أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2019
2996
التاريخ: 7-8-2019
9335
التاريخ: 10-8-2019
2987
التاريخ: 9-8-2019
4969
|
قال تعالى : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 107 - 110] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
ذكر سبحانه جماعة أخرى من المنافقين بنوا مسجدا ، للتفريق بين المسلمين ، وطلب الغوائل للمؤمنين ، فقال : {والذين اتخذوا مسجدا} والمسجد :
موضع السجود في الأصل ، وصار بالعرف اسما لبقعة مخصوصة بنيت للصلاة ، فالاسم عرفي فيه معنى اللغة {ضرارا} أي مضارة ، يعني الضرر بأهل مسجد قباء ، أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ليقل الجمع فيه {وكفرا} أي : ولإقامة الكفر فيه .
وقيل : أراد أنه كان اتخاذهم ذلك كفرا بالله . وقيل : ليكفروا فيه بالطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والإسلام .
{وتفريقا بين المؤمنين} أي : لاختلاف الكلمة ، وإبطال الإلفة ، وتفريق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . {وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل} أي : أرصدوا ذلك المسجد ، واتخذوه ، وأعدوا لأبي عامر الراهب ، وهو الذي حارب الله ورسوله من قبل ، وكان من قصته أنه كان قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة ، حسده ، وحزب عليه الأحزاب ، ثم هرب بعد فتح مكة إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف ، لحق بالشام ، وخرج إلى الروم ، وتنصر وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة الذي قتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يوم أحد ، وكان جنبا فغسلته الملائكة ، وسمى رسول الله صلى الله عليه وآله مسلم ، أبا عامر الفاسق . وكان قد أرسل إلى المنافقين أن استعدوا ، وابنوا مسجدا ، فإني أذهب إلى قيصر ، وآتي من عنده بجنود ، وأخرج محمدا من المدينة ، فكان هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبو عامر ، فمات قبل أن يبلغ ملك الروم .
{وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى} معناه : أن هؤلاء يحلفون كاذبين : ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الفعلة الحسنى ، من التوسعة على أهل الضعف ، والعلة من المسلمين ، فأطلع الله نبيه على فساد طويتهم (2) ، وخبث سريرتهم ، فقال : {والله يشهد أنهم لكاذبون} وكفى لمن يشهد الله سبحانه بكذبه خزيا ، فوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عند قدومه من تبوك ، عاصم بن عوف العجلاني ، ومالك بن الدخشم ، وكان مالك من بني عمرو بن عوف ، فقال لهما : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه ، وحرقاه . وروي أنه بعث عمار بن ياسر ووحشيا ، فحرقاه ، وأمر بأن يتخذ كناسة يلقى فيها الجيف .
ثم نهى الله سبحانه أن يقوم في هذا المسجد ، فقال : {لا تقم فيه أبدا} أي لا تصل فيه أبدا ، يقال فلان يقوم بالليل أي : يصلي ، ثم أقسم فقال {لمسجد} أي : والله لمسجد {أسس على التقوى} أي : بني أصله على تقوى الله ، وطاعته {من أول يوم} أي : منذ أول يوم وضع أساسه ، عن المبرد {أحق أن تقوم فيه} أي : أولى بأن تصلي فيه .
واختلف في هذا المسجد ، فقيل : هو مسجد قباء ، عن ابن عباس ، والحسن ، وعروة بن الزبير . وقيل : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وأبي سعيد الخدري . وروى هو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : هو مسجدي هذا . وقيل : هو كل مسجد بني للإسلام ، وأريد به وجه الله ، عن أبي مسلم .
ثم وصف المسجد وأهله فقال : {فيه} أي : في هذا المسجد الذي أسس على التقوى {رجال يحبون أن يتطهروا} أي : يحبون أن يصلوا لله تعالى ، متطهرين بأبلغ الطهارة . وقيل : يحبون أن يتطهروا من الذنوب ، عن الحسن . وقيل : يحبون أن يتطهروا بالماء عن الغائط والبول ، وهو المروي عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال لأهل قباء : ماذا تفعلون في طهركم ، فإن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء؟ قالوا : نغسل أثر الغائط ، فقال : أنزل الله فيكم {والله يحب المطهرين} أي : المتطهرين .
