المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06

كعب بن الأشرف
17-6-2017
الشيخ عز الدين حسين ابن الشيخ شمس الدين محمد الحر
26-6-2017
البيعة قبل الإسلام
28-01-2015
بدايات الصراع الصفوي العثماني.
2023-05-12
bundle (n.)
2023-06-21
Inverse Tangent Integral
9-8-2019


تفسير الآية (1-11) من سورة لقمان  
  
10523   05:07 مساءً   التاريخ: 11-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف اللام / سورة لقمان /

قال تعالى : {الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان : 1 - 11]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

{الم تلك آيات الكتاب الحكيم} تقدم تفسيره {هدى ورحمة للمحسنين} أي بيان ودلالة ونعمة للمطيعين وقيل للموحدين وقيل للذين يحسنون العمل ثم وصفهم فقال {الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة} إلى قوله {هم المفلحون} قد مر تفسيره في سورة البقرة ثم وصف الذين حالهم تخالف حال هؤلاء فقال {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} أي باطل الحديث وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء وهو قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا (عليه السلام) قالوا منه الغناء وروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال هو الطعن بالحق والاستهزاء به وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به إذ قال يا معشر قريش أ لا أطعمكم من الزقوم الذي يخوفكم به صاحبكم ثم أرسل إلي زبدا وتمرا فقال هذا هو الزقوم الذي يخوفكم به قال ومنه الغناء .

فعلى هذا فإنه يدخل فيه كل شيء يلهي عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعارف ويدخل فيه السخرية بالقرآن واللغو فيه كما قاله أبو مسلم والترهات والبسابس على ما قاله عطا وكل لهو ولعب على ما قاله قتادة والأحاديث الكاذبة والأساطير الملهية عن القرآن على ما قاله الكلبي وروى الواحدي بالإسناد عن نافع عن ابن عمر أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال باللعب والباطل كثير النفقة سمح فيه ولا تطيب نفسه بدرهم يتصدق به وروي أيضا بالإسناد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة)) قيل وما الروحانيون يا رسول الله قال قراء أهل الجنة .

{ليضل عن سبيل الله} أي ليضل غيره ومن أضل غيره فقد ضل هو ومن قرأ بفتح الياء فالمعنى ليصير أمره إلى الضلال وهو أن لم يكن يشتري للضلال فإنه يصير أمره إلى ذلك قال قتادة يحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وسبيل الله قراءة القرآن وذكر الله عن ابن عباس {بغير علم} معناه أنه جاهل فيما يفعله لا يفعل عن علم {ويتخذها هزوا} أي ويتخذ آيات القرآن هزوا أو ويتخذ سبيل الله هزوا يستهزىء بها {أولئك لهم عذاب مهين} أي مضل يهينهم الله به {وإذا تتلى عليه آياتنا} أي وإذا قرىء عليه القرآن {ولى مستكبرا كأن لم يسمعها} أي أعرض عن سماعه إعراض من لا يسمعه رافعا نفسه فوق مقدارها {كان في أذنيه وقرا} أي كان في مسامعه ثقلا يمنعه عن سماع تلك الآيات {فبشره} يا محمد {بعذاب أليم} أي مؤلم موجع في القيامة .

ثم أخبر سبحانه عن صفة المؤمنين المصدقين فقال {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم} يوم القيامة يتنعمون فيها {خالدين فيها} أي مؤبدين في تلك الجنات {وعد الله حقا} أي وعدا وعده الله حقا لا خلف له {وهو العزيز} في انتقاله {الحكيم} في جميع أفعاله وأحكامه لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ثم أخبر سبحانه عن أفعاله الدالة على توحيده فقال {خلق السموات} أي أنشأها واخترعها {بغير عمد ترونها} إذ لوكان لها عمد لرأيتموها لأنها لو كانت تكون أجساما عظاما حتى يصح منها أن تقل السموات ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى عمد آخر فكان يتسلسل فإذا لا عمد لها وقيل إن المراد بغير عمد مرئية والمعنى أن لها عمدا لا ترونها عن مجاهد والصحيح الأول .

{وألقى في الأرض رواسي} أي جبالا ثابتة {أن تميد بكم} أي كراهة أن تميد بكم وقيل لئلا تميد بكم {وبث فيها} أي فرق فيها أي في الأرض {من كل دابة} تدب على وجهها من أنواع الحيوانات {وأنزلنا من السماء ماء} أي غيثا ومطرا {فأنبتنا فيها} أي في الأرض بذلك الماء {من كل زوج} أي صنف {كريم} أي حسن النبتة طيب الثمرة .

