علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
العزيز والمشهور والمستفيض
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 229 ــ 235
2025-09-30
122
د - 9 و10 و11 - العَزِيزُ وَالمَشْهُورُ وَالمُسْتَفِيضُ:
يجمع بين هذه الأنواع الثلاثة توسّطها بين مصطلحي التفرّد النسبيّ والتواتر المعنويّ، ففيها شيء من الغريب (الذي رأينا أنّه هو الفرد النسبي)؛ لأنّ الغريب إذا اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن الشيخ سُمِّيَ عَزِيزًا، فإن رواه عنه جماعةُ سُمِّيَ مَشْهُورًا(1)، وإن روته عنه الجماعة وكان في ابتدائه وانتهائه سواءً سُمِّيَ مُسْتَفِيضًا(2)، وفيها ضرب من التواتر المعنويّ لانتشارها بين الناس بعد أن لوحظ في روايتها التعدّد، فَعُزِّزَتْ بأكثر من رَاوٍ، واستفاضت وَكُتِبَتْ لها الشهرة بتناقلها على ألسنة الجماعة.
بيد أنّ هذه الأنواع الثلاثة ألصق بالغريب منها بالمتواتر؛ لأنّ مباحثها تتعلّق بالإسناد، وليس للمتواتر صلة بالإسناد (3)، ثم إنّ تعدّد الرواة فيها، على نِسَبِهِ المتفاوتة، لا يخرجها عن صفة الاَحاديّة ولا يبلغ بها درجة الجمع المشروط في التواتر، وهي أوّلاً وآخراً أسماء للغريب وألقاب حين يرقى عن التفرّد بعض الشيء، وهي، لذلك، تحاكي الغريب في انقسامها مثله إلى صحيحة وحسنة وضعيفة.
والناظر العجول في هذه الأنواع الثلاثة يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنّها ينبغي أن تكون خالصة للصحيح، فهو يستبعد أن يكون الحديث الذي عَزَّ وَقَوِيَ بمجيئه من طريق أخرى، أو استفاض واشتهر برواية الجماعة له، بمنزلة الحديث الغريب الذي انفرد بروايته شخص واحد. وقد يبدو هذا الاستنتاج منطقيًّا صحيحًا لما ألفه الناس في كلّ زمان ومكان من العناية بالكمّ والكثرة، ولكن التحقيق العلميّ الدقيق يثبت أنّ مقياس المحدّثين في تصحيح الروايات وتضعيفها ليس كَمِّيًّا فَيُعَوَّلُ على الأرقام والأعداد، ويقارن فى الجموع والأفراد: وإنّما هو قيميّ يُعْنَى بأوصاف الرجال المذكورين في الأسانيد، أقلّة كانوا أم كثيرين. ومن هنا رأينا نُقَّادَهُمْ لا يبالون في المتواتر نفسه بتعيين عدد الجمع الراوي له، بل يشترطون أَنْ يُؤْمَنَ تَوَاطُؤُ هذا الجمع على الكذب في العرف والعادة(4).
ويسرف الباحث في الظنّ الخاطئ أحيانًا حين يستنتج أنّ بعض نقّاد الحديث لم يستبعدوا أن يكون لتعدّد الرواة أثر في تصحيح الحديث.
وفي كلام الحاكم أبي عبد الله ما يوهم أخذه بهذا المقياس العدديّ حين اشترط في «الصَّحِيحِ» أن يكون له راويان. وقد أوضحنا اتّجاهه هذا في بحث (الصحيح) (5). على أنّ من حقّ الحاكم علينا أن نفسّر اتّجاهه تفسيرًا سليمًا. فهو إذ يشترط تعزيز الصحيح لا يحكم بتصحيح العزيز، فالصحيح عنده لا بد أن يكون عَزِيزًا ولا يجوز أن يكون فردًا ولا غريبًا، أمّا العزيز فلا يكون دائمًا صحيحًا، بل المشهور والمستفيض - على تعدّد رواتهما واشتراط الجمع فيهما - ليسا دائمًا صحيحين، إذ يكون فيهما الحسن والضعيف، وربّما الباطل والموضوع. وعبارة الحاكم في هذا الباب أصرح من أَنْ تُؤَوَّلَ، فهو يقول: «وَالمَشْهُورِ مِنَ الحَدِيثِ غَيْرِ الصَّحِيحِ، فَرُبَّ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ» (6). ويستشهد الحاكم على ذلك بطائفة من الأحاديث منها الحسان ومنها الضعاف، ثم يقول: «فَكُلُّ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مَشْهُورَةٌ بِأَسَانِيدِهَا وَطُرُقِهَا وَأَبْوَابٍ يَجْمَعُهَا أَصْحَابُ الحَدِيثِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا تُجْمَعُ طُرُقُهُ فِي جُزْءٍ أَوْ جُزْئَيْنِ، وَلَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ».
ولقد اطّلع السيوطيّ على هذه الأحاديث التي استشهد بها الحاكم، فدقّق النظر فيها وأحسن التمييز بينها، وَسَمَّى كُلاًّ منها باسمه الاصطلاحيّ اللائق به وزاد عليها الكثير في كتاب رتّبه على حروف المعجم مستدركًا به على الزركشي ما فاته في "التذكرة في الأحاديث المشتهرة" (7). وفي "التدريب" عدد من هذه الشواهد يمثل بها السيوطيّ للمشهور في جميع أحواله، صحيحًا وحسنًا وضعيفًا وباطلاً.
فمثال المشهور وهو صحيح حديث: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (8).
ومثال المشهور وهو حسن حديث: «طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». فقد قال المِزِّي(9) «إِنَّ لَهُ طُرُقًا يَرْتَقِي بِهَا إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ» (10).
ومثال المشهور وهو ضعيف: «جُبِلَتِ القُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا» (11).
وأمثلة المشهور وهو باطل لا تعدّ ولا تحصى، وهي بين مرفوعات وموقوفات ومقطوعات، وأكثر ما تشيع على ألسنة العامّة. ومنها: «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»، «يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ»، «كُنْتُ كَنْزًا لاَ أُعْرَفُ»، «البَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ»(12).
واشتهار الحديث أمر نسبيّ (13)، فقد يكون مشهورًا بين أهل الحديث خاصّة، وقد يكون مشهورًا بينهم وبين غيرهم من العلماء والعامّة. ومن هنا قيل: إنّ حديث: «أَبْغَضُ الحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ» مشهور عند الفقهاء، وحديث: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» مشهور عند الأصوليّين، وحديث: «نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» مشهور عند النحاة، وحديث: «مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ» مشهور عند العامّة. أمّا حديث: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» فمشهور عند أهل الحديث والعلماء والعوام في آنٍ واحد (14).
لكن المشهور الاصطلاحيّ الذي يعرفه نقّاد الحديث لا يراد به ما اشتهر على ألسنة الناس من العلماء والعامّة، بل الحديث الذي روته الجماعة ثلاثة أو أكثر (15)، وأمثلته، على كثرتها، لا يقف عليها غير أهل الحديث والمجتهدين في جمعه ومعرفته(16)، ومن أوضحها حديث أنس «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ» أخرجه الشيخان من رواية سلمان التيميّ عن أبي مَجْلِزٍ عن أنس (17). قال الحاكم مُوَضِّحًا أسباب وصف هذا الحديث بالشهرة: «هَذَا حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحِ، وَلَهُ رُوَاةٌ عَنْ أَنَسٍ غَيْرَ أَبِي مِجْلَزٍ، وَرُوَاهُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ غَيْرِ التَّيْمِيِّ، وَرُوَاهُ عَنِ التَّيْمِيِّ غَيْرِ الأَنْصَارِيِّ، وَلا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُ أَهْلِ الصَّنْعَةِ، فَإِنَّ الغَيْرَ إِذَا تَأَمَّلَهُ، يَقُولُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ هُوَ صَاحِبُ أَنَسٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَلا يُعْلَمُ أَنَّ الحَدِيثَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَلَهُ عَنْ قَتَادَةَ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ، وَلا يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي ذِكْرِ العُرَنِيِّينَ يُجْمَعُ وَيُذَاكَرُ بِطُرُقِهِ» (18).
وأكثر أمثلة المشهور تصلح للمستفيض، فهما مترادفان على رأي جماعة من أئمّة الفقهاء، لكن الأصحّ التفرقة بينهما، بأنّ المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سَوَاءٌ، والمشهور أعمّ من ذلك (19)، ومنهم من غاير بينهما على كيفيّة أخرى، فلاحظ أنّ الجماعة التي تروي المشهور ثلاثة أو أكثر، فطرقه محصورة بأكثر من اثنين، بينما يخصص المستفيض بالأكثر من الثلاثة، فلا يمكن أن تقلّ طرقه عن ثلاثة (20).
وقد سُمِّيَ بذلك لانتشاره: من فاض الماء يفيض فيضًا، إذا فاض من جوانب الإناء(21).
ولم يُثِرْ العلماء شبهة حول المشهور ولا المستفيض، فأمثلتهما كثيرة متضافرة، وإنّما أثاروا الشبهات حول العزيز، فقد زعم ابْنُ حِبَّانَ البُسْتِيُّ (22) أن لا وجود أصلاً للحديث العزيز، لاعتقاده أنّ العزيز ما يرويه اثنان عن اثنين إلى أن ينتهي إسناده(23)، وكأنّه يرى أنّ تسميته بالعزيز لعزّة وجوده وتعذّره، لا لقلّة وجوده وندرته، وقد رَدَّ رأيه ابن حجر قائلاً: «إن أراد أنّ رواية اثنين فقط عن اثنين لا توجد أصلاً فيمكن أن يسلم، وأمّا صورة العزيز التي حرّرناها فموجودة: بألّا يرويه أقلّ من اثنين عن أقلّ من اثنين، مثاله ما رواه الشيخان من حديث أنس، والبخاري من حديث أبي هريرة، أنّ "رسول الله - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» الحديث، ورواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد، ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث، ورواه عن كل جماعة» (24).
ومن الصور النادرة في المصطلح أن يجمع الحديث بين وصفي العزّة والشهرة، فَيُسَمَّى عَزِيزًا مَشْهُورًا، وذلك إذا اتّضح أنّه عزيز في بعض طبقاته برواية اثنين، ومشهور في التي قبلها أو بعدها بروايته عن الأكثر، وَمَثَّلَ له الحافظ العلائيّ (25) بحديث: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وقال: هو عزيز عن النبي - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ -، رواه عنه حذيفة بن اليمان وأبو هريرة، ورواه عن أبي هريرة سبعة: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو حازم، وطاووس، والأعرج، وهمّام، وأبو صالح، وعبد الرحمن مولى أم برثن (26).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " اختصار علوم الحديث ": ص 187.
(2) " شرح النخبة ": ص 5.
(3) راجع ما فصلناه ص 150.
(4) قارن بما ذكرناه ص 149.
(5) راجع ص 152.
(6) " معرفة علوم الحديث ": ص 92.
(7) " التدريب ": ص 188.
(8) قارن " التدريب ": ص 188 بـ " معرفة علوم الحديث ": ص 92.
(9) هو يوسف بن عبد الرحمن، وأبو الحجاج، المعروف بِالمِزِّي (بكسر الميم وتشديد الزاي المكسورة) نسبة إلى المزّة قرية بدمشق، تُوُفِّيَ سَنَةَ 742 هـ بدار الحديث الأشرفيّة بدمشق ("الرسالة المستطرفة": ص 126).
(10) " التدريب ": ص 189، وقد ذكره الحاكم في " معرفة علوم الحديث " مكتفيًا بقوله: «لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ».
(11) " التدريب ": ص 189.
(12) وقد صرّح السيوطي بوضعها فقال: «وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ لاَ أَصْلَ لَهَا». " التدريب ": ص 189.
(13) " اختصار علوم الحديث ": ص 185.
(14) راجع هذا كله مع تفصيلات أخرى في " التدريب ": ص 189. وقارن بـ "التوضيح": 2/ 408.
(15) " التوضيح ": 2/ 409.
(16) " معرفة علوم الحديث ": ص 94.
(17) " التدريب ": ص 189.
(18) " معرفة علوم الحديث ": ص 93، 94.
(19) " شرح النخبة ": ص 5.
(20) " التوضيح ": 2/ 402، 403 هامش.
(21) " التدريب ": ص 188، و" التوضيح ": 2/ 407.
(22) سبقت ترجمته.
(23) " التوضيح ": 2/ 405 هامش.
(24) " نزهة النظر ": ص 8. ونقلها في " التدريب ": ص 191.
(25) سبقت ترجمته.
(26) " التدريب ": ص 193.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
