المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16464 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


شُبهات حول إعجاز القرآن ومناقشاتها  
  
9156   09:22 صباحاً   التاريخ: 23-09-2014
المؤلف : محمد باقر الحكيم
الكتاب أو المصدر : علوم القرآن
الجزء والصفحة : ص 136-147
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

 لقد أُثيرت حول إعجاز القرآن الكريم ـ من قِبَل المستشرقين والمبشِّرين ـ شُبهاتٌ كثيرة؛ نظراً لأهميّة هذا البحث وعظمة الأهداف التي يحقِّقها، وقد عرفنا في بحث إعجاز القرآن الأدلّة التي يمكن أن نستنتج منها أنّ القرآن الكريم ليس صنعةً بشريّة، وإنّما هو وحيٌ إلهي، ولم تكن الأدلّة السابقة تعتمد في الوصول إلى هذه النتيجة على ملاحظة الأُسلوب البلاغي للقرآن الكريم، ولكنّ الأُسلوب البلاغي للقرآن الكريم كان وما زال أحد الأُسس المهمّة التي اعتمدها الباحثون لإثبات إعجاز القرآن، وسوف نرى في أكثر الشبهات الآتية أنّ نقد القرآن الكريم فيها يعتمد على ملاحظة الأُسلوب البلاغي له فحسب، لغرض إسقاط هذا الدليل الذي يعتمد عليه أحياناً في إثبات إعجاز القرآن، كما سوف نرى بطلان هذه الشُبهات أيضاً.

ويمكن تقسيم الشبهات الآتية إلى قسمين رئيسين:

الأوّل :                        

الشبهات التي تحاول أن تُبرز جانب النقص والخطأ في الأُسلوب والمحتوى القرآني.

والثاني :

الشبهات التي تحاول أن تُثبت أنّ القرآن الكريم ليس معجزةً لقدرة البشر على الإتيان بمثله.

القسم الأوّل من الشبهات حول إعجاز القرآن :

الشبهة الأُولى :

إنّ الإعجاز القرآني يرتكز بصورةٍ رئيسةٍ على الفصاحة والبلاغة القرآنية، ونحن نعرف أنّ العرب قد وضعوا قواعد وأُسساً للفصاحة والبلاغة والنطق، تُعتبر هي المقياس الرئيس في تمييز الكلام البليغ من غيره، وبالرّغم من ذلك نجد في القرآن الكريم بعض الآيات التي لا تنسجم مع هذه القواعد بل تخالفها، الأمر الذي يدعونا إلى القول بأنّ القرآن الكريم ليس معجِزاً؛ لأنّه لم يسر على نهج القواعد العربية وأُصولها.

وتسردُ الشُبهةُ بعضَ الأمثلة لذلك.

ويمكن أن تُناقش هذه الشبهة ـ إضافةً إلى ما أشرنا إليه من أنّ الدليل على إعجاز القرآن لا يختص بالجانب البلاغي ـ بأُسلوبين رئيسين :

الأوّل :

ملاحقة الأمثلة والتفصيلات التي تسردها الشبهة وبيان انطباقها مع القواعد العربية المختلفة وانسجامها معها، وملاحظة مختلف القراءات القرآنية التي يتّفق الكثير منها مع هذه القواعد، بالشكل الذي لا يبقى مجالاً لورود الشبهة عليها، وقد قام العلاّمة الشيخ محمّد جواد البلاغي بجانبٍ من ذلك) (1).

كما يمكن أن نعرف ذلك من خلال مراجعة الكتب التفسيريّة التي تناولت هذا الجانب مثل كتاب مجمع البيان للشيخ الطبرسي والكشّاف للزمخشري.

الثاني :

مناقشة أصل الفكرة التي تقوم عليها الشبهة ومدى إمكان الاعتماد عليها في الطعن بإعجاز القرآن، وهذا ما سوف نقوم به في هذا البحث، وذلك بملاحظة الأمرين التاليين:

أ ـ إنّ تأسيس قواعد اللُّغة العربية كان في وقتٍ متأخِّرٍ عن نزول القرآن الكريم وفي العصور الأُولى للدول الإسلامية، بعد أن ظهرت الحاجة إليها بسبب التوسُّع الإسلامي الذي أدّى إلى اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب، وقد كان الهدف الرئيس لوضع هذه القواعد، هو: الحفاظ على النصِّ القرآني ولغته، وقد اتُبعت في استكشاف هذه القواعد طريقة ملاحظة النصوص العربية الواردة قبل هذا الاختلاط أو التي لم تتأثّر به.