ثم أشار سبحانه إلى ما تقدم ذكره فقال {هذا خلق الله} أي هذا الذي ذكرت من السموات على عظمها وكبر حجمها والأرض وما فيها خلق الله الذي أوجده وأحدثه {فأروني ما ذا خلق الذين من دونه} يعني آلهتهم التي يعبدونها {بل الظالمون في ضلال مبين} المعنى أنهم لا يجدون لهذا الكلام جوابا ولا يمكنهم أن يشيروا إلى شيء هو خلق آلهتهم فلم يحملهم على عبادتهم خلقها لشيء ولكنهم في عدول ظاهر عن الحق .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص76-80 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

 

{ ألم} تقدم مثله في أول سورة البقرة {تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ} . تلك إشارة إلى آيات هذه السورة ، وانها من كتاب اللَّه ، ووصفه سبحانه بالحكيم لأن فيه الحكمة البالغة {هُدىً ورَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} وهم الذين يطلبون الحق ويعملون به لأنه حق ، ولا ريب ان القرآن هدى ورحمة لكل من أخلص للَّه وللحق ، أما الذين أعمت المطامع قلوبهم فهم الداء الذي لا دواء له إلا الاستئصال {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} يداومون عليها {ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ} لمن يستحقها {وهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} ولا يشكون انهم مسؤولون أمام اللَّه عن أقوالهم وأفعالهم {أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . فميزان الهداية والفلاح عند اللَّه أن تخلص للحق قولا وعملا ، ولا تعبد إلا اللَّه ، ولا تبخل بما آتاك من فضله . وتقدمت هذه الآيات في أول سورة البقرة .

الاتجار بالدين والضمير :

{ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ويَتَّخِذَها هُزُواً} . قال صاحب مجمع البيان : (أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء . . وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) انه الطعن بالحق والاستهزاء به) .

وهذا التفسير أقرب إلى الواقع ، وأليق بالسياق ، فإن اللَّه سبحانه بعد أن ذكر المؤمنين المفلحين ذكر المجرمين الذين يشترون الذمم من الذين يتاجرون بالدين والضمير ليضللوا الناس عن الحق ، ويصرفوهم عنه بالأوهام والأباطيل . . وأوضح مثال على ذلك ما تلجأ إليه قوى الشر والاستغلال في هذا العصر لتدعيم مكانتها وبث دعايتها ، حيث تنفق الملايين على الصحف المأجورة لتنشر الأكاذيب والافتراءات ، وتروّج للخونة والعملاء ، وتشكك بالمخلصين الأحرار ، وفوق هذا ان تلك الأجهزة الشريرة ألبست عملاءها ثياب أهل الدين ليلصقوا به البدع ويفسروه بما شاء لها البغي والاستغلال ، ويبثوا الفتن والشقاق بين الطوائف وأهل الأديان . . وبعد حرب الشرق الأوسط سنة 1967 شاهدنا ألوانا من الإشاعات الكاذبة والحرب النفسية في الصحف المأجورة ، أما نشاط الدخلاء فقد بلغ الغاية في الجرأة على اللَّه ورسوله . .

ولكن الأيام كشفت الحقائق ، وفضحت الدخلاء والعملاء ، وأوان التصفية آت لا محالة {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} لأنهم باعوا دينهم للشيطان ، وتآمروا معه على الحق وأهله .

{وإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} . المؤمن المخلص يستمع للحق ، ويتصامم عن الباطل ، والخبيث المجرم صاحب الغايات والأهداف يصغي للباطل ، ويتصامم عن الحق . . ولا جزاء له إلا عذاب أليم ، قال الرازي : {العاقل يطلب الحكمة بأي ثمن ، وهم ما كانوا يطلبونها ، وإذا جاءتهم مجانا ما كانوا يسمعونها} {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} . لمّا بيّن سبحانه جزاء من أعرض عن آياته وانه عذاب أليم بيّن جزاء من آمن وعمل بها وانه جنات النعيم {خالِدِينَ فِيها} ولهم ما يشتهون {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} لأنه واقع لا محالة {وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} عزيز بقدرته التي لا تغلب ، حكيم بتدبيره الذي لا ينكره إلا جاهل أو مكابر .

{خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وأَلْقى فِي الأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} . تقدم في الآية 2 وما بعدها من سورة الرعد ج 4 ص 373 {هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} . كل ما في الكون يشهد للَّه على قدرته ووحدانيته ، فأين الدليل أيها المشركون على أن معبودكم شريك للَّه في صفة من صفاته ؟ {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وكل من جحد الحق ، أي حق ، بعد أن تظهر دلائله فهو ظالم آثم .

وتسأل : من يتتبع الآيات الكريمة يرى أن اللَّه سبحانه كثيرا ما يؤكد البديهات والواضحات فيما يعود إلى أبطال الشرك مثل قوله للمشركين : فأروني ما ذا خلق الذين من دونه . وقوله : لن يخلقوا ذبابا ، فما هو السر ؟

الجواب : السر أن يكشف سبحانه ان الفئة الباغية لا تؤمن إلا بمصلحتها ، وانها تنكر من أجل مصلحتها الشخصية كل حقيقة حتى ولو كانت من الوضوح على مثل ضوء الشمس . وهذه الصفة من أقبح الصفات وأخطرها ، ولا دواء لها إلا القوة الرادعة .

__________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ١٥٦-158 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

غرض السورة كما يومىء إليه فاتحتها وخاتمتها ويشير إليه سياق عامة آياتها الدعوة إلى التوحيد والإيقان بالمعاد والأخذ بكليات شرائع الدين .

