المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

أبعاد ظاهرة العولمة وتطوراتها
19-10-2016
العلاقة التبادلية بين حبّ الله ونتائجه
2024-09-18
أين المهرب والقاضي هو الله ؟
22-11-2017
شروط وجوب الجهاد
25-11-2016
بحث روائي : تفسير القرآن بالرأي
10-10-2014
Hyperfactorial
23-11-2018


تفسير آية (89) من سورة المائدة  
  
6752   06:49 مساءً   التاريخ: 18-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 89] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي  في تفسير هذه الآية (1) :

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} مضى الكلام في لغو اليمين وحكمه في سورة البقرة ، ولا كفارة فيه عند أكثر المفسرين والفقهاء ، إلا ما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : فيها الكفارة {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} إن جعلت ما موصولة فمعناه بالذي عقدتم . وإن جعلته مصدرية ، فمعناه بعقدكم ، أو بتعقيدكم الأيمان ، أو بمعاقدتكم الأيمان ، وتفسيره أن يضمر الامر ، ثم يحلف بالله ، فيعقد عليه اليمين ، عن عطاء . وقيل : هو ما عقدت عليه قلبك وتعمدته ، عن مجاهد {فَكَفَّارَتُهُ} أي كفارة ما عقدتم إذا حنثتم ، واستغني عن ذكره ، لأنه مدلول عليه ، لأن الأمة قد اجتمعت على أن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} واختلف في مقدار ما يعطى كل مسكين ، فقال الشافعي : مد من طعام ، وهو ثلثا من . وقال أبو حنيفة : نصف صاع من حنطة ، أو صاع من شعير ، أو تمر ، وكذلك سائر الكفارات . وقال أصحابنا : يعطى كل واحد مدين ، أو مدا ، والمد رطلان وربع ، ويجوز أن يجمعهم على ما هذا قدره ، ليأكلوه ولا يجوز أن يعطى خمسة ما يكفي عشرة ، فإن كان المساكين ذكورا وإناثا ، جاز ذلك ، ولكن وقع بلفظ التذكير ، لأنه يغلب في كلام العرب . {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} قيل فيه قولان أحدهما : الخبز . والأدم ، لأن أفضله الخبز واللحم ، وأدونه الخبز والملح ، وأوسطه الخبز والسمن ، والزيت والآخر : إنه الأوسط في المقدار ، أي : تعطيهم كما تعطي أهلك في العسر واليسر ، عن ابن عباس {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} قيل : لكل واحد منهم ثوب ، عن الحسن ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة : ما يقع عليه اسم الكسوة . والذي رواه أصحابنا أن لكل واحد ثوبين : مئزرا وقميصا ، وعند الضرورة يجزي قميص واحد .

{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} معناه عتق رقبة عبد ، أو أمة . والرقبة يعبر بها عن جملة الشخص ، وهو كل رقبة سليمة من العاهات ، صغيرة كانت ، أو كبيرة ، مؤمنة كانت أو كافرة ، لأن اللفظة مطلقة مبهمة ، إلا أن المؤمن أفضل ، وهذه الثلاثة واجبة على التخيير . وقيل : إن الواجب منها واحد لا بعينه ، وفائدة هذا الخلاف والكلام في شرحها ، وفي الأدلة على صحة المذهب الأول مذكور في أصول الفقه .

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} معناه : فكفارته صيام ثلاثة أيام ، فيكون صيام مرفوعا بأنه خبر المبتدأ ، أو فعليه صيام ثلاثة أيام ، فيكون صيام مرفوعا بالابتداء ، أو بالظرف . وحد من ليس بواجد هو من ليس عنده ما يفضل عن قوته ، وقوت عياله ، يومه وليلته ، وبه قال الشافعي ، ويجب التتابع في صوم هذه الأيام الثلاثة ، وبه قال أبي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأكثر الفقهاء . وفي قراءة ابن مسعود وأبي {ثلاثة أيام متتابعات} واليمين : على ثلاثة أقسام أحدها : ما يكون عقدها طاعة ، وحلها معصية ، وهذه تتعلق بحنثها الكفارة بلا خلاف ، وهو كما لو قيل : والله لا شربت خمرا والثاني : أن يكون عقدها معصية ، وحلها طاعة ، كما يقال : والله لا صليت ، وهذا لا كفارة في حنثه عند أصحابنا ، وخالف سائر الفقهاء في ذلك والثالث : أن يكون عقدها مباحا ، وحلها مباحا ، كما يقول : والله لا لبست هذا الثوب ، وهذه تتعلق بحنثها كفارة بلا خلاف أيضا .

{ذَلِكَ} إشارة إلى ما تقدم ذكره من الكفارة {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} يعني : إذا حلفتم وحنثتم ، لأن الكفارة لا تجب بنفس اليمين ، وإنما تجب باليمين والحنث وقيل : تجب بالحنث بشرط تقدم اليمين . واختلف فيمن كفر بعد اليمين قبل الحنث ، فقال أبو حنيفة : لا تجزي . وقال الشافعي : تجزي {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قيل في معناه قولان : قال ابن عباس : يريد لا تحلفوا . وقال غيره : احفظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا ، وهو اختيار الجبائي ، وهذا هو الأقوى ، لأن الحلف مباح إلا في معصية بلا خلاف ، وإنما الواجب ترك الحنث ، وفيه دلالة على أن اليمين في المعصية لا تنعقد ، لأنها لو انعقدت للزم حفظها ، وإذا كانت لا تنعقد ، فلا يلزم فيها الكفارة {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} معناه كما بين أمر الكفارة ، وجميع الاحكام ، يبين لكم آياته وفروضه ، لتشكروه على تبيينه لكم أموركم ، ونعمه عليكم .

______________________________

1. تفسير مجمع البيان  ،  ج3  ،  ص 408-409 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآية (1) :

{لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} . يمين اللغو هي ان ينطلق اللسان بها من غير قصد ، مثل قولك : لا واللَّه . لمن سألك : هل رأيت فلانا ؟ . أو قولك : بلى واللَّه . لمن قال لك : لا تريد كذا وكيت . . وهذه لا عقاب عليها ، ولا كفارة لها ان خالفت الواقع لقوله تعالى : {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} .

ولازم ذلك ان قائلها لا يعد كاذبا فيها ، وليس لأحد أن يقول : حلفت باللَّه كاذبا إذا تبين العكس . وبكلمة ان هذه لا يترتب عليها شيء من آثار اليمين لأنها ليست منها في شيء إلا في الصورة ، ومع ذلك فإن الأولى تركها مع التنبيه وعدم الغفلة .

{ ولكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الأَيْمانَ } . أي ان اليمين الشرعية التي يجب الوفاء بها ، ويؤاخذ الحالف على حنثها هي التي يحلفها البالغ العاقل عن قصد وتصميم ، وإرادة واختيار .

واتفقوا على ان اليمين تتم وتنعقد إذا كان الحلف باللَّه ، أو باسم من أسمائه الحسنى ، كالخالق والرازق . وقال الشيعة الإمامية وأبو حنيفة : لا تنعقد اليمين بالمصحف والنبي والكعبة ، وما إليها ، لحديث : « من كان منكم حالفا فليحلف باللَّه أو ليذر » . وقال الشافعي ومالك وابن حنبل : تنعقد بالمصحف . وتفرّد ابن حنبل بأنها تنعقد بالنبي أيضا .

{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . إذا حلف وحنث ، أي فعل ما حلف على تركه ، أو ترك ما حلف على فعله ، إذا كان كذلك وجبت عليه الكفارة مخيرا بين خصال ثلاث :

الأولى : أن يطعم عشرة مساكين وجبة واحدة لكل واحد بالجمع بينهم ، أو التفريق ، على أن تكون الوجبة من الطعام الغالب الذي يأكله هو وأهله ، ويجوز أن يعطي المسكين مدا من الطعام بدلا من الوجبة ، والمراد بالمسكين الفقير الذي تحل له الزكاة ، والمد أكثر من 800 غرام بقليل .

الثانية : أن يكسو عشرة مساكين ، ويجزي كل ما يسمى كسوة في العرف ، لأن الشرع ورد بها مطلقا ، فتحمل على المعنى المعروف من غير فرق بين الجديد والعتيق ، ما لم يكن الثوب باليا أو ممزقا .

الثالثة : أن يعتق عبدا ، ولا عبيد اليوم .

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} . أي فإن عجز عن الخصال الثلاث المتقدمة صام ثلاثة أيام ، وإن عجز عن الصوم استغفر اللَّه ورجا عفوه . {ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ} . ذلك إشارة إلى الطعام والكسوة والعتق والصوم بعد العجز عن الخصال الثلاث ، وبديهة إنما تجب على النحو المتقدم إذا حلف وحنث .

{واحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ} من الابتذال ، فإن لليمين باللَّه حرمتها وعظمتها ، قال تعالى : {ولا تَجْعَلُوا اللَّهً عُرْضَةً لأَيْمانِكُمْ } [البقرة - 242 ] . وفي الحديث :

« إن نبي اللَّه موسى أمر أن لا يحلفوا باللَّه كاذبين ، وأنا آمركم أن لا تحلفوا باللَّه كاذبين ولا صادقين .

{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . قال الرازي : « المعنى ظاهر » . أجل ، ولكن اللَّه سبحانه أراد أن ينبهنا إلى نعمة المعرفة بأحكامه ، كيلا تصدر عن غيرها .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 119-121 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

قوله تعالى : { لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ } اللغو ما لا يترتب عليه أثر من الأعمال ، والأيمان جمع يمين وهو القسم والحلف ؛ قال الراغب في المفردات : واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره ، قال تعالى : { (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) ، (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) } انتهى ، والتعقيد مبالغة في العقد وقرئ : عقدتم بالتخفيف ، وقوله : { فِي أَيْمانِكُمْ } متعلق بقوله : { لا يُؤاخِذُكُمُ } أو بقوله : { بِاللَّغْوِ } وهو أقرب.

والتقابل الواقع بين قوله : { بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ } وقوله : { بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ } يعطي أن المراد باللغو في الأيمان ما لا يعقد عليه الحالف ، وإنما يجري على لسانه جريا لعادة اعتادها أو لغيرها وهو قولهم ـ وخاصة في قبيل البيع والشري ـ : لا والله ، بلى والله ، بخلاف ما عقد عليه عقدا بالالتزام بفعل أو ترك كقول القائل : والله لأفعلن كذا ، وو الله لأتركن كذا .

هذا هو الظاهر من الآية ، ولا ينافي ذلك أن يعد شرعا قول القائل : والله لأفعلن المحرم الفلاني ، والله لأتركن الواجب الفلاني مثلا من لغو اليمين لكون الشارع ألغى اليمين فيما لا رجحان فيه ، فإنما هو إلحاق من جهة السنة ، وليس من الواجب أن يدل القرآن على خصوص كل ما ثبت بالسنة بخصوصه.

وأما قوله : { وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ } فلا يشمل إلا اليمين الممضاة شرعا لمكان قوله في ذيل الآية : { وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ } فإنه لا مناص عن شموله لهذه الأيمان بحسب إطلاق لفظه ، ولا معنى للأمر بحفظ الأيمان التي ألغى الله سبحانه اعتبارها فالمتعين أن اللغو من الأيمان في الآية ما لا عقد فيه ، وما عقد عليه هو اليمين الممضاة .

قوله تعالى : { (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ـ إلى قوله ـ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، الكفارة هي العمل الذي يستر به مساءة المعصية بوجه ، من الكفر بمعنى الستر ، قال تعالى : { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ } [ النساء : 31 ] ، قال الراغب : والكفارة ما يغطي الإثم ومنه كفارة اليمين ، انتهى.

وقوله : { فَكَفَّارَتُهُ } تفريع على اليمين باعتبار مقدر هو نحو من قولنا : فإن حنثتم فكفارته كذا ، وذلك لأن في لفظ الكفارة دلالة على معصية تتعلق به الكفارة ، وليست هذه المعصية هي نفس اليمين ، ولو كان كذلك لم يورد في ذيل الآية قوله : { وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ } إذ لا معنى لحفظ ما فيه معصية فالكفارة إنما تتعلق بحنث اليمين لا بنفسها.

ومنه يظهر أن المؤاخذة المذكورة في قوله : { وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ } هي المؤاخذة على حنث اليمين لا على نفس إيقاعها ، وإنما أضيفت إلى اليمين لتعلق متعلقها ـ أعني الحنث ـ بها ، فقوله : { فَكَفَّارَتُهُ } متفرع على الحنث المقدر لدلالة قوله : { (يُؤاخِذُكُمُ) ، إلخ ، عليه ، ونظير هذا البيان جار في قوله : { ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ } وتقديره : إذا حلفتم وحنثتم.

وقوله : { إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } خصال ثلاث يدل الترديد على تعيين إحداها عند الحنث من غير جمع ، ويدل قوله بعده : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } على كون الخصال المذكورة تخييرية من غير لزوم مراعاة الترتيب الواقع بينها في الذكر ، وإلا لغا التفريع في قوله : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } { إلخ } ، وكان المتعين بحسب اقتضاء السياق أن يقال : أو صيام ثلاثة أيام.

وفي الآية أبحاث فرعية كثيرة مرجعها علم الفقه.

قوله تعالى : { ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ } تقدم أن الكلام في تقدير : إذا حلفتم وحنثتم ، وفي قوله : { ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ } وكذا في قوله : { كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ } نوع التفات ورجوع من خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ، ولعل النكتة فيه أن الجملتين جميعا من البيان الإلهي للناس إنما هو بوساطة النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله فكان في ذلك حفظا لمقامه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله في بيان ما أوحي إليه للناس كما قال تعالى : {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [ النحل : 44] .

قوله تعالى : { كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي يبين لكم بواسطة نبيه أحكامه لعلكم تشكرونه بتعلمها والعمل بها.

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 91-93 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

الآية تتناول القسم الذي يقسم به الإنسان في حالة تحريم الحلال وفي غيره من الحالات بشكل عام ، ويمكن القول أنّ القسم نوعان :

فالأولى : هو القسم اللغو ، فيقول : {لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} .

في تفسير الآية (٢٢٥) من سورة البقرة ـ التي تتناول موضوع عدم وجود عقاب على اللغو في الأيمان ـ قلنا : إنّ المقصود باللغوّ في الأيمان ـ كما يقول المفسّرون والفقهاء ـ الأيمان التي ليس لها هدف معين ولا تصدر عن وعي وعزم إرادي ، وإنما هي قسم يحلف به المرء من غير تمعن في الأمر فيقول : والله وبالله ، أو لا والله ولا بالله ، أو إنّه في حالة من الغضب والهياج يقسم دون وعي (2) .

ويقول بعضهم : إنّ الإنسان إذا كان واثقا من أمر فاقسم به ، ثمّ ظهر أنّه قد أخطأ ، فقسمه ـ يعتبر أيضا ـ من نوع اللغو في الأيمان ، كأن يتيقن أحدهم من خيانة زوجته على أثر سعاية بعض الناس ووشايتهم ، فيقسم على طلاقها ، ثمّ يتّضح له أن ما سمعه بحقّها كان كذبا وافتراء ، فإنّ قسمه ذاك لا اعتبار له ، إننا نعلم أيضا أنّه بالإضافة إلى توفر القصد والإرادة والعزم في القسم الجاد ، يجب أن يكون محتواه غير مكروه وغير محرم ، وعليه إذا أقسم أحدهم مختارا أن يرتكب عملا محرما أو مكروها ، فإن قسمه لا قيمة له ولا يلزمه الوفاء به ، ويحتمل أن يكون مفهوم «اللغو» في هذه الآية مفهوما واسعا يشمل هذا النوع من الأيمان أيضا.

والقسم الثّاني : هو القسم الجاد الإرادي الذي قرره المرء بوعي منه ، هذا النوع من القسم هو الذي يعاقب عليه الله إذا لم يف به الإنسان : { وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمان } .

كلمة «العقد» تعني في الأصل ـ كما قلنا في بداية سورة المائدة ـ جمع أطراف الشيء جمعا محكما.

ومنه تسمية ربط طرفي الحبل بـ «العقدة» ثمّ انتقل هذا المعنى إلى الأمور المعنوية ، فأطلق على كل اتفاق وعهد اسم العقد ، فعقد الأيمان ـ كما في الآية ـ يعني التعهد بكل جد وعزم وتصميم على أمر ما بموجب القسم .

بديهي أن الجد وحده في القسم لا يكفي لصحته ، بل لا بدّ أيضا من صحة محتواه ـ كما قلنا ـ وأن يكون أمرا مباحا في الأقل ، كما لا بدّ من القول بأنّ القسم بغير اسم الله لا قيمة له.

وعليه إذا أقسم إمرؤ بالله أن يعمل عملا محمودا ، أو مباحا على الأقل ، فيجب عليه أن يعمل بقسمه ، فإن لم يفعل ، فعليه كفارة التخلف.

وكفارة القسم هي ما ورد في ذيل الآية المذكورة ، وهي واحدة من ثلاثة :

الأولى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ } ، ولكيلا يؤخذ هذا الحكم على إطلاقه بحيث يصار إلى أي نوع من الطعام الدنيء والقليل ، فقد جاء بيان نوع الطعام بما لا يقل عن أوسط الطعام الذي يعطى لأفراد العائلة عادة : { مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } .

ظاهر الآية يدل على النوعية المتوسطة ، ولكن يحتمل أنّه إشارة إلى الكمية والكيفية كليهما ، فقد جاء عن الإمام الصادق عليه‌ السلام أنّه الحد الوسط من الكيفية ، وعن الإمام الباقر عليه ‌السلام أنّه الحدّ الوسط من الكمية ، الأمر الذي يدل على أن المطلوب هو الحد الوسط من كليهما (3) .

ولا حاجة للقول بأنّ «الحدّ الوسط» سواء في الكمية أو الكيفية ، يختلف باختلاف المدن والقرى والأزمنة .

وقد احتمل بعضهم تفسيرا آخر للأوسط ، وهو أنّه يعني الجيد الرفيع ، وهما من معاني «الأوسط» كما نقرأ في الآية (٢٨) من سورة القلم : { قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ } .

الثّانية : { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } .

من الطبيعي أنّ ذلك يعني الملابس التي تغطي الجسم حسب العادة ، لذلك ورد في بعض الرّوايات أنّ الإمام الصادق عليه‌ السلام بيّن أنّ المقصود بالكسوة في هذه الآية قطعتا اللباس (الثوب والسروال) ، أمّا الرواية المنقولة عن الإمام الباقر عليه‌ السلام بأن ثوبا واحدا يكفي ، فربّما تكون إشارة إلى الثوب العربي الطويل المعروف والذي يكسو الجسم كلّه ، أمّا بشأن النسوة فلا شك أنّ ثوبا واحدا لا يكفي ، بل لا بدّ من غطاء للرأس والرقبة ، وهذا هو الحدّ الأدنى لكسوة المرأة لذلك لا يستبعد أن تكون الكسوة التي تعطى كفارة تختلف أيضا باختلاف الفصول (4) والأمكنة والأزمنة.

أمّا من حيث الكيفية ، وهل يكفي الحد الأدنى ، أم ينبغي مراعاة الحد الأوسط؟ فإن للمفسرين رأيين في ذلك :

١ ـ إن كل كسوة تكفي إذا أخذت الآية على إطلاقها.

٢ ـ إنّه ما دمنا قد راعينا الحدّ الأوسط في الإطعام ، فلا بدّ أن نراعي هذا الحد في الكساء أيضا ، غير أن الرأي الأوّل أكثر انسجاما مع إطلاق الآية.

الثّالثة : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } .

وإن كانت الآية مطلقة في الظاهر .

وهذا ما يدل على أنّ الإسلام يتوسل بطرق مختلفة لتحرير العبيد ، أمّا في الوقت الحاضر حيث يبدو أنّه لا وجود للرق ، فإنّ على المسلمين أن يختاروا واحدة من الكفارتين المتقدمتين .

ليس ثمّة شك في أنّ هذه المواضيع الثلاثة متباينة من حيث قيمتها تباينا كبيرا ، ولعل القصد من هذا التباين هو حرية الإنسان في اختيار الكفارة التي تناسبه وتناسب إمكاناته المادية .

ولكن قد يوجد من لا قدرة له على أيّ منها ، لذلك فإنّه بعد بيان تلك الأحكام يقول سبحانه وتعالى : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } .

إذن ، فصيام ثلاثة أيّام مقصور على الذين لا قدرة لهم على تحقيق أي من الكفارات الثلاث السابقة ، ثمّ يؤكّد القول ثانية : { ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ } .

ومع ذلك ، فلكي لا يظن أحد أنّه بدفع الكفارة يجوز للمرء أن يرجع عن قسم صحيح أقسمه ، يقول تعالى : { وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ } .

وبعبارة أخرى : إنّ الالتزام بالقسم واجب تكليفي ، وعدم تنفيذه حرام ، والكفارة تأتي بعد الرجوع عن القسم.

في ختام الآيات يبيّن القرآن أنّ هذه الآيات توضح لكم الأحكام التي تضمن سعادة الفرد والمجتمع وسلامتها لتشكروه على ذلك : { كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

____________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 616 -619 .

2. أصول الكافي ، ج7 ، ص 443 .

3. «نور الثقلين» ، ج ١ ، ص ٦٦٦ وتفسير «البرهان» ، ج ١ ، ص ٤٩٦.

4. ثمّة حديث بهذا الشأن عن الإمام الباقر عليه ‌السلام أو الإمام الصادق عليه ‌السلام أنظر تفسير «البرهان» ، ج ١ ، ص ٤٩٦.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .