المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

معلومات إعلامية
19-7-2019
مستحق الخمس ومصرفه
22-9-2016
اضطراب توازن الايض Metabolic Imbalance
28-1-2019
مركب مائي ومانع لنفاذ الرطوبة ( مركب الطلس) - المواد
2023-08-17
دودة ورق القطن
20-3-2016
التطهيرAntisepsis
3-6-2017


القول في أنّه تبارك وتعالى واحد  
  
1060   10:32 صباحاً   التاريخ: 4-08-2015
المؤلف : العلامة الشيخ سديد الدين الحمصيّ الرازيّ
الكتاب أو المصدر : المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد المسمى بالتعليق العراقي
الجزء والصفحة : ج1 - ص131- 139
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته /

يوصف تبارك وتعالى بأنّه واحد، ويعنى به أنّه لا يتصوّر أن يكون معه من يستحقّ العبادة سواه، ويعنى به أنّه لا ذات يشاركه فيما يستحقّه من الصفات الذّاتية نفيا وإثباتا، ويعنى به أنّه لا يتجزّى ولا يتبعّض تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، فعندنا أنّه تعالى قديم واجب الوجود بذاته لا قديم سواه.

و ذهب جماعات إلى أنّ القديم أكثر من واحد، ثمّ اختلفوا، فذهبت الكلابيّة والأشعريّة إلى أنّ مع اللّه ذوات قدماء، سمّوا بعضها قدرة وبعضها علما وبعضها حياة وبعضها سمعا وبعضها بصرا وبعضها بقاء، وقالوا: لم يكن في الوجود إلّا ذاته تعالى لمّا كان عالما قادرا حيّا سميعا بصيرا باقيا. وكذا أثبتوا ذاتين آخرتين قديمتين، سمّوا إحداهما إرادة والاخرى كلاما. وربّما قالوا في هذه الذوات إنّها ليست هي اللّه تعالى ولا أغيارا له ولا أبعاضا، وكذا قالوا إنّ بعضها ليس هو البعض ولا غيره ولا بعضه.

وذهبت الثنويّة إلى قدم النّور والظلمة وأنّ النور خير بطبعه، فجميع ما في العالم من الخيرات منه، وأنّ الظلمة شريرة بطبعها، فجميع ما في العالم من الشرور منها.

وذهبت فرقة من المجوس إلى أنّ الشيطان قديم مع اللّه تعالى.

وذهبت النصارى إلى أنّه جوهر وأحد ثلاثة أقانيم، وربما أشاروا بذلك إلى‏ قريب ممّا يذهب إليه الكلابيّة. ولكن تسبيحة إيمانهم يقتضي أنّهم يثبتون ثلاث ذوات فاعلة للعالم. وما ذهب ذاهب إلى أنّ مع اللّه قديما مماثلا له من سائر الوجوه مستحقا لجميع ما يستحقّه من الصفات نفيا وإثباتا.

ولكن هذا وإن لم يذهب إليه ذاهب، فانّه ممّا لا يعلم بطلانه ضرورة، فيجب أن نستدلّ على بطلانه ثمّ نبيّن أنّ كلّ من أثبت قديما ثانيا يلزمه ذلك من كونه مماثلا له تعالى، ثمّ نخصّ كلّ فرقة من هؤلاء الفرق بكلام يخصّه ونرد عليه بردّ خاصّ به، فنقول:

والذي يدلّ على أنّه لا يجوز أن يكون معه تبارك وتعالى قديم آخر مماثل له من سائر الوجوه أنّ القول بوجود قديمين مثلين من جميع الوجوه هو إثبات ذاتين لا ينفصلان من ذات واحدة، واثبات ذاتين لا تنفصلان من ذات واحدة محال وإنّما قلنا إنّ القول بقديمين مثلين قول بإثبات ذاتين لا تنفصلان من ذات واحدة من حيث أنّ كلّ واحدة منهما يكون مشاركا للآخر في سائر الصفات، ولا يفارقه بوجه من الوجوه، فيكون كلّ واحد منهما قادرا لذاته على أعيان ما يقدر عليه الآخر، حتّى يكونا مثلين، وكلّ واحد منهما يعلم لذاته جميع المعلومات وما يدعو أحدهما الداعي إلى أنّ فعله يدعو الآخر الداعي إليه، فيكون فعل أحدهما فعل للآخر، وليسا مكانيّين حتّى يفصل بينهما بتغاير المكانين، لوجود كلّ واحد منهما ابتداء فيفصل بينهما بتغاير الزّمان، وفي الجملة لا يفترقان في أمر مميّز بينهما، فإذا كان كذلك فهما لا ينفصلان عن ذات واحدة.

وإنّما قلنا إنّ إثبات شيئين لا ينفصلان عن شي‏ء واحد محال، لأنّ الشيئين يجب أن يتميّز أحدهما عن الآخر بوجه مميّز، وهذا معلوم لكلّ سليم العقل أنّه لا يمكنه اعتقاد شيئين إلّا بأن يثبت بينهما مفارقة في أمر ما من الامور، إمّا بإثبات صفة أو حكم أو زمان أو مكان أو عرض لأحدهما دون الآخر، وأنّه متى أعرض عن سائر المفارقات لا يمكنه اعتقاد الاثنينيّة بينهما، بل يكون القول‏ باثنين والحال ما وصفناه قولا لا معنى تحته.

يبيّن ما ذكرناه ويوضحه أنّ القول بإثبات ثان مع أنّه لا يستبد أحدهما بما لا يختصّ به الآخر من زمان أو مكان أو نفي أو إثبات ليس بأولى من القول بإثبات ثالث، والقول بالثالث ليس بأولى من القول بالرابع، وفي الجملة لا عدد يذكر في ذلك أولى من عدد مع فقد المميّز، فيجب على هذا إمّا إثبات ما لا يتناهى من القدماء الإلهية وهو محال، أو الاقتصار على إله واحد الذي دعت ضرورة حدوث العالم إليه وهو الحق.

ويمكن أن يستدلّ بهذه الطريقة في المسألة ابتداء بأن يقال: القول بأنّ مع اللّه إلها آخر مماثلا له، ليس بأدنى من القول بأنّ معه ثالثا أو رابعا أو خامسا، فيجب على هذا إمّا إثبات ما لا نهاية له وهو محال، أو الاقتصار على إله واحد الذي دعت ضرورة حدوث الفعل إليه، وهذا غير الطريقة السابقة حتّى لا يظنّ أنّها هذه الطريقة بعينها، وذلك لأنّ منتهى تلك الطريقة أنّ إثبات ذاتين لا ينفصلان عن ذات واحدة محال وتنهى هذه الطريقة أنّ إثبات ذات معه تعالى مع فقد المميّز يؤدّي إلى إثبات ما لا يتناهى من القدماء.

ويمكن أن يجعل لهذه الطريقة منهما آخر بأن يقال: إذا لم يكن القول بالثاني أولى من القول بالثالث والرابع، فيجب إن كان البعض حقّا أن يكون الكلّ حقّا، ومعلوم أنّه لا يجوز أن يكون الكلّ حقّا، لأنّها أقوال متنافية. إذ القول بأنّ معه ثانيا لا زائد عليه ينافي القول بأنّ معه ثالثا، والقول بأنّ معه ثالثا لا زائد عليه ينافي القول بأنّ معه رابعا، وكذا القول في جميع هذه الأقوال فيجب أن يكون جميع هذه الأقوال باطلة وأن يقتصر بأنّ إثبات الواحد الذي دعت ضرورة حدوث الفعل إليه.

واعلم أنّه يتّجه على هذا التجويز إشكال، وهو أن يقال: الأقوال المتنافية كما لا يكون الكلّ حقّا، كذلك لا يكون الكلّ باطلا. ألا ترى أنّ القول بأنّ‏ زيدا في الدار مثلا والقول بأنّه ليس في الدار لما تنافيا، كما لم يجز أنّ يكونا جميعا حقّين فكذلك لم يجز أن يكونا جميعا باطلين، بل يجب أن يكون أحدهما حقّا والآخر، باطلا، فكيف حكمتم هاهنا أنّ جميع هذه الأقوال باطلة على تنافيها؟

وحلّ هذا الإشكال أن يقال: كلّ قول من هذه الأقوال إنّما نافى بمجموعه مجموع القول الآخر ولم يناف كلّ بعض منه كلّ بعض من القول الآخر.

وبيان ذلك أنّ القول بأنّ معه ثانيا لو اقتصر عليه ولم يضف إليه أنّه لا زائد عليه لم يناف القول بإثبات الثالث. وكذا القول بالثالث لو لم ينضمّ إليه القول بأنّه لا زائد عليه لم يكن منافيا للقول الرابع، وكذا القول في الجميع، وإنّما نافي القول بأنّ لا زائد على الثاني القول بأنّ معه ثالثا، والقول بأنّ لا زائد على الثالث نافى القول بأنّ معه رابعا. وإذا كان كذلك فنحن إنّما حكمنا ببطلان الإثبات في جميع هذه الأقوال، وحكمنا بأنّ الصحيح النفي في جميع ذلك، فلا ثاني معه ولا ثالث ولا رابع ولا ما زاد عليه. إذا ثبت أنّه لا مثل له تبارك وتعالى، ثبت أنّه لا يتجزّى، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، ويتحقّق وحدانيته بهذا المعنى أيضا.

وإنّما قلنا ذلك، لأنّه لو جاز عليه التجزّي والتبعّض، لكان جزؤه مشاركا له في وجوب الوجود بذاته الذي لمكانه كان قادرا لذاته عالما لذاته ويصير مثلا له، وقد ثبت أن لا مثل له. فثبت أيضا أن لا يستحقّ العبادة سواه، فيكون واحدا بهذا المعنى أيضا، لأنّ استحقاق العبادة إنما يكون بفعل أصول النعم التي لا يقدر عليها غير القديم القادر لذاته، فلو كان معه مستحقّ للعبادة سواه، لكان قادرا لذاته وواجب الوجود بذاته، فكان يكون مثلا، فثبت بهذه الجملة وتحقّق أنّه جلّ جلاله واحد على جميع هذه المعاني.

ويمكن الاستدلال على أنّه تعالى واحد من طريق السمع. وذلك لأنّ صحّة السمع لا تتوقّف على نفي الثاني من حيث إنّ مع تجويز قديمين حكيمين اللذين‏ لا يجوز أن يفعلا القبيح يستقرّ وليتمّ العلم بصحّة السمع، لأنّ السمع إمّا أن يصدر من هذا أو ذاك. فإذا كان ذلك صحّ الاستدلال بالسمع في هذه المسألة وقد ورد السمع به في قوله‏ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وفي قوله: { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] وقوله: {يْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] إلى غيرها من الآيات المتضمنة للتوحيد.

وقد استدلّ المشايخ بدلالة التمانع على أنّه تعالى واحد، ثمّ اختلفوا، فمنهم من بناه على وجوب تغاير مقدورهما. ومنهم من قال بأنّه لا حاجة إلى تقدير تغاير مقدورهما، بل يكفي بيان صحّة اختلافهما في الداعي في هذه الدلالة.

وحرروا الدلالة بأن قالوا: لو كان مع اللّه إله آخر لصحّ وقوع التمانع بينهما بأن يحاول أحدهما تحريك جسم وجذبه إلى جهة بالاعتمادات الموجبة لذلك، ويحاول الآخر تحريكه إلى جهة اخرى بالاعتمادات الموجبة للتحريك إلى تلك الجهة.

وذلك لأنّ من حقّ كلّ قادرين صحّة وقوع التمانع بينهما، ثمّ لو تمانعا على هذا الوجه لم يخل الحال من أحد امور ثلاثة: إمّا أن يحصل مراداهما جميعا، وهو محال لأنّ فيه اجتماع الضدّين، أو لا يحصل مراداهما، وهو أيضا محال لأنّه يكون مؤدّيا إلى كونهما ممنوعين متناهي القدرة، وذلك يبطل كونهما قادرين لا نفسهما، أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر، وذكروا على هذا القسم وجهين، أحدهما أنّ هذا القسم أيضا محال، إذ هو وقوع مراد أحدهما دون الآخر مع اقتدارهما لأنفسهما، ومع دفع الأولوية. والوجه الآخر أنّ هذا القسم فيه حصول مقصودنا. وهو أنّ من لم يقع مراده يكون ممنوعا متناهي القدرة غير قادر لنفسه، فلا يكون إلها، وإنّما الإله من وقع مقدوره وهو المقصود.

وقد سألوا أنفسهم على هذه الدلالة وقالوا: لم لا يجوز أن يقع مراداهما ولا يقتضي ذلك كونهما ممنوعين متناهي المقدور على ما ذكرتم، بل إنّما لم يقعا من حيث انّه ليس أحدهما بالوجود أولى من الآخر مع تضادّهما.

وأجابوا عن ذلك بأن قالوا: ما ذكره السائل من رفع الأولوية بين المقدورين على تضادهما لا يجوز يكون مانعا من وقوع المقدور، أ لا ترى أنّ القادر النائم يقدر على الضدّين، وقد يقع منه أحدهما في حال نومه مع دفع الأولوية هناك، ومع ثبوت التضادّ بين المقدورين، فعلمنا بهذا أنّ هذا لا يصلح أن يكون مانعا.

ثمّ أكدوا هذا السؤال بان قالوا: ليس المانع مجرّد رفع الأولويّة وثبوت التضاد بين المقدورين، بل باعتبار أن يحصل مع كلّ واحد منهما ما يوجب وجوده لو لا محاولة الآخر، لما يضادّه من توفّر الدواعي‏ ، وتوفّر الدواعي‏ مفقود في النائم ...

و أجابوا عن هذا بأن قالوا: لا اعتبار في التمانع بما زيد في السؤال وأكّد به من توفّر الداعيين ألا ترى أنّ النائمين إذا كان عليهما كساء، فانّهما قد يتجاذبانه، وإذا تساوت قدرهما لا ينجذب الكساء إلى واحد منهما، مع أنّه لم يحصل مع مقدور كلّ واحد منهما توفّر الداعيّ، فيجب أن يقال: إنّما امتنع الانجذاب إلى أحد الجانبين، إمّا لارتفاع الأولويّة وتضادّ المقدورين، أو لأنّ كلّ واحد منهما يمنع صاحبه بما يفعله من الاعتماد في الكساء. والأوّل باطل بما ذكرناه من أحد مقدوري النائم القادر على الضدّين، فتحقق أنّه إنّما امتنع الانجذاب، لكون كلّ واحد منهما مانعا لصاحبه، وفي ذلك صحّة ما قلناه.

و قد اعترض أبو الحسين هذا الاستدلال، وتبعه عليه صاحب الفائق، بأنّ قالا: يستحيل وقوع التمانع بينهما، وإن قدر كل واحد منها على الشي‏ء وضده، لأنّ التمانع إنما هو محاولة تكلّ واحد منهما من المتمانعين منع‏ صاحبه. وهذا إشارة إلى اختلافهما في الداعي بأن يدعوا احدهما الداعي إلى إيجاد شي‏ء واحد، والآخر إلى ايجاد ضدّه، واختلاف الإلهين الحكيمين في الداعي محال، لأنّ كلّ واحد منهما يكون عالما لذاته يعلم جميع ما يعلمه صاحبه، فإذا علم أحدهما تعلّق الصّلاح بايجاد شي‏ء علم الآخر ذلك أيضا.

فكما يدعوه الداعي إلى ايجاد ذلك الشي‏ء يدعو الآخر إلى ايجاده ومهما فرضنا تساوي شيئين في الصلاح، فانّه إنّما يختار أحدهما دون الآخر لمرجّح لا يتصوّر خلافه، وذلك المرجّح كما يعلمه أحدهما يعلمه الآخر، فتحقّق بهذا أن اختلافهما في الداعي محال.

فإن قيل: التمانع غير مبنيّ على اختلاف المتمانعين في الداعي، لأنّ النائمين قد يتمانعان في تجاذب كساء يكون عليهما، ولا داعي لهما.

قالا: النّائمان أيضا لا يتمانعان إلّا لاختلاف داعيهما، بأنّ يكون كلّ واحد منهما مثلا قد أطال اضطجاعه على جانب فتأذى به، فدعاه ذلك إلى الانقلاب إلى جانب آخر، ولكنّهما بعد الانتباه لا يتذكران الداعي.

ثمّ وهب أنّ التمانع يمكن في النائمين من دون اختلاف الداعي، أفيتصوّر في النائمين الذاكرين من دون اختلاف الداعي، هذا محال. فإذا تبيّن استحالة اختلافهما في الداعي تبيّن استحالة وقوع التمانع بينهما، فاذا قدّرنا وقوع التمانع بينهما، كان ذلك تقدير محال، فلا يمتنع أن يلزم عليه محال.

قال: ولو سلّمنا صحّة وقوع التمانع بينهما وفرضناهما ولمانعين فانّه لا يؤدّي إلى محال بأن يقال لا يقع مرادهما جميعا ولا يؤدّي ذلك إلى كونهما ممنوعين متناهي المقدور ولا إلى امتناع الفعل عليهما من دون وجه معقول. وذلك لأنّ كلّ واحد منهما إذا كان قادرا على ما لا يتناهى لم يكن وقوع مقدور أحدهما أولى من وجود مقدور الآخر، ومع فقد الأولويّة يستحيل وقوع أحدهما دون الآخر، ويستحيل اجتماعهما، لتضادّهما، فلا يقعان لهذا الوجه، وهو فقد الأولويّة مع تضادّهما.

فإذا قيل: فقد الأولوية لا يحيل الفعل، ولا يمنع من وقوعه باعتبار أنّ النائم قد يقع منه أحد مقدوريه الضدّين، مع أنّ ليس أحدهما بالوقوع أولى من الآخر إذ لا داعي له.

قالا: هذا غير مسلّم، بل إنّما يقع منه ما يقع من الضدّين لمرجّح هو الداعي، ولكنّه لا يتذكّر عند انتباهه الداعي، إذ لو وقع أحد الضدّين من دون مرجّح لبطل القول بتساويهما في جواز الوقوع. وثبوت الداعي في حقّ النائم غير مستبعد، لأنّ الداعي قد يكون ظنّا أو اعتقادا غير علم، كما يكون علما، فهب أنّ العلم لا يتصوّر في النائم، لم لا يجوز أن يعتقد اعتقادا غير علم أو يظنّ ظنا يدعوه الى ايقاع ما يقع منه، إذ الاعتقاد الذي وصفناه والظنّ يتصوّر في حقّه، وقد يتذكّر الإنسان عند انتباهه ما دعاه في حال نومه عن تخيّلاته وظنونه إلى أفعال مخصوصة، فالمعتمد هو الأدلة المتقدّمة.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.