المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17508 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


المحكم والمتشابه في القرآن الكريم  
  
6645   03:07 مساءاً   التاريخ: 18-11-2014
المؤلف : جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : المناهج التفسيرية في علوم القرآن
الجزء والصفحة : ص159-170.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / المحكم والمتشابه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014 1696
التاريخ: 26-04-2015 1641
التاريخ: 26-04-2015 2326
التاريخ: 26-04-2015 1326

وصف سبحانه كتابه العزيز بالإحكام ، وقال : {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود : 1] والمراد أنّها أُحكمت في نظمها بأن جُعلت على أبلغ وجوه الفصاحة حتى صار معجزاً ثمّ فُصّلت بالبيان ، فالقرآن محكم النظم ، مفصّل الآيات (1) أو أُتقنت آياته فليس فيها خلل ولا باطل ؛ لأنّ الفعل المحكم ما قد أتقنه فاعله حتّى لا يكون فيه خلل ثمّ فُصّلت وجُعلت متتابعة بعضها أثر بعض (2) .

فعلى الأوّل فالإحكام صفة اللفظ ، فالقرآن بجزالة نظمه وإتقان أُسلوبه محكم ومتقن لا يمكن تحدِّيه ، وعلى الثاني وصف لمعناه ، فهو يشتمل ـ من التوحيد والأخلاق وسائر السنن ـ على أُصول محكمة لا تُنقض ولا تُردُّ .

وفي الوقت نفسه وصف سبحانه كتابه الكريم بالتشابه ، قال سبحانه : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر : 23] .

وقد اختلفت كلمة المفسرين في تفسير ( المتشابه ) في هذه الآية الذي جُعل وصفاً لعامة آيات القرآن الحكيم ، ولكنّهم لو رجعوا إلى نفس الآية وأمعنوا النظر فيها لارتفع الإبهام ؛ وذلك أنّه سبحانه يأتي بعد كلمة ( متشابهاً ) قوله ( مثاني ) فهو يفسّر معنى المتشابه ، فالقرآن الكريم يشتمل على آيات متكررة المضمون ، يُشبه بعضها بعضاً ، ويؤيّد بعضها بعضاً ، فقد كرّر القصص والمغازي كما كرّر ما يرجع إلى التوحيد بأقسامه إلى غير ذلك من المعاني المتكررة .

وعلى ضوء ذلك فلا منافاة بين الآيتين اللتين تصفان القرآن بالإحكام تارة وبالتشابه أُخرى .

تقسيم الآيات إلى محكمات ، ومتشابهات

إذا كانت الآية الأُولى تصف القرآن كلّه بالإحكام وآياته بالمحكمة ، والآية الثانية تصف القرآن كلّه بالمتشابه ، فثمّة آية أُخرى تقسّم الآيات إلى قسمين :

1 ـ آيات محكمات هي أُمّ الكتاب .

2 ـ وآيات متشابهات يبغون أهل الزيغ تأويلها .

قال سبحانه : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران : 7].

ولا منافاة بين هذا التقسيم والتقسيمين الأوّلين ؛ وذلك لاختلاف متعلّق الإحكام والتشابه فيها ، فإنّ الإحكام الذي هو بمعنى الإتقان في الآية الأُولى وصف للآية باعتبار نظم الآية وجزالة ألفاظها على وجه لا يمكن تحدّيها ، كما أنّ التشابه في الآية الثانية وصف لمعنى الآية ، فمعاني الآيات القرآنية متكرّرة لكنّها متوحّدة الهدف .

وأمّا الإحكام والتشابه في هذه الآية فالموصوف بهما دلالة الآية وظهورها في المعنى المقصود ، ولا مانع من أن يكون القرآن كلّه متقناً من حيث تركيبه وجُمَله ، ومتشابهاً متكرر المضمون من حيث معانيه وفي الوقت نفسه محكماً ومتقن الدلالة في قسم ، ومتشابه الدلالة في قسم آخر .

إنّ الإحكام في اللغة هو الإتقان ، توصف به الآية إذا كانت ذات دلالة واضحة بحيث لا تحتمل وجهاً آخر ، فهو ( الإحكام ) مأخوذ من الحُكْم بمعنى المنع ، قال الشاعر :

أَبني حنيفـةَ حكِّموا أولادَكم      إنّي أخاف عليكم أن أُغضبا

أي امنعوا أولادكم من التعرّض :

فالآية باعتبار استحكام دلالتها وإتقانها تمنع من الاضطراب وتطرّق ما ليس بمراد فيها ، ويقابله التشابه فهو مأخوذ من الشِّبه أي التماثل ، فالتشابه في الدلالة هو أن لا يكون للآية ظهور مستقر ودلالة ثابتة بل يُحتمل فيها وجوهاً مختلفة مع أنّ المقصود هو واحد منها .

