أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2019
9342
التاريخ: 11-8-2019
3877
التاريخ: 10-8-2019
2990
التاريخ: 6-8-2019
5542
|
قال تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة : 122 ، 123] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
لما تقدم الترغيب في الجهاد بأبلغ أسباب الترغيب ، وتأنيب من تخلف عنه بأبلغ أسباب التأنيب ، بين في هذه الآية موضع الرخصة في تأخر من تأخر عنه ، فقال سبحانه : {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ، وهذا نفي معناه النهي أي : ليس للمؤمنين أن ينفروا ويخرجوا إلى الجهاد بأجمعهم ، ويتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فريدا وحيدا . وقيل : معناه ليس عليهم أن ينفروا كلهم من بلادهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليتعلموا الدين ، ويضيعوا ما وراءهم ، ويخلوا ديارهم ، عن الجبائي .
{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} اختلف في معناه على وجوه أحدها : ان معناه فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ، ويبقى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة ، ليتفقهوا في الدين ، يعني الفرقة القاعدين ، يتعلمون القرآن ، والسنن ، والفرائض ، والأحكام ، فإذا رجعت السرايا ، وقد نزل بعدهم قرآن ، وتعلمه القاعدون ، قالوا لهم إذا رجعوا إليهم : إن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا ، وقد تعلمناه . فتتعلمه السرايا فذلك قوله {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} أي : وليعلموهم القرآن ، ويخوفوهم به إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون} فلا يعملون بخلافه ، عن ابن عباس ، في رواية الوالبي ، وقتادة ، والضحاك ، وقال الباقر عليه السلام : كان هذا حين كثر الناس ، فأمرهم الله أن تنفر منهم طائفة ، وتقيم طائفة للتفقه ، وأن يكون الغزو نوبا .
وثانيها : إن التفقه والإنذار يرجعان إلى الفرقة النافرة ، وحثها الله تعالى على التفقه ، لترجع إلى المتخلفة فتحذرها ، ومعنى {ليتفقهوا في الدين} : ليتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ، ونصرة الدين ، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد ، فيخبروهم بنصر الله النبي ، والمؤمنين ، ويخبروهم أنهم لا يدان لهم بقتال النبي والمؤمنين ، لعلهم يحذرون أن يقاتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار ، عن الحسن ، وأبي مسلم .
قال أبو مسلم . اجتمع للنافرة ثواب الجهاد ، والتفقه في الدين ، وإنذار قومهم .
وثالثها : إن التفقه راجع إلى النافرة ، والتقدير ما كان لجميع المؤمنين أن ينفروا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويخلوا ديارهم ، ولكن لينفر إليه من كل ناحية طائفة ، لتسمع كلامه ، وتتعلم الدين منه ، ثم ترجع إلى قومها ، فتبين لهم ذلك ، وتنذرهم ، عن الجبائي قال : والمراد بالنفر هنا : الخروج لطلب العلم ، وإنما سمي ذلك نفرا لما فيه من مجاهدة أعداء الدين . قال القاضي أبو عاصم : وفي هذا دليل على اختصاص الغربة بالتفقه ، وأن الانسان يتفقه في الغربة ما لا يمكنه ذلك في الوطن .
ثم بين سبحانه ما يجب تقديمه ، فقال : {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} أي : قاتلوا من قرب منكم من الكفار ، الأقرب منهم فالأقرب ، في النسب والدار . وقال الحسن : كان هذا قبل الأمر بقتال المشركين كافة . وقال غيره : هذا الحكم قائم الآن لأنه لا ينبغي لأهل كل بلد ان يخرجوا إلى قتال الأبعد ، ويدعوا الأقرب والأدنى ، لأن ذلك يؤدي إلى الضرر ، وربما يمنعهم ذلك عن المضي في وجهتهم ، إلا أن يكون بينهم وبين الأقرب موادعة ، فلا بأس حينئذ بمجاوزة الأقرب إلى الأبعد ، على ما يراه المتولي لأمور المسلمين . ولو قال سبحانه : قاتلوا الأبعد فالأبعد ، لكان لا يصح ، لأنه لا حد للأبعد يبتدئ منه ، كما للأقرب ، وفي هذا دلالة على أنه يجب على أهل كل ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الاسلام ، وإن لم يكن هناك إمام عادل .
وقال ابن عباس : أمروا أن يقاتلوا الأدنى فالأدنى من عدوهم ، مثل قريظة ، والنضير ، وخيبر ، وفدك . وقال ابن عمر : إنهم الروم ، لأنهم سكان الشام ، والشام أقرب إلى المدينة من العراق ، وكان الحسن إذا سئل عن قتال الروم ، والترك ، والديلم : تلا هذه الآية {وليجدوا فيكم غلظة} أي : شجاعة ، عن ابن عباس .
وقيل : شدة ، عن مجاهد . وقيل : صبرا على الجهاد ، عن الحسن . والمعنى : وليحسوا منكم بضد اللين ، وخلاف الرقة ، وهو العنف والشدة ، ليكون زجرا لهم .
{واعلموا أن الله مع المتقين} عن الشرك أي : معينهم وناصرهم ، ومن كان الله ناصره لم يغلبه أحد ، فأما إذا نصره سبحانه بالحجة ، فإنه يجوز أن يغلب بالحرب لضرب من المحنة ، وشدة التكليف .
________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 144-145 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :
{ وما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } . هذه الآية تتصل بالآية السابقة ، وهي ما كانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ومَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ .
ووجه الاتصال بين الآيتين انه حين نزلت الآية السابقة قالت القبائل المسلمة :
واللَّه لا نتخلف بعد اليوم عن الغزو مع رسول اللَّه ، وتدفقوا على المدينة لهذه الغاية . فأنزل سبحانه : { وما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } أي لا يطلب منهم أن ينفروا جميعا في كل سرية تخرج للجهاد ، بل يختلف ذلك باختلاف الغزوات والمقتضيات ، فتارة يجب الجهاد عينا على كل فرد ، ولا يسقط عن الكل بفعل البعض ، وتارة يجب كفاية متى قام به البعض سقط عن الآخرين ، أما تعيين أحد الواجبين فموكول لأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . ينفر المسلمون كافة إذا استنفرهم كافة ، وينفرون جماعة دون جماعة إذا استنفرهم كذلك .
{ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } . بعد ان بيّن سبحانه ان النفير العام لا يجب في كل غزوة بيّن ان هناك واجبات أخرى غير الجهاد يجب القيام بها تماما كما يجب القيام بالجهاد ، منها أن ينفر من كل بلد أو قبيلة جماعة إلى المدينة المنورة أو غيرها ليتفقهوا في دين اللَّه ، ويعرفوا حلاله وحرامه ، ثم يعودوا إلى قومهم ، فيرشدوهم ويحذروهم من عذاب اللَّه على معصيته ومخالفة أمره { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ومعنى لعل هنا الطلب ، لا الترجي ، أي يجب عليهم أن يسمعوا من المرشدين ويطيعوا .
هذا ما نذهب إليه في تفسير هذه الآية مخالفين أكثر المفسرين أو الكثير منهم الذين جعلوا التفقه في الدين صفة للطائفة المقيمة ، لا للطائفة النافرة ، وقالوا في شرح الآية : ان على المسلمين أن ينقسموا طائفتين : طائفة تنفر للجهاد ، وأخرى تبقى في المدينة تتعلم السنن والفرائض . . والتفسير الذي ذهبنا إليه له أصل في روايات أهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وهم أدرى بالقرآن وأسراره ، من تلك الروايات : ان سائلا سأل الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) عن معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : اختلاف أمتي رحمة ؟ . فقال : ليس المراد بالاختلاف النزاع ، وإلا كان اتفاقهم عذابا ، وإنما المراد به التردد في الأرض لطلب العلم ، ثم استدل الإمام على إرادة هذا المعنى بقوله تعالى : { فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ } وليس من شك ان هذا الاستدلال لا يتم إلا إذا كان التفقه صفة للطائفة النافرة ، لا الطائفة المقيمة .
واستدل علماء الأصول بهذه الآية على أن خبر الواحد المنقول عن المعصوم حجة يجب العمل به في الأحكام الشرعية ، ووجه الاستدلال بالآية ان اللَّه سبحانه أوجب على العالم أن يعلَّم وينذر ، وإذا وجب هذا على العالم وجب على الجاهل أن يقبل قول العالم ويعمل به ، وإلا كان وجوب التعليم والانذار لغوا . . وأيضا إذا وجب على الجاهل أن يتعلم فقد وجب على العالم أن يعلم ، وإلا كان وجوب التعلم على الجاهل لغوا . . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « ما أخذ اللَّه على أهل الجهل أن يتعلموا ، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلَّموا » .
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ } تحث هذه الآية المسلمين على تحصين الحدود وصيانتها من أعداء اللَّه وأعدائهم . فقد جاء في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : { الَّذِينَ يَلُونَكُمْ } : « أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار الأقرب منهم فالأقرب الا أن تكون هناك موادعة - أي هدنة أو معاهدة - . .
وفي هذه دلالة على أنه يجب على أهل كل ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الإسلام - أو على بلد من بلاد المسلمين - وإن لم يكن هناك إمام عادل » .
وفي المجلد الأول من هذا التفسير ص 269 تكلمنا مفصلا عن مقاتلة الكفار بعنوان « الإسلام حرب على الظلم والفساد » .
الإمام زين العابدين ومقومات الحرب :
{ ولْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً } الغلظة هنا كناية عن القوة والمنعة ، وتحصين الحدود تحصينا محكما { واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهً مَعَ الْمُتَّقِينَ } الذين آمنوا به ايمانا صادقا ، وأخلصوا في قتال أعدائه وأعدائهم ، وأعدوا له ما استطاعوا من قوة ، تماما كما أمرهم اللَّه جلت حكمته .
ومن روائع ما جاء في هذا الباب دعاء للإمام زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ) ناجى به ربه ، ودعا لأصحاب الثغور وحماة البلاد الاسلامية ، وقد ضمنه الخطوط العريضة للانتصار في الحرب على العدو ، قال فيما قال :
« اللهم صل على محمد وآل محمد ، وكثّر عدتهم ، واشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألَّف جمعهم ، ودبر أمرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم بالمكر ، وعرّفهم ما يجهلون ، وعلَّمهم ما لا يعلمون ، وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور ، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون ، واجعل الجنة نصب أعينهم » .
هذه الخطوط التي ذكرها هي المقومات الأساسية للنصر التي انتهى إليها العلم الحديث - فيما نظن - : كثرة السلاح ، فمهما تحطم منه يبقى ما فيه الكفاية ، وشحذه ومضاؤه ، ويدخل فيه جميع الأسلحة الحديثة ، حتى الذرة والصواريخ الموجهة ، والمؤنة الوافرة لكل جندي ، والعلم بفنون الحرب واستعمال السلاح وبكل ما يتصل بالحرب من التدبير والاقدام أو الاحجام ومعرفة طرق المكر والكيد بالعدو وتضليله عما يبيت له ، وتوحيد الصفوف وجمع القلوب على الإخلاص في القتال والصبر على آلامه حتى الموت ، ونسيان الدنيا وحطامها عند اللقاء والطعن والضرب ، والايمان بأن شهادة الإنسان في سبيل دينه ووطنه هو الربح والفوز الأكبر . . أما بيت القصيد في هذه المناجاة فقول الإمام : « وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون واجعل الجنة نصب أعينهم » .
وهل أتي العرب والمسلمون قديما وحديثا ، وصاروا أكلة لكل آكل الا عن طريق المال الفتون ؟ . وكفى بنكسة 5 حزيران سنة 1967 شاهدا ودليلا . . لقد مضى على هذه الكلمات ثلاثة عشر قرنا ، ومع هذا لو أن قائدا عظيما من قادة الحرب في هذا العصر وضع كتابا في أسباب النصر لما كان الا شرحا لهذه الكلمات الموجزة التي نطق بها الإمام زين العابدين وسيد الساجدين .
________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 118-121 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قوله تعالى : ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين﴾ السياق يدل على أن المراد بقوله : ﴿لينفروا كافة﴾ لينفروا وليخرجوا إلى الجهاد جميعا ، وقوله : ﴿فرقة منهم﴾ الضمير للمؤمنين الذين ليس لهم أن ينفروا كافة ، ولازمه أن يكون النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم .
فالآية تنهى مؤمني سائر البلاد غير مدينة الرسول أن ينفروا إلى الجهاد كافة بل يحضضهم أن ينفر طائفة منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتفقه في الدين وينفر إلى الجهاد غيرهم .
والأنسب بهذا المعنى أن يكون الضمير في قوله ﴿رجعوا﴾ للطائفة المتفقهين ، وفي قوله : ﴿إليهم﴾ لقومهم والمراد إذا رجع هؤلاء المتفقهون إلى قومهم ، ويمكن العكس بأن يكون المعنى : إذا رجع قومهم من الجهاد إلى هؤلاء الطائفة بعد تفقههم ورجوعهم إلى أوطانهم .
ومعنى الآية لا يجوز لمؤمني البلاد أن يخرجوا إلى الجهاد جميعا فهلا نفر وخرج إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم ولينذروا بنشر معارف الدين وذكر آثار المخالفة لأصوله وفروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلهم يحذرون ويتقون .
ومن هنا يظهر أولا : أن المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول وفروع لا خصوص الأحكام العملية وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة ، والدليل عليه قوله : ﴿لينذروا قومهم﴾ فإن ذلك أمر إنما يتم بالتفقه في جميع الدين وهو ظاهر .
وثانيا : أن النفر إلى الجهاد موضوع عن طلبة العلم الديني بدلالة من الآية .
وثالثا : أن سائر المعاني المحتملة التي ذكروها في الآية بعيدة عن السياق كقول بعضهم : إن المراد بقوله : ﴿لينفروا كافة﴾ نفرهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتفقه ، وقول بعضهم في ﴿فلو لا نفر﴾ أي إلى الجهاد ، والمراد بقوله : ﴿ليتفقهوا﴾ أي الباقون المتخلفون فينذروا قومهم النافرين إلى الجهاد إذا رجعوا إلى أولئك المتخلفين .
فهذه ونظائرها معان بعيدة لا جدوى في التعرض لها والإطناب في البحث عنها .
قوله تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين﴾ أمر بالجهاد العام الذي فيه توسع الإسلام حتى يشيع في الدنيا فإن قتال كل طائفة من المؤمنين من يليهم من الكفار لا ينتهي إلا باتساع الإسلام اتساعا باستقرار سلطنته على الدنيا وإحاطته بالناس جميعا .
والمراد بقوله : ﴿وليجدوا فيكم غلظة﴾ أي الشدة في ذات الله وليس يعني بها الخشونة والفظاظة وسوء الخلق والقساوة والجفاء فجميع الأصول الدينية تذم ذلك وتستقبحه ، ولحن آيات الجهاد ينهى عن كل تعد واعتداء وجفاء كما مر في سورة البقرة .
وفي قوله : ﴿واعلموا أن الله مع المتقين﴾ وعد إلهي بالنصر بشرط التقوى ، ويئول معناه إلى إرشادهم إلى أن يكونوا دائما مراقبين لأنفسهم ذاكرين مقام ربهم منهم ، وهو أنه معهم ومولاهم فهم الأعلون إن كانوا يتقون .
_______________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 337-338 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قال تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122] .
محاربة الجهل وجهاد العدو :
إنّ لهذه الآية ارتباطا بالآيات السابقة حول موضوع الجهاد ، وتشير إلى حقيقة حياتية بالنسبة للمسلمين ، وهي: أنّ الجهاد وإن كان عظيم الأهمية ، والتخلف عنه ذنب وعار ، إلّا أنّه في غير الحالات الضرورية لا لزوم لتوجه المؤمنون كافة إلى ساحات الجهاد ، خاصّة في الموارد التي يبقى فيها النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في المدينة ، بل يبقى منهم جماعة لتعلم أحكام الدين ويتوجه الباقون إلى الجهاد : {وما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} .
فإذا رجع أصحابهم من الجهاد يقومون بتعليمهم هذه الأحكام والمعارف الإسلامية ، ويحذرونهم من مخالفتها : {ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} والهدف من ذلك أن يحذر هؤلاء عن مخالفة أوامر اللّه سبحانه بإنذارهم {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .
- { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ولْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة : 123] .
قتال الأقرب فالأقرب :
أشارت الآية في سياق احكام الجهاد التي ذكرت لحد الآن في هذه السورة- إلى أمرين آخرين في هذا الموضوع الإسلامي المهم ، فوجهت الخطاب أوّلا إلى المؤمنين وقالت : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} .
صحيح أنّه تجب محاربة الكفار جميعا ، ولا فرق بينهم في ذلك ، إلّا أنّه من الوجهة التكتيكية وطريقة القتال يجب البدء بالعدو الأقرب ، لأنّ خطر العدوّ القريب أكبر ، كما أنّ الدعوة للإسلام وهداية الناس إلى دين الحق يجب أن تبدأ من الأقرب ، والنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قد بدأ بأمر اللّه سبحانه بدعوة أقاربه وعشيرته ، ثمّ دعا أهل مكّة . ثمّ جزيرة العرب وقام بإرسال الرسل إليها ، وبعدها كتب الرسائل إلى ملوك العالم ، ولا شك أن هذا الأسلوب هو الأقرب للنجاح والوصول إلى الهدف .
ومن الطبيعي أن لكل قانون استثناء ، فقد يكون العدو الأبعد- في بعض الأحيان- أشد خطرا من العدو القريب ، وعندها تجب المبادرة إلى دفعه أوّلا ، لكن ، كما قلنا ، فإن هذا استثناء لا قانون ثابت ودائم .
وأمّا ما قلناه من أنّ المبادرة إلى مجابهة العدو الأقرب هي الأهم والأوجب .
فإنّ أسبابه واضحة ، وذلك :
أوّلا : إنّ خطر العدو القريب أكبر وأشد من العدو البعيد .
ثانيا : إنّ اطلاعنا وعلمنا بالعدو القريب أكثر ، وهذا من العوامل المساعدة والمقربة للنصر .
ثالثا : إنّ التوجه لمحاربة العدو البعيد لا يخلو من خطورة اضافية ، فالعدو القريب قد يستغل الفرصة ويحمل على الجيش من الخلف ، أو يستغل خلو المقر الأصلي للإسلام فيهجم عليه .
رابعا : إنّ الوسائل اللازمة ونفقات محاربة العدوّ القريب أقل وأبسط ، والتسلط على ساحة الحرب في ظل ذلك أسهل .
لهذه الأسباب وأسباب أخرى ، فإنّ دفع العدو الأقرب هو الأوجب والأهم .
والجدير بالذكر أنّ هذه الآية لما نزلت كان الإسلام قد استولى على كل جزيرة العرب تقريبا ، وعلى هذا فإن أقرب عدو في ذلك اليوم ربّما كان أمبراطورية الروم الشرقية التي توجه المسلمون إلى تبوك لمحاربتها .
وكذلك يجب أن لا ننسى أنّ هذه الآية بالرغم من أنّها تتحدث عن العمل المسلح والبعد المكاني ، إلّا أنّه ليس من المستبعد أن روح الآية حاكمة في الأعمال المنطقية والفواصل المعنوية ، أي إنّ المسلمين عند ما يعزمون على المجابهة المنطقية والإعلامية والتبليغية يجب أن يبدؤوا بمن يكون أقرب إلى المجتمع الإسلامي وأشدّ خطرا عليه ، فمثلا في عصرنا الحاضر نرى أن خطر الإلحاد والمادية يهدد كل المجتمعات ، فيجب تقديم التصدّي لها على مواجهة المذاهب الباطلة الأخرى ، وهذا لا يعني نسيان هؤلاء ، بل يجب إعطاء الأهمية القصوى للهجوم نحو الفئة الأخطر ، وهكذا في مواجهة الاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي التي تحوز الدرجة الأولى من الأهمية .
والأمر الثّاني فيما يتعلق بالجهاد في الآية ، هو أسلوب الحزم والشدّة ، فهي تقول: إن العدو يجب أن يلمس في المسلمين نوعا من الخشونة والشدّة : {ولْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} وهي تشير إلى أنّ الشجاعة والشهامة الداخلية والاستعداد النفسي لمقابلة العدو ومحاربته ليست كافية بمفردها ، بل يجب اظهار هذا الحزم والصلابة للعدو ليعلم أنّكم على درجة عالية من المعنويات ، وهذا بنفسه سيؤدي إلى هزيمتهم وانهيار معنوياتهم .
وبعبارة أخرى فإنّ امتلاك القدرة ليس كافيا ، بل يجب استعراض هذه القوّة أمام العدو . ولهذا نقرأ في تأريخ الإسلام أنّ المسلمين عند ما أتوا إلى مكّة لزيارة بيت اللّه ، أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن يسرعوا في طوافهم ، بل أن يعدوا ويركضوا ليرى العدو- الذي كان يراقبهم عن كتب- قوتهم وسرعتهم ولياقتهم البدنية .
وكذلك نقرأ في قصّة فتح مكّة أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أمر المسلمين في الليل أن يشعلوا نيرانا في الصحراء ليعرف أهل مكّة عظمة جيش الإسلام ، وقد أثر هذا العمل في معنوياتهم . وكذلك أمر أن يجعل أبو سفيان كبير مكّة في زاوية ويستعرض جيش الإسلام العظيم قواته أمامه .
وفي النهاية تبشر الآية المسلمين بالنصر من خلال هذه العبارة : {واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ويمكن أن يشير هذا التعبير- إضافة لما قيل- إلى أن استعمال الشدّة والخشونة يجب أن يقترن بالتقوى ، ولا يتعدى الحدود الإنسانية في أي حال .
______________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 403-409 .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكريّة يطلق دورة في البرمجيات لتعزيز الكفاءات التقنية للناشئة
|
|
|