أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-19
![]()
التاريخ: 2023-10-26
![]()
التاريخ: 2024-09-28
![]()
التاريخ: 2023-10-21
![]() |
وكانت الإمبراطورية في حالة من الفوضى والاضطراب تدعو إلى القلق الشديد، فكتب هرقل إلى أبرويز يُعْلمه بالقصاص الذي أنزله بفوقاس، ويؤكد له أن إعادة السلم بين الدولتين أصبح ميسورًا، ولكن أبرويز لم يجب، وكانت جيوشُهُ قد قطعت الفرات واحتلت قرقيسية عند مصب الخابور وكلينيكم إلى شماليها، فأنفذ هرقل بريسقوس القائد إلى قيصرية قبذوقية ليطرد الفرس منها، فطردهم بعد حصار دام سنة كاملة، ولكنهم خرجوا منها مفتتحين لهم طريقًا بالقوة وأنزلوا بالروم خسارة كبيرة. ثم اتجهوا شطر أرمينية لتمضية فصل الشتاء، واستطاعوا أن ينتصروا على الروم في سورية فأخذوا حمص عَنْوَةً في السنة 611، فما أطلَّت السنة 612 حتى سافر هرقل من القسطنطينية إلى آسية الصغرى ليدرس الموقف مع بريسقوس عن كثب، فتباطأ القائدُ في استقبال الفسيلفس متذرعًا بالمرض، وفي النهاية أفهم هرقل أنه لن يرضى عن تَدَخُّله في أُمُور الجيش، فسكت هرقل على هذه الوقاحة؛ لأنه لم يكن بإمكانه آنئذٍ أن يقاوم قوة بريسقوس بقوة مماثلة. وفي خريف السنة 612 أمَّ العاصمة نيقيطاس؛ ليفاوض الفسيلفس في شئون مصر، وقدمها بريسقوس أيضًا؛ ليشترك في استقبال هذا الضيف الملكي، وكان قد ولد لهرقل ولدٌ ذكرٌ فأَعلم الفسيلفس بريسقوس بوجوب بقائه في العاصمة لحضور حفلة عماد الطفل في الخامس من كانون الأول، فصدع بريسقوس بالأمر، ولم يبرح العاصمة، وانتهز الفسيلفس هذه السانحة فاتهم القائد بالخيانة العظمى وأمر بإلقاء القبض عليه وإيداعه أحد الأديرة، ثم أطلَّ على جنود العاصمة فحيَّوْه قائدًا أعلى. ثم جعل نيقيطاس قائدًا على الحرس وأخرج فيليبيقوس من الدير الذي كان قد التجأ إليه وسلمه القيادة، وأشرك أخاه ثيودوروس فيها أيضًا. ورأى هرقل أَنْ يواجه الفرس في الجبهتين في آنٍ واحدٍ، فأنفذ فيليبيقوس بجيش إلى أرمينية، وقام هو وأخوه ثيودوروس إلى سورية الشمالية لِيَصُدَّا أبرويز عن احتلال سواحل لبنان وفلسطين ومصر. وكان أبرويز قد لَمَسَ ضعف الروم لَمْسَ اليد، فأحب أن يستغل الموقف، فالتقى الجيشان واشتبكا حول أسوار أنطاكية في السنة 613، فدحر الروم وتراجعوا إلى مداخل قيليقية فغلبوا فيها أيضًا، واحتل الفُرسُ طرسوس وقيليقية بأكملها. ومثل هذا وقع لفيليبيقوس في أرمينية، وفي السنة 614 تابع الفرس زحفهم إلى الجنوب بقيادة شهربراز، وزحفوا من قيصرية فلسطين إلى أوروشيلم، وهي البلدُ المقدَّسُ عند أعدائهم، فحَصَرُوها عشرين يومًا ثم دخلوها عنوةً، فقتلوا جموعًا غفيرةً من النصارى سبعة وخمسين ألفًا وأَسَرُوا خمسةً وثلاثين ألفًا وأحرقوا الكنائس وألقَوُا القبض على البطريرك زخريا واستولوا على عود الصليب وأرسلوه إلى فارس، وكان شهربراز قد حالف اليهود على النصارى، فلما تَمَّ له ما أراد نفى من المدينة المقدسة جميع اليهود ثم أذن بترميم الكنائس، وهرع نيقيطاس إلى المدينة المقدسة فلم ينقذ من آثارها سوى الحربة المقدسة والإسفنجة،(7) وفي السنة 615 حاول شاهين قائد الفرس أن يكمل احتلال آسية الصغرى، ولكنه لم يفلح فتراجع، وفي ربيع السنة 619 عاد شهربراز إلى الفتح فزحف على مصر واحتل بليسيوم وممفيس وبابل، ثم عرَّج على الإسكندرية فحاصرها واستولى عليها. وهكذا خسر هرقل أرمينية وما وراءَها وهي أخصب البقاع بالرجال لتعبئة الجيش، وخسر مصر وهي مركز تموين العاصمة، وأَضاع المدينة المقدسة وعود الصليب وهو ذخر النصارى، وكانت البلقان — كما سنرى — مسرحًا كبيرًا لطغيان الآفار والصقالبة، فلم يبقَ — والحالة هذه — مِن جميع أقطار الإمبراطورية قُطْرٌ يمكن اللجوءُ إليه والاعتصامُ به سوى أفريقيا، فأراد هرقل أن يقلع إليها ليغزو منها مصر ويجلي الفرس عنها، وعلم الشعب في القسطنطينية بما نواه الفسيلفس فهَبُّوا يردعونه، وأَلح عليه البطريرك بوجوب البقاء في القسطنطينية، ولم يكفَّ عنه حتى أقسم بأنه لن يبرح العاصمة، وفي أثناء هذا كله — ولسنا ندري متى كان ذلك بالضبط — هاجم الفرسُ القسطنطينية بأسطولٍ بحريٍّ، ولعلهم قصدوا بذلك إِلَى معاونة الآفار — كما سيمر بنا — على أنهم لم يصادفوا التوفيق، فإن الأسطول الرومي قضى على قوتهم البحرية وبدَّد شملها، فغرق في بحر مرمرا أربعةُ آلاف فارسي مع مراكبهم، وتنبهت الكنيسة فأمدت الفسيلفس بجميع ما لديها من الذهب والفضة، شرط أن يُعاد إليها ما يقابله بعد الحرب. وكان هرقل قد استشفع إلى العذراء في السنة 609، عندما بدأ يستعد للحملة على القسطنطينية، فعاد إليها مستشفعًا في شتاء السنة 621، واعتزل للرياضة الروحية تأهبًا للقيام بواجبٍ مقدسٍ: واجب الدفاع عن الدولة والكنيسة والدين، وفي الرابع من نيسان من السنة 622 تقدم من المائدة المقدسة متناولًا القربان الطاهر، وفي الخامس من الشهر نفسه دعا إليه كلًّا من البطريرك سرجيوس والحاكم بونوس والشيوخ وكبار الموظفين والوجهاء والأعيان، والتفت إلى البطريرك وقال: «إني أعهد إلى الله وإلى والدته وإليك بهذه المدينة وبابني من بعدي.» وبعد الصلاة في كنيسة الحكمة الإلهية والابتهال والتوسل تسلم أيقونة السيد المخلص، ثم أقلع بجنوده إلى خليج نيقوميذية، وسار إلى غلاطية وقبدوقية لإكمال التعبئة والتموين والتنظيم، ومن هنا القول إن هرقل أول الصليبيين. وأراد هرقل أن يُقصي الفرس عن مراكزهم في قلب آسية الصغرى، فقام بحركة التفاف واسعة النطاق، واتجه بجيشه شرقًا مهددًا مواصلات العدو وطرق تموينه، وحاول شهربراز أن يصرف هرقل عن خطته فغزا قيليقية، ولكن هرقل لم يعره انتباهًا، فاضطر القائد الفارسي أن ينقلب إلى الشرق ليحول بين هرقل وهدفه، وتواقع الخصمان في أرمينية في السنة 622 فدارت الدائرةُ على الفُرس وسجل هرقل نصرًا مبينًا، وانسحب الفرس من قبدوقية والبونط، وعاد هرقل إلى القسطنطينية؛ لينظر في أمر الآفار، وفي ربيع السنة 623 استأنف الهجومَ في الشرق، فقطع أرمينية واحتل دوخان ونشقفان، ثم تَوَغَّلَ في أذربيجان واتجه نحو تبريز كنزاكة ليفاجئ أبرويز في قصره فيها، ففرَّ أبرويز من المدينة، ودخلها الروم فأحرقوا معبدها الكبير وتعقبوا الفرس الهاربين وهم ينهبون ويدمرون، ثم رجع هرقل خوفًا من حركة التفافية خشي أن يقوم بها شهربراز أو شاهين أو الاثنان معًا (1). وبانتصاراته هذه تَسَنَّى لهرقل أن يستمدَّ من شعوب القوقاس المسيحية ما عَبَّأَ به الصفوفَ، وكَرَّ كرةً أخرى إلى الميدان في السنتين 624 625 فضرب شهربراز عند بحيرة وان، ثم ضربه في قليقية عند نهر