علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
العالي والنازل
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 236 ــ 240
2025-10-02
83
هـ - 12 و13 - العالي والنازل:
مضى الورعون من العلماء يرجحون الأخذ ممّن علا إسناده وقرب من النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - معتقدين أنّ «قرب الإسناد قربة إلى الله» (1). ولم يكن الإسناد القريب إلى النبي يتيسّر لهم دائما، فكانوا يلجؤون إلى أقرب الأسانيد من الصحابة والتابعين والعلماء الأعلام: فنشأت بذلك صورتان من الإسناد العالي، إحداهما مطلقة والأخرى نسبيّة.
فالإسناد العالي المطلق هو ما قرب رجال سنده من رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - بسبب قلّة عددهم إذا قيسوا بسند آخر يرد في ذلك الحديث نفسه بعدد كثير(2).
وهذا النوع من العلو هو أجلّ الأسانيد شريطة أن يكون بإسناد صحيح نظيف، فلا التفات إليه إذا كان مع ضعف، ولا سيما إن كان فيه بعض الكذّابين المتأخّرين ممّن ادّعى سماعا من الصحابة كابن هدبة ودينار وخراشة ونعيم بن سالم وأبي الدنيا الأشجّ. ولذلك قال الحافظ الذهبي: «متى رأيت المحدّث يفرح بعوالي هؤلاء فاعلم أنّه عاميّ بعد»(3).
أمّا الإسناد العالي النسبيّ فهو ما قرب رجال سنده من إمام من أئمّة الحديث، كالأعمش، وابن جريج، ومالك، وشعبة، وغيرهم، مع صحّة الإسناد إليه، أو قربوا من كتاب من الكتب المعتمدة المشهورة، كـ"الكتب الستّة"، و"الموطأ"، ونحو ذلك(4). وإنّما سُمّي «نسبيًّا»؛ لأنّ العلو فيه إضافيّ لا حقيقيّ.
وللإسناد العالي النسبيّ صور كثيرة، أشهرها أن تأتي لحديث رواه "البخاري" مثلا، فترويه بإسنادك إلى شيخ البخاري، أو شيخ شيخه، وهكذا، ويكون رجال إسنادك في الحديث أقلّ عددًا ممّا لو رويته من طريق البخاريّ (5).
وقد جعل ابن حجر الإسناد العالي النسبيّ على أربعة أنواع: الموافقة، والبدل، والمساواة، والمصافحة.
فالموافقة هي الوصول إلى شيخ أحد المصنفّين من غير طريقه. مثاله أن يروي البخاري عن قتيبة عن مالك حديثًا، فترويه بإسناد آخر عن قتيبة، بعدد أقلّ ممّا لو رويته من طريق البخاري عنه (6).
والبدل هو الوصول إلى شيخ شيخه من غير طريقه أيضًا. ومثاله أن يقع لك الإسناد السابق بعينه من طريق أخرى إلى القعنبيّ عن مالك، فيكون القعنبي بدلاً فيه من قتيبة(7).
والمساواة هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنّفين، ومثاله - كما قال ابن حجر - أن يروي النسائي مثلاً حديثًا يقع بينه وبين النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - فيه أحد عشر نفسًا، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، بيننا فيه وبين النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ أحد عشر نفسًا فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص (8).
وقال ابن الصلاح: «أمّا المساواة: فهي في أعصارنا أن يقلّ العدد في إسنادك لا إلى شيخ مسلم وأمثاله، ولا إلى شيخ شيخه، بل إلى من هو أبعد من ذلك، كالصحابي، أو من قاربه، وربّما كان إلى رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - بحيث يقع بينك وبين الصحابي مثلاً من العدد مثل ما وقع من العدد بين مسلم، وبين ذلك الصحابي، فتكون بذلك مساويًا لمسلم مثلاً في قرب الإسناد وعدد رجاله» (9).
والمصافحة هي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنّف، وسُمّيت مصافحة؛ لأنّ العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا (10). وإن وقعت المساواة لشيخك كانت لك مصافحة، كأنّك صافحت المصنّف وأخذت عنه، وإن وقعت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك، وإن وقعت لشيخ شيخ شيخك فالمصافحة لشيخ شيخك (11).
ونسبيّة العلو في كلّ من المساواة والمصافحة لا تحتاج إلى إيضاح، فهذان النوعان عاليان بالنسبة لنزول مؤلّف الكتاب في إسناده. ولذلك يتعذّر وجود هذين النوعين في زماننا، القرن الرابع عشر الهجري، وفيما يقاربه من القرون الماضية؛ لأنّ الإسناد بعيد جدًّا بالنسبة إلينا. ولقد أراد ابن الصلاح أن ينفي عن المساواة والمصافحة حقيقة العلو، فحكم عليهما حكما واحدًا، ونظر إليهما بمنظار واحد، ثم جزم بأنّ «هذا النوع من العلو علو تابع لنزول، إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعلُ أنت في إسنادك»(12).
ومن صور العلوّ النسبيّ تقدّم وفاة الراوي عمّن روى عنه وإن تساويا في العدد. فمن سمع "مسند أحمد" على الحلاوي عن أبي العباس الحلبي عن النجيب أعلى نسبيًّا ممّن سمعه على الجمّال الكتّانيّ عن القرضّي عن زينب بنت مكّيّ، لتقدّم وفاة الثلاثة الأوّلين على الثلاثة الآخرين (13) فهم أقرب إلى أحمد و"مسنده".
ومن العلو النسبيّ تقدّم السماع (14)؛ فمن سمع من الشيخ قديمًا كان أعلى ممّن سمع منه أخيرًا، كأن يسمع شخصان من شيخ واحد، أحدهما سمع منه منذ ستّين سنة مثلاً، والآخر منذ أربعين، فالأوّل أعلى من الثاني (15).
وولوع المتأخّرين من المحدّثين بالإسناد العالي مطلقًا ونسبيًّا، غلب على الكثيرين منهم حتّى صرفهم عن الاشتغال بما هو أهم منه، فتباهوا به مثلما تباهوا بطلب الغرائب والمناكير، كما أوضحنا في فصل (الرحلة في طلب الحديث)، وفصل (شروط الراوى)، «وإنّما كان العلو مرغوبًا فيه لكونه أقرب إلى الصحّة وقلّة الخطأ؛ لأنّه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلّا والخطأ جائز عليه، فكلّما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظانّ التجويز، وكلّما قلت قلت» (16).
ومن هنا شاع على ألسنة المحدّثين أنّ النازل مفضول (17). قال السيوطي في ألفيته:
وطلب العلوّ سنّة ومن ... يفضل النزول عنه ما فطن (18).
وغنيّ عن البيان أنّ النازل هو ما قابل العالي، وأنّ تفصيل أقسامه يدرك من تفصيل أنواع العالي التي سبقت الإشارة إليها (19).
على أنّ تفضيل العالي على النازل لا ينبغي أن يبقى على إطلاقه، فرُبَّ إسناد نازل أفضل من عالٍ إذا تميّز بفائدة، كما إذا كان رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه أو كانت صورة تحمّله أقرب إلى السماع (20).
قال وكيع (21) لأصحابه: «"أيّما أحبّ إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود، أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟" فقالوا: "الأوّل". فقال: "الأعمش عن أبي وائل شيخ عن شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحبّ إلينا ممّا يتداوله الشيوخ"»(22).
وقد استنتج الحافظ السلفيّ (23) من هذا أنّ «الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحقّقين من النقلة، والنازل حينئذٍ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق!» (24).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " الجامع ": 1/ 12 وجه 2.
(2) قارن بـ " قواعد التحديث ": ص 108.
(3) " التدريب ": ص 184.
(4) " التدريب ": ص 185.
(5) قارن بـ " الباعث الحثيث ": ص 182.
(6) " شرح النخبة ": ص 21.
(7) قارن " شرح النخبة ": ص 31 بـ " التدريب ": ص 185.
(8) " شرح النخبة ": ص 32.
(9) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 219.
(10) " شرح النخبة ": ص 32.
(11) " التدريب ": ص 186.
(12) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 220.
(13) " التدريب ": ص 186.
(14) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 220.
(15) " الباعث الحثيث ": ص 184 وقارن بـ " التدريب ": ص 187.
(16) " شرح النخبة ": ص 31.
(17) " اختصار علوم الحديث ": ص 184.
(18) " ألفيّة السيوطي ": ص 260، البيت 604.
(19) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 222.
(20) " التدريب ": ص 188. وقارن بما ذكرناه (ص 136) عن تفضيل النزول عن الثقات على العلو عن غير الثقات.
(21) وهو وكيع بن الجرّاح بن مليح بن عدي، ويكنّى أبا سفيان الرؤاسيّ الكوفيّ، من قيس عيلان. ولد سنة 128 هـ وتوفّي سنة 198 هـ. وفيه يقول أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: «الثبت عندنا في العراق وكيع» (" تاريخ بغداد ": 13/ 466 - 481).
(22) " اختصار علوم الحديث ": ص 185.
(23) سبقت ترجمته.
(24) " التدريب ": ص 188.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
