المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الاسراف في النقد والتقويم  
  
1695   11:19 صباحاً   التاريخ: 22-3-2018
المؤلف : د. عبد الرسول الغفاري
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص:193-195
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

 

الاسراف في النقد

اقول: بعد هذه الجولة السريعة في ميدان السرقات الشعرية، نجد بعض اصحاب النظر واهل الفن قد خرجوا عن اطار التقويم والنقد النزيه الى التعسف في القول حتى وصل بهم المقام الى حد الاسراف بل الى حد التسقيط والاسفاف.

وهذا اللون من الاسراف في نقد الشعر والشعراء وجدناه في الركام الادبي من القرن الرابع الهجري وبالذات عند عبد العزيز الجرجاني ت 366هـ والحسن بن بشر الآمدي ت 371هـ.

الاسراف في التقويم

فبالنسبة الى أبي تمّام يَقول فيه الآمدي كان أبو تمام مشتهراً بالشعر مشغوفاً به، مشغولاً مدّة عمره بتخيّره ودراسته..

ثم يقول: ما شيء كبير من شعر جاهلي ولا اسلامي ولا محدث إلا قرأه واطلع عليه، ولهذا أقول: إن الذي خفي من سرقاته اكثر مما قام منها على كثرتها، وأنا اذكر ما وقع إليّ في كتب الناس من سرقاته....(1)

وقد ذكر الآمدي مائة وعشرين سرقة لأبي تمام، في كل سرقة يذكر بيت أبي تمام متبوعاً بالبيت الذي أخذ منه.

وبعد كل هذا يعقّب الآمدي فيقول: وقد سمعت أبا علي محمد بن العلاء السجستاني يقول: إنه ليس لأبي تمام معنى انفرد به فاخترعه إلا ثلاثة معان (2).

أقول: وهذا منتهى الاسراف في بخس الشاعر حقّه وقد وصل الحد في بعضهم ان يعيب على أبي تمام فيقول: كان قليل التديّن لأنه لم يؤد الصلاة في أوقاتها.

غير ان الصولي دافع عنه، فقال: ان الدين ليس مقياساً في الحكم على الشاعر.

وعندما نقف عند البحتري نرى جملة من النقاد يُشيرون الى سرقاته، من ذلك يقول الآمدي: إن ابن الجراح حكى في كتابه أنّ ابن أبي طاهر أعلمه أن اخرج للبحتري ستمائة بيت مسروق، ومنها ما اخذه من أبي تمام خاصة مائة بيت.

ومن تلك الستمائة بيت اثبت الآمدي 28 سرقة للبحتري اخذها الشاعر من اشعار الناس.

و 64 سرقة خرّجها ابو الضياء بشر بن تميم الكاتب في كتابه سرقات البحتري من أبي تمام (3).

اما بالنسبة الى المتنبي فقد أوغل خصومه في ذمّه واظهار معايبه حتى قالوا عنه: ليث مغير، وسارق مختلس، وقالوا عنه أنه عمد الى شعر أبي تمام فغيّر ألفاظه، وأبدل نظمه، وأخذ معانيه بأعيانها أو معاني غيره، وأنه إن زاد على ما أخذ أو تجاوزه قليلاً اضطرّ الى تعقيد اللفظ، وفساد الترتيب، واضطراب النسج فصار خيره لا يفي بشرّه، وجُرمه يَزيد على عذره...(4).

كما ان البعض عابه فقال: انه مستهتر في شعره ببعض الشؤون الدينية...

لكن قيض اللّه لهذا الشاعر من يدافع عنه فهذا القاضي الجرجاني سدّد مقولته في حناجر اولئك فقال: ان الشاعر لا يعاب لدينه ولو كان الامر كذلك لا طرح شعر الجاهليين، لأنهم كانوا وثنيّين، أو لا طرح شعر ابي نؤاس لأنه كان شديد التهتك والاستهتار.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الموازنة ص51.

(2) الموازنة ص 123.

(3) في النقد الادبي ص 372.

(4) انظر الوساطة 1/ 140.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.