذلك وما يثير الاستغراب إن في خضم هذا التناقض في طروحات الأفكار في فرنسا نرى أن في الوقت الذي أنكرت فيه فرنسا النظام الاتهامي الإنكليزي المطبق في مضمونه لقاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى نراها قد أخذت بواحد من أسس النظام الإنكليزي وواحدة من أهم دعائمه و سماته وهي نظام المحلفين الذي نجد تطبيقه لحد الآن مع تعارضه مع نظام الادعاء العام ذي الملامح المختلطة بين الاتهامي وبحث التحري(13). ومن هذا يتبين بأن فرنسا لم تستمر على ذلك المنوال الذي ساد في العصور الأولى أو حتى ما جاء به مؤتمر لاتيران من أفكار استثنائية.
________________
1- ينظر : عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، قاعدة تقييد المحكمة الجنائية بالاتهام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 ، ص47 .
2- ينظر : عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، المرجع السابق، ص43 .
3- ينظر : د . عزت الدسوقي ، قيود الدعوى الجنائية بين النظرية والتطبيق ، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق جامعة القاهرة ، 1987 ، ص26 .
4- ينظر : د . فوزية عبد الستار ، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1975 ، ص112 .
5- يلاحظ في اغلب المصادر التاريخية المتناولة لموضوع الإجراءات الجنائية في مثل هذه الفترة ان النظام الإجرائي لم يكن متطوراً بالحد الذي تظهر فيه وبوضوح فترة التحقيق ، أنما يقوم على اتهام ومحاكمة، دون تحقق وتخصيص هيئات وفترة خاصة بالتحقيق.
6- ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي: المرجع السابق، ص49
7- يرجع العديد من الكتاب أصل تسمية النظام الكنسي إلى الكنيسة الفرنسية التي طبقته وأصبح لها سلطان عليه كبير ومن ثم نقلته إلى المحاكم العادية. والبعض الآخر أرجع أصل هذا النظام إلى القبائل الجرمانية التي غزت فرنسا. ويلاحظ بهذا الخصوص د. عبد المنعم عبد الرحيم العوضي، مرجع سابق، د. فوزية عبد الستار ، المرجع السابق، ص113 . د. عزت الدسوقي، المرجع السابق ، ص26 .
8- كثيراً ما يسوّغ أصحاب نظام التحري والتنقيب نظامهم آنذاك على أن الأوضاع الاجتماعية هي التي تؤدي إلى الأخذ بمثل هذا النظام الذي يسود فيه القاضي وحده لانعدام فرصة الاتهام من قبل العامة، غير مدركين أن ذلك يدحض وبشدة فكرة الحياد التي تستند إليها قاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى بل أصول الإجراءات الجزائية بشكل عام .
9- ينظر : عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، مرجع سابق ، ص51 .
10- ينظر : د . عزت الدسوقي ، المرجع السابق ، ص27 .
11- ينظر : د . عزت الدسوقي ، المرجع السابق ، ص29 .
12- ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، المرجع السابق، ص59 .
13- ينظر : د. عزت الدسوقي: المرجع السابق، ص31.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|