علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
رواية الأحاديث الضعيفة والعمل بها
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 210 ــ 214
2025-09-25
142
يتناقل الناس هذه العبارة: «يَجُوزُ العَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ»، فيسوّغون بها جميع ما يتساهلون في روايته من الأحاديث التي لم تصحّ عندهم، ويدخلون في الدين كثيرًا من التعاليم التي لا تستند إلى أصل ثابت معروف.
وإنّ هذه العبارة ليست على مر العصور أكثر من صدى لعبارة أخرى مماثلة لها منسوبة إلى ثلاثة من كبار أئمّة الحديث، هم أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك، فقد روي عن هؤلاء أنّهم كانوا يقولون: «إِذَا رَوِينَا فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ شَدَّدْنَا، وَإِذَا رَوِينَا فِي الفَضَائِلِ وَنَحْوِهَا تَسَاهَلْنَا» (1).
على أنّ عبارة هؤلاء الأئمّة لم تفهم على وجهها الصحيح، فغرضهم من التشديد ليس مقابلة أحدهما بالآخر كتقابل الصحيح بالضعيف في نظرنا نحن، وإنّما كانوا إذا رَوَوْا في الحلال والحرام يتشدّدون فلا يحتجّون إلّا بأعلى درجات الحديث، وهو المتّفق في عصرهم على تسميته بـ«الصَّحِيحِ» فإن رَوَوْا في الفضائل ونحوها ممّا لا يمسّ الحل والحرمة لم يجدوا ضرورة للتشدّد وقصر مرويّاتهم على الصحيح، بل جنحوا إلى قبول ما هو دونه في الدرجة وهو الحسن الذي لم تكن تسميته قد استقرّت في عصرهم، وإنّما كان يعتبر قِسْمًا من الضعيف، في اصطلاح المتقدّمين وإن كان في نظرهم أعلى درجة ممّا يصطلح بعدهم على وصفه بالضعيف (2).
ولو أنّ الناس فهموا أنّ تساهل هؤلاء الاْئمة في الفضائل إنّما يعني أخذهم بالحديث الحسن الذي لم يبلغ درجة الصحّة، لَمَا طَوَّعَتْ لهم أنفسهم أن يتناقلوا تلك العبارة السالفة: «يَجُوزُ العَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ»، فَمِمَّا لاَ رَيْبَ فِيهِ - في نظر الدين - أنّ الرواية الضعيفة لا يمكن أن تكون مصدرًا لحكم شرعيّ ولا لفضيلة خلقيّة؛ لأنّ الظن لا يغني من الحق شيئًا، والفضائل كالأحكام من دعائم الدين الأساسية، ولا يجوز أن يكون بناء هذه الدعائم وَاهِيًا، على شفا جرف هارٍ.
لذلك لا نسلّم برواية الضعيف في فضائل الأعمال ولو توافرت له جميع الشروط التي لاحظها المتساهلون في هذا المجال. والمشهور أنّ تلك الشروط ثلاثة:
أولاً - ألّا يكون المرويّ شديد الضعف.
ثانيًا - أن يندرج تحت أصل كليّ ثبت بالكتاب أو السنّة الصحيحة.
ثالثًا - ألّا يعارضه دليل أقوى منه.
لا نسلّم برواية الضعيف - رغم هذه الشروط - لأنّ لنا مندوحة عنه بما ثبت لدينا من الأحاديث الصحاح والحسان، وهي كثيرة جِدًّا في الأحكام الشرعيّة والفضائل الخلقيّة، ولأنّنا - رغم توافر هذه الشروط - لا نؤنس من أنفسنا الاعتقاد بثبوت الضعيف، ولولا ذلك لما سميناه ضعيفًا، وإنما يساورنا دائمًا الشك في أمره، ولا ينفع في الدين إلّا اليقن.
ومن هنا وجب علينا - حتّى في دراسة الحديث وتدريسه - ضرب أمثلة على الضعيف منه أن نتحاشى عند الاستشهاد به كلّ عبارة تفيد الجزم والتحقيق فلا ننقل حديثًا تيقّنا ضعفه قائلين: «قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ -»، حتّى لا نوهم السامع أو القارئ أنّه صحيح أو حسن، بل نصرّح بضعفه، ونشير إلى نوع الضعف من إعلال وإعضال واضطراب وشذوذ ونحو ذلك إن كنّا نعلم هذا يقينًا، ونشفع قولنا بأحكام الحفاظ الذين اطلعوا على الطرق المختلفة التي ورد بها هذا الحديث ممّا استوجب وصفهم له بالضعف.
ونحن إذا أعدنا النظر في الأمثلة المختلفة لأقسام الحديث الضعيف التي درسناها لاحظنا أنّ ضعفها يعود تارة إلى الإسناد، وتارة أخرى إلى المتن.
وإنّ هذه الملاحظة لتوجّهنا إلى التزام الكثير من الحيطة في حكمنا على حديث ما بالضعف. فإطلاق الحكم بالضعف ليس من دقّة المحدّثين في شيء، إذ ليس لهذا الاطلاق معنى إلا ضعف الحديث المبحوث عنه إسنادًا ومتنًا في آن واحد، مع أنّه يحتمل أن يكون ضعفه في الإسناد فقط، أو في المتن وحده، بل يحتمل أن يكون ضعفه في إسناد معين، بينما تكون بقيّة أسانيده صحيحة لا يجوز الحكم بضعفها، فعلينا إذا وجدنا حديثًا بإسناد ضعيف أن ندقّق في تعبيرنا فنقول: «إِنَّهُ ضَعِيفٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ»(3). ونحتاط كذلك في الحديث الذي وصف بعض الحفاظ متنه بالضعف فنقول: «لَمْ يَرِدْ هَذَا المَتْنُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى صَحِيحَةً، كَمَا ذَكَرَ الحَافِظُ فُلاَنٌ فِي كِتَابِهِ كَذَا».
على أنّ باب الاجتهاد لم يقفل في الحديث كما لم يقفل في الفقه، ويجب أن يظل بابه مفتوحًا في كلّ من هذين العلمين، فكل من أقبل على علم الحديث رواية ودراية وتوافرت فيه شروط الاجتهاد التى كانت تتوافر في الحفّاظ السالفين، جاز له أن يحكم إطلاقًا بضعف حديث ما إن بحث عن جميع طرقه، وغلب على ظنّه أنّ متنه لم يرد بإسناد آخر صحيح.
والناشئ في علم الحديث إذا نقل رواية لا يعلم حالها، أصحيحة هي أم ضعيفة، يجب عليه أن يختار للتعبير عنها صيغة التمريض، فيقول مثلاً: «رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - كَذَا»، أَوْ «بَلَغَنَا كَذَا» (4).
ولا يجوز له أن يذكر بصيغة التمريض هذه حديثًا صحيحًا يرويه بدون إسناده، لما يوهم ذلك من ضعفه، بل يقول جازمًا: «قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قارن بـ " الكفاية ": ص 133.
(2) " الباعث الحثيث ": ص 101.
(3) " الباعث الحثيث ": ص 99.
(4) انظر في " الباعث الحثيث ": ص 100 تعليقات العلّامة أحمد شاكر.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
