أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1539
التاريخ: 4-9-2016
899
التاريخ: 17-8-2016
609
التاريخ: 2-9-2016
557
|
هل يحكم بتنجّس ملاقي بعض أطراف النجس المعلوم بالإجمال، أو يجب أيضاً ترتيب سائر الآثار الشرعيّة المتعلّقة بالحرام التفصيلي أو النجس التفصيلي عليها؟
في المسألة أقوال ثلاثة:
1 ـ ما ذهب إليه المشهور من عدم تنجّس الملاقي مطلقاً.
2 ـ ما حكي عن العلاّمة في المنتهى وابن زهرة في الغنية من التنجّس ووجوب الاجتناب مطلقاً.
3 ـ ما أفاده المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية من التفصيل بين صور ثلاث: ففي صورة قال بوجوب الاجتناب عن الملاقي والملاقي معاً، وفي صورة اُخرى قال بوجوب الإجتناب عن خصوص الملاقي، وفي صورة ثالثة قال بوجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى.
وبما أنّ المسألة ليس لها دليل خاصّ فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة الأوّليّة الجارية في أطراف العلم الإجمالي وملاحظة أنّها هل تشمل ملاقيها أو لا؟
والصحيح عدم الشمول، لأنّ وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي كان مبنيّاً على وجهين: وجوب المقدّمة العلميّة، وتعارض الأدلّة المرخّصة، وكلاهما غير جاريين في المقام.
أمّا الأوّل: فلأنّ ما يكون مقدّمة للعلم بالفراغ عن خطاب «اجتنب عن النجس» مثلا إنّما هو الاحتياط في نفس الأطراف التي يحتمل إنطباق المعلوم بالإجمال على بعضها، دون غيرها ممّا لا يحتمل انطباق المعلوم عليه وإن كان محكوماً عليه بحكم بعض الأطراف واقعاً، لكون ذلك البعض علّة لنجاسة ملاقيه، لكن الملاقي على هذا التقدير فرد آخر ليس إرتكابه مخالفة لخطاب «اجتنب عن النجس» المعلوم إجمالا، بل مخالفة لخطاب آخر وهو «اجتنب عن ملاقي النجس» الذي هو مشكوك الوجود.
وأمّا الثاني: فلأنّ المفروض حصول الملاقاة بعد تساقط الاُصول المرخّصة بأحد المنشأين المذكورين سابقاً (تعارضها أو التناقض بين صدر الأدلّة وذيلها) فالأصل المرخّص الجاري في الملاقي لا معارض له.
إن قلت: كيف يمكن التفكيك بين الملاقي والملاقي في الحكم مع العلم باتّحادهما في الواقع؟
قلنا: إنّ عدم الفرق في مقام الواقع والثبوت بين شيئين لا ينافي التفكيك بينهما في مقام الإثبات والحكم الظاهري (كما ثبت في محلّه) نظير ما أفتى به المحقّقون من التفرقة بين الماء المشكوك الكرّية الذي لم يعلم حالتها السابقة، والثوب النجس الملاقي به، فأفتوا ببقاء الماء على طهارته لاستصحاب الطهارة، وبقاء الثوب على نجاسته لاستصحاب النجاسة مع القطع باتّحادهما واقعاً أمّا في الطهارة أو في النجاسة.
إن قلت: إنّ الملاقاة بمنزلة تقسيم ما في أحد المشتبهين وجعله في إنائين فتّتسع دائرة الملاقي، فالملاقي والملاقي معاً طرف واحد للعلم الإجمالي، والإناء الآخر طرف آخر له، فيجب الاجتناب عن مجموع الثلاثة.
قلنا: المفروض ـ كما قلنا ـ حصول الملاقاة بعد حصول العلم الإجمالي وتعارض الاُصول في الأطراف، ومعه كيف يصير الملاقي جزءً لأحد الأطراف مع أنّه قد مرّ سابقاً أنّ الاُصول تدخل في مجال التعارض مرّة واحدة فيبقى الأصل الجاري في الملاقي بلا معارض؟
إن قلت: إنّ مسألة الاجتناب عن الملاقي يعدّ عرفاً من شؤون الاجتناب عن الملاقي، وليس تكليفاً جديداً، وليس وجوب الاجتناب عن الملاقي لأجل تعبّد آخر وراء التعبّد بوجوب الاجتناب عن الملاقي، أي يدلّ نفس دليل وجوب الاجتناب عن النجس («والرجز فاهجر» أو «اجتنب عن النجس») على الاجتناب عنه وعن ملاقيه بوزان واحد فلو كان الملاقي هو النجس الواقعي توقّف العلم بهجره على الاجتناب عنه وعن ملاقيه، كما يتوقّف العلم بامتثال خطاب «اجتنب عن النجس» على الاجتناب عن طرف الملاقي أيضاً، بداهة الفراغ اليقيني عن وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم المردّد لا يحصل إلاّ بذلك.
قلنا: هذه دعوى بلا دليل لأنّ الملاقي (على فرض تنجّسه كما في النجس المعلوم تفصيلا) موضوع جديد للجنس، وله حكم جديد، ولشربه معصية جديدة، فيعدّ شرب الملاقي و الملاقي معاً معصيتين لا معصية واحدة، كما هو الظاهر من بعض الروايات كما أفاد به في تهذيب الاُصول، حيث قال: ويمكن الاستدلال على القول المشهور (إنّ وجوب الإجتناب عن الملاقي مجعول مستقلا) بمفهوم قوله(عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»، فإنّ مفهومه إنّ الماء إذا لم يبلغ حدّ الكرّ ينجّسه بعض النجاسات، أي يجعله نجساً ومصداقاً مستقلا منه، وظاهره أنّ الأعيان النجسة واسطة لثبوت النجاسة للماء فيصير الماء لأجل الملاقاة للنجس فرداً من النجس مختصّاً بالجعل(1).
وأمّا تفصيل المحقّق الخراساني(رحمه الله) فحاصل كلامه أنّ الملاقي بالكسر له صور ثلاث: فتارةً يجب الاجتناب عن الملاقي بالفتح دون الملاقي بالكسر، واُخرى يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقي بالفتح، وثالثة يجب الاجتناب عنهما جميعاً.
أمّا الصورة الاُولى فهي كما إذا كانت الملاقاة من بعد العلم الإجمالي فحينئذ لا يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر، وظهر وجهه ممّا ذكرنا آنفاً.
وأمّا الصورة الثالثة: فهي كما إذا حصل العلم الإجمالي من بعد الملاقاة فحينئذ يجب الاجتناب عن كلّ من الملاقي و الملاقي، ووجهه أيضاً واضح لما مرّ.
وأمّا الصورة الثانية: وهى ما يجب فيه الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقي بالفتح فذكر لها مثالين: أحدهما: ـ الذي لا يمكن المساعدة عليه ـ ما إذا علمنا مثلا عند الظهر بنجاسة الثوب أو الإناء الأوّل، ثمّ حصل لنا العلم عند العصر بنجاسة أحد الإنائين من قبل ملاقاة الثوب للإناء الثاني، فيجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر ـ وهو الثوب ـ والإناء الأوّل إمتثالا للعلم الإجمالي الأوّل الحادث بينهما عند الظهر، ولا يجب الاجتناب عن الملاقي بالفتح أعني الإناء الثاني، لأنّ وجوب الاجتناب عنه إن كان لأجل العلم الإجمالي الثاني الحادث عصراً بينه وبين الإناء الأوّل فهو غير منجّز بعد تنجّز العلم الإجمالي الأوّل الحادث ظهراً وسقوط الاُصول الجارية فيها، وإن كان لأجل ملاقاة الثوب له فهو غير مؤثّر، لأنّ الثوب على تقدير نجاسته فرد آخر تكون الشبهة فيه بدوية كما لا يخفى، فلا وجه لوجوب الاجتناب عن ملاقيه.
والوجه في عدم إمكان المساعدة عليه أنّ العلم الإجمالي الأوّل إن كان له منشأ آخر غير الملاقاة كما إذا علمنا بوقوع قطرة دم إمّا على الثوب أو في الإناء الأوّل فهذا خارج عن مفروض البحث، وإن كان المنشأ فيهما واحداً فلا معنى لحصول علم إجمالي آخر بعد العلم الإجمالي الأوّل لأنّ المفروض أنّ العلم الإجمالي الأوّل نشأ من ناحية الملاقاة بالنسبة إلى أحد الطرفين، وهذا متوقّف على ثبوت العلم الإجمالي في نفس الإنائين من قبل.
والمثال الثاني: الذي لا إشكال فيه هو ما إذا علمنا في فرض المثال السابق بنجاسة الثوب أو الإناء الثاني ثمّ بملاقاة الثوب للإناء الثاني في الساعة الاُولى، وخرج الإناء الثاني الملاقي بالفتح عن محلّ الابتلاء ثم علمنا في الساعة الثانية بنجاسة الثوب الملاقي بالكسر أو الإناء الأوّل، ثمّ صار الإناء الثاني مبتلى به ثانياً فيجب الاجتناب عن الثوب الملاقي بالكسر والإناء الأوّل دون الإناء الثاني الملاقي بالفتح لعدم كونه طرفاً لعلم إجمالي منجّز، أمّا بالنسبة إلى العلم الإجمالي الأوّل الذي كان بينه وبين الثوب فلخروجه عن محلّ الابتلاء، وأمّا بالنسبة إلى العلم الإجمالي الثاني فلعدم كونه طرفاً له وأمّا بالنسبة إلى العلم الإجمالي الأوّل بعد صيرورته مبتلى به فلأنّ تنجّز العلم الإجمالي الثاني يكون مانعاً عن تنجّزه لأنّ المنجّز لا يتنجّز ثانياً.
بقي هنا شيء:
وهو أنّ شيخنا الأعظم الأنصاري(رحمه الله) استدلّ لوجوب الإجتناب عن الملاقي في المقام برواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «أتاه رجل فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر(عليه السلام): لا تأكله. فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّك لم تستخفّ بالفأرة وإنّما استخففت بدينك، إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء»(2) حيث إنّ قوله(عليه السلام): «حرّم» بمعنى الحكم بالنجاسة فيكون مقتضى ذيل هذه الرواية نجاسة الميتة بتمام شؤوناتها التي منها الملاقي، فالاجتناب عن الملاقي يعدّ من شؤون الاجتناب عن الملاقي، ثمّ ناقش في سندها لمكان عمرو بن شمر الذي هو ضعيف جدّاً وقال العلاّمة في حقّه: «لا أعتمد على شيء من رواياته» وأيضاً هو متّهم بالدسّ في روايات جابر.
والصحيح أنّ دلالتها أيضاً قابلة للمناقشة، والوجه في ذلك أنّ أصل النجاسة والإستقذار أمر عرفي كانت موجودة قبل وجود الشرع، غاية الأمر أنّ الشارع أضاف إليها شيئاً أو نقص منها شيئاً نظير ما هو ثابت في باب المعاملات، فليست النجاسة من مخترعات الشارع، كما أنّ الملاقاة وسراية النجاسة إلى الملاقي أيضاً أمر عرفي، والعرف يحكم بها إذا تحقّقت قذارة جديدة وموضوع جديد للنجاسة بعد الملاقاة، ولا تعدّ نجاسة الملاقي والملاقي شيئاً واحداً، فليس الملاقي من شؤون الملاقي حتّى يستفاد من اطلاق دليل الملاقي نجاسة الملاقي، فليس معنى «الفأرة نجس» مثلا «إجتنب عنها وعن ملاقيها».
هذا كلّه بالنسبة إلى ملاقي أحد الأطراف، وأمّا إذا حصلت الملاقاة بالنسبة إلى جميع الأطراف كما إذا لاقت إحدى اليدين بأحد الإنائين المعلومة نجاسة أحدهما، ولاقت اليد الاُخرى بالإناء الآخر فلا إشكال في نجاسة الملاقي لحصول علم إجمالي جديد حينئذ بالنجاسة كما لا يخفى.
_____________
1. تهذيب الاُصول: ج2، ص298، طبع جماعة المدرّسين.
2. وسائل الشيعة: الباب 5، من أبواب الماء المضاف، ح 2.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|