أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
557
التاريخ: 4-9-2016
592
التاريخ: 4-9-2016
458
التاريخ: 17-8-2016
543
|
قال صاحب الكفاية (رحمه الله) هنا ما حاصله : إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا عدم الفرق بين الإخبار والإنشاء لا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، بل الفرق في كيفية الاستعمال وغايته، فالموضوع له والمستعمل فيه في جملة «بعت» حال الإخبار والإنشاء واحد، إلاّ أنّ «بعت» الخبريّة وضعت لأن يراد منها الحكاية عن الخارج و «بعت» الإنشائيّة وضعت لأن يراد منها إيجاد البيع وإنشائه في عالم الاعتبار.
أقول: قد ظهر ممّا سبق ما هو الحقّ في المسألة أيضاً، وهو أنّ الإنشاء والإخبار أمران مختلفان، ذاتاً وجوهراً كما هو مقتضى حكمة الوضع، أمّا الإخبار فهو في الواقع بمنزلة التصوير من الخارج بآلة التصوير من دون تصرّف من ناحية المصوّر. وأمّا الإنشاء فهو إيجاد معنى في عالم الاعتبار من دون أن يكون بإزائه في الخارج شيء يحكى عنه، لأنّ يد الجعل لا تنال عالم التكوين بل هي مختصّة بالأمور الاعتباريّة، ويأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الأمارات في مقام بيان حقيقة حجّية الأمارات أنّه لا معنى لكون الحجّية هناك بمعنى جعل صفة القطع كما قال به المحقّق النائيني(رحمه الله)، لأنّ القطع أمر تكويني لا يقبل الجعل التشريعي وبالنتيجة لا شباهة بين ماهيّة الإنشاء وماهية الإخبار، والفرق بينهما هو نفس الفرق بين الاُمور التكوينيّة والاعتباريّة، وأمّا نحو جملة «بعت» التي تستعمل في الإخبار والإنشاء كليهما فإنّها من قبيل الألفاظ المشتركة التي وضعت لمعنيين مختلفين ولا بأس بالالتزام به.
تكملة: في ما أفاده بعض الأعلام في المقام. وحاصله: إنّ ما ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله) مبني على ما هو المشهور بينهم بل المتسالم عليه من أنّ الجمل الخبريّة موضوعة لثبوت النسبة في الخارج أو عدم ثبوتها فيه، وإنّ الجمل الإنشائيّة موضوعة لإيجاد المعنى في الخارج الذي يعبّر عنه بالوجود الإنشائي. والصحيح أنّ الجملة الخبريّة موضوعة للدلالة على قصد الحكاية والإخبار عن الثبوت أو النفي في الخارج، ولم توضع للدلالة على ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها عنه وذلك لسببين:
أحدهما: إنّها لا تدلّ ولو ظنّاً على ثبوت النسبة أو عدمه مع قطع النظر عن حال المخبر (من حيث الوثاقة) وعن القرائن الخارجيّة مع أنّ دلالة اللفظ لا تنفكّ عن مدلوله الوضعي بقانون الوضع وإلاّ لم يبق للوضع فائدة، فإذا فرضنا أنّ الجملة بما هي هي لا تدلّ على تحقّق النسبة في الواقع ولا كاشفية لها عنه أصلا ولو ظنّاً، فما معنى كون الهيئة موضوعاً لها؟ بل يصبح ذلك لغواً فلا يصدر من الواضع الحكيم.
ثانيهما: إنّ الوضع عبارة عن التعهّد والالتزام النفساني، ومن الواضح أنّ التعهّد والالتزام لا يتعلّقان إلاّ بالفعل الاختياري، إذ لا معنى للتعهّد بالإضافة إلى أمر غير اختياري، وبما أنّ ثبوت النسبة أو نفيها في الواقع خارج عن الاختيار فلا يعقل تعلّق الالتزام، به فالذي يمكن أن يتعلّق الالتزام به هو إبراز قصد الحكاية في الإخبار.
والنتيجة: أنّ الجملة الخبريّة وضعت لإبراز قصد الحكاية والإخبار عن الواقع ونفس الأمر.
وأمّا الجملة الإنشائيّة فهي موضوعة لإبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية، ولم توضع لإيجاد المعنى في الخارج، والوجه في ذلك هو إنّهم لو أرادوا بالإيجاد الإيجاد التكويني فبطلانه من الضروريات , وإن أرادوا به الإيجاد الاعتباري كإيجاد الوجوب والحرمة أو الملكيّة والزوجيّة وغير ذلك، فيردّه إنّه يكفي في ذلك نفس الاعتبار النفساني من دون حاجة إلى اللفظ والتكلّم به. نعم اللفظ مبرز له في الخارج لا إنّه موجد له.
ومن هنا يعلم إنّه لا فرق بينها وبين الجملة الخبريّة في الدلالة الوضعيّة والإبراز الخارجي: وإنّما الفرق بينهما في ما يتعلّق به الإبراز، فإنّه في الجملة الإنشائيّة أمر نفساني لا تعلّق له بالخارج، ولذا لا يتّصف بالصدق أو الكذب، بل يتّصف بالوجود أو العدم، وفي الجملة الخبريّة
أمر يتعلّق بالخارج فإن طابقه فصادق وإلاّ فكاذب(1) (انتهى ملخّصاً).
لكن يرد عليه اُمور:
الأمر الأوّل: إنّه يستلزم كون جملة «بعت» الإنشائيّة والجملة المعادلة لها (بناءً على ما ذهب إليه) وهي «اعتبرت في نفسي ملكيّة هذا لزيد مثلا» كالمترادفين فيصحّ حينئذ جعل إحديهما موضع الاُخرى، مع أنّه خلاف الوجدان، لأنّا نجد بوجداننا إيجاد الملكيّة أو الزوجيّة مثلا بجملة «بعت» أو «زوّجت» ولا نجده في جملة «اعتبرت في نفسي ملكيّة هذا» (بعنوان الحكاية عمّا في ضميره).
الأمر الثاني: إنّه لو كان حقيقة الإخبار إبراز قصد الحكاية فانه يستلزم أن لا تكون الجمل الخبريّة بنفسها مصاديق للحكاية عن الخارج، وهو خلاف الوجدان، لأنّا ندرك بصريح وجداننا إنّها حاكيات عن الخارج، وأمّا ما ذكره من أنّها لا تدلّ على ثبوت النسبة في الخارج ولو ظنّاً إلاّ بعد وثاقة المخبر والقرائن الخارجيّة فهو من قبيل الخلط بين الدلالة التكوينيّة كدلالة الدخّان على وجود النار، والدلالة الوضعيّة الالتزاميّة كدلالة الألفاظ على معانيها، والمنفي هو الثاني لا الأوّل.
وإن شئت قلت: الألفاظ كالصور المرتسمة، فإنّها بأجمعها تحكي عن الخارج سواء كان هناك إنسان قصد الحكاية أم لا، ومع ذلك هذه الصور قد تكون مطابقة للواقع واُخرى مخالفة له.
الأمر ثالث: إنّ لازم كلامه قبول الإنشاء للصدق والكذب، فإنّ من قال: «بعت داري» يحكي عن أمر نفساني خاصّ بناءً على ما ذكره من أنّه لإبراز ما في النفس، وهذا قد يكون مطابقاً للواقع وقد يكون مخالفاً إذا لم يكن في نفسه من هذا الأمر الاعتباري عين ولا أثر.
الأمر الرابع: (وهو العمدة) إنّ الإنصاف كون حقيقة الإنشاء إيجاد أمر اعتباري بأسبابه المعتبرة عند العقلاء، وبعبارة اُخرى: حقائق هذه الاُمور (الملكيّة والزوجيّة وغيرهما) اعتبارات عقلائيّة وقد جعلوا للوصول إليها أسباباً، ومن توسّل بهذه الأسباب فقد أوجدها في وعائها، ولا ينافي ذلك أن يكون له شرائط مختلفة ممّا يعتبر في البائع والمشتري والعوضين،
فمن تعدّاها لم يصل إلى هذه الاعتبارات. وهو نظير إمضائه في دفتر الأسناد فيما إذا أراد انتقال ملكه إلى الغير، فإنّ إمضاءه هذا يوجب اعتبار العقلاء الملكيّة للمشتري ويترتّب عليه آثار خاصّة عندهم، وبه يوجد مصداق من مصاديق سبب الملكيّة الذي اعتبره العقلاء سبباً.
وعلى هذا فيصحّ أن نقول: إنّ حقيقة الإنشاء إيجاد الاُمور الاعتباريّة لا إبراز الاعتبارات النفسانيّة، والاعتبارات النفسانيّة الشخصيّة بمجرّدها غير كافية في حصول هذه العناوين عند العقلاء إلاّ أن يكون بأسباب خاصّة عندهم.
هذا تمام الكلام في الفرق بين الإنشاء والإخبار.
_________________________
1. راجع: المحاضرات: ج2، ص84 ـ 89.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|