فلم تكن عمليّة وضع القواعد عمليّة تأسيسٍ واختراع من قِبَل واضعي اللُّغة العربية، وإنّما هي عمليّة استكشاف لما كان العرب يتبعه من أساليب في البيان، والنطق خلال كلامهم، ولذا كان الكلام العربي الأصيل هو الذي يتحكّم في صياغة القاعدة وتفصيلاتها.

ولا شكّ أنّ القرآن الكريم كان أهم تلك المصادر على الإطلاق، التي اعتمد عليها واضعوا هذه القواعد في صياغتها وتأسيسها؛ لأنّه أوثق المصادر العربية والكلام البليغ الذي بلغ القمّة، ولذلك نجد علماء العربية عندما يريدون الاستدلال على صحّة أيّ قاعدةٍ، يستدلّون على ذلك بالآيات القرآنية، أو بالنصوص التي تثبت نسبتها إلى العرب الأوائل.

وعلى هذا الأساس التاريخي لوجود قواعد اللُّغة العربية، يجب أن يكون الموقف تجاهها أن نجعل القرآن هو القياس الذي يتحكّم في صحتها وخطئها، لا أن نجعل القواعد مقياساً نحكم به على القرآن؛ لأنّ القاعدة العربية وُضعت على ضوء الأُسلوب القرآني، فإذا ظهر أنّها خلاف هذا الأُسلوب يكشف ذلك عن وقوع الخطأ في عمليّة استكشاف القاعدة نفسها.

ب ـ  ثمّ إذا لاحظنا موقف العرب المعاصرين للقرآن الكريم ـ وهم ذوو الخبرة والمعرفة الفائقة باللُّغة العربية ـ وجدناهم قد أذعنوا واستسلموا للبلاغة القرآنية، وتأثّروا بها إيماناً منهم بأنّه يسير على أدق القواعد والأساليب العربية في البيان والتعبير، ولو كان في القرآن الكريم ما يتنافى مع قواعد اللُّغة العربية وأُصولها، لكان من الجدير بهؤلاء الأعداء أن يتّخذوا ذلك وسيلةً لنقد القرآن ومَنْفذاً للطعن به.

الشبهة الثانية :

إنّ القرآن قد تحدّث عن قصص الأنبياء، كما تحدّثت الكتب الدينية الأُخرى: كالتوراة والإنجيل عنها، وعند المقارنة بين ما ذكره القرآن، وما ورد في التوراة والإنجيل، نجد القرآن يخالف تلك الكتب في حوادث كثيرة ينسبها إلى الأنبياء وأُممهم، الأمر الذي يجعلنا نشكُّ في أن يكون مصدر القرآن: الوحي الإلهي، لسببين:

الأوّل :

إنّ هذه الكتب من الوحي الإلهي الذي اعترف به القرآن، وإذا كان القرآن وحياً إلهيّاً أيضاً فلا يمكن أن يناقض الوحي نفسه في الإخبار عن حوادث تاريخية واقعية.

الثاني :

إنّ هذه الكتب ما زالت تتداولها أُمم هؤلاء الأنبياء وهم بطبيعة ارتباطهم الديني والاجتماعي بأنبيائهم لا بُدّ وأن يكونوا أدقَّ اطّلاعاً على أحوالهم من القرآن الذي جاء في أُمّةٍ ومجتمعٍ منفصلٍ عن تاريخ هؤلاء الأنبياء.

