أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2016
12465
التاريخ: 23-3-2022
2570
التاريخ: 15-5-2017
2545
التاريخ: 11-1-2021
1688
|
سنبحث في هذا الموضوع مذاهب البطلان أوّلاً ، وأسبابه ثانياً ، وكالاتي :
أولاً : مذاهب البطلان : تأخذ التشريعات الإجرائية الجزائية في تنظيم البطلان بأحد مذهبين, هما مذهب البطلان القانوني. ومذهب البطلان الذاتي, وكالاتي :
أ - مذهب البطلان القانوني : ويسمى أيضاً مذهب " لا بطلان بغير نص ", ومقتضاه أن المشرع هو الذي يحدد حالات البطلان بالنص على ذلك صراحة . وينبني على ذلك قاعدتان, ألأولى : ورود حالات البطلان على سبيل الحصر, والثانية : أن فرض البطلان في هذه الحالات ملزم للقاضي (1).
وميزة هذا المذهب أنه يتسم بالتحديد والوضوح من جانب, ويضمن عدم إساءة استعمال القضاة لسلطتهم التقديرية من جانب آخر وهو ما يكفل احترام مبدأ الشرعية الإجرائية . ولكن يعيب هذا المذهب استحالة أن يحصر المشرع سلفاً الحالات التي يتعين القضاء فيها بالبطلان(2).
ب- مذهب البطلان الذاتي : وفقاً له يكتفي المشرع بوضع قاعدة عامة ينص فيها على بطلان كل عمل إجرائي يخالف قاعدة جوهرية وبعد ذلك يترك للقاضي صلاحية تقدير كون القاعدة التي تم مخالفتها جوهرية من عدمها فإذا كانت جوهرية ترتب البطلان على مخالفتها، والعكس صحيح (3).
وميزة هذا المذهب هي المرونة وقياس الجزاء على قدر أهمية القاعدة وجسامة المخالفة، فضلاً عما ينطوي عليه من الاعتراف بالسلطة التقديرية للقاضي ومن ثم تفادي احتمال تعطيل سير الدعوى وفرار المجرم من العقاب . ولكن يعيب هذا المذهب صعوبة التمييز بين القواعد الجوهرية وغير الجوهرية واحتمال إختلاف الآراء في شأنه (4). ومن هذا المنطلق أورد الفقه جملة من ضوابط لتحديد جوهرية القاعدة الإجرائية والتي يترتب على مخالفتها البطلان (5)، وهذه الضوابط هي :
1- ضابط المصلحة العامة المتمثلة في حسن سير الجهاز القضائي : إن القواعد التي وضعها المشرع في قانون اصول المحاكمات الجزائية والمتعلقة بالإجراءات التي يجب مراعاتها ضماناً لحسن سير الجهاز القضائي لا شك أنها ترتبط بالمصلحة العامة للمجتمع في كفالة فاعلية هذا الجهاز ولذلك فإن جميع هذه الإجراءات تعتبر إجراءات جوهرية يجب مراعاة أحكامها وإلا ترتب على مخالفتها البطلان ، ومن أمثلتها القواعد المتعلقة بتشكيل المحاكم من حيث عدد أعضائها وصفاتهم وولايتهم لنظر الدعوى والحكم فيها . ولا تقتصر الحماية التشريعية للمصلحة العامة في حسن سير الجهاز القضائي على القواعد المذكورة ، بل تمتد أيضاً الى الإجراءات التي يضعها المشرع لضمان تحقيق العدالة الجنائية ولو كانت في ظاهرها مقررة لمصلحة المتهم ، كالقواعد التي توجب تعيين محام للمتهم أمام محكمة الجنايات (6).
