علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
المدرج
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 244 ــ 249
2025-10-04
68
16 - المدرج:
المدرج هو الحديث الذي اطّلع في متنه أو إسناده على زيادة ليست منه (1). ومورد تسميته واضح، فهو من أدرجت الشيء في الشيء، إذا أدخلته فيه وضمّنته إيّاه (2).
ورواة الصحاح والحسان والمسانيد ينبّهون غالبًا على كلّ زيادة في أحاديثهم مهما تكن هيّنة يسيرة، بالنصّ على أصحابها، سواء أوقعت تلك الزيادة في المتن أو الإسناد، ذلك بأنّهم يخافون إن لم ينصّوا على العبارة المدرجة وعلى مدرجيها أن يأتي من ينقلها عن لسانهم غير ملاحظ إدراجها، فيساعدون بذلك - من غير قصد - على الكذب على رسول الله أو على من أدّى أحاديث هذا الرسول الكريم. ولا ريب أن تعمّد الإدراج ضرب من الكذب والتدليس لا يقدم عليه إلّا ضعيف الإيمان مزعزع العقيدة. قال السمعاني: «من تعمّد الإدراج فهو ساقط العدالة، وممّن يحرّف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذّابين» (3).
والإدراج في المتن أكثر ما يكون في آخر الحديث، يتطوع بإدخاله بعض الرواة بعبارة منهم يقصدون بها الايضاح والتفسير. وقد يوجد هذا الإدراج في أوّل الحديث أو وسطه، ووقوعه أوّله أكثر من وسطه (4).
فمن الإدراج في الوسط ما رواه النسائي من حديث فضالة مرفوعا «أنا زعيم، - والزعيم الحميل - لمن آمن بي، وأسلم ... وجاهد في سبيل الله، ببيت في ربض الجنة»(5). فعبارة «والزعيم الحميل» لم تكن في أصل الحديث من كلام رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، وإنّما هي مدرجة أدخلها ابن وهب - أحد رواة الحديث - تفسيرًا للفظ «زعيم» الذي ظنّه غير واضح في السياق.
ومن الإدراج في أوّل الحديث ما رواه الخطيب من طريق أبي قطن وشبابة عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -: «أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النّار» فعبارة «أسبغوا الوضوء» في أوّل الحديث ليست من كلام الرسول - صلى الله عليه [وآله] وسلم - الذي لم يزد على أن قال: «ويل للأعقاب من النار» ولكن أبا هريرة أدرج العبارة السابقة، فوهم أبو قطن وشبابة في روايتهما لها عن شعبة، وظنّاها من قول الرسول - صلى الله عليه [وآله] وسلم - لا من قول أبي هريرة (6).
ومن الإدراج في آخر الحديث ما في "الصحيح" عن أبي هريرة مرفوعًا: للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده، لولا الجهاد والحجّ وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك(7) فرسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - اكتفى بقوله: «للعبد المملوك أجران» غير أنّ أبا هريرة تكفّل بإيضاح هذين الأجرين بقسمه بتمنّي الرق، ومثل هذه الأمنية يستحيل أن تساور قلب النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - الذي جاء بتعاليمه يدعو إلى تحرير الرقيق، فضلاً عن أنّ أمّه - عليه السلام - توفّيت وهو صغير، فلا يمكن قطعًا أن تكون العبارة من قوله - صلوات الله عليه - (8).
أمّا مدرج الإسناد فمرجعه في الحقيقة إلى المتن (9) وأهمّ صوره اثنتان (10)، الأولى: أن يجمع راوٍ على إسناد واحد حديثا ذا أسانيد مختلفة، من غير أن يومئ إلى اختلاف تلك الأسانيد في الأصل (11).
مثاله: ما رواه الترمذي من طريق ابن مهدي عن الثوري عن واصل الأحدب ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: «قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟» الحديث، فإن واصلاً لا يذكر في روايته «عمرو بن شرحبيل» إّنما يروي عن أبي وائل عن ابن مسعود مباشرة، فذكر [عمرو] بن شرحبيل إدراج على رواية منصور والأعمش، يتّضح ذلك من رواية يحيى القطّان عن الثوري هذا الحديث بإسنادين إلى واصل ليس فيهما الإدراج المذكور، أحدهما عن منصور والثاني عن الأعمش، ورواية القطّان أخرجها "البخاري" (12). فالإسناد قد تعدّد، ولم يشر الراوي إلى تعدّده، فأوهم بذلك أنّ واصلاً روى عن عمرو بن شرحبيل، المذكور صراحة في كلّ من الإسنادين الآخرين عن منصور والأعمش (13).
