تحويل القبلة

أن رسول الله (صلوات الله عليه واله وسلم) لما بُعِث كانت الصلاة إلى قبلة بيت المقدس سنّة بني إسرائيل، وقد أخبرنا الله عزّ وجلّ في كتابه بما قصه في ذكر موسى (عليه السلام ) أن يجعل موسى بيته قبلة ، وهو قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } [يونس: 87].

وكان رسول الله (صلوات الله عليه واله وسلم) في أول مبعثه يصلّي إلى بيت المقدس جميع أيام مقامه بمكة وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر، فعيّرته اليهود وقالوا : أنت تابع لقبلتنا ! فأحزن رسول الله  (صلوات الله عليه واله وسلم) ذلك منهم، فأنزل الله تعالى عليه وهو يقلب وجهه في السماء ينتظر الأمر {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]

{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } [البقرة: 150]. يعني اليهود فـي هـذا الموضع .

ثم أخبرنا الله عزّ وجلّ بالعلة التي من أجلها لم يحوّل قبلته (من أول مبعثه)، فقال تبارك وتعالى : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 143] ،  

فسمّى سبحانه الصلاة هاهنا إيماناً ، وهذا دليل واضح على أن كلام البـاري سبحانه لا يشبه كلام الخلق ، كما لا يشبه أفعاله أفعالهم ، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد کنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله وتأويله إلا نبيه  و أوصياؤه (عليهم السلام ) .