ويدلّ على أنّ الإحكام والتشابه وصف للدلالة ، أُمور :

الأوّل : إنّ أصحاب الزيغ ( يتّبعون ما تشابه ) وذلك لأحد الوجهين :

1 ـ ابتغاء الفتنة والفساد في المجتمع وإضلال الناس .

2 ـ ابتغاء تأويله وإرجاعه إلى ما يتوافق مع أهدافهم الفاسدة ، فهم مكان أن يتّبعوا الآيات المحكمة يتّبعون ما تشابه للغايتين الفاسدتين .

فاتّباع المتشابه لإيجاد الفتنة وابتغاء تأويله يُعرب عن أنّ التشابه إنّما في دلالة الآية ، فيأخذون من الاحتمالات ما يمكّنهم من الفتنة وجعل الآية حجّة لِما يتبنّون من الأهواء .

الثاني : إنّه يصف الآيات المحكمة بأنّها أُمّ الكتاب ، ومعنى ذلك إرجاع ما تشابه إلى الأُمّ ، فيجب أن تكون الأُمّ واضحة الدلالة ، بيّنة المعالم ، حتى تُفسّر بها الآيات المتشابهة .

الثالث : إنّ الآية تبحث عن تأويل المتشابه ، فإنّ التأويل في الآية ( كما سيوافيك في فصل مستقل ) إرجاع الآية بالتدبّر فيها وسائر الآيات الواردة في موضوعها إلى المعنى المقصود ، وهذا يناسب كون المحور في وصف القرآن بهما هو دلالة الآية وظهورها ، فالآيات القرآنية بما أنّها ليست على نسق واحد في الدلالة وعلى درجة واحدة في إفهام المراد تنقسم إلى محكمة ومتشابهة .

فالمحكم ما لا يحتمل إلاّ معنى واحداً ، والمتشابه ما يحتمل وجوهاً متعدّدة وكان بعض الوجوه مثيراً للريب والشبهة ، والتأويل إرجاع الآية بالتدبّر فيها وما ورد في موضوع الآية من الآيات ، إلى المعنى المقصود .

هذا هو المعنى المقصود من الآية من المراحل الثلاثة :

أ ـ المحكم وما يراد به .

ب ـ المتشابه وما يراد به .

ج ـ التأويل وما يراد به في الآية .

وقد سبقنا في تفسير الآية بهذا النحو لفيف من العلماء .

1 ـ قال الشيخ الطوسي : المحكم ما أنبأ لفظه عن معناه من غير اعتبار أمر ينضم إليه سواء كان اللفظ لغوياً أو عرفيّاً ، ولا يحتاج إلى ضروب من التأويل . 

وذلك نحو قوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة : 286] ، وقوله : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الأنعام : 151] وقوله : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص : 1] وقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 3 ، 4] ونظائر ذلك .

والمتشابه : ما كان المراد به لا يُعرف بظاهره بل يحتاج إلى دليل ، وذلك ما كان محتملاً لأُمور كثيرة أو أمرين ، ولا يجوز أن يكون الجميع مراداً فإنّه من باب المتشابه ، وإنّما سُمّي متشابهاً ؛ لاشتباه المراد منه بما ليس بمراد ، وذلك نحو قوله : {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [الزمر : 56] ، وقوله : {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر : 67] ، وقوله : {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [القمر : 14] ، ونظائر ذلك من الآي التي المراد منها غير ظاهرها (3) .

2 ـ قال الراغب : المتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره ؛ لمشابهته بغيره إمّا من حيث اللفظ أو من حيث المعنى ، فقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئُ ظاهره عن مراده ، وحقيقة ذلك أنّ الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب : محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم في وجه ومشابه من وجه آخر (4) .

3 ـ وقال المحقّق النهاوندي : لا ريب في أنّ آيات الكتاب العزيز قسمان : محكم ، ومتشابه . 

والمحكم هو الكلام الواضح الدلالة بحيث لا يكون للعرف ـ و لو بملاحظة القرائن المكتنفة به ـ تحيّر في استفادة المراد منه ، ولا يحتاج في تعيين المقصود منه إلى الرجوع إلى العالم أو إلى القرائن المنفصلة أو الأدلّة العقلية والنقلية الخارجية .