وهذه الشبهة ـ كسابقتها ـ لا يمكن أن تصمد للمناقشة إذا عرفنا أنّ هذه الكتب الدينية قد تعرّضت للتحريف والتزوير ـ كما سوف نتعرّض إلى ذلك في بحثٍ مستقل ـ وكان أحد أسباب التحريف هو الانفصال التاريخي الذي وقع بين الأنبياء وأُممهم، حيث تعرّض اليهود ـ مثلاً ـ إلى الأسر الجماعي، ونُقلوا إلى بابل، وأُحرقت جميع الكتب، ودُمِّرت جميع المعابد وبقوا على هذا الحال مدّة عقودٍ من الزمن، حتّى أنقذهم كورش الفارسي من ذلك، ويُقال بأنّهم دوّنوا التوراة الموجودة على ما تبقّى في ذاكرة بعض الأشخاص ممّا سمعوه من آبائهم.

وكذلك الحال بالنسبة إلى المسيحيين، حيث تعرّض المسيح لمحاولة الصَّلب وتفرّق الحواريون، ودوِّن الإنجيل على ما تبقّى في الذاكرة بعد مدّةٍ طويلة من هذه الحادثة.

هذا الأمر وغيره، هو الذي جعلهم غير قادرين على الاحتفاظ الديني بها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن أُمم هؤلاء الأنبياء، والجماعات التي نزلت فيهم هذه الكتب.

إضافةً إلى أنّ ملاحظة محتوى الخلاف بين القرآن الكريم والكتب الدينية الأُخرى، يدعونا بنفسه للإيمان بصدق القرآن الكريم، بعد أن نجد التوراة والإنجيل يذكران في قصص هؤلاء الأنبياء مجموعةً من الخرافات والأوهام، يتجاوزها القرآن الكريم، وينسبان إلى الأنبياء أعمالاً ومواقف لا يصحُّ نسبتها إليهم، ولا تليق برسُل الله والقوّام على شريعته ودينه، بل لا تليق بمصلحين عاديّين من عامّة البشر، كما في نسبة شرب الخمر والزنا إلى لوط (عليه السلام)، وكذلك نسبة وقوع داود تحت تأثير الشهوة والعشق لامرأة أجنبيّة، بحيث يفرط بأحد قادته الكبار في الحرب وهو زوج هذه المرأة من أجل التخلّص منه والزواج بها، إلى غير ذلك كما يتبيّن ذلك بوضوح عند المقارنة بين القرآن والكتب الدينية الأُخرى (2) .

وقد عرفنا في بحث إعجاز القرآن أنّ إحدى النقاط المهمّة التي يظهر فيها إعجاز القرآن الكريم عرضه لقصص الأنبياء وحوادثهم، بشكل يبعث اليقين في نفوسنا أنّ مصادر هذا العرض ليست هي الكتب الدينية، ثمّ يأتي هذا العرض منسجماً ومؤتلفاً مع النظرة الواقعية الصحيحة للأنبياء والرسُل، الأمر الذي يُدلل على أنّ مصدره هو: الوحي الإلهي.

الشبهة الثالثة :

إنّ أُسلوب القرآن في تناول الأفكار والمفاهيم وعَرْضها، لا ينسجم مع أساليب البلاغة العربية، ولا يسير على الطريقة العلمية في المنهج والعَرْض؛ وذلك لأنّه يجعل الموضوعات المتعدِّدة متشابكة بعضها مع بعض، فبينما يتحدّث القرآن في التاريخ ينتقل إلى موضوع آخر من الوعد والوعيد والحِكَم والأمثال والأحكام وغير ذلك من الجهات، فلا يجعل القارئ قادراً على الإلمام بالأفكار القرآنية، مع أنّ الموضوعات القرآنية لو كانت معروضةً على شكل فصول وموضوعات مستقلّة؛ لكانت الفائدة المترتبة عليها أعظم والاستفادة منها أسهل، وكان العرض منسجماً مع الأُسلوب العلمي المنهجي الصحيح.

وتُناقش هذه الشبهة على أساس النقطتين التاليتين :

الأُولى :

أنّ القرآن الكريم ليس كتاباً علميّاً ولا كتاباً مدرسيّاً ـ كما عرفنا ذلك في بحث الهدف من نزول القرآن ـ فهو ليس كتاب فقه أو تأريخ أو أخلاق، وإنّما هو كتاب هدايةٍ وتربية، وهدفه الأساس هو إحداث التغيير الاجتماعي؛ والأُسلوب القرآني خضع لهذا الهدف في طريقة العرض وفي التدرّج في النزول وفي غير ذلك من الظواهر القرآنية، كوجود الناسخ والمنسوخ والمُحْكم والمتشابَه.