ثم قرر سبحانه الفرق بين المسجدين فقال : {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} قد مضى بيانه ، والمراد أن الله تعالى شبه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته ، فكما أن من بنى على جانب هذا النهر ، فإنه ينهار بناؤه في الماء ، ولا يثبت ، فكذلك بناء هؤلاء ، ينهار ويسقط في نار جهنم ، يعني : أنه لا يستوي عمل المتقي ، وعمل المنافق ، فإن عمل المؤمن المتقي ثابت مستقيم ، مبني على أصل صحيح ثابت ، وعمل المنافق ليس بثابت ، وهو واه ساقط ، والألف في قوله {أفمن} ألف استفهام يراد به الانكار ههنا ، وليس معنى {خير} في الآية ، أفضل ، بل هو كما يقال : هذا خير ، وهذا شر ، وقال الشاعر :
والخير ، والشر : مقرونان في قرن * فالخير متبع ، والشر محذور
وأما قوله : {وافعلوا الخير} فإن معناه : وافعلوا الأفضل وقوله {فأنهار به في نار جهنم} أي : يوقعه ذلك البناء في نار جهنم {والله لا يهدي القوم الظالمين} مر بيانه . وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال : رأيت المسجد الذي بنى ضرارا ، يخرج منه الدخان {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} أي : لا يزال بناء المبني الذي بنوه ، شكا في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم ، وثباتا على النفاق .
وقيل : إن معناه حزازة في قلوبهم . وقيل : حسرة في قلوبهم يترددون فيها {إلا أن تقطع قلوبهم} معناه : إلا أن يموتوا . والمراد بالآية أنهم لا ينزعون عن الخطيئة ، ولا يتوبون حتى يموتوا على نفاقهم وكفرهم ، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان ، وأخذوا به من الكفر . وقيل : معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم {والله عليم} أي : عالم بنيتهم في بناء مسجد الضرار {حكيم} في أمره بنقضه ، والمنع من الصلاة فيه .
__________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 125-128 .
2 . الطوية : النية والضمير .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :
عرضت الآيات السابقة ألوانا شتى لنفاق المنافقين ، وتعرض هذه الآية لونا آخر من نفاقهم وحيلهم ، فقد رأى جماعة من منافقي المدينة ان أفضل وسيلة يكيدون فيها للإسلام ونبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) ان يبنوا مسجدا تحت ستار التجمع لعبادة اللَّه والمناداة فيه بأن محمدا رسول اللَّه ، وتحت هذا الشعار يعملون للكفر باللَّه ورسوله ، والإضرار بالإسلام والمسلمين وتفريق كلمتهم . . وبالفعل بنوا هذا المسجد ، وأحكموا بنيانه ، وأنفقوا عليه المبالغ ، وبعد إتمامه ذهبوا إلى رسول اللَّه ، وقالوا : ان بيوتنا قاصية عن مسجدك ، ويصعب علينا الحضور فيه ، ونكره الصلاة في غير جماعة ، وقد بنينا مسجدا لهذه الغاية ، وللضعفاء وأهل العلة ، فإن رأيت أن تصلي فيه لنتيمّن ونتبرك بالصلاة في موضع صلاتك . . هذا هو شأن المنافقين والخائنين في كل عصر ، يحملون شعارات البناء ، ويعملون وراءها للهدم والتخريب . . ولكن سرعان ما تتكشف عوراتهم ، ويفتضحون لدى جميع الناس ، كما افتضح أصحاب مسجد الضرار ، حيث أنزل اللَّه فيهم على نبيه يخبره بحقيقتهم في قوله :
{ والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وكُفْراً وتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهً ورَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ } . تقول الآية الكريمة : ان الذين بنوا مسجد الضرار يهدفون من ورائه إلى أربعة أغراض : الأول الإضرار بالمسلمين . الثاني الكفر باللَّه ، والطعن في نبيه . الثالث تفريق كلمة المسلمين وانشقاقهم على رسول اللَّه .