ساروس، فاضطر القائد الفارسي أن يتراجع إلى الشرق، وعدل هرقلُ إلى البونط لتمضية فصل الشتاء، ثم نوى أن يتحرك من البونط بجيش عظيم في السنة 626 ليستأنف انتصاره على الفرس، ولكن تقدم الآفار في البلقان وحصارهم القسطنطينية اضطراه أن يؤجل قصده هذا حتى السنة 627. وفي صيف السنة 627 قام الخزر حلفاء هرقل بحصار تفليس، وهَبَّ هو إلى محاربة أبرويز، فعبر نهر الآراس عند أتشميازن، ثم دخل منطقة أرارات فأذربيجان، وانحدر بعد ذلك إلى وادي الزاب، وفي الثاني عشر من كانون الأول نازل أبرويز عند أطلال نينوى فأَوقع به هزيمة شنعاء، ثم عبر الزاب متجهًا شطر طيسفون عاصمة الفرس، فاحتل المقر الملوكي في دستجرد وانتزع منه ثلاثمائة لواءٍ روميٍّ كان الفرس قد استحوذوا عليها في انتصارات سابقة، وأطلق سراح أُلُوف من الأسرى، ولَمَّا كان جيش شهربراز لا يزال كاملًا سالمًا، وكانت خطوطُ الدفاع عن طيسفون قويةً منيعةً؛ آثر هرقل التربص لعدوه في تبريز، فقطع جبال الزاغروس في إبان الشتاء وبلغ إلى تبريز سالمًا في الحادي عشر من آذار سنة 628. وكان شيرويه بن أبرويز قد تمرد على والده وتسنم العرش في الثامن والعشرين من شباط من السنة 628، فكتب إلى هرقل يطلب الصلح، فصالحه الفسيلفس على شروط أهمها: العودة إلى الحدود القديمة، وإطلاق الأسرى، وإرجاع الصليب المقدس، وقبل شيرويه هذه الشروط، فاتصل هرقل بشهربراز لتنفيذها. وكان هذا القائد لا يزال مستوليًا على شطر وافر من أملاك الروم في آسية، وبعد مفاوضات طويلة اجتمع هرقل وشهربراز في أرابيسوس في آسية الصغرى في حزيران من السنة 629، وعرف هرقل كيف يحدث شهربراز بما كان يراود نفس القائد الفارسي، وكان شهربراز يطمع بعرش الفرس، فعلَّله هرقل بالأمل، فأسرع القائد الفارسي إلى تنفيذ المعاهدة، وأجلى جيوشه عما كان يحتله من أراضي الروم، وفي آذار السنة 630 تسلَّم هرقل عود الصليب في منبج في سورية الشمالية، فانتقل به إلى المدينة المقدسة وأَحَلَّهُ مَحَلَّهُ في الثالث والعشرين من الشهر نفسه (2) ، وكان هرقل قد امتنع هو وأسلافُهُ في المنصب الإمبراطوري عن اتخاذ لقب فسيلفس برغم أن رعاياهم كانوا يُطلقون هذا اللقب عليهم ردًّا على ما كان يَتَلَقَّبُ به مُلُوكُ الفرس، فلما انتصر هرقلُ على الفرس ذلك النصر الباهر غَيَّرَ لقبه الرسمي من أوتوقراتور إلى فسيلفس (3).
............................................
1- وجاء في الكامل لابن الأثير، ج1، ص283، وفي غيره: «ووصل خبرُ عودة ملك الروم إلى شهربراز، فأراد أن يَستدرك ما فرط منه، فعارض الروم فقتل منهم قتلًا ذريعًا، وكتب إلى كسرى وأنفذ من رءوسهم شيئًا كثيرًا، وفي هذه الحادثة أنزل الله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، يعني بأدنى الأرض: أذرعات، وكانت الروم قد هُزمت بها في بعض حروبها«.
2- Theophanes, Chronographia, ed. de Boor; Sebeos, Emp. Heraclius; Minorski, V., Roman and Byz. Campaigns in the Alropatene.
3- Bury, J. B., Selected Essays, 109
|
|
ليس التفاح.. أطباء يكشفون فاكهة تبقيك بعيدا عن الاكتئاب
|
|
|
|
|
إيلون ماسك يعلن تعرض منصة "إكس" لهجوم سيبراني "ضخم"
|
|
|
|
|
مركز الثقافة الأسرية ينظم أمسية رمضانية ثقافية لعدد من العوائل المتعففة
|
|
|