وهذه الطريقة في العَرْض من الخصائص البارزة في القرآن الكريم التي خضعت لهذا الهدف للتمكُّن من إحداث التأثير المطلوب في نفسيّة الإنسان المعاصر لنزول القرآن، بل ولكلِّ إنسانٍ يستمع للقرآن الكريم أو يقرأه (3) .

والنتائج العظيمة التي حقّقها القرآن الكريم في المجتمع الجاهلي أفضل شاهدٍ على انسجام هذا الأُسلوب مع الهدف الأساس للقرآن الكريم.

الثانية :

إنّ هذه الطريقة في العَرْض يمكن أن تعتبر إحدى الميزات التي يتجلّى فيها الإعجاز القرآني بصورةٍ أوضح، فإنّه بالرغم من هذا التشابك في الموضوعات تمكّن القرآن الكريم من الاحتفاظ بجمال الأُسلوب وقوّة التأثير وحسن الوقع على الأسماع والنفوس، الأمر الذي يدلِّل على براعةٍ متناهية، وقدرة عظيمة على عَرْض الموضوعات وطرح الأفكار.

الشبهة الرابعة :

لا شكّ أنّ ذوي القدرة والمعرفة باللُّغة العربية يتمكنون من الإتيان بمثل بعض الكلمات القرآنية، وحين تتوفّر هذه القدرة في بعض الكلمات، فمن المعقول أن تتوفّر أيضاً في كلماتٍ أُخرى، وهذا ينتهي بنا إلى أن نجزم بوجود القدرة على الإتيان بسورة أو أكثر من القرآن الكريم لدى أمثال هؤلاء؛ لأنّ من يقدر على بعض القرآن يمكن أن نتصوّر فيه القدرة على الباقي بشكلٍ معقول، وبذلك لا يكون التحدِّي من قِبَل القرآن بالإتيان بسورةٍ أو عشر سِوَرٍ وارداً وصحيحاً.

والمناقشة في هذه الشبهة واضحة؛ لأنّ الإعجاز القرآني يتمثّل في جانبين رئيسين ـ كما أشرنا سابقاً ـ جانب الأُسلوب والتركيب البياني، وجانب المضمون والمحتوى والأفكار.

وفي كلا الجانبين لا مجال لهذا الوهم والخيال.

أمّا في جانب المضمون، فمن الواضح أنّ القدرة على إعطاء فكرةٍ أو فكرتين لا يعني القدرة على إعطاء هذا المقدار الكبير المنسجم من الأفكار والمفاهيم، وفي نفس الظروف الموضوعيّة والذاتية التي جاء فيها القرآن الكريم.

والتحدِّي الذي شرحناه في بعض أبحاثنا السابقة عن إعجاز القرآن كان ضمن الظروف الخاصّة التي عاشها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) وجاء فيها القرآن الكريم.

وأمّا في جانب الأُسلوب، فإنّ القدرة على جملةٍ أو مقدارٍ من الكلمات، لا يعني القدرة على تمام التركيب بعناصره المتعدّدة التي لا يمكن أن تُوجد أو تتوفّر إلاّ ضمن التركيب بكامله، وهذا شيءٌ واضح لا يحتاج إلى برهان، فإنّنا ندرك أنّ كثيراً من الناس يملكون قدرة النطق ببعض الكلمات العربية، ولكنّ ذلك لا يعني أنّهم قادرون على أن يكونوا خطباء أو أدباء أو شعراء، ويتمتّعون بالبلاغة والفصاحة، أو حتّى الإتيان بقطعة كلامية بليغة، كما أنّ كثيراً من الناس يتمكّنون من القيام ببعض الأعمال البسيطة، ولكنّهم غير قادرين على القيام بالمشاريع الضخمة التي تتركّب من تلك الأعمال البسيطة كمشاريع البناء والصناعة والفن.

الصِرْفة في الإعجاز القرآني

ولعلّ هذه الشبهة أو الوهم هو الذي أدّى بجماعةٍ من متكلِّمي المسلمين ـ كالنظّام ومدرسته على ما نُسب إليهم ـ إلى أن يفسِّروا ظاهرة الإعجاز القرآني

بأنّها نوع من الصِرْفة  (4)، حيث يمكن أن يكون قد وجدوا ـ نتيجة الانطلاق من هذا الوهم ـ أنّ القدرة على الإتيان بمثل القرآن الكريم متوفِّرة، ولكنّ عدم توفّر أشخاص يأتون بمثل القرآن كان نتيجةً لتدخُّل إلهيٍّ مباشر (صرفهم) عن المعارضة والمباراة.

ولكنّ هذا التفسير لظاهرة الإعجاز واضح البطلان، إذا كانوا يُريدون من توفُّر القدرة عند بعض الناس وجودها فعلاً لديهم ولكنّ الله صرف أذهانهم عن ممارستها؛ وذلك:

1- لأنّ محاولة المعارضة قد وقعت من بعض الناس وانتهت إلى الفشل والخيبة، كما تُحدِّثنا بذلك كثيرٌ من النصوص التاريخية وتدل عليها بعض الوقائع في العصر القريب من قِبَل بعض المبشِّرين.

2- إنّ صرف الأذهان إنّما يُفرض بعد نزول القرآن الكريم، وأمّا قبله فلا معنى للصِرْفة لعدم وجود القرآن، ولذلك ومن أجل التأكُّد من الإعجاز القرآني ليس علينا إلاّ مقارنة القرآن بالنصوص العربية السابقة على وجوده وملاحظة مدى الامتيازات المتوفّرة فيه دونها، بحيث لا يمكن مقايسته بهذه النصوص بل هو يفوقها كما عرفنا في بحث الإعجاز.

نعم إذا كان يريد القائلون بالصِرْفة أنّ الله سبحانه له القدرة على أن يهب إنساناً ما قدرةً على الإتيان بمثل القرآن ولكنّه لم يفعل، فهذا لا يعني أنّ القرآن الكريم ليس بمعجزة؛ لأنّ الهدف الرئيس من المعجزة دلالتها، فلا بُدّ أن تكون لها هذه الدلالة؛ وعنصر التحدّي في مثل هذه المعجزة يكون موجوداً ما دامت ليست تحت قدرة الإنسان الاعتيادية بالفعل، وهذا الشيء من الممكن أن يُدّعى في كلِّ معجزات الأنبياء، أو المعجزات التي يمكن أن نتصوّرها.

الشبهة الخامسة :

إنّ النقطة الأساسيّة التي يستند إليها الإعجاز القرآني هي: عدم قدرة العرب على معارضته، رغم تحدّي القرآن الكريم لهم مرّةً تلو الأُخرى، ولكن هل العرب حقيقةً لم يكونوا قادرين على معارضته؟

أو أنّ أسباباً أُخرى خارجيّةً هي التي منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة؟!

وتفرض الشبهة ـ بصدد الجواب عن هذا التساؤل ـ عوامل معينّة منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة، وهذه العوامل هي:

إنّ العرب الذين عاصروا الدعوة أو تأخَّروا عنها بزمنٍ قليل، لم يعارضوا القرآن الكريم، خوفاً على أنفسهم وأموالهم من المعارضة، بسبب سيطرة المسلمين الدينية على الحكم، ومحاربتهم كلّ من يعادي الإسلام أو يُظهر الخلاف معه؛ ولا شكّ أنّ معارضة القرآن تُعتبر في نظر الحكم من أبرز أنحاء العداء والمخالفة.

وحين انتهت السلطة إلى الأُمويّين الذين لم يكونوا مهتمّين بالحفاظ على الإسلام والالتزام به، الأمر الذي كان يفسح المجال لمن يريد أنْ يُعارِض القرآن الكريم أن يظهر معارضته.

كان القرآن في ذلك الحين قد أصبح أمراً معروفاً في حياة الأُمّة، مألوفاً لديها بأُسلوبه وطريقة عرضه، بسبب رشاقة ألفاظه ومتانة معانية، فانصرف الناس عن التفكير بمعارضته؛ لأنّه أصبح من المرتكزات الموروثة لهم.