والصورة الثانية أن يكون الحديث عند أحد الرواة بإسناد، ولديه حديث آخر بغير ذلك الإسناد، فيأتي راوٍ ويروي عنه أحد الحديثين بإسناده، ويدرج فيه الحديث الآخر من غير بيان. مثاله: حديث سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعًا: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا» الحديث. فابن أبي مريم أدرج في هذا الحديث عبارة ليست منه، وإنّما هي من حديث آخر له إسناد آخر عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا، وهذه العبارة هي «ولا تنافسوا» المعروفة في السند الآخر، كما في "الصحيحين" و"الموطأ" (14).
ودواعي الإدراج كثيرة، منها تفسير بعض الألفاظ الغريبة في الحديث النبوي، ومنها تبيان حكم شرعي يمهّد له الراوي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون ذلك من الإدراج في أوّل المتن، ومنها استنباط حكم من حديث النبي، وذلك يكون من الإدراج في وسط المتن أو في آخره (15). وهذه جميعا من الدواعي التي لا يعجزنا تسويغها للراوي ولو وقعت منه على عمد. ولذلك كان الزهري وغيره من الأئمّة لا يرون بأسًا بالإدراج لتفسير الغريب ونحوه ممّا ذكرناه (16).
أمّا تعمد الإدراج لغير هذه الدواعي، فهو حرام بإجماع أهل الحديث والفقه. ومن الواضح أنّ المدرج الذي أدخلناه هنا في القسم المشترك بين الصحيح والحسن والضعيف هو الذي لا يحاكي أي صورة من صور التدليس، ولا يكون صحيحًا أو حسنًا منه إلّا ما عرفت فيه العبارة المدرجة، وعلم أنّ الغرض من ذكرها مجرّد الايضاح والتفسير، وأنّ الحديث في أصله خالٍ منها ليس فيه إلّا أقوال النبي الكريم في المرفوع، أو في أقوال صحابته والتابعين في الموقوف والمقطوع.
والطريق إلى معرفة المدرج من وجوه (17):
الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، كحديث: «الطيرة شرك وما منّا إلّا...» فإنّ العبارة الأخيرة مدرجة، زادها الراوي الصحابي ابن مسعود، إذ لا يصح أن يضاف إلى النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - شيء من الشرك. ومنه إدراج أبي هريرة تمنّي الرق في حديث الرسول، كما رأينا قريبًا.
الثاني: أن يصرّح الصحابي بأنّه يسمع تلك الجملة المدرجة من النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - كحديث ابن مسعود: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كلمة: «من جعل لله ندًّا، دخل النّار»، وأخرى أقولها: «من مات لا يجعل لله ندًّا، دخل الجنّة». والحديث في "صحيح مسلم" بلفظ: «قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - كلمة وقلت أخرى». لكنّا لا نستطيع أن نقطع بتعيين الجملة المدرجة هل هي دخول الجنّة لمن لا يجعل لله ندًّا، أو دخول النار فيمن جعل لله ندًّا، لاختلاف الرواية.
الثالث: أن يصرّح بعض الرواة بفصل العبارة المدرجة عن المتن المرفوع، فيضيفها إلى قائلها، ويعين المزيد والمزيد عليه. مثاله قول ابن مسعود بعد روايته حديث النبي في التشهّد: «فإذا فعلت ذلك، فقد تمّت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد». أخرجه أبوداود، فهذه العبارة مدرجة، وقد قطعت بإدراجها رواية شبابة بن سوار عن ابن مسعود، إذ قال: قال عبد الله: «فإذا فعلت ذلك...» الحديث رواه الدارقطني وقال: شبابة ثقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قارن بـ " الباعث الحثيث ": ص 80.
(2) " التوضيح ": 2/ 50 هامش.
(3) " التدريب ": ص 98.
(4) " التوضيح ": 2/ 53 هامش.
(5) " التدريب ": ص 97.
(6) عرفنا وقوع الإدراج في هذا الحديث من الروايات الكثيرة الأخرى الخالية من عبارة «أسبغوا الوضوء» ... وقد ذكر السيوطي في " التدريب ": ص 96 نقلا عن الخطيب أنّ الحديث بروايته الأخيرة «قد رواه الجمّ الغفير عن أبي هريرة كرواية آدم».
(7) " التدريب ": ص 96.
(8) " التوضيح ": 2/ 62.
(9) " الباعث الحثيث ": ص 82.
(10) ذكر ابن حجر في " شرح النخبة ": ص 21، 22 أربع صور لمدرج الإسناد، فتراجع في مواضعها.
(11) قارن بـ" الباعث الحثيث ": ص 82.
(12) راجع في (" التدريب ": ص 98) تفصيل نوع الإدراج في هذه الرواية.
(13) قارن بـ "الباعث الحثيث ": ص 83.
(14) " التوضيح ": 2/ 65. و"حاشية لقط الدرر ": ص 79.
(15) " التوضيح ": 2/ 52 هامش.
(16) " التدريب ": ص 98.
(17) انظر تفصيل هذه الوجوه في "حاشية لقط الدرر": ص 91 و"التوضيح": 2/ 62.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