ويلوح من صدر السورة أنها نزلت في بعض المشركين حيث كان يصد الناس عن استماع القرآن بنشر بعض أحاديث مزوقة ملهية كما ورد فيه الأثر في سبب نزول قوله : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} الآية ، وسيوافي حديثه .

فنزلت السورة تبين أصول عقائد الدين وكليات شرائعه الحقة وقصت شيئا من خبر لقمان الحكيم ومواعظه تجاه أحاديثهم الملهية .

والسورة مكية بشهادة سياق آياتها .

ومن غرر الآيات فيها قوله تعالى : {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل} الآية .

قوله تعالى : {تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين - إلى قوله - يوقنون} تقدم تفسير مفردات هذه الآيات في السور السابقة .

وقد وصف الكتاب بالحكيم إشعارا بأنه ليس من لهو الحديث من شيء بل كتاب لا انثلام فيه ليداخله لهو الحديث وباطل القول ، ووصفه أيضا بأنه هدى ورحمة للمحسنين تتميما لصفة حكمته فهو يهدي إلى الواقع الحق ويوصل إليه لا كاللهو الشاغل للإنسان عما يهمه ، وهو رحمة لا نقمة صارفة عن النعمة .

ووصف المحسنين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللتين هما العمدتان في الأعمال وبالإيقان بالآخرة ويستلزم التوحيد والرسالة وعامة التقوى ، كل ذلك مقابلة الكتاب للهو الحديث المصغي إليه لمن يستمع لهو الحديث .

قوله تعالى : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا} إلخ ، اللهو ما يشغلك عما يهمك ، ولهو الحديث : الحديث الذي يلهي عن الحق بنفسه كالحكايات الخرافية والقصص الداعية إلى الفساد والفجور ، أو بما يقارنه كالتغني بالشعر أو بالملاهي والمزامير والمعازف فكل ذلك يشمله لهو الحديث .

وقوله : {ليضل عن سبيل الله بغير علم} مقتضى السياق أن يكون المراد بسبيل الله القرآن الكريم بما فيه من المعارف الحقة الاعتقادية والعلمية وخاصة قصص الأنبياء وأممهم الخالية فإن لهو الحديث والأساطير المزوقة المختلقة تعارض أولا هذه القصص ثم تهدم بنيان سائر المعارف الحقة وتوهنها في أنظار الناس .

ويؤيد ذلك قوله بعد : {ويتخذها هزوا} فإن لهو الحديث بما أنه حديث كما سمعت يعارض أولا الحديث ويتخذه سخريا .

فالمراد بسبيل الله القرآن بما فيه من القصص والمعارف وكأن مراد من كان يشتري لهو الحديث أن يضل الناس بصرفهم عن القرآن وأن يتخذ القرآن هزوا بأنه حديث مثله وأساطير كأساطيره .

وقوله : {بغير علم} متعلق بيضل وهوفي الحقيقة وصف ضلال الضالين دون إضلال المضلين وإن كانوا أيضا لا علم لهم ثم هددهم بقوله : {أولئك لهم عذاب مهين} أي مذل يوهنهم ويذلهم حذاء استكبارهم في الدنيا .

قوله تعالى : {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا} إلخ ، وصف لذاك الذي يشتري لهو الحديث ليضل الناس عن القرآن ويهزأ به والوقر الحمل الثقيل والمراد بكون الوقر على أذنيه أن يشد عليهما ما يمنع من السمع وقيل : هو كناية عن الصمم .

والمعنى : وإذا تتلى على هذا المشتري لهو الحديث آياتنا أي القرآن ولى وأعرض عنها وهو مستكبر كأن لم يسمعها قط كأنه أصم فبشره بعذاب أليم .

وقد أعيد إلى من يشتري ضمير الإفراد أولا كما في {يشتري} و{ليضل} و{يتخذها} باعتبار اللفظ والضمير الجمع ، ثانيا باعتبار المعنى ثم ضمير الإفراد باعتبار اللفظ كما في {عليه} وغيره كذا قيل ، ومن الممكن أن يكون ضمير {لهم} في الآية السابقة راجعا إلى مجموع المضل والضالين المدلول عليهم بالسياق فتكون الضمائر الراجعة إلى {من} مفردة جميعا .

قوله تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم - إلى قوله - العزيز الحكيم} رجوع بعد إنذار ذاك المشتري وتهديده بالعذاب المهين ثم العذاب الأليم إلى تبشير المحسنين وتطييب أنفسهم بجنة النعيم الخالدة الموعودة من قبله تعالى ووعده الحق .

ولما كان غرض من اشترى لهو الحديث أن يلتبس الأمر على من يضله بغير علم فيحسب القرآن من الأساطير الباطلة كأساطيره ويهين به وكان لا يعتني بما تتلى عليه من الآيات مستكبرا وذلك استهانة بالله سبحانه أكد أولا ما وعده للمحسنين بقوله : {وعد الله حقا} ثم وصف ثانيا نفسه بالعزة المطلقة ، فلا يطرأ عليه ذلة وأهانه والحكمة المطلقة فلا يداخل كلامه باطل ولا هزل وخرافة .