ويمكن مناقشة هذه الشبهة بملاحظة النقاط التالية :

أوّلاً :

إنّ تحدِّي القرآن الكريم للمشركين كان منذ بداية الدعوة، وفي ظروفٍ كان الإسلام فيها ضعيفاً تجاه قوّة المشركين، حيث مضت ثلاثة عشرة سنة من الزمن على الأقل على نزول القرآن، والمسلمون مطاردون وضعفاء سياسيّاً، وبالرغم من ذلك لم يستطع أحد من بلغاء العرب أن يقوم بهذه المعارضة.

ثانياً :

إنّ سيطرة الإسلام في أواخر عصر النبي (صلّى الله عليه وآله) وعصر الخلفاء الأربعة ـ الذين جاؤوا إلى الحكم من بعده ـ لم تكن تعني منع الكفّار من إظهار كفرهم، فقد أقرّ الإسلام جماعاتٍ من الكفّار على ديانتهم، كما حدث ذلك لأهل الكتاب حيث كانوا يعيشون في ظل الدولة الإسلامية في طمأنينة ورفاهية، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فلو كان واحد من هؤلاء قادراً على الإتيان بمثل القرآن الكريم لتصدّى لمعارضته والانتصار لديانته على الإسلام، خصوصاً وأنّ الإسلام والقرآن دخلا في مناقشات واسعة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكانوا يملكون استقلالهم سواء في المدينة أو في خارجها من أراضي الشام وغيرها.

ثالثاً :

إنّ افتراض الخوف من المعارضة نتيجةً للسيطرة الإسلامية إنّما يمنع من إظهار المعارضة للقرآن الكريم وإعلانها، وأمّا المعارضة السريّة فقد كانت من الممكن أن تتمّ ضمن الحدود الخاصّة للمعارضين من أصحاب هذه الديانات دون أن تكون لها نتائج مضادّة، ولو كان من الممكن الإتيان بمثل القرآن الكريم لأمكن لهؤلاء أن يعارضوه ثمّ ينتظروا الفرصة السانحة لإظهار هذه المعارضة، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ أهل الكتاب ما زالوا يحتفظون بمجموعة من النصوص الدينية لهم ويتداولونها، مع أنّها تتعارض مع القرآن الكريم في محتوياتها ومضامينها.

رابعاً :

من المُلاحَظ عادةً أنّ الكلام مهما بلغ من رتبةٍ عالية في البلاغة، ومتانة الأُسلوب وقوّته، فإنّه يصبح كلاماً عاديّاً إذا تكرّر سماعه، ولذلك نرى القصيدة البليغة تُصبح عاديّةً عندما يتكرّر إلقاؤها عدّة مرات، بحيث قد تبدو قصيدةً أُخرى أقل منها بلاغة أبلغ منها بسبب عدم تكرارها، وهذا يعني أنّ الأُلفة والأُنس بالقرآن الكريم ـ لو كان كلاماً عاديّاً ـ تدعو إلى أن يصبح أيسر على المعارضة والإتيان بمثله، لا أنْ ينصرف الناس عن التفكير بمعارضته نتيجةً لأُنسهم به بالرّغم من تحدِّيه المستمر لهم وتعاليه عليهم.

الشبهة السادسة :

إنّ القرآن ليس معجزةً وإن كان يعجز جميع البشر عن الإتيان بمثله؛ لأنّ المعجزة يجب أن تكون صالحة لأن يتعرّف جميع الناس على جوانب التحدِّي فيها؛ لأنّها دليل النبوّة التي يُراد بواسطتها إثبات النبوّة لهم.

والكلام البليغ لا يكفي في إعجازه عجز الناس عن الإتيان بمثله؛ لأنّ معرفة جوانب التحدّي والإعجاز فيه من بلاغته، وسمو التعبير فيه، لا تتوفّر إلاّ للخاصّة منهم الذين يتكلّمون العربية ويعرفون دقائق تركيبها وميزاتها.

ويمكن أن تُناقش هذه الشبهة بما يلي :

أوّلاً :

إنّ هذه الشبهة تتضمّن في الحقيقة اعترافاً بالإعجاز القرآني، إلاّ أنّها تحاول التهرّب من ذلك بإعطاء المعجزة طابعاً خاصّاً يرتبط بمدى دلالتها على دعوة النبوّة، فالشبهة لا تناقش الإعجاز من ناحية النقص في التركيب والمضمون القرآني وعدم ارتفاعه إلى مستوى التحدِّي، وإنّما تناقشه من زاوية افتراض عدم قدرة جميع الناس على فهم هذا الإعجاز واستيعابه، وإنّما يفهم الخاصّة منهم هذا الإعجاز.

ثانياً :

إنّ طريق الإيمان بالمعجزة لا يتوقّف على معرفتها عن طريق التجربة الشخصيّة المباشرة لها لكلِّ الناس، وإنّما يمكن أن يتحقّق عن طريق معرفة ذوي الاختصاص والخبرة من الناس لها، الشيء الذي يجعلنا نصدِّق بالمعجزة لعجز هؤلاء الناس المختصِّين، وهذا هو السبيل الوحيد لإيماننا بكثير من حقائق الكون وخصائص عالم الطبيعة، حيث يحصل لنا اليقين بها عن طريق معرفة ذوي الاختصاص وإخبارهم لنا بذلك بشكل لا يداخله الريب أو الشك، كما حصل هذا الشيء بالنسبة إلى معجزة العصا التي جاء بها موسى (عليه السلام)، فإنّ عجز السحرة أمام موسى وهزيمتهم في المباراة كانا دليلاً قاطعاً على أنّ تحوّل عصا موسى إلى (حيّة) إنّما هو معجزة، وإن لم يدرك هذه الحقيقة بشكل مباشر سائر الناس لعدم معرفتهم بشؤون السحر.

فحين يقف العرب أجمع وذوو الاختصاص من الدارسين والعلماء باتجاهاتهم المختلفة أمام القرآن الكريم، ويعترفون بخصائصه الإعجازية وعجزهم أمام تحدّيه لهم، لا يبقى أمامنا شكٌّ في إعجاز القرآن الكريم وارتباطه بالسماء.

ثالثاً :

إنّ فكرة الإعجاز في القرآن الكريم من الممكن أن تُشرح وتوضِّح على نطاقٍ واسع، وليس ذلك ممّا يتعسّر فهمها، فيفهمها الناس على حدٍّ سواء، العربي منهم وغير العربي وذوو الاختصاص وغيرهم؛ لأنّ إعجاز القرآن لا يختصّ بالجانب البلاغي من أُسلوبه، بل هو المعجزة الخالدة التي لا تفنى والتي لا تختص بأُمّةٍ دون أُخرى.

وقد أشرنا إلى بعض الجوانب في الإعجاز القرآني التي لا ترتبط بأُسلوبه وبلاغته، في أبحاثنا السابقة من علوم القرآن (5) .

______________________

1- الهدى إلى دين المصطفى 1: 330.

2- يمكن مراجعة كتاب : الهدى إلى دين المصطفى، للبلاغي: ج2 في هذه المقارنة.

3- تناولنا هذا التأثير والتأثُّر في كتابنا (الهدف من نزول القرآن)، حيث تعرّضنا إلى تسعٍ من ظواهر القرآن الكريم بالدرس والتحليل، ومن هذه الظواهر: أُسلوب القرآن الكريم.

4- مذهب الصرفة هو فرض أنّ الناس أو على الأقل البلغاء منهم قادرون على الإتيان بمثل القرآن أو على الأقل بسورة منه، وإنما لم يأتوا بذلك مع تحدي القرآن لهم لأن الله تعالى صرفهم بقدرته عن القيام بهذا العمل.

5- منهج السنة الأُولى من محاضرات علوم القرآن الكريم (لكلِّية أُصول الدين) والقسم الثاني من هذا الكتاب.

اعتمدنا بصورة رئيسة في عرض الشبهات ومناقشتها على دراسة السيد الخوئي (رحمه الله) في كتابه (البيان في تفسير القرآن).

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم التربية والتعليم يعقد اجتماعاً تحضيرياً لملاكاته استعداداً لانطلاق برنامجه التأهيلي
متحف الكفيل يعقد أولى اجتماعاته التحضيرية لمؤتمره الدوليّ الخامس
وفد قسم الشؤون الفكرية وسفير العراق في فرنسا يبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك
مدارس العميد.. بين مطالب التوسع وإمكانية القبول