2- ضابط مصلحة الخصوم : يُعتبر الإجراء جوهرياً إذا كان قد نص عليه المشرع لمصلحة الخصوم في الدعوى الجزائية، ذلك أن مصلحة الخصوم هي من المصالح الجوهرية التي يحرص المشرع على حمايتها في الدعوى الجزائية تحقيقاً للعدالة
3- ضابط احترام حقوق الدفاع : نص المشرع على إجراءات معينة كفالة لحق المتهم في الدفاع عن نفسه ونفي التهمة المنسوبة إليه ، ولا شك أن هذه الإجراءات جوهرية لتعلقها بمصلحة أساسية للمتهم فمن المعلوم أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة ، لذلك تأتي القواعد الإجرائية لتترجم هذا المبدأ عملياً بالنص على ضمانات معينة تكفل صيانة المبدأ وحمايته ، ومن أمثلة هذه القواعد هي ، تلك التي تنظم استجواب المتهم وحقه في حضور محام عنه في الجنايات وكذلك القواعد الخاصة بالتفتيش والتكليف بالحضور ... الخ . وأي مخالفة لهذه القواعد يترتب عليها البطلان .
4- ضابط الغاية من الإجراء : يعتبر جوهرياً وفقاً لهذا الضابط إذا كان المشرع قد نص عليه لإنتاج أثر قانوني يتعلق بسير الدعوى الجزائية والفصل فيها، وعليه تعتبر جوهرية جميع الإجراءات الخاصة بتحريك الدعوى وإحالتها والسير فيها وإجراءات التحري والتحقيق وإصدار الأحكام .
وبدورنا نذهب الى ترجيح الرأي القائل بأن المعيار المميز في هذا المجال يكون بالجمع بين الضابط المتعلق بالغاية من جهة وباقي الضوابط من جهة أخرى، أي أن تلك المعايير تتكامل في تقرير بطلان العمل الإجرائي . ووفقاً لذلك تكون القاعدة جوهرية إذا كانت الغاية منها تحقيق المصلحة العامة المتمثلة بحسن سير الجهاز القضائي أو تحقيق مصلحة الخصوم أو ضمان حقوق الدفاع للمتهم ، ومن ثم ترتب على مخالفتها البطلان ، أما إذا لم تكن الغاية من القاعدة تحقيق إحدى هذه المصالح ، فهذا يعني أنها قاعدة إرشادية أو تنظيمية لا يترتب على مخالفتها البطلان(7).
ثانياً : أسباب البطلان : إن أسباب البطلان تكمن في تخلف كل أو بعض الشروط الجوهرية لصحة العمل الإجرائي ، فهذا الأخير هو المحل الذي يرد عليه البطلان ، وهذه الشروط منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شكلي ؛ وسنأتي على بيانها تباعاً .
1- الشروط الموضوعية: وتتمثل بما يأتي :
أ - الإرادة : يعتبر العمل الإجرائي عملاً قانونياً وليس تصرفاً قانونياً ، بمعنى أنه يكفي اتجاه الإرادة الى العمل الإجرائي وقت مباشرته لكي يكون العمل صحيحاً في نظر القانون ، دون الحاجة الى اتجاهها الى آثاره ، فالقانون هو الذي يرتب تلك الآثار بصرف النظر عن إرادة من باشر العمل الإجرائي، ولذلك لا يكون لعيوب الإرادة كالغلط والتدليس والاستغلال أي أثر على صحة ذلك العمل . ولكن إذا انعدمت الإرادة انعدم العمل الإجرائي تبعاً لذلك ، فمثلاً طلب المجنى عليه من أحد الأشخاص كتابة عريضة بشكواه - في الجرائم المعلقة على تقديم هذه الشكوى – فكتب له تنازلاً عن الشكوى ووقعها المجنى عليه أو بصم عليها دون علم منه بمضمونها ، فإن التنازل يعتبر كأن لم يكن لانعدام الإرادة فيه (8).
ب - الأهلية الإجرائية : يستلزم هذا الشرط توافر صفة معينة فيمن يباشر الإجراء ، وهو ما يتطلب مباشرة الإجراء من قبل الشخص المختص والمتمتع بصفة الموظف العام ، فإصدار الحكم مثلاً يجب أن يكون من القاضي فإذا ما صدر من شخص آخر ولو تمتع بصفة الموظف فإنه يكون باطلاً . وكذا الحال لو أصدر قاضي الجنح حكماً في جناية ، فمثل هذا الحكم يكون باطلاً لمخالفته قواعد الاختصاص (9).
جـ - المحل : محل العمل الإجرائي هو الشيء المادي أو الشخصي الذي يرد عليه هذا العمل(10) فمثلاً التفتيش لا يرد إلا على شخص معين أو مكان معين . ويشترط في المحل شرطان : الأول أن يكون محدداً أو قابلاً للتحديد ، فالحكم يجب أن يرد على متهم محدد ، كما أن الخصومة لا تنعقد أمام المحكمة إذا توفي المتهم قبل رفع الدعوى الجزائية عليه أو كان مجهولاً . والشرط الثاني أن يكون المحل مشروعاً، أي موافقاً للقانون . ولا بد من توافر الشرطين معاً، إذ قد يكون العمل الإجرائي محدداً إلا أنه مخالف للقانون ، كصدور قرار من قاضي التحقيق أو المحكمة بحجز أموال المتهم التي لا يجوز حجزها قانوناً (11)، فالعمل الإجرائي هنا (الحجز) معيب لعدم صحة محله (الأموال المذكورة).
د - السبب : يُقصد به الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق مباشرة العمل الإجرائي وتبرر تلك المباشرة ، فهو المقدّمة الضرورية لذلك العمل ؛ بعبارة أخرى أن العمل الإجرائي لا يكون صحيحاً في أ في القانون مالم يكن بناءً على السبب المقرر بالقانون ، فوقوع جريمة تُنبئ عن وجود أدلة لإثباتها هي السبب في التفتيش (12). والسبب بهذا المعنى يُعد شرطاً عاماً في جميع الأعمال الإجرائية ، فهو المبرر لاتخاذها، وبخلافه يكون العمل باطلاً لعدم صحة سببه (13).
يتضح مما تقدم أن الشروط الموضوعية لصحة العمل الإجرائي هي، الإرادة ، الأهلية ، المحل، والسبب . وهذه الشروط يترتب على تخلّفها البطلان لأن جميعها شروطاً جوهرية ، عدا الإرادة إذ أن تخلفها يؤدي إلى انعدام العمل الإجرائي .
2- الشروط الشكلية
الأصل في العمل الإجرائي أنه عمل شكلي ، بمعنى أنه يشترط لصحته أن يُفرغ في الشكل المقرر في القانون . ويختلف دور الشكلية في العمل الإجرائي ، فمنها ما أوجب القانون مراعاته لتوفر صحة ذلك العمل وتسمى بالأشكال الجوهرية، ومنها ما نظمه القانون من أجل تحقيق مصالح ثانوية يقصد بها التوجيه والإرشاد وتسمى بالأشكال غير الجوهرية (14) . ويترتب على اعتبار العمل الإجرائي عملاً شكلياً ، أن القانون لا يعتد بالنشاط الإجرائي ولا بدور الإرادة فيه طالما لم يتم وفقاً للشكل القانوني(15). والمعيار الذي يهتدى به في هذا الشأن للتمييز بين الشكل الجوهري الذي يترتب على مخالفته البطلان ، وبين الشكل غير الجوهري والذي لا توجب مخالفته البطلان ، هو النظر الى الغاية من الشكل ذاته ، وهذه الغاية تتحدد وفقاً لذات الضوابط التي أوردناها بشأن التمييز بين القاعدة الجوهرية وغير الجوهرية . عليه يكون الشكل جوهرياً إذا كانت الغاية منه تحقيق إحدى المصالح المشار إليها سابقاً ، ويؤدي تخلفها الى بطلان العمل الإجرائي ؛ أما إذا كانت هذه الغاية مجرّد التنظيم والإرشاد ، فيعد شكلاً غير جوهري ولا يترتب على تخلُّفه البطلان (16). ومن الأمثلة على الشكل الجوهري ، تحليف الشاهد اليمين القانونية ، لأن الغاية منه الاستيثاق من صحة أقوله ، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بحلف اليمين ؛ كذلك يؤدي الخطأ في اسم المتهم الوارد في قرار الإحالة إلى بطلان ذلك القرار (17). أما الشكل غير الجوهري فمثاله نص المادة (49) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي، والذي يُلزم المسؤول في مركز الشرطة عند وصول إخبار إليه عن جريمة من نوع المخالفات ، أن يُقدم تقريراً موجزاً عنها الى قاضي التحقيق، يتضمن اسم المتهم وأسماء الشهود إن وجدوا والمادة القانونية المنطبقة على الواقعة . فخلو التقرير من الإشارة الى المادة القانونية لا يُبطله ، لأنه شكل غير جوهري غايته تنظيم عمل المسؤول في مركز الشرطة ليس إلا .