ثم وصفه ثالثا بأنه الذي يدبر أمر السماء والأرض والنبات والحيوان والإنسان لأنه خالقها فله أن يعد هؤلاء بالجنة وأولئك بالعذاب وهو قوله : {خلق السماوات بغير عمد ترونها} إلخ .

قوله تعالى : {خلق السماوات بغير عمد ترونها} إلخ ، تقدم في تفسير قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [الرعد : 2] ، أن قوله : {ترونها} يحتمل أن يكون قيدا توضيحيا ، والمعنى أنكم ترونها ولا أعمدة لها ، وأن يكون قيدا احترازيا والمعنى خلقها بغير أعمدة مرئية إشعارا بأن هناك أعمدة غير مرئية .

وقوله : {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم{ ، أي ألقى فيها جبالا شامخة لئلا تضطرب بكم وفيه إشعار بأن بين الجبال والزلازل رابطة مستقيمة .

وقوله : {وبث فيها من كل دابة} أي نشر في الأرض من كل حيوان يدب عليها .

وقوله : {وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} أي وأنزلنا من جهة العلو ماء وهو المطر وأنبتنا فيها شيئا من كل زوج نباتي شريف فيه منافع وله فوائد ، وفيه إشارة إلى تزوج النبات وقد تقدم الكلام فيه في نظيره .

والالتفات فيها من الغيبة إلى التكلم مع الغير للإشارة إلى كمال العناية بأمره كما قيل .

قوله تعالى : {هذا خلق الله فأروني ما ذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين{ ، لما أراهم خلقه وتدبيره تعالى للسماوات والأرض وما عليها فأثبت به ربوبيته وألوهيته تعالى كلفهم أن يروه شيئا من خلق آلهتهم إن كانوا آلهة وأربابا فإن لم يقدروا على إراءة شيء ثبت بذلك وحدانيته تعالى في ألوهيته وربوبيته .

وإنما كلفهم بإراءة شيء من خلق آلهتهم - وهم يعترفون أن الخلق لله وحده ولا يسندون إلى آلهتهم خلقا وإنما ينسبون إليهم التدبير فقط ، لأنه نسب إلى الله خلقا هو بعينه تدبير من غير انفكاك ، فلوكان لآلهتهم تدبير في العالم كان لهم خلق ما يدبرون أمره وإذ ليس لهم خلق فليس لهم تدبير فلا إله إلا الله ولا رب غيره .

وقد سيقت الآية خطابا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن نوع هذا الخطاب {فأروني ما ذا خلق الذين من دونه} لا يستقيم من غيره (صلى الله عليه وآله وسلم) .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص169-172 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

من هم المحسنون ؟

(الم) تبدأ هذه السورة بذكر أهميّة وعظمة القرآن ، وبيان الحروف المقطّعة في بدايتها إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ هذه الآيات التي تتركّب من حروف الألف باء البسيطة ، لها محتوى ومفهوم سام يغيّر مصير البشر بصورة تامّة . ولذلك فإنّها تقول بعد ذكر الحروف المقطّعة : {تلك أيات الكتاب الحكيم} .

(تلك) في لغة العرب إشارة للبعيد ، وقلنا مراراً أنّ هذا التعبير بالخصوص كناية عن عظمة وأهميّة هذه الآيات ، وكأنّها في أعالي السماء وفي نقطة بعيدة المنال .

إنّ وصف «الكتاب» بـ «الحكيم» إمّا لقوّة ومتانة محتواه ، لأنّ الباطل لا يجد إليه طريقاً وسبيلا ، ويطرد عن نفسه كلّ نوع من الخرافات والأساطير ، ولا يقول إلاّ الحقّ ، ولا يدعو إلاّ إليه ، وهذا التعبير في مقابل (لهو الحديث) الذي يأتي في الآيات التالية تماماً .

أو بمعنى أنّ القرآن كالعالم الحكيم الذي يتكلّم بألف لسان في الوقت الذي هو صامت لا ينطق ، فيعلّم ، ويعظ وينصح ، ويرغّب ويرهّب ، ويحذّر ويتوعّد ، ويبيّن القصص ذات العبرة ، وخلاصة القول فإنّه حكيم بكلّ معنى الكلمة . ولهذه البداية علاقة مباشرة بكلام لقمان الحكيم الذي ورد البحث فيه في هذه السورة .

ولا مانع ـ طبعاً ـ من أن يكون المعنيان مرادين في الآية أعلاه .

ثمّ تذكر الآية التالية الهدف النهائي من نزول القرآن ، فتقول : {هدىً ورحمةً للمحسنين} .

إنّ الهداية في الحقيقة مقدّمة لرحمة الله ، لأنّ الإنسان يجد الحقيقة أوّلا في ظلّ نور القرآن ، ويعتقد بها ويعمل بها ، وبعد ذلك يكون مشمولا برحمة الله الواسعة ونعمه التي لا حدّ لها .

وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ هذه السورة إعتبرت القرآن سبباً لهداية ورحمة «المحسنين» ، وفي بداية سورة النمل : (هدىً وبشرى للمؤمنين) وفي بداية سورة البقرة : (هدىً للمتّقين) .

