أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-02
1057
التاريخ: 2024-02-28
848
التاريخ: 2023-09-10
1094
التاريخ: 2024-02-28
922
|
وكل ما نعرفه حتى الآن أنه بين السنة الخامسة، والثامنة هبَّ كل أمراء «فلسطين» بالثورات على «رعمسيس» بتحريض من «خيتا»؛ ولذلك اضطر إلى إعادة فتح كل أملاكه الأسيوية من جديد مبتدئًا «بعسقلان»، ولدينا على جدران معبد «الكرنك» منظر يمثل الهجوم على مدينة «عسقلان»، والنقوش المفسرة للمنظر تشير إلى قيام عصيان فيها، والواقع أن «عسقلان» لم تكن المدينة الوحيدة التي شقت عصا الطاعة، بل لا بد أنها كانت في حلف مع مدن «فلسطين» الأخرى. وفي هذا المنظر نشاهد الملك في عربته يهاجم الأسيويين ذوي اللحى، وهم مصطفون فوق شرفات المدينة الواقعة على مرتفع من الأرض، ويلاحظ أن سلالم الهجوم قد نُصبت، وأن ضابطًا مصريًّا يهدم بوابة المدينة ببلطته، في حين نشاهد السكان على الجدران يطلبون الرحمة، وقد نُقش مع منظر المدينة المتن التالي: «مدينة «عسقلان» الخاسئة التي استولى عليها جلالته عندما ثارت، وتقول — أي المدينة — إنه لسرور أن نكون رعاياك، وإنها لبهجة أن نعبر حدودك، خذ إرثك حتى نتحدث عن شجاعته في كل البلاد المجهولة.» ولم تحل السنة الثامنة من حكم «رعمسيس» حتى كان قد وصل إلى شمال «فلسطين» ثانية، واستولى على مدينة «الجليلي الغربي»، والوثيقة الوحيدة التي لدينا عن هذه الفتوح (1) هي قائمة تظهر فيها صفوف مدن ذوات شرفات يسوق فيها ضباط مصريون الأسرى، وكل مدينة نقش عليها المتن التالي: «مدينة نهبها جلالته في السنة الثامنة»، وبعد ذلك يذكر اسم المدينة، غير أنه لم يبقَ من هذه الأسماء إلا قليل قد فحصه «مولر «(2).
حصار «دابور «: والمكان الوحيد من بين هذه المدن الذي لا يقع غربي إقليم «الجليل» هو مدينة في أرض «آمور» تُدعى «دبور»، وتقع — على ما يظهر — في إقليم حلب على حسب أحدث الآراء (3). وقد مثل المفتن المصري الاستيلاء على هذه المدينة في صورة رائعة حية بتفاصيل شيقة على جدران معبد «الرمسيوم «(4)، وفيها يظهر أولاد «رعمسيس» يقومون بدور هام في الموقعة. والنقوش المفسرة لهذا المنظر على الرغم من أنها تكاد تكون كلها عقود مدح للفرعون فإنها مع ذلك تظهر لنا حقيقة هامة هي أن «خيتا» كانوا منذ واقعة «قادش» قد أوغلوا في هذه الأصقاع جنوبًا، واحتلوا مؤقتًا بلدة «دبور» التي يقصيهم عنها «رعمسيس»، وتعد هذه البلدة أقصى بلدة في الجنوب وصل إليها «الخيتا» في إيغاله، وهذا الإيغال كان بطبيعة الحال وقتيًّا؛ إذ لم نجد لهم آثارًا جنوبي «حماة»، والواقع أن هذا التقدم العظيم كان له علاقة بالثورة في فلسطين.
شكل 1: حصار حصن دابور.
ومن المحتمل في هذه الفترة أن إقليم شرق الأردن — أي حوران — كان قد عاد ثانية في قبضة الفرعون «رعمسيس الثاني»؛ إذ قد دون هناك موظف نقشًا تذكاريًّا لنفسه مثل عليه، وهو يقدم القربان لأحد الآلهة المحلية، ويحمل على ما يظهر اسمًا ساميَّا (5). أما المنظر الذي يمثل الاستيلاء على بلدة «دبور» — وهو أكبر وثيقة لدينا عن تاريخ هذه الفترة في حروب سيتي مع «خيتا» — فيحتوي النقش التالي:
قال خاسئ «خيتا» في مدح الإله الطيب: أعطنا النفس الذي تهب، يأيها الحاكم الطيب، تأمل إننا تحت نعليك، وإن الفزع منك قد نفذ إلى أرض «خيتا»، وإن أميرها قد سقط بسبب شهرتك، وإنَّا مثل قطيع من الخيل عندما ينقض عليه الأسد ذو العين المفترسة، وإنه الإله الطيب العظيم الشجاعة في الممالك، والقوي القلب في ساحة القتال، الثابت على الجواد، والجميل في العربة عندما يقبض على القوس ليرمي به أو يحارب يدًا ليد، الثابت الذي لا يفلت منه أحد … والذي يرتدي الزرد الجميل في ساحة القتال، والذي يعود بعد انتصاره على أمير «خيتا» الخاسئ، وعندما تغلب عليه ذرَّاه مثل التبن في الهواء حتى إنه تخلى عن مدينته خوفًا منه، وقد وضع «رعمسيس» شهرته هناك لكل يوم، وقد كانت قوته في أعضائه مثل النار، وإنه ثور يناضل عن حدوده، ويستولي على الأشياء التي وقعت في قبضته، ولم تترك يده إنسانًا حيًّا، وإنه عاصفة في الممالك، عظيم في المعمعة، مرسل الصاعقة على الرؤساء لتخريب مدنهم، ومصير كل أماكنهم أصقاعًا صحراوية، وسهامه خلفه مثل «سخمت» عندما تنقض كالريح … أرض «خيتا» الخاسئة عدوته، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس «رعمسيس» محبوب «آمون». وفي هذا المنظر ذكر لنا أسماء ستة من أولاده وهم: «خعموا ست»، و«منتو»، و«مري آمون»، و«آمون مويا»، و«سيتي»، ثم «ستبن رع». ولدينا نقش آخر على قطعة من الحجر في «الرمسيوم» تدل على أن «دبور» تقع في إقليم «تونب» في أرض النهرين، إذ قد جاء فيه: «بلد خاسئ و«خيتا» الواقعة في إقليم بلدة «تونب» في أرض نهرين.» وقد ظهر في الصورة أن المدافعين عن البلد كانوا من «خيتا «. ومن ثم نعلم أن «رعمسيس» أوغل في بلاد «نهرين» التي كانت تحت سيطرة «خيتا»، وفي نهاية هذه الحروب التي دامت ثلاث سنوات أصبح «رعمسيس» يمد سلطانه على البلاد التي كانت تحت قبضته بعد موقعة «قادش»، بل زاد عليها، غير أن هذه البلاد التي استولى عليها من «خيتا» لم تكن تحت الحكم المصري تمامًا، بل كان يحكمها حكام من «خيتا» بإشراف «رعمسيس «. وعلى حسب قائمة فتوح «رعمسيس» نجد أنه قد استولى على بلاد «نهرين»، و«رتنو» السفلى (شمالي سوريا)، و«إرواد»، وبلاد «كفتيو»، و«قطنة» على نهر «الأرنت»، وخلاصة القول أن «رعمسيس الثاني» بعد أن ارتكب غلطته الطائشة في بادئ حروبه مع «خيتا» عندما سار بجيشه، وألقى بنفسه ببراءة وسذاجة في الفخ الذي نُصب له عند «قادش» أصبح — بعد أن حنكته التجارب وصهرته ميادين القتال وحيل الأعداء وثوراتهم العديدة — جنديًّا ثابت الجنان، واسع الحيلة؛ مما جعله في نظر جيرانه «الخيتا» خطرًا حقيقيًّا على دولتهم في سوريا. وبعد حروب دامت أكثر من خمسة عشر عامًا مات «مواتالو» ملك «خيتا»، أو قُتل على حسب بعض الآراء، وخلفه على العرش أخوه «خاتوسيل»، وكان سياسيًّا قديرًا، ففطن في الحال إلى أن سقوط دولة «متني» قد عرضت حدود بلاده الشرقية لهجوم «آشور» القوية، فعمل على أن تكون علاقاته مع «بابل» علاقة سلم ومهادنة، ثم شرع في اتخاذ التدابير لإنهاء الحرب بينه وبين مصر، ولذلك نجده قد طلب إبرام معاهدة مع مصر قوامها السلم الدائم، والود الأكيد كما سنرى. والواقع أننا نعلم أنه على الرغم من هذه الانتصارات لم يكن في مقدور «رعمسيس» أن يضم إلى أملاك مصر — لا شمالي سوريا، ولا وادي نهر «الأرنت»، ولا معظم أراضي «آمور»، ولم يستطع أن يبقي تحت سلطانه الفعلي إلا بلاد «فلسطين»، وإقليم «لبنان «(6). وقد وصلتنا بردية (7)، نتحدث عن جنوبي «سوريا»، وفلسطين من الوجهة التجارية، ومنها نعلم أن «سميرا» كانت تُدعى باسم «رعمسيس الثاني» «سميرا سسو»، و«سسو» تصغير اسم «رعمسيس الثاني»؛ وذلك يبرهن على أن هذا الحصن كان ضمن أملاك مصر، وبذلك بقي نهر «الكلب» الحد الفاصل لأملاك مصر في آسيا (8).
........................................
1- وتقع على الجانب الغربي من البرج الشمالي للبوابة الأولى من معبد «الرمسيوم» (راجع Champ. Notices I, 870-1; L., D., III, 156 & Taxte III, 127-8).
2- راجع: Muller. Asien Und Europa 220–222.
3- راجع: Gardiner Onomastica I, p. 179, 189.
4- راجع: Champ. Mon. 331 = L. D., III, 166; Br. A. R., III, § 357.
5- راجع: Zeitschrift des Deutschen Palestina Vereins XIV, p. 142 ff..
6- راجع: Gardiner Onomastica I, 179.
7- راجع: Pap. Anastasi I, 18, 8.
8- راجع: Ed. Meyer, Cesch II, 1. p. 471.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
مكتبة العتبة العباسية.. خدمات رقمية متطورة وجهود لتلبية احتياجات الباحثين
|
|
|