الرابع جعل المسجد معقلا لمن حارب اللَّه ورسوله من قبل .
واتفق المفسرون وكتّاب السيرة النبوية على أن المقصود بهذا العدو الذي حارب اللَّه ورسوله من قبل هو رجل من الخزرج يقال له : أبو عامر الراهب ، وكان قد تنصر ، وكانت له رئاسة ومكانة بين قومه ، ولما قدم النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة بارزه هذا اللعين بالعداوة ، وكان رسول اللَّه يسميه الفاسق ، وحين رأى أمر النبي في ارتفاع فر إلى مكة يحرّض قريشا على النبي ، وبعد فتحها فر إلى الطائف ، ولما أسلم أهلها فر إلى الشام ، ومن هناك كتب إلى المنافقين من أنصاره أن يستعدوا ويبنوا له مسجدا ، لأنه سيأتيهم بجنود قيصر لحرب محمد ( صلى الله عليه وآله ) (2) .
ولما نزلت هذه الآية قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبعض أصحابه : « انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه » ففعلوا ذلك ، وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ان يتخذ مكانا لإلقاء الجيف والقمامة . . وجاء في بعض الروايات تشبيه مسجد الضرار بالعجل الذي عبده بنو إسرائيل ، وموسى حي ، وكما أمر سبحانه نبيه موسى بتحطيم العجل فقد أمر رسوله الأعظم محمدا بهدم مسجد الضرار . . وكل مسجد أو معهد أو ناد يتخذ للدس والمؤامرات على المؤمنين والمخلصين فهو عجل بني إسرائيل ومسجد الضرار ، يجب هدمه واتخاذه محلا للقذارات .
ومنذ ظهر النفط في البلاد العربية ، وقامت من أجله الشركات الأجنبية ظهر معها المئات من مساجد الضرار في صور وأشكال شتى ، منها ما يحمل اسم المعبد أو معهد الدراسات ، ومنها اسم المكتبة العامة ، أو الجمعية الدينية ، ومنها اسم النادي الثقافي أو الرياضي ، ومنها ما ظهر في شكل كتاب أو صحيفة أو محاضرة تذاع وتنشر باسم الدين والوطن ، ولا هدف من ورائها إلا محق الدين والوطن . .
وما إلى ذلك من المشاريع التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب . . وتكلمنا عن الشعارات الدينية في ج 2 ص 166 من هذا التفسير .
{ ولَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ } . الضمير في ليحلفن يعود إلى الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ، والمعنى ان هؤلاء المنافقين حلفوا لرسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ان غايتهم من بناء المسجد هي العبادة للَّه ، ومنفعة المسلمين ، واللَّه يعلم أنهم ما بنوه الا إضرارا بالمصلين ، وكفرا باللَّه ، وتفريقا بين المؤمنين ، ومعقلا لمن حارب اللَّه ورسوله { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } الخطاب للنبي ، والنهي عام ، للجميع ، تماما مثل قوله تعالى : « أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ » . وقال المفسرون :
المراد بالقيام في قوله : { لا تَقُمْ فِيهِ } الصلاة ، والظاهر أن القيام هنا أعم يشمل الصلاة وغيرها . . وعلى أية حال ، فإن قوله تعالى : { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } دليل قاطع على عدم صحة الصلاة في كل مسجد بني إضرارا بالمسلمين ، وتفريقا لكلمتهم ، وان من صلى فيه فصلاته باطلة ، وعليه أن يعيدها في مكان آخر ، لأن النهي في العبادة يدل على الفساد .
{ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } . قيل : ان المراد به مسجد رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) لأنه هو الذي بني من أول يوم بالمدينة . وقيل : بل مسجد قبا الذي بناه بنو عمرو بن عوف . . وقبا موضع في جنوب المدينة ، ويبعد عنها حوالي ميلين ، والظاهر أن المراد به كل مسجد بني على التقوى ، لأن ( مسجدا ) نكرة منوّنة ، وهي لا تختص بواحد معين ، وقوله : { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } معناه انه بني للإسلام منذ اللحظة الأولى لوجوده وبنائه ، وأحق هنا بمعنى حقيق وجدير ، وليست للتفضيل ، لأن مسجد الضرار لا تصح الصلاة فيه بحال .
{ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } أي ان هذا المسجد الذي أسس على التقوى يؤمه المخلصون للصلاة وعبادة اللَّه ، لا للنفاق والتآمر على الإسلام ونبيه كالذين يؤمون مسجد الضرار . . وعبّر سبحانه عن الصلاة هنا بالطهارة لأنها تطهر من الذنوب ، فقد جاء في الحديث : « ان الصلاة كالنهر الجاري ، من اغتسل فيه كل يوم خمس مرات لم يبق في بدنه شيء من الدرن كذلك من صلى كل يوم خمس مرات لم يبق عليه شيء من الذنوب » . هذا ما فهمناه من الآية ، مع الاعتراف بأن أحدا من المفسرين لم يفسر الطهارة بالصلاة - كما نعلم - وان أكثرهم أو الكثير منهم فسرها بطهارة الغائط بالماء .
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } . بيّنا معاني المفردات في فقرة اللغة ، والمقصود من الآية بيان الفرق بين مسجد التقوى ، ومسجد الضرار ، فإن بنيان هذا لا ثبات له ، وسرعان ما ينهار بأهله في نار جهنم ، تماما كالذي بني على حافة النهر أو في معرض السيل ، أما بنيان مسجد التقوى فثابت الأساس لا يزعزعه شيء ، وأهله في أمن وأمان ، فالآية نظير قوله تعالى : { لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ } [الحشر - 20] . . وطريف قول بعض المفسرين بأن نار جهنم إشارة إلى ما حدث في الدنيا ، حيث خرجت نار جهنم من مسجد الضرار ، وبقي دخانها إلى زمان أبي جعفر المنصور .
{ لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . المراد بالريبة هنا ان المنافقين لم يؤمنوا بنبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) . وتقطع قلوبهم كناية عن موتهم ، والمعنى انهم بنوا المسجد مرتابين غير مؤمنين بمحمد ، وسيبقون على هذا الريب حتى الموت .
______________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 101-104 .
2. كان لأبي عامر هذا الفاسق ابن ، اسمه حنظلة ، من أجل الصحابة وأخلصهم للَّه ورسوله ، وقتل معه يوم أحد ، وكان جنبا ، فغسلته الملائكة ، فسمي غسيل الملائكة .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
تذكر الآيات طائفة أخرى من المنافقين بنوا مسجد الضرار وتقيس حالهم إلى حال جماعة من المؤمنين بنوا مسجدا لتقوى الله .
قوله تعالى : ﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا﴾ إلى آخر الآية ، الضرار والمضارة إيصال الضرر ، والإرصاد اتخاذ الرصد والانتظار والترقب .
وقوله : ﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا﴾ إن كانت الآيات نازلة مع ما تقدمها من الآيات النازلة في المنافقين فالعطف على من تقدم ذكرهم من طوائف المنافقين المذكورين بقوله : ومنهم ، ومنهم أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا .
وإن كانت مستقلة بالنزول فالوجه كون الواو استئنافية وقوله : ﴿الذين اتخذوا﴾ مبتدأ خبره قوله : ﴿لا تقم فيه أبدا﴾ ويمكن إجراء هذا الوجه على التقدير السابق أيضا ، وقد ذكر المفسرون في إعراب الآية وجوها أخرى لا تخلو عن تكلف تركناها .
وقد بين الله غرض هذه الطائفة من المنافقين في اتخاذ هذا المسجد وهو الضرار بغيرهم والكفر والتفريق بين المؤمنين والإرصاد لمن حارب الله ورسوله ، والأغراض المذكورة خاصة ترتبط إلى قصة خاصة بعينها ، وهي على ما اتفق عليه أهل النقل أن جماعة من بني عمرو بن عوف بنوا مسجد قبا وسألوا النبي أن يصلي فيه فصلى فيه فحسدهم جماعة من بني غنم بن عوف وهم منافقون فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا ليضروا به ويفرقوا المؤمنين منه وينتظروا لأبي عامر الراهب الذي وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة ، وأمرهم أن يستعدوا للقتال معهم .
ولما بنوا المسجد أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتجهز إلى تبوك وسألوه أن يأتيه ويصلي فيه ويدعو لهم بالبركة فوعدهم إلى الفراغ من أمر تبوك والرجوع إلى المدينة فنزلت الآيات .
فكان مسجدهم لمضارة مسجد قبا ، وللكفر بالله ورسوله ، ولتفريق المؤمنين المجتمعين في قبا ، ولإرصاد أبي عامر الراهب المحارب لله ورسوله من قبل ، وقد أخبر الله سبحانه عنهم إنهم ليحلفن إن أردنا من بناء هذا المسجد إلا الفعلة الحسنى وهو التسهيل للمؤمنين بتكثير معابد يعبد فيها الله ، وشهد تعالى بكذبهم بقوله : ﴿وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون﴾ .
قوله تعالى : ﴿لا تقم فيه أبدا﴾ إلى آخر الآية ، بدأ بنهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أن يقوم فيه ثم ذكر مسجد قبا ورجح القيام فيه بعد ما مدحه بقوله : ﴿لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه﴾ فمدحه بحسن نية مؤسسيه من أول يوم وبنى عليه رجحان القيام فيه على القيام في مسجد الضرار .
والجملة وإن لم تفد تعين القيام في مسجد قبا حيث عبر بقوله : أحق ، غير أن سبق النهي عن القيام في مسجد الضرار يوجب ذلك ، وقوله تعالى : ﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾ تعليل للرجحان السابق ، وقوله : ﴿والله يحب المطهرين﴾ متمم للتعليل المذكور ، وهذا هو الدليل على أن المراد بقوله : ﴿لمسجد أسس﴾ إلخ هو مسجد قبا لا مسجد النبي أو غيره .
ومعنى الآية : لا تقم أي للصلاة في مسجد الضرار أبدا ، أقسم ، لمسجد قبا الذي هو مسجد أسس على تقوى الله من أول يوم أحق وأحرى أن تقوم فيه للصلاة وذلك أن فيه رجالا يحبون التطهر من الذنوب أو من الأرجاس والأحداث والله يحب المطهرين وعليك أن تقوم فيهم .
وقد ظهر بذلك أن قوله : ﴿لمسجد أسس﴾ إلخ ، بمنزلة التعليل لرجحان المسجد على المسجد وقوله : ﴿فيه رجال﴾ إلخ ، لإفادة رجحان أهله على أهله ، وقوله الآتي : ﴿أفمن أسس بنيانه﴾ إلخ ، لبيان الرجحان الثاني .
قوله تعالى : ﴿أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير﴾ إلى آخر الآية شفا البئر طرفه ، وجرف الوادي جانبه الذي انحفر بالماء أصله وهار الشيء يهار فهو هائر وربما يقال : هار بالقلب وانهار ينهار انهيارا أي سقط عن لين فقوله : ﴿على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم﴾ استعارة تخييلية شبه فيها حالهم بحال من بنى بنيانا على نهاية شفير واد لا ثقة بثباتها وقوامها فتساقطت بما بني عليه من البنيان وكان في أصله جهنم فوقع في ناره ، وهذا بخلاف من بنى بنيانه على تقوى من الله ورضوان منه أي جرى في حياته على اتقاء عذاب الله وابتغاء رضاه .
وظاهر السياق أن قوله : ﴿أفمن أسس بنيانه على تقوى﴾ إلخ ، وقوله : ﴿أم من أسس بنيانه على شفا جرف﴾ إلخ ، مثلان يمثل بهما بنيان حياة المؤمنين والمنافقين وهو الدين والطريق الذي يجريان عليه فيها فدين المؤمن هو تقوى الله وابتغاء رضوانه عن يقين به ، ودين المنافق مبني على التزلزل والشك .
ولذلك أعقبه الله تعالى وزاد في بيانه بقوله : ﴿لا يزال بنيانهم﴾ يعني المنافقين ﴿الذي بنوا ريبة﴾ وشكا ﴿في قلوبهم﴾ لا يتعدى إلى مرحلة اليقين ﴿إلا أن تقطع قلوبهم﴾ فتتلاشى الريبة بتلاشيها ﴿والله عليم حكيم﴾ ولذلك يضع هؤلاء ويرفع أولئك .
________________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 325-327 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
معبد وثني في صورة مسجد !
أشارت الآيات السابقة إلى وضع مجاميع مختلفة من المخالفين ، وتعرّف الآيات التي نبحثها مجموعة أخرى منهم ، المجموعة التي دخلت حلبة الصراع بخطة دقيقة وذكية ، إلّا أن اللطف الإلهي أدرك المسلمين ، وبدد أحلام المنافقين بإبطال مكرهم وإحباط خطتهم .
فالآية الأولى تقول : {والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً} «2» وأخفوا أهدافهم الشريرة تحت هذا الإسلام المقدس ، ثمّ لخصت أهدافهم في أربعة أهداف :
1- إنّ هؤلاء كانوا يقصدون من هذا العمل إلحاق الضرر بالمسلمين ، فكان مسجدهم (ضرارا) .
«الضرار» تعني الإضرار العمدي ، وهؤلاء في الواقع بعكس ما كانوا يدّعونه من أنّ هدفهم تأمين مصالح المسلمين ومساعدة المرضى والعاجزين عن العمل ، كانوا يسعون من خلال هذه المقدمات إلى المكيدة بالنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ورسالته ، وسحق المسلمين ، بل إذا استطاعوا أن يقتلعوا الدين الإسلامي وجذوره من صفحة الوجود فإنّهم سوف لا يقصرون في هذا السبيل .
2- تقوية أسس الكفر ، ومحاولة إرجاع الناس إلى الحالة التي كانوا يعيشونها قبل الإسلام : (و كفرا) .
3- إيجاد الفرقة بين المسلمين ، لأنّ اجتماع فئة من المسلمين في هذا المسجد سيقلل من عظمة التجمع في مسجد قبا الذي كان قريبا منه ، أو مسجد النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم الذي كان يبعد عنه ، {وتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
ويظهر من هذه الجملة- وكذلك فهم بعض المفسّرين- أنّ المسافة بين المساجد يجب أن لا تكون قليلة بحيث يؤثر الاجتماع في مسجد على جماعة المسجد الآخر ، وعلى هذا فإنّ الذين يبنون المساجد أحدها إلى جانب الآخر بدافع من التعصب القومي ، أو الأغراض الشخصية ويفرقون جماعات المسلمين بحيث تبقى صفوف الجماعة خالية لا روح فيها ولا جاذبية ، يرتكبون ما يخالف الأهداف الإسلامية .
4- والهدف الأخير لهؤلاء هو تأسيس مقر ومركز لإيواء المخالفين للدين وأصحاب السوابق ، السيئة ، والانطلاق من هذا المقر في سبيل تنفيذ خططهم ومؤامراتهم : {وإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} .
إلّا أنّ ممّا يثير العجب أنّ هؤلاء قد أخفوا كل هذه الأغراض الشريرة والأهداف المشؤومة في لباس جميل ومظهر خداع ، وأنّهم لا يريدون إلّا الخير:
{ولَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى} وهذا هو دين المنافقين وديدنهم في كل العصور ، فإنّهم إضافة إلى تلبسهم بلباس حسن ، فإنّهم يتوسلون عند الضرورة بأنواع الأيمان الكاذبة من أجل تضليل الرأي العام ، وانحراف الأفكار .
إلّا أنّ القرآن الكريم يبيّن أن اللّه تعالى الذي يعلم السرائر وما في مكنون الضمائر ، والذي تساوى لديه الظاهر والباطن ، والغيب والشهادة يشهد على كذب هؤلاء : {واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} .
في هذه الجملة نلاحظ عدة تأكيدات لتكذيب هؤلاء ، فهي جملة اسمية أوّلا ، ثمّ إنّ كلمة (إن) للتأكيد ، وأيضا اللام في (لكاذبون) ، والتي تسمى لام الابتداء تفيد التأكيد ، وكذلك فإنّ مجيء كلمة (كاذبون) مكان الفعل الماضي دليل على استمرارية كذب هؤلاء ، وبهذه التأكيدات فإنّ اللّه سبحانه وتعالى قد كذّب أيمان هؤلاء المغلظة والمؤكدة أشد تكذيب .
يؤكّد اللّه سبحانه وتعالى في الآية التالية تأكيدا شديدا على مسألة حياتية مهمّة ، ويأمر نبيّه بصراحة أن {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً بل لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} لا المسجد الذي أسس من أوّل يوم على الكفر والنفاق وتقويض أركان الدين .
إنّ كلمة (أحق) وإن كانت أفعل التفضيل ، إلّا أنّها لم تأت هنا بمعنى المقارنة بين شيئين في التناسي والملاءمة ، بل هي تقارن بين التناسب وعدمه ، والملاءمة وعدمها ، ومثل هذا التعبير يستعمل كثيرا في آيات القرآن الكريم والأحاديث ، بل وفي محادثاتنا اليومية ، وله نماذج عديدة .
فمثلا نقول للشخص المجرم والسارق: إنّ الاستقامة والعمل الصالح الصحيح خير لك ، فإنّ هذا الكلام لا يعني أنّ السرقة والتلوث بالجريمة شيء حسن ، وأن الاستقامة والطهارة أحسن ، بل معناه أن الاستقامة وحسن السيرة شيء حسن ، وأنّ السرقة عمل سيء وغير مناسب .
وقال المفسّرون : إنّ المسجد الذي أشارت الآية إلى أنّه يستحق أن يصلي فيه النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم هو «مسجد قبا» حيث بنى المنافقون مسجد ضرار على مقربة منه .
واحتمل أيضا أن يكون المقصود منه مسجد النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، أو كل المساجد التي بنيت على أساس التقوى ، إلّا أنّنا لا حظنا تعبير {أَوَّلِ يَوْمٍ} وأن مسجد قبا هو أوّل مسجد بني في المدينة «3» ، علمنا أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب والأرجح ، ولو أنّ هذه الكلمة تناسب أيضا مساجد أخرى كمسجد النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم .
ثمّ يضيف القرآن الكريم أنّه بالإضافة إلى أنّ هذا المسجد قد أسس على أساس التقوى ، فإنّ {فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} .
ولكن هل المراد من الطهارة في هذه الآية هي الطهارة الظاهرية والجسمية ، أم المعنوية ؟
هناك بحث بين المفسّرين في الرّواية التي نقلت في تفسير (التبيان) و(مجمع البيان) في ذيل هذه الآية عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال لأهل قبا : «ماذا تفعلون في طهركم ، فإنّ اللّه تعالى قد أحسن عليكم الثناء ؟» قالوا : نغسل أثر الغائط .
وقد نقلت روايات أخرى بهذا المضمون عن الإمام الباقر والصادق عليهما السّلام ، لكن- كما قلنا سابقا وأشرنا مرارا- مثل هذه الرّوايات لا تدل على انحصار مفهوم الآية في هذا المصداق ، بل- وكما يشير ظاهر إطلاق الآية- أنّ للطهارة هنا معنى واسعا يشمل كل أنواع التطهير ، سواء التطهير الروحي من آثار الشرك والذنوب ، أو التطهير الجسمي من الأوساخ والنجاسات .
وفي الآية الثّالثة من الآيات مقارنة بين فريقين وفئتين : المؤمنين الذين بنوا مساجد كمسجد قبا على أساس التقوى ، والمنافقين الذين بنوه على أساس الكفر والنفاق والتفرقة والفساد . فهي تقول أوّلا : {أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ} .
«بنيان» مصدر بمعنى اسم مفعول ، ويعني المبنى ، و(شفا) بمعنى حافة الشيء وطرفه ، و(جرف) بمعنى حافة النهر أو حافة البئر التي جرف الماء ما تحتها . و(هار) بمعنى الشخص أو البناء المتصدع المشرف على السقوط ، أو هو في حال السقوط .