والمراد بالمتشابه هو الكلام المجمل أو المبهم الذي يشتبه المراد منه على العرف بحيث لا يكون له بالوضع أو بالقرائن المتصلة حقيقة أو حكم ظهور في المعنى المراد ، بل لابدّ في الاستفادة منه من الرجوع إلى العالم الخبير بمراد المتكلّم ، أو الاجتهاد في تحصيل القرائن المنفصلة عن الكلام من حيث العقل المستقل أو سائر كلمات المتكلّمين ، ولعلّه إلى ما ذكرنا يرجع ما عن العياشي ( رحمه الله ) عن الصادق ( عليه السَّلام ) أنّه سُئل عن المحكم والمتشابه ، فقال : ( المحكم ما يُعمل به ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله ) (5) .

وقال العلاّمة الطباطبائي : المراد بالتشابه كون الآية لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرد إسماعها ، بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يرجع إلى محكمات الكتاب فتُعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً ، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة ، والآية المحكمة ، محكمة بنفسها .

كما أنّ قوله سبحانه : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] يشتبه المراد منه على السامع أوّل ما يسمعه ، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى : 11] ، استقر الذهن على أنّ المراد به التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكّن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسّم المستحيل على اللّه سبحانه .

وكذا قوله تعالى : {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة : 23] إذا أُرجع إلى مثل قوله : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } [الأنعام : 103] ، عُلم به أنّ المراد بالنظر غير النظر بالبصر الحسي ـ إلى أن قال ـ فهذا ما يتحصّل من معنى المحكم والمتشابه ويتلقّاها الفهم الساذج من مجموع الآية ، ولا ريب أنّ الآية التي تقسّم آيات الكتاب إلى محكم ومتشابهة من الآيات المحكمة (6) .

وأنت إذا سبرت تاريخ المسلمين عبر القرون ، تقف على لفيف من أصحاب الزيغ ، راحوا يتمسّكون بآيات لها ظهور بدويّ مريب ، ومثير للشك في سائر الأُصول دون أن يأوّلوها بالمحكمات وإرجاعها إليها ، كبعض الآيات التي توهم التجسيم والتشبيه ، والجبر والتفويض ، والهداية والضلالة ، والختم على القلوب وحبط الأعمال ، إلى غير ذلك من الآيات التي وقعت ذريعةً لبغاة الفتنة وإضلال الناس .

نعم فسّر ابن تيمية ، وتبعه صاحب المنار ، وبعض المعاصرين من أنّ المراد من المتشابه ، ما لا يعلم تأويله إلاّ اللّه . والمراد من التأويل ما استأثر اللّه بعلمه ، مثل وقت الساعة ، ومجيء نفسه ، ومثل كيفية نفسه ، وما أعدّه في الجنة لأوليائه (7) .

يُلاحظ عليه بأُمور :

1 ـ إنّ ما ذكره كلّها مفردات ، والمتشابه من أقسام الآيات ، فكيف تفسّر المتشابه بمثل وقت الساعة وأمثالها من واقع الجنة والنار والصراط ، والكلّ مفردات وليس آية ، والمتشابه آية متشابهة لا مفرد مبهم ؟!

2 ـ إنّها فاقدة للظهور ، والمتشابه ما له ظهور مستقل يتبعه أصحاب الزيغ .

3 ـ إنّ المتشابه ما يقع ذريعةً لأصحاب الزيغ لإضلال الناس وليس فيما عدّه ما يمكن به إغوائهم ، ولم تقع تلك الآيات ذريعةً للإضلال في تاريخ حياة المسلمين .

وبما ذكرنا يظهر أنّ الوجوه المذكورة حول تفسير المحكم والمتشابه التي ربّما يناهز إلى 16 وجهاً احتمالات غير صحيحة نشأت من عدم التدبّر في مفهوم الآية (8) .

والذي يمكن أن يُلاحظ على كلام النهاوندي هو عدّ المجمل من المتشابه ، فإنّ المجمل لا ظهور له ولو بدئياً حتّى يُؤخذ به ويتّبعه أهل الزيغ ، بخلاف المتشابه فهو ذو ظهور مضطرب ومتزلزل ومريب .

وأمّا الفرق بين المبهم والمتشابه ، فهو أنّ كلّ متشابه مبهم الدلالة غير واضحة المعالم وليس كلّ مبهم متشابهاً .

أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فإنّ قوله سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد : 41] مبهم من حيث المقصود لا من حيث الدلالة ؛ ولذلك فسّر الإمام تنقيص أطراف الأرض بموت العلماء (9) .

2 ـ {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل : 82] فالآية واضحة الدلالة لكنّها مبهمة المعنى ، فما هو المراد من الدابة ؟ وكيف يكون تكلّمها مع الناس ؟

3 ـ {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف : 24] والآية واضحة الدلالة مبهمة المصداق فما هو المراد من البرهان ؟

إلى غير ذلك من الآيات التي تعدّ دلالتها واضحة حسب الدلالة الاستعمالية لكن الإبهام في المقاصد والمصاديق الحقيقية .

المحكمات أُمّ الكتاب

إنّ الآيات المحكمة ـ واضحة الدلالة بيّنة المعالم ـ بشهادة أنّها ( أُمّ الكتاب ) والمراد من الأُمّ كونها أصلاً في الكتاب تبتني عليها قواعد الدين وأركانه في مجالي العقيدة والعمل .

وأمّا المتشابهات ؛ فلاضطراب دلالتها وعدم تمركزها على معنى واحد ترجع إلى المحكمات رجوع بيان .

 فالمتشابهات ذات مداليل ترجع وتتفرّع على المحكمات ، ولازمه كون المحكمات واضحة المعنى .

ثمّ إنّ الإحكام والتشابه وصفان نسبيان بمعنى أنّ آيةً ما يمكن أن تكون محكمةً من جهة ومتشابهةً من جهة أُخرى ، فتكون محكمةً بالإضافة إلى آية و متشابهةً بالإضافة إلى أُخرى ، ولا مصداق للمتشابه على الإطلاق في القرآن ولا مانع من وجود محكم على الإطلاق .

العلم بتأويل المتشابه

هل يختص العلم بتأويل المتشابه باللّه سبحانه ؟ أو يعمّه والراسخين في العلم فالكلّ يعلم تأويل المتشابه ، وإن كان بين العِلمين فرق ، فالأوّل علم واجب غير متناهٍ ، والآخر علم إمكاني متناهٍ ؟

وقد احتدم النزاع عبر قرون في تفسير الآية ، أعني قوله سبحانه : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، فقد وقفت طائفة على لفظ الجلالة ، وعليه حرم الراسخون في العلم من تأويل المتشابه ، وطائفة أُخرى عطفت ( الراسخون في العلم ) على لفظ الجلالة وشرّكتهم في العلم بها ، ولم تزل هذه المسألة مورد البحث والنقاش إلى عصرنا هذا .

إنّ حلّ هذه المشكلة تكمن في تفسير المتشابه ، فمَن فسّر المحكم بكلّ ما أمكن تحصيل العلم به بدليل جلي أو خفي ، والمتشابه ما لا سبيل إلى العلم به كوقت قيام الساعة وحقيقة الجن والمَلك وسائر الأُمور غير المحسوسة ، فلا محيص له عن الوقف ؛ لأنّه سبحانه تبارك و تعالى استأثر بها على غيره .

وأمّا على ما أوضحناه من أنّ الإحكام والتشابه يرجع إلى الدلالة ، و أنّ تأويل المتشابه عبارة عن إرجاعه إلى المعنى المراد ببركة الإمعان في نفس الآية والقرائن المكتنفة والقرائن المنفصلة ، فالعلم بتأويل المتشابه يعمّه سبحانه والراسخين في العلم أيضاً .

فمَن حاول تحقيق المطلب يجب عليه الانطلاق أوّلاً بحلّ معضلة التشابه ثمّ العروج على تأويل المتشابه .

إنّ القرآن الكريم كتاب هداية وتذكرة أُنزل للتدبّر فيه ، يقول سبحانه : {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر : 48 - 51] ويقول سبحانه : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر : 17].

فعلى ضوء ذلك يجب أن يكون القرآن مفهوماً و معلوماً من بدئه إلى ختمه على ضوء الأُصول التي ذكرناها عند البحث عن مؤهلات المفسّر ، ومنه الآيات المتشابهة فقد أُنزلت للهداية والتذكرة فلا معنى لأن يستأثر اللّه بعض آياته على العباد ، وعلى ضوء ذلك لم نجد أحداً من علماء الأُمّة يتوقف في تفسير الآية بذريعة أنّ الآية متشابهة ، بل ظلّ يتفحّص عن القرائن الرافعة للشبه حولها ، وقد أيّد هذا المعنى فريق من العلماء .

قال الشيخ أبو علي الطبرسي : وممّا يؤيّد هذا القول ـ أي أنّ الراسخين يعلمون التأويل ـ أنّ الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع آي القرآن ولم نرَهم توقفوا على شيء منه لم يفسروه بأن قالوا : هذا متشابه لا يعلمه إلاّ اللّه (10) .

وقال الإمام بدر الدين الزركشي : إنّ اللّه لم ينزل شيئاً من القرآن إلاّ لينتفع به عباده ، ويدلّ به على معنى أراده ـ إلى أن قال ـ ولا يسوغ لأحد أن يقول : إنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لم يعلم المتشابه ، فإذا جاز أن يعرفه الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) مع قوله : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ ) جاز أن يعرفه الربّانيون من صحابته ، والمفسرون من أُمّته .

أَلا ترى أنّ ابن عباس كان يقول : أنا من الراسخين في العلم ، ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ من المتشابه إلاّ أن يقولوا ( آمنا ) لم يكن لهم فضل على الجاهل ؛ لأنّ الكلّ قائلون ذلك .

قال : ونحن لم نرَ المفسرين إلى هذه الغاية توقّفوا عن شيء من القرآن ، فقالوا : هذا متشابه لا يعلم تأويله إلاّ اللّه ، بل أمرّوه على التفسير حتّى فسّروا الحروف المقطّعة (11) .

ثمّ إنّ في نفس الآية دلالةً واضحةً على أنّه معطوف على لفظ الجلالة وهو أنّه سبحانه يصف هؤلاء بالرسوخ في العلم ومقتضى الرسوخ فيه العلم بالتأويل ولو كانت وظيفتهم مقتصرةً على الإيمان من دون العلم به كان الأنسب بل المناسب أن يقول والراسخون في الإيمان .

وعلى ضوء ما ذكرنا فالجملة معطوفة على لفظ الجلالة وتُفسّر الآية بالشكل التالي :

( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .

أي لكنّ الراسخين في العلم يقولون ( آمنا بالمتشابه ) كإيماننا بالمحكم ، فيأخذون بكلتا الآيتين بحجة ( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) ولكن الذي في قلوبهم زيغ يأخذون بخصوص المتشابه للغايتين الفاسدتين دون المحكم ، فكأنّه سبحانه لم ينزل إلاّ المتشابه ، فالإيمان بالمتشابه الذي جاء في قوله ( آمّنا به ) لا يدلّ على أنّ الراسخين يؤمنون به دون أن يعلموا ؛ وذلك لأنّ ذكر إيمانهم بهما لغاية ردّ أصحاب الزيغ حيث يؤمنون بواحد منهما واختصاص الإيمان به بالراسخين لا أنّه لا شأن لهم سوى الإيمان دون العلم .

وعلى ذلك فليس فيه إشعار على اختصاصهم بالإيمان دون العلم .

هذا ما يفهمه كلّ مَن له إلمام بالأدب العربي وكلمات البلغاء والفصحاء فلا يشك في العطف .

وأمّا ما هو موضع قوله : ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) إذا كان مفصولاً عمّا تقدّم .

والجواب واضح وهو أنّه جملة حالية ، قال الزمخشري : ( يقولون ) كلام مستأنف موضح لحال الراسخين .

بقي الكلام في ما هو المقصود من تأويل المتشابه ، وإراءة نماذج منه ، وهذا هو الذي نتطرّق إليه في الفصل التالي .  

______________________________________

1 ـ مجمع البيان : 3 / 141 عن أبي مسلم الإصفهاني .

2 ـ المصدر نفسه ، ولم يُذكر اسم القائل .

3 ـ التبيان : 1 / 9 ، ومراده من قوله : ( المراد منها غير ظاهرها ) هو الظاهر البدوي المتزلزل ، دون الظاهر المستقر الذي ينتهي إليه المفسّر بعد الإمعان في الآية ونظائرها والقرائن الأُخرى .

4 ـ المفردات : مادة أول .

6 ـ الميزان : 3 / 21 .

7 ـ التفسير الكبير : 1 / 253 .

8 ـ فقد ذكر الرازي في مفاتيح الغيب : 2 / 417 أربعة أوجه ، وأضاف إليها صاحب المنار : 3 / 163 ـ 165 ستة أُخرى ، وأوصلها إلى ستة عشر احتمالاً سيّدنا الأُستاذ ، انظر في الوقوف على هذه الوجوه : تفسير الميزان : 3 / 32 ـ  39 .

9 ـ البرهان للبحراني : 2 / 301 .

10 ـ مجمع البيان : 1 / 410 .

11 ـ البرهان : 2 / 72 ـ  73 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .