ثانياً) تكييف جداول الأسعار بحسب شرائح المودعين 

هناك منافسة شديدة اليوم بين المصارف فيما يخص الودائع الجارية .من بين الأساليب الشائعة هنا استخدام جداول رسوم الودائع، وهو نوع من التسعير المشروط" (Conditional Pricing). هنا يحدد المصرف جدولاً بأسعار الخدمات، حيث يدفع العميل رسوماً منخفضة، أو حتى بدون رسوم إذا بقي رصيد الودائع فوق الحد الأدنى، في حين تفرض رسوم أعلى إذا انخفض الرصيد دون ذلك الحد. أي أن العميل يدفع أسعاراً مشروطة بكيفية استخدامه للودائع.

هنا تتفاوت جداول الرسوم مع أسعار الودائع، حسب واحد أو أكثر من العوامل الآتية :

• عدد المعاملات التي تدخل في الحساب (مثلاً ، عدد الشيكات المسحوبة، وحجم الودائع والتحويلات السلكية، وأوامر إيقاف السحب، وإشعارات عدم توافر الرصيد).

• حجم الرصيد المحتفظ به في الحساب خلال المدة المحدودة (غالباً الشهر الواحد).

 • استحقاق الوديعة بالأيام، أو الأسابيع، أو الأشهر.

إذ يختار العميل ذلك المصرف وخطة الودائع التي تحقق أدنى رسوم ممكنة و/أو أعلى العوائد، مع الأخذ في الاعتبار عدد الشيكات التي يخطط تحريرها، وعدد مرات الإبداع والسحب، ومتوسط الرصيد المخطط .غني عن البيان ؛أن المصرف يجب أن يكون مقبول اصلاً من العميل من حيث الملائمة، وتوافر الخدمة.

يبوب بعض المصرفيين جداول أسعار الودائع الجارية في ثلاثة شرائح هي:

• التسعير الثابت (Flat-Rate Pricing).

• التسعير الحر (Free Pricing).

• التسعير الحر المشروط (Conditional Free Pricing).

ففي حالة "التسعير الثابت"، تحدد رسوم الشيك الواحد، للمدة الواحدة، أو كلاهما. فقد تكون هناك رسوم إدارة (صيانة) الحساب (Maintenance Free) بمقدار (20) دينارشهرياً، وتكلفة كل شيك (0.10) دينار ، بغض النظر عن حركة الحساب.

ويشير "التسعير الحر" إلى غياب رسوم الإدارة الشهرية للحساب أو المعاملة الواحدة. غير أن إطلاق تسميته "حر" قد لا تكون صحيحة إذ قد يدفع العميل رسوماً ضمنية على شكل دخل مفقود (تكلفة الفرصة) حتى ولو لم يدفع رسوماً علنية، وذلك عندما تقل الأسعار الفعلية المدفوعة على ودائعه عن تلك الأسعار السائدة على استثمارات مشابهة لها في مستوى المخاطرة. وقد وجد العديد من المصارف أن التسعير الحر غير مربح لأنه يجذب العديد من الودائع صغيرة الحجم، وبالغة الحركة.

لقد أخذت أساليب التسعير الحر المشروط تحل تدريجياً محل النوعين أعلاه من أساليب التسعير في العديد من الأسواق المصرفية. إذ يفضل بموجب هذا الأسلوب جذب الودائع الكبيرة، لأنه لن تكون هناك رسوم إذا حافظ الرصيد على حد أدنى. من بين مزايا هذا الأسلوب أن العميل وليس المصرف هو الذي سوف يختار خطة الإيداع المفضلة، وهي طريقة تؤكد على "إشارة السوق" (Market Signaling) التي تتيح للمصرف معلومات مهمة عن سلوك العميل وتكلفة الودائع . كما يسمح هذا الأسلوب للمصرف بتجزئة سوق الودائع إلى: "ذات الرصيد العادي والحركة المنخفضة"، و"ذات الرصيد المنخفض والحركة العالية".

يظهر من الشكل (15) أن المصرف (أ) يفضل الودائع ذات الأرصدة الكبيرة والحركة المنخفضة، في حين أن المصرف (ب) هو أكثر تساهلاً مع الحسابات الجارية الصغيرة. مثلا أن المصرف (أ) يبدأ بفرض رسوم الخدمة عندما يقل رصيد العميل عن (600) دينار، في حين أن المصرف (ب) لا يفرض أية رسوم على خدمات الحسابات الجارية حتى ينخفض رصيد حساب العميل دون (500) دينار. أضف لذلك أن المصرف (أ) .

يفرض رسوماً أعلى بكثير على الحسابات الجارية ذات الرصيد الأقل قياساً بالمصرف (ب) وهي (5 - 10) دينار للشهر الواحد مقابل (3.5) دينار للشهر الواحد. هذا في حين أن المصرف (أ) يسمح بعدد غير محدود من الشيكات. ويفرض المصرف (ب) الرسوم إذا فاق عدد الشيكات أو المسحوبات (10) . ويفرض المصرف (أ) رسوم خدمة بمقدار (3) دينار شهرياً إذا انخفض رصيد ودائع التوفير عن (200) دينار، في حين يفرض المصرف ( ب ) رسوماً ب (2) دينار إذا انخفض رصيد ودائع  التوفير عن (100).

تعكس هذه الفروقات في أساليب التسعير فلسفة الإدارة والمالكين في المصرفين (أ) و (ب)، ونوع العملاء الذين يسعى كل منهما لاجتذابه. ففروع المصرف (أ) يقع في منطقة ثرية وتخدم العملاء من ذوي الثروات العالية والمنشات ذات الأرصدة المرتفعة، ولا تستخدم الشبكات بكثرة. أما فروع المصرف (ب) فتقع في منطقة جامعية ويخدم مجتمع الطلاب بالدرجة الأولى، حيث تكون أرصدة الحسابات منخفضة، وهو يهدف إلى تقليل حركة السحب من الحسابات ذات الأرصدة القليلة. فهو يحقق هذا  الهدف من خلال فرض رسوم عالية على المسحوبات الكثيرة. يمكن هنا التوصل إلى الاستنتاجات الأتية المستمدة من سياسة تسعير ومدى حساسيتها لكل من :

• شريحة العملاء الذين يخطط المصرف خدمتهم، وبالتالي يقوم كل مصرف بتحديد الجداول السعرية التي تفي باحتياجات الأفراد والمنشآت التي تستحوذ على غالبية العملاء.

• التكلفة التي يتحملها المصرف مقابل خدمة كل شريحة من العملاء، حيث تسعى المصارف اليوم لاسترداد كل (أو الجزء الأعظم) من التكاليف المتوقعة لتقديم  الخدمات. هناك توجه آخر لدى بعض المصارف لاستخدام ما يسمى بـ التسعير المتجه نحو الشرائح الغنية أو الثرية المستهدفة (Using Upscale Target Pricing). فهي تجتذب بشكل هجومي المجتمعات الحضرية الكبيرة التي تتمتع بالأرصدة العالية، وانخفاض حركة الحساب وتوجه حملة الإعلانات نحو المهنيين مثل الأطباء والمحامين ورجال الأعمال والمدراء والعائلات ذات الدخول العالية، مع فرض رسوم الخدمات التي تحقق هوامش الربح المرتفعة. أما الودائع ذات الأرصدة المنخفضة وحركة الحساب العالية فتفرض عليها رسوم عالية، وغالباً ما يرافق هذه السياسة المنصبة على الاهتمام بكبار العملاء نمطاً خاصاً من الخدمات الشخصية، وتعيين ضابط خاص يدير عدداً محدوداً من الحسابات. وقد دلت الدراسات الأخيرة على أن كبار المودعين من هذا النوع يستجيبون بمرونة لفروقات الأسعار، وهم يراقبون حركة تحرير المصارف من الرقابة وآثار ذلك على إنخفاض أسعار الخدمات في سوق تنافسي.