المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24

البيئات اللاهوائية Anoxic Environments
15-5-2017
عدد حواري عيسى بن مريم (عليهما السلام) وعلماء الإنجيل
22-8-2019
حرمة نبش القبر
17-12-2015
الحرب الإعلامية
30-1-2023
Prolate Spheroidal Wave Function
23-7-2019
Walk
13-5-2022


الاصول التي تقوم عليها التربية  
  
65975   11:58 صباحاً   التاريخ: 24-5-2017
المؤلف : د. عبد القادر شريف
الكتاب أو المصدر : التربية الاجتماعية والدينية في رياض الاطفال
الجزء والصفحة : ص18-25
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية العلمية والفكرية والثقافية /

تستند التربية الى اصول مستمدة من العلوم التي تفيد في فهم جوانبها المختلفة مثل (علم النفس- وعلم الاجتماع – والتاريخ - وعلم السياسة- وعلم الاقتصاد - والفلسفة... الخ) ومن الاصول التي تقوم عليها التربية ما يلي (1):

1ـ التربية لها اصولها الاجتماعية والثقافية :

حيث إن هذه الاصول تستمد من علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجي اي علم دراسة الانسان، وهذه الاصول هي التي حولت التربية من عملية فردية الى عملية اجتماعية ثقافية. ذلك ان المدخل الى فهم التربية ينبغي ألا يكون من زاوية الفرد وحده او من زاوية المجتمع مجردا عن حياة الافراد، بل يجب ان يكون هذا المدخل متكاملا يقوم على الدراسة العضوية بين الفرد وبيئته التي تعني غيره من الافراد وما يعيشون فيه من انظمة وعلاقات وقيم وتقاليد ومفاهيم فالتربية تستمد مقوماتها من المجتمع الذي تعمل فيه كما انها تهدف الى تحويل الفرد من مواطن بالقوة بحكم مولده في المجتمع الى مواطن بالفعل يفهم ادواره الاجتماعية وسط الجماعة التي يعيش بينها ويعرف مسؤولياته ويؤديها على الوجه الاكمل والتربية هي السبيل الى استمرار الثقافة مهما كان الطابع لهذه الثقافة ودرجة تطورها فهي تحدث في المدرسة بطريقة مباشرة والثقافة لا تولد مع الافراد ولا تنتقل اليهم بيولوجيا كما هو الحال بالنسبة للون الشعر او البشرة وانما يكتسبونها بالتعليم والتدريب والممارسة في دوائر ومؤسسات الحياة الاجتماعية التي يعيشون فيها.

والتربية تدور في وسط ثقافي ينشط فيه الفرد فتنمو شخصيته بفعل تفاعله بعناصره، وعن طريقة تنظيم خبراته وتعميقها وتوسيع نطاقها.

وتتعمق وظيفة التربية ومؤسساتها من خلال العلوم التي تستند اليها فالمدرسة لا يمكن ان تنفصل عن المجتمع ومنهجها ومحتواها لابد ان يتأثر باتجاهات المجتمع ويعالج مشكلاته كما ان التخطيط للتعليم صفة عامة يقوم اساسا على دراسة طبيعة المجتمع ومشكلاته ونوعية المرحلة التاريخية التي يمر بها.

وإقامة التربية على هذه الاصول تعني كذلك تغير النظرة الى المعرفة التي تتناولها المؤسسات التعليمية في توجيه نمو التلاميذ وفي تحقيق اهدافها الاجتماعية فالمعرفة ليست فردية او ذاتية ولكنها تنشا في الخبرة الاجتماعية التي تعني تفاعلات مستمرة بين الفرد وبيئته حيث تأتي من جهد الانسان في مواجهة مشكلات الحياة وبحثه عن حلول لها لذلك فالمعرفة صفة اجتماعية ووظيفة اجتماعية مما يتطلب من المعلم أن يكون واعيا بوظيفة مادته الدراسية في ثقافة مجتمعه وفي العلاقة بينها وبين غيرها في ضوء التغيرات الثقافية والاطار الاجتماعي الذي تؤثر فيه وتتأثر به.

2- التربية لها اصولها النفسية :

فهي إذ تتأثر بالمجتمع وثقافته، تنصب على الانسان الفرد، وبمعنى اخر فهي عندما تقوم على دراسة المجتمع والثقافة من اجل توجيه العمل التربوي وتنظيم الخبرة التربوية، فإنها تعتبر الانسان الفرد نقطة البداية لهذا التوجيه ولهذا فإنها تأخذ من علم النفس الكثير من القوانين لتطبيقها على التعلم وتفسير السلوك الانساني من اجل ضبطه واختيار وسائل توجيهه فمهمة علم النفس هي دراسة الوسائل التي تحقق عملية النمو التربوي حيث انه يترجم اهداف التربية الى عادات سلوكية يكتسبها الاطفال والتلاميذ خلال مراحل التعليم المختلفة.

كما ان العملية التربوية تنصب على مجموعات من الاطفال والناشئة في سن معينة يمرون بمراحل نمو متعاقبة من الناحية الجسمية والعضوية والعقلية والاجتماعية، ووظيفة المدرسة هي ان تزاوج بين اهداف التربية وبين خصائص هؤلاء الناشئة حتى يتحقق الغرض منها وبذلك كان لابد للتربية من أن تقوم على ما يقدمه علم النفس من نتائج عن خصائص الافراد خلال مراحل نموهم.

كما يوفر علم النفس لكل القائمين على توجيه الاطفال والشباب النتائج والنظريات التي تفسر السلوك وتعين على اختيار افضل طرق التعليم فالمعلمون والمخططون للمناهج ومؤلفو الكتب المدرسية وغيرهم يحتاجون الى معرفة خصائص التلاميذ والاطفال في كل مرحلة ومعرفة اثر البيئة على اهتماماتهم وافضل الطرق للتعامل معهم ومعنى الفروقات بينهم واسبابها وطرق الكشف عنها، وتقويم تقدم كل منهم، ونحن إذن نلجأ الى علم النفس فنختار افضل الطرق لتحقيق اهداف التربية والاهداف والوسائل كل متكامل في التربية كما هي في اي ميدان انساني آخر.

3- التربية لها اصولها التاريخية :

حيث إن التربية تعتبر محصلة عوامل ومؤثرات مختلفة، فالنظام التعليمي بما يتضمنه من عمليات وتنظيمات وما يواجهه من مشكلات وقضايا يتأثر بطبيعة المرحلة التي يعيشها غير انه يتأثر في نفس الوقت بما تتأثر به هذه المرحلة من عوامل الماضي.

والدراسة التاريخية للمجتمع والتربية تعين على فهم تطور التعليم ومواجهة مشكلاته بصورة اكثر وضوحا , على اساس  التعرف على اهم القوى السياسية والاقتصادية والثقافية التي تشكل المجتمع , واثرها على خلق ما يواجهه التعليم من مشكلات .

إن توجيه التعليم والتعميق في مفاهيمه ومشكلاته يستند الى ما يسمى بالأسس التاريخية , حيث إن التعليم جانبا متكاملا من الثقافة التي ينتمي اليها , ينفعل بما فيها من قوى , وبما انفعلت به من عوامل ومؤثرات .

وقد يكون الخطر في التعليم النظر اليه في اية مرحلة من مراحل التطور على أنه وحدة مستقلة, في الوقت الذي تتأثر فيه اوضاعه بأصول مستمدة من الماضي , ودراسة التاريخ بهذا المنظور تعني مسؤولية جديدة , وهي دراسة جذور مشكلات التعليم واتجاهاته , ووسائل مواجهتها في الماضي , ومدى ملاءمة هذه الوسائل لطبيعة المرحلة التي يواجه فيها التعليم مسؤولياته, وعلى ضوء ذلك يرى التعليم نفسه من زاويتين .

الاولى : العناصر التي ورثها عن الماضي ,واثر مقابلة القديم بالجديد في خلق مشكلاته .

وثانيهما : كيفية مواجهة الجماعات في الظروف المختلفة للمشكلات المتماثلة .

وعلى هذا النحو يجد التعليم نفسه امام حتميه موضوعية وهي ان يراجع نفسه على ضوء نظرته الى اوضاعه على أنها متأثرة بماضيه , وعلى أن هذا التاريخ متضمن في حاضره ,ولابد من فحصه دائما تحقيقا لمستقبل افضل في ضوء حركة القوى الاجتماعية والاقتصادية وما بينهما من تناقص أو التقاء .

صحيح ان التاريخ لا يعيد نفسه, والتعليم كثيرا ما يواجه مشكلة اساسية وهي ان المعلمين يقدمون لتلاميذهم ما تعلموه في الماضي, بل وقد يعلمونهم في كثير من الاحيان بالطرق التي تعلموا بها ايضا, وهم في نفس الوقت مطالبون بأن يعدوا هؤلاء التلاميذ لاحتمالات المستقبل وللحياة فيه. كما هو حادث اليوم من انفجار معرفي غزير, وتطوير تكنولوجي سريع , فمن الضروري ان يكون المعلم نفسه واعيا بهذه التطورات ملما مكتسبا لمهاراتها حتى يعلم التلاميذ على اساس سليم , واذا كان عكس ذلك فالطامة تصبح كبرى لان فاقد الشيء لا يعطيه.

ودراسة التاريخ مهمة, لانها تعني دراسة الحركة داخل التعليم ومن حوله, فدراسة تطور المناهج التعلمية تتضمن الكشف عن اثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية في نوع الخبرة التي يتعلم منها التلاميذ, ودراسة اهداف التربية في تطورها تبين طبيعة كل عصر, وضرورة ربطها بمطالب هذا العصر, وتخلص من ذلك الى أن مشكلات التعليم لا يمكن فهمها أو البحث عن حلول لها الا في ضوء دراسة التاريخ من حولها حتى نكتشف عنه اثر القوى والعوامل الاقتصادية والاجتماعية  والسياسية في خلقها وظهورها.

4- التربية لها اصولها السياسية :

التربية تعمل على اطار سياسي، فهي تخدم مجتمعا معينا بأهداف معينة هكذا كانت في كل العصور وفي كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع.

فالدولة دائما تعبر عن علاقات اجتماعية واقتصادية وهي دائما في تغير ما دام هناك تناقص في هذه العلاقات يعبر عنه صراع المصالح بين طبقات المجتمع، فقد تعبر الدولة عن مصلحة قلة من الناس فتكون ذات اتجاه ارستقراطي استبدادي وقد تعبر عن مصلحة اصحاب رؤوس الاموال فتكون ذات اتجاه برجوازي رأسمالي وقد تعبر عن مصلحة اكبر عدد من الناس فتكون ذات اتجاه ديمقراطي اشتراكي والتعليم وسط ذلك لابد ان يتأثر بفعل توجيه الدولة له وبفعل سلطان الطبقة الاجتماعية المسيطرة فتتأثر اهدافه وبرامجه واساليبه وما ينفق عليه من الاموال بل انه يتأثر في علاقاته مع المؤسسات والانظمة المختلفة.

والتعليم هو اداة تكوين المواطن، ومن ثم كان اهتمام الدولة بتوجيهه والاشراف عليه وهو في دولة تؤمن بالديمقراطية وتقوم على مبادئها يعتبر السبيل الى تكون صفات الديمقراطية وتنميتها لدى المواطنين والتعليم في كل الاحوال هو السبيل الى التربية السياسية وتكوين المواطن الواعي بحقوقه وواجباته.

وتزداد اهمية التعليم دائما في فترات التغير السياسي وانتقال السلطة من طبقة الى طبقة اخرى خاصة في فترات التحول التي تنتقل فيها السلطة بمعناها الواسع الى الشعب.

 وعلى ضوء ذلك تتحدد مواقف وعمليات مختلفة في التعليم مثل نوع الادارة التعليمية ونوع المسؤوليات والحقوق في كل موقع لانها تعبر عن الطابع السياسي العام للدولة مثل موقف المعلمين والمتعلمين من القضايا المختلفة الموجودة على الساحة وموقف المدرسة والمؤسسات والهيآت التعليمية من الرأي العام ومن التغيير الاجتماعي فالتعليم شأن اي ميدان اخر في المجتمع تحكمه قوانين ولوائح وتنظيمات تعبر جميعها عن السلطة السياسية في ذلك المجتمع.

5- التربية لها اصولها الاقتصادية :

لانها من ناحية تعمل إطارا اقتصاديا ومن ناحية اخرى تعتبر مجالا من مجالات الاستثمار.

والتنمية الاقتصادية تتطلب تغييرا في عمليات الانتاج وتدريبا للقوى العاملة وتوزيعها بعد تدريبها واكسابها المهارات اللازمة لإحداث التطور فزيادة الثروة الوطنية ليست رهنا بوفرة المواد الخام فقط او بوفرة رأس المال فحسب بل لابد لها من القوة العاملة المدربة والمؤهلة بمهارات وتخصصات متنوعة تقوم بالعمل وتؤديه على احسن مستوى ممكن .

واصبحت قوة الامم وتقدمها لا تقاس بما يتوفر لديها من موارد طبيعية بل لابد من امتلاكها للقوة البشرية الواعية والمدربة على العمل والانتاج. ولما كان التعليم هو السبيل الى اعداد هذه القوة البشرية كان لابد أن يكون بينه وبين الاقتصاد علاقة وثيقة فلم يعد ينظر اليه على أنه نوع من الخدمة التي تقدم للناس في عزلة عن العمليات الاقتصادية وانما اصبح ينظر اليه على انه استثمار بصورة اساسية فالتعليم والنشاط الاقتصادي وجهان لعملة واحدة يستهدفان النهوض بمستوى حياة الفرد والجماعة.

6- التربية لها اصولها الفلسفية :

ذلك أنه اذا كانت التربية تتأثر بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وبمؤثرات العملية التاريخية، فإنها لابد أن تقوم على دراسة هذه الاوضاع وتلك المؤثرات والاختيار من بينها في ضوء تصورات واتجاهات تحدد مستقبل المجتمع الذي تعمل فيه.

ولما كانت وظيفة الفلسفة تحليل هذه الاوضاع ونقدها نقدا دقيقا لإقامة الاختيار على اساس عملية تواجه به التناقض بين القوى المختلفة والاتجاهات المتضاربة فلا بد أن تكون التربية وثيقة الصلة بوظيفة الفلسفة وأساليبها .

وبعبارة اخرى، فانه اذا كانت الفلسفة هي ذلك النشاط الثقافي الذي يعبر فكريا عن اوضاع الثقافة ومشكلاتها ويحاول تعديلها وتطورها فان التربية هي ذلك المجهود العلمي الذي يهدف الى ترجمة قيم هذه الفلسفة الى عادات واتجاهات ومهارات سلوكية لدى الافراد كما يحدث تعديل على مستوى المنظمات الاجتماعية حتى تدعم هذه الاتجاهات والمهارات .

وقد يصبح التعليم عملا روتينيا مادامت اهدافه وطرائقه لا تواجهها نظرة واسعة توضح مكانته في الحياة المعاصرة وفي مستقبل المجتمع ومهمة الفلسفة توفير هذه النظرة وعلى هذا النحو تستند التربية الى اصول الفلسفة حيث إنها تعالج الفرد في اطار المجتمع الذي ينتمي اليه ولا بد لها ان تتبنى عملها على مفاهيم واضحة بشان طبيعة الفرد وماهية المجتمع ونوع القيم التي يسعى اليها ونوع النظام السياسي والاقتصادي الذي يحقق هذا النوع من القيم ونوع المواطن الذي ينبغي ان يترجم في سلوكه هذه القيم .

7- الإدارة كأساس لتنظيم العمل التربوي وتوجيهه :

والتربية ليست مجرد اهداف واتجاهات وقيم إذ إنها جهد منظم يتمثل في علاقات وتفاعلات بين الافراد العاملين في مجالها والمتصلين بها والمشرفين على توجيهها ومن ثم فلا بد لها من اطار اداري وتنظيمات ادارية تحقق لهذه التفاعلات والعلاقات التنظيم والتنسيق والتوجيه من اجل ترجمة ما تصبو اليه من اهداف، وما تقوم عليه من قيم اجتماعية واقتصادية وسياسية، فالإدارة ليست اجراءات روتينية بل هي تنظيمات تكفل ترجمة الفلسفة التي يتبناها المجتمع الى نظم واساليب واوجه نشاط تتخذ مسارا معينا في الواقع فالإدارة هي عملية تحويل النظريات والفلسفات من مجرد الفكر الى التطبيق الفعلي في صورة منظمة .

ولكي يكون الواقع اقرب ما يكون الى الفلسفة التي بنى عليها لابد من مراجعة العمليات الادارية المتضمنة في هذا الواقع والعمل على تقويمها وتعديلها بشكل مستمر وفق النظرية او الفلسفة التي تعبر عنها.

والتعليم هو السبيل الاساسي لتحقيق الفلسفة القومية عن طريق اعداد النشء وتدريب الكبار للاضطلاع بالأدوار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي هي نتاج ترجمة لهذه الاهداف. غير ان قدرة التعليم على اداء هذه العملية تتوقف على ادارته، ذلك ان ادارة التعليم هي ادارة السيطرة العملية وتنظيمها وتقويمها فاذا كانت هذه الادارة معطلة وفاسدة فأنها لاشك ستؤثر بالسلب في ادارة التعليم لهذه العملية ذلك ان قوة التعليم تتوقف على قوة ادارته، فقد تتوفر للتعليم امكانات كثيرة مثل المال والكتب الجيدة ومع ذلك لا يحقق الغرض منه لعدم توفر الادارة الجيدة الديمقراطية القائمة على مفاهيم واضحة ومن ناحية اخرى قد تساعد الادارة الجيدة على التغلب على مشكلات نابعة من نقص الامكانات في التعليم كالنقص في الماء او الاثاث ومن هنا تطور التعليم والارتقاء بنوعية وضمان انتاجية على مستوى افضل بشكل مستمر يتطلب النظر اليه من زاوية إدارته .

_____________

(1) انظر :

1- ابراهيم عصمت مطاوع : اصول التربية ، القاهرة ، دار الفكر العربي ،1995.

2ـ محمد الهادي عفيفي : في اصول التربية ، الاصول الثقافية للتربية ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1997 ، ص53-63




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.