إن التشبيه الوارد أعلاه يعطي صورة في منتهى الوضوح عن عدم ثبات أعمال المنافقين وتزلزلها ، وفي المقابل استحكام ودوام أعمال المؤمنين ونشاطاتهم وبرامجهم ، فهو يشبه المؤمنين بمن أراد أن يبني بناء ، فإنّه ينتخب الأرض الجيدة القوية التي تتحمل البناء ، ومختار من مواد البناء الأولية ما كان جيدا .
أمّا المنافقون فإنّه يشبّههم بمن يبني بيته على حافة النهر- ومثل هذه الأرض جوفاء- لأن جريان الماء قد نخرها ، وبالتالي فهي عرضة للسقوط في أي لحظة ، وكذلك النفاق ، فإنّ ظاهره حسن لكنّه عديم المحتوى كالبناية الجميلة ذات الأساس النخر .
إنّ هذه البناية يمكن أن تنهار في آية لحظة ، ومذهب أهل النفاق أيضا يمكن أن يظهر واقع أتباعه وباطنهم ، وبالتالي فضيحتهم وخزيهم .
إنّ التقوى والسعي في مرضاة اللّه تبارك وتعالى يعني التعامل مع الواقع ، والسير وفقا لقوانين الخلقة وهي بدون شك عامل البقاء والثبات .
أمّا النفاق فإنّه يعني الانفصال عن الواقع والابتعاد عن قوانين الوجود ، وهذا بلا شك هو عامل الزوال والفناء .
ومن هنا ، فإنّ المنافقين يظلمون أنفسهم ويظلمون المجتمع أيضا ولذلك فإنّ الآية اختتمت بقوله : {واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} . وكما قلنا مرارا ، فإنّ الهداية الإلهية تعني تهيئة المقدمات للوصول إلى الغاية ، وهي تشمل- فقط- أولئك الذين لديهم الاستعداد لتقبل هذه الهداية ويستحقونها ، أمّا الظالمون الفاقدون لمثل هذا الاستعداد فسوف لا يشملهم هذا اللطف مطلقا ، لأنّ اللّه حكيم ، ومشيئته وإرادته وفق حساب دقيق .
وفي آخر آية إشارة إصرار المنافقين وعنادهم ، فهي تعبّر عن تعصبهم وإصرارهم في أعمالهم ، وعنادهم في نفاقهم ، وحيرتهم في ظلمة كفرهم ، فهم في شك من بنيانهم الذي بنوه ، أو في النتيجة المرجوة منه ، وسيبقون في هذه الحال حتى موتهم : {لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} .
إنّ هؤلاء يعيشون حالة دائمة من الحيرة والاضطراب ، وإن مقر النفاق الذي أقاموه ، والمسجد الضرار الذي بنوه ، سيبقى عامل تردد ولجاجة في أرواح هؤلاء ، فبالرغم من أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قد أحرق هذا البناء وهدمه ، إلّا أن أثره وأهدافه قد لا تزول من القلوب .
وتقول الآية أخيرا : {واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فإنّه تعالى إنّما أمر نبيّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بهدم هذا البناء الذي يحمل صفة الحق ظاهرا ، حتى تتبيّن نيّات السوء التي انطوى عليها هؤلاء ، وتنكشف حقائقهم وبواطنهم وهذا الحكم الإلهي هو عين الحكمة ، وحسب صلاح المجتمع الإسلامي ، وقد صدر على هذا الأساس ، لا أنّه حكم عجول صدر نتيجة انفعال أو في لحظة غضب .
________________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 363-367 .
2. بالرغم من أنّ المفسّرين قد أبدوا وجهات نظر مختلفة من الناحية الأدبية حول تركيب هذه الجملة ، إلّا أنّ الظاهر هو أن هذه الجملة معطوفة على الجمل السابقة التي وردت في شأن المنافقين ، وتقديرها هكذا: «و منهم الذين اتخذوا مسجدا . . .» .
3. الكامل لابن الأثير ، ج 2 ، ص 107 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|