وهذا الإختلاف في التعبير ربّما كان بسبب أنّ روح التسليم وقبول الحقائق لا تحيا في الإنسان بدون التقوى ، وعند ذلك سوف لا تتحقّق الهداية ، وبعد مرحلة قبول الحقّ نصل إلى مرحلة الإيمان التي تتضمّن البشارة بالنعم الإلهية علاوة على الهداية ، وإذا تقدّمنا أكثر فسنصل إلى مرحلة العمل الصالح ، وعندها تتجلّى رحمة الله أكثر من ذي قبل .

بناءً على هذا فإنّ الآيات الثلاث أعلاه تبيّن ثلاث مراحل متعاقبة من مراحل تكامل عباد الله : مرحلة قبول الحقّ ، ثمّ الإيمان ، فالعمل ، والقرآن في هذه المراحل مصدر الهداية والبشارة والرحمة على الترتيب ـ تأمّلوا ذلك ـ .

ثمّ تصف الآية التالية المحسنين بثلاث صفات ، فتقول : {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} فإنّ إرتباط هؤلاء بالخالق عن طريق الصلاة ، وبخلق الله عن طريق الزكاة ، ويقينهم بمحكمة القيامة باعث قوي على الإبتعاد عن الذنب والمعصية ، ودافع لأداء الواجبات .

وتبيّن الآية الأخيرة ـ من الآيات مورد البحث ـ عاقبة عمل المحسنين ، فتقول : {اُولئك على هدىً من ربّهم واُولئك هم المفلحون} .

جملة (اُولئك على هدىً من ربّهم) توحي بأنّ هداية اُولئك قد ضُمنت من قبل ربّهم من جهة ، ومن جهة اُخرى فإنّ التعبير بـ(على) دليل على أنّ الهداية كأنّها مطيّة سريعة السير ، واُولئك قد ركبوها وأخذوا بزمامها ، ومن هنا يتّضح التفاوت بين هذه الهداية ، والهداية التي وردت في بداية السورة ، لأنّ الهداية الاُولى هي الإستعداد لقبول الحقّ ، وهذه الهداية برنامج للوصول إلى الغاية والهدف .

ثمّ إنّ جملة {اُولئك هم المفلحون} التي تدلّ على الحصر وفقاً للقواعد العربية ، توحي بأنّ هذا الطريق هو الطريق الوحيد إلى الإخلاص ، طريق المحسنين ، طريق اُولئك المرتبطين بالله وخلقه ، وطريق اُولئك الذين يؤمنون إيماناً كاملا بالمبدأ والمعاد .

وقوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لهو الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَاب أَلِيم(7) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَهُمْ جَنَّتُ النَّعِيمِ (8) خَلِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللهِ حَقَّاً وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

 

الغناء أحد مكائد الشياطين الكبيرة .

الكلام في هذه الآيات عن جماعة يقعون تماماً في الطرف المقابل لجماعة المحسنين والمؤمنين الذين ذكروا في الآيات السابقة .

الكلام والحديث هنا عن جماعة يستخدمون طاقاتهم من أجل بثّ اللاهدفية وإضلال المجتمع ، ويشترون شقاء وبؤس دنياهم وآخرتهم! فتقول أوّلا : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً}(2) ثمّ تضيف أخيراً : {اُولئك لهم عذاب مقيم} .

إنّ شراء لهو الحديث والكلام الأجوف إمّا أن يتمّ عن طريق دفع المال في مقابل سماع الخرافات والأساطير ، كما قرأنا ذلك في قصّة النضر بن الحارث .

أو أن يكون عن طريق شراء المغنّيات لعقد مجالس اللهو والباطل والغناء . أو صرف المال بأيّ شكل كان وفي أي طريق للوصول إلى هذا الهدف غير المشروع ، أي لهو الحديث والكلام الفارغ .

والعجيب أنّ عمي القلوب هؤلاء ، كانوا يشترون الكلام الباطل واللهو بأغلى القيم والأثمان ، ويعرضون عن الآيات الإلهية والحكمة التي منحهم الله إيّاها مجّاناً!

ويحتمل أيضاً أن يكون للشراء هنا معنى كنائي ، والمراد منه كلّ أنواع السعي للوصول إلى هذه الغاية .

وأمّا (لهو الحديث) فإنّ له معنىً واسعاً يشمل كلّ نوع من الكلام أو الموسيقى أو الترجيع الذي يؤدّي إلى اللهو والغفلة ، ويجرّ الإنسان إلى اللاهدفيّة أو الضلال ، سواء كان من قبيل الغناء والألحان والموسيقى المهيّجة المثيرة للشهوة والغرائز والميول الشيطانية ، أو الكلام الذي يسوق الإنسان إلى الفساد عن طريق محتواه ومضامينه ، وقد يكون عن كلا الطريقين كما هو الحال في أشعار وتأليفات المغنّين الغراميّة العاديّة المضلّلة في محتواها وألحانها .

أو يكون كالقصص الخرافية والأساطير التي تؤدّي إلى إنحراف الناس عن الصراط المستقيم .