____________
1- انظر : د. عبد الحكيم فودة, الموسوعة العلمية في البطلان, ج4, المكتب الفني للموسوعات القانونية, مصر, (بدون سنة طبع), ص 106-107 عمر فخري الحديثي ، حق المتهم في محاكمة عادلة ، ط2، دار الثقافة ، عمان - الأردن ، 2010، ص 192.
2- انظر : د. فتحي والي ، نظرية البطلان في قانون المرافعات ، ط1، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1959، ص 208؛ ايهاب عبد المطلب, الموسوعة الجنائية الحديثة في البطلان, ج 1، طبعة نادي القضاة, المركز القومي للإصدارات القانونية, القاهرة, 2012, ص 105 : 482 ,Jean Pradel, op, cit (2)
3- انظر : د. صالح عبد الزهرة الحسون, أحكام التفتيش وآثاره في القانون العراقي 1, مطبعة الأديب البغدادية. بغداد, 1979, ص 340.
4- R. Merle et A. Vitu, op. cit, p 994; Jean Pradel, op. cit, p 482.
5- انظر: أحمد حسوني جاسم العيثاوي ، بطلان إجراءات التحقيق الابتدائي ، رسالة ماجستير ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1983، ص 185 وما بعدها ؛ محمد كامل إبراهيم، النظرية العامة للبطلان في قانون الإجراءات الجنائية ، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989، ص 41 وما بعدها ؛ د. هلالي عبد اللاه أحمد ، النظرية العامة للإثبات الجنائي ، النسر الذهبي للطباعة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، (بدون) سنة نشر)، ص 583 وما بعدها ؛ وعدي سليمان علي المزوري، الجزاءات الإجرائية ، رسالة ماجستير، كلية القانون - جامعة بغداد 2000، ص 112 وما بعدها ؛ د مأمون سلامة الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ، ج 2، مرجع سابق ، ص 306 وما بعدها.
6- انظر المادة (144) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي .
7- انظر: أحمد حسوني جاسم العيثاوي ، مرجع سابق ، ص184 ؛ وعدي سليمان علي المزوري ، مرجع سابق ص 114.
8- انظر: د. حسن علي حسين علي ، الجزاء الإجرائي في قانون الإجراءات الجنائية ، مطبعة القدس ، منشأة المعارف، الإسكندرية ، 2008، ص 71 و 84 ؛ د. عبد الحكيم فودة ، الموسوعة العلمية في البطلان ، ص 246 وما بعدها
9- للتفصيل انظر: د. أحمد فتحي سرور، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية ، ص 419 .
10- انظر: د. فتحي والي ، نظرية البطلان في قانون المرافعات ، ط1، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1959، ص 281.
11- انظر المادة (1/183) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي .
12- انظر : منى جاسم الكواري، التفتيش شروطه وحالات بطلانه ، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت - لبنان ، 2088، ص 59
13- انظر: استاذنا د. جمال ابراهيم الحيدري ، تصحيح الخطأ في الحكم الجزائي ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1997 ، ص 103.
14- انظر: محمد ذيب محمود نمر ، أحكام البطلان في الإجراءات والمحاكمات الجزائية ، رسالة ماجستير، كلية الحقوق - جامعة الشرق الأوسط ، 2013، ص 18 .
15- انظر: د. أحمد فتحي سرور ، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية ، مرجع سابق ، ص222 223.
16- انظر : أحمد حسوني جاسم العيثاوي ، بطلان إجراءات التحقيق الابتدائي ، رسالة ماجستير ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1983 ، ص 260؛ وعدي سليمان علي المزوري، الجزاءات الإجرائية ، رسالة ماجستير، كلية القانون - جامعة بغداد 2000، ، ص 84 85 عمر فخري الحديثي ، حق المتهم في محاكمة عادلة ، ط2، دار الثقافة ، عمان - الأردن ، 2010، ، ص203
17- قرار محكمة جنايات النجف بصفتها التمييزية رقم 507/ت/2014 بتاريخ 2014/9/24 ( غير منشور) .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|