أو يكون كلام الإستهزاء والسخرية الذي يطلق بهدف محو الحقّ وتضعيف أُسس ودعائم الإيمان ، كالذي ينقلونه عن أبي جهل أنّه كان يقف على قريش ويقول : أتريدون أن اُطعمكم من الزقّوم الذي يتهدّدنا به محمّد؟ ثمّ يبعث فيحضرون الزبد والتمر ، فكان يقول : هذا هو الزقّوم! وبهذا الاُسلوب كان يستهزيء بآيات الله .

وعلى كلّ حال ، فإنّ للهو الحديث معنىً واسعاً يتضمّن كلّ هذه المعاني وأمثالها ، وإذا أشارت الروايات الإسلامية وكلمات المفسّرين إلى إحداها ، فإنّ ذلك لا يدلّ مطلقاً على إنحصار معنى الآية فيه .

وتلاحظ في الرّوايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تعبيرات تبيّن سعة معنى هذه الكلمة ، ومن جملتها ما نراه في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله عزّوجلّ : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله}» (3) .

والتعبير بـ (لهو الحديث) بدلا من (حديث اللهو) ربّما كان إشارة إلى أنّ الهدف الأساس لهؤلاء هو اللهو والعبث ، والكلام والحديث وسيلة للوصول إليه .

ولجملة (ليضلّ عن سبيل الله) مفهوم واسع أيضاً ، يشمل الإضلال العقائدي ، كما قرأنا ذلك في قصّة النضر بن الحارث وأبي جهل ، وكذلك يشمل الإفساد الأخلاقي كما جاء في أحاديث الغناء .

والتعبير بـ (بغير علم) إشارة إلى أنّ هذه الجماعة الضالّة المنحرفة لا تؤمن حتّى بمذهبها الباطل ، بل يتّبعون الجهل والتقليد الأعمى لا غير ، فإنّهم جهلاء يورطون ويشغلون الآخرين بجهلهم .

هذا إذا إعتبرنا (بغير علم) وصفاً للمضلّين ، إلاّ أنّ بعض المفسّرين اعتبر هذا التعبير وصفاً للضالّين ، أي أنّهم يجرّون الناس الجهلة إلى وادي الإنحراف والباطل دون أن يعلموا بذلك لجهلهم .

إنّ هؤلاء المغفّلين قد يتمادون في غيّهم فلا يقنعون بلهو هذه المسائل ، بل إنّهم يجعلون كلامهم الأجوف ولهو حديثهم وسيلة للإستهزاء بآيات الله ، وهذا هو الذي أشارت إليه نهاية الآية حيث تقول : (ويتّخذها هزواً) .

أمّا وصف العذاب بـ (المهين) فلأنّ العقوبة متناغمة مع الذنب ، فإنّ هؤلاء قد استهزؤوا بآيات الله وأهانوها ، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أعدّ لهم عذاباً مهيناً ، إضافة إلى كونه أليماً .

وأشارت الآية التالية إلى ردّ فعل هذه الفئة أمام آيات الله ، وتوحي بالمقارنة بردّ فعلهم تجاه لهو الحديث ، فتقول : {وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأنّ في اُذنيه وقراً} أي ثقلا يمنعه من السماع . .

ثمّ تذكر أخيراً عقاب مثل هؤلاء الأفراد الأليم فتقول : {فبشّره بعذاب أليم} .

إنّ التعبير بـ (ولّى مستكبراً) إشارة إلى أنّ إعراضه لم يكن نابعاً من تضرّر مصالحه الدنيويّة والحدّ من رغباته وشهواته فحسب ، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك ، فإنّ فيه دافع التكبّر أمام عظمة الله وآياته ، وهو أعظم ذنب فيه .

والرائع في تعبير الآية أنّها تقول أوّلا : إنّه لم يعبأ بآيات الله كأنّه لم يسمعها قطّ ، ويمرّ عليها دون إكتراث بها ، ثمّ تضيف : بل كأنّه أصمّ لا يسمع أيّ كلام قطّ!

إنّ جزاء مثل هؤلاء الأفراد يناسب أعمالهم ، فكما أنّ أعمالهم كانت مؤلمة ومؤذية لأهل الحقّ ، فإنّ الله سبحانه قد جعل عقابهم وعذابهم أليماً أيضاً .

وينبغي الإلتفات إلى أنّ تعبير (بشّر) في مورد العذاب الإلهي الأليم ، يتناسب مع عمل المستكبرين الذين كانوا يتّخذون آيات الله هزواً ، والتشبّه بصفات أبي جهل ، حيث كانوا يفسّرون «زقّوم جهنّم» بالزبد والتمر!

ثمّ تعود الآيات التالية إلى شرح وتبيان حال المؤمنين الحقيقيّين ، وقد بدأت السورة في مقارنتها هذه بذكر حالهم أوّلا ثمّ ختمت به في نهاية هذا المقطع أيضاً ، فتقول : {إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنّات النعيم} .

أجل ، إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود ، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله .

إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي ، والعين البصيرة ، والاُذن السامعة التي منحهم الله إيّاها ، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحاً ، فما أجدر أن يكون لاُولئك العذاب الأليم ، ولهؤلاء جنّات النعيم!

والأهمّ من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء {خالدين فيها وعد الله حقّاً} والله سبحانه لا يعد كذباً ، وليس عاجزاً عن الوفاء بوعوده {وهو العزيز الحكيم} .

وثمّة مسألة تستحقّ الدقّة ، وهي أنّه قد ورد العذاب في حقّ المستكبرين بصيغة المفرد ، وفي شأن المؤمنين الذين يعملون الصالحات جاءت «الجنّات» بصيغة الجمع ، وذلك لأنّ رحمة الله عزّوجلّ وسعت غضبه .

والتأكيد على الخلود ووعد الله الحقّ ، تأكيد أيضاً على سعة هذه الرحمة ، وتفوّقها على الغضب .

وللنعيم معنىً واسع يشمل كلّ أنواع النعم الماديّة والمعنوية ، وحتّى النعم التي لا يمكن أن ندركها ، فنحن اُسارى شهوات البدن في هذه الدنيا ، والراغب في (مفرداته) يقول : النعيم : النعمة الكثيرة .

وقوله تعالى : {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [لقمان : 10 ، 11] 

 

هذا خلق الله :

مواصلة للبحث حول القرآن والإيمان به في الآيات السابقة ، تتحدّث الآيتان أعلاه عن أدلّة التوحيد الذي هوأهمّ الاُصول العقائدية .

تشير الآية الاُولى إلى خمسة أقسام من مخلوقات الله التي ترتبط مع بعضها إرتباطاً وثيقاً لا ينفصل ، وهي : خلق السماء ، وكون الكواكب معلّقة في الفضاء ، وخلق الجبال لتثبيت الأرض ، ثمّ خلق الدواب ، وبعد ذلك الماء والنباتات التي هي وسيلة تغذيتها ، فتقول : {خلق السماوات بغير عمد ترونها} .

(العَمَد) جمع (عمود) ، وتقييد بنائها وإقامتها بـ(ترونها) دليل على أنّه ليس لهذه السماء أعمدة مرئيّة ، ومعنى ذلك أنّ لها أعمدة إلاّ أنّها غير قابلة للرؤية ، وكما قلنا قبل هذا في تفسير سورة الرعد أيضاً ، فإنّ هذا التعبير إشارة لطيفة إلى قانون الجاذبيّة الذي يبدو كالعمود القويّ جدّاً ، إلاّ أنّه غير مرئيّ ، يحفظ الأجرام السماوية .

وقد صُرّح في حديث رواه حسين بن خالد ، عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) ، أنّه قال : «سبحان الله! أليس الله يقول : (بغير عمد ترونها؟)» قلت : بلى ، قال : «ثمّ عمد ولكن لا ترونها»(4) (5) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الجملة أعلاه أحد معاجز القرآن المجيد العلميّة ، وقد أوردنا تفصيلا أكثر عنها في ذيل الآية (2) من سورة الرعد .

ثمّ تقول الآية في الغاية من خلق الجبال : {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}(6) .

إنّ هذه الآية التي لها نظائر كثيرة في القرآن ، توضّح أنّ الجبال وسيلة لتثبيت الأرض ، وقد تثبت هذه الحقيقة اليوم من الناحية العلميّة من جهات عديدة :

فمن جهة أنّ أُصولها مرتبطة مع بعضها ، وهي كالدرع المحكم يحفظ الكرة الأرضية أمام الضغوط الناشئة من الحرارة الداخلية ، ولولا هذه الجبال فإنّ الزلازل المدمّرة كانت ستبلغ حدّاً ربّما لا تدع معه للإنسان مجالا للحياة .

ومن جهة أنّ هذه السلسلة المحكمة تقاوم جاذبية القمر والشمس الشديدة ، وإلاّ فسيحدث جزر ومدّ عظيمان في القشرة الأرضية أقوى من جزر ومدّ البحار ، وتجعل الحياة بالنسبة للإنسان مستحيلة .

ومن جهة أنّها تقف سدّاً أمام العواصف والرياح العاتية ، وتقلّل من تماسّ الهواء المجاور للأرض عند دوران الأرض حول نفسها إلى أقلّ حدّ ، ولولم تكن هذه الجبال لكان سطح الأرض كالصحاري اليابسة ، وعرضة للأعاصير والزوابع المهلكة ، والعواصف الهوجاء المدمّرة ليل نهار (7) .

وبعد ذكر نعمة إستقرار السماء بأعمدة الجاذبية . وإستقرار وثبات الأرض بواسطة الجبال ، تصل النوبة إلى خلق الكائنات الحيّة وإستقرارها ، بحيث تستطيع أن تضع أقدامها في محيط هاديء مطمئن ، فتقول : {وبثّ فيها من كلّ دابّة} .

إنّ التعبير بـ (من كلّ دابّة) إشارة إلى تنوّع الحياة في صور مختلفة ، إبتداءً من الكائنات الحيّة المجهرية والتي ملأت جميع الأرجاء إلى الحيوانات العملاقة والمخوفة .

وكذلك الحيوانات المختلفة الألوان ، والمتفاوتة الأشكال التي تعيش في الماء والهواء من الطيور والزواحف ، والحشرات المختلفة وأمثالها ، والتي لكلّ منها عالمها الخاصّ تعكس الحياة في مئات الآلاف من المرايا .

إلاّ أنّ من المعلوم أنّ هذه الحيوانات تحتاج إلى الماء والغذاء ، ولذلك فإنّ الجملة التالية أشارت إلى هذا الموضوع ، فقالت : (وأنزلنا من السماء ماءً فأنبتنا فيها من كلّ زوج كريم) .

وبهذا فإنّ الآية تبيّن أساس حياة كلّ الحيوانات ـ وخاصّة الإنسان ـ والذي يكوّنه الماء والنبات ، فالكرة الأرضية تعتبر سماطاً واسعاً ذا أغذية متنوّعة يمتدّ في جميع أنحائها ، ويصلح لكلّ نوع منها حسب خلقته ، ممّا يدلّ على عظمة الخالق جلّ وعلا .

وممّا يستحقّ الإنتباه هو أنّه في بيان خلق الأقسام الثلاثة الاُولى ذكرت الأفعال بصيغة الغائب ، وحين وصل الأمر إلى نزول المطر ونمو النباتات أتت الأفعال بصيغة المتكلّم ، فيقول : نحن أنزلنا من السماء ماءً ، ونحن أنبتنا النباتات في الأرض .

وهذا بنفسه أحد فنون الفصاحة ، حيث إنّهم عندما يريدون ذكر اُمور مختلفة ، فإنّهم يبيّنونها بشكلين أو أكثر ، كي لا يشعر السامع بأيّ نوع من الضجر والرتابة ، إضافةً إلى أنّ هذا التعبير يوضّح أنّ نزول المطر ونمو النبات كانا محطّ إهتمام خاصّ .

ثمّ تشير هذه الآية مرّة اُخرى إلى مسألة (الزوجيّة في عالم النباتات) وهي أيضاً من معجزات القرآن العلميّة ، لأنّ الزوجيّة ـ أي وجود الذكر والاُنثى ـ في عالم النباتات لم تكن ثابتة في ذلك الزمان بصورة واسعة ، والقرآن كشف الستار عنها . ولزيادة التفصيل حول هذه المسألة يمكنكم مراجعة ذيل الآية (7) من سورة الشعراء .

ثمّ إنّ وصف أزواج النباتات بـ«الكريم» إشارة ضمنية إلى أنواع المواهب الموجودة فيها .

بعد ذكر عظمة الله في عالم الخلقة ، وذكر صور مختلفة من المخلوقات ، وجّهت الآية الخطاب إلى المشركين ، وجعلتهم موضع سؤال وإستجواب ، فقالت : {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذي من دونه} ؟!

من المسلّم أنّ اُولئك لم يكونوا يستطيعون ادّعاء كون أيّ من المخلوقات من خلق الأصنام ، وعلى هذا فإنّهم كانوا يقرّون بتوحيد الخالق ، مع هذا الحال كيف يستطيعون تعليل الشرك في العبادة؟! لأنّ توحيد الخالق دليل على توحيد الربّ وكون مدبّر العالم واحداً ، وهو دليل على توحيد العبوديّة .

ولذلك اعتبرت الآية عمل اُولئك منطبقاً على الظلم والضلال ، فقالت : {بل الظالمون في ضلال مبين} .

ومعلوم أنّ «الظلم» له معنىً واسعاً يشمل وضع كلّ شيء في غير موضعه ، ولمّا كان المشركون يربطون العبادة ، وتدبير العالم أحياناً بالأصنام ، فإنّهم كانوا مرتكبين لأكبر ظلم وضلالة .

ثمّ إنّ التعبير أعلاه يتضمّن إشارة لطيفة إلى إرتباط «الظلم» و«الضلال» ، لأنّ الإنسان عندما لا يعرف مكانة الموجودات الموضوعية في العالم ، أو يعرفها ولا يراعيها ، ولا يرى كلّ شيء في مكانه ، فمن المسلّم أنّ هذا الظلم سيكون سبباً للضلالة والضياع .

_______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص211-227 .

2 ـ ضمير «يتّخذها» يعود إلى (آيات الكتاب) التي وردت في الآيات السابقة . واحتمل البعض أنّه يعود إلى (السبيل) ، لأنّ كلمة (السبيل) قد وردت في آيات القرآن بصيغة المذكّر تارةً ، وبصيغة المؤنث تارةً اُخرى .

3 ـ وسائل الشيعة ، ج12 ، ص228 باب تحريم الغناء .

4 ـ تفسير البرهان ، المجلّد 2 ، صفحة 278 .

5 ـ إنّ الذين اعتبروا الآية أعلاه دليلا على نفي العمد مطلقاً لابدّ لهم من التقديم والتأخير في الآية ليقولوا : إنّ أصل الجملة كانت : خلق السماوات ترونها بغير عمد ، وهذا خلاف الظاهر قطعاً .

6 ـ «تميد» من (الميد) أي تزلزل الأشياء وإضطرابها إضطراباً عظيماً ، وجملة (أن تميد بكم) في تقدير : لئلاّ تميد بكم .

7 ـ لمزيد الإطلاع حول فوائد الجبال راجع ذيل الآية (3) من سورة الرعد .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .