أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2016
2034
التاريخ: 30-7-2019
2470
التاريخ: 5-7-2021
9842
التاريخ: 10-7-2019
2087
|
دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى الإسلام، وأخذ عدد المسلمين يزداد يوما بعد يوم، وعدا أعداء الإسلام على من أسلم واتبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من مستضعفي المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع وتركهم ورمضاء مكة وكيهم بالنار، ليفتنوهم عن دينهم، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يصيب أصحابه من البلاء قال: لو خرجتم إلى أرض الحبشة حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه. فخرج المسلمون وتركوا أرضهم وأموالهم، مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم (1).
لأرض الحبشة ميزات قد لا تحصل لغيرها من البلدان المجاورة. منها: كونها بعيدة عن نفوذ الفرس والروم وقريش، والتي لا يمكن للقرشيين أن يصلوا إليها على خيولهم أو رواحلهم، ولا يملكون السفن التي تستوعبهم لحملة عبر البحر إلى سواحل الحبشة. بالإضافة إلى سلامة شعبها من الشبهات، والمكر، والدهاء التي عليها الروم والفرس والعرب خاصة قريش، فكانت أقرب للفطرة والحق. كما أن ملكها النجاشي، يمتاز بصفات حميدة، أهمها: العدل، والإحسان، وحسن السيرة والسريرة. لأجل ذلك كله، اختار الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أرض الحبشة مهجرا للمهاجرين من أصحابه المؤمنين، حيث أمرهم بالهجرة إليها، تخلصا من ظلم قريش، والاعتداء عليهم، خاصة الذين لا يجدون من يحميهم ويجيرهم، قائلا لهم: إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه . فخرجوا من مكة في شهر رجب، من السنة الخامسة لمبعثه الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) في غسق الليل خوفا من طواغيت قريش وعيونهم، وخرجوا إلى جدة بطريقهم إلى الحبشة، وصادف أن بعض السفن التي كانت في طريقها إلى الحبشة راسية في ميناء جده، فركبوا بها بأجرة لا تزيد عن نصف دينار لكل راكب، كما جاء في سيرة ابن هشام. كان عدد الذين هاجروا خمسة عشر بين رجل وامرأة، وكان عليهم عثمان بن مظعون، وكان من بين المهاجرين: عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وسهيل بن بيضاء، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم، ومن الذين سافروا مع زوجاتهم: أبو سلمة بن عبد الأسد مع زوجته أم سلمة، التي تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، وأبو حذيفة بن عتبة ابن ربيعة ومعه زوجته سهيلة بنت سهيل، وعامر بن أبي ربيعة ومعه زوجته ليلى العدوية، وغيرهم، كانت هذه القافلة هي الأولى التي هاجرت إلى الحبشة. ولما نزلوا أرض الحبشة، أكرم النجاشي وفادتهم، فأقاموا مدة ثلاثة أشهر أو أكثر في أمن وأمان يمارسون فيها أمور دينهم، ويعبدون ربهم بحرية، ولا يخشون أحدا، ولا يسمعون ما يكرهون، في ظل ملك عادل، يتوجه برعيته حيث يوجهه رشده وإنصافه. والتحقت بهم القافلة الثانية من المهاجرين، وهذه المرة كانت أوسع من سابقتها، فقد بلغوا ثلاثة وثمانين رجلا، وتسع عشرة امرأة، ويسر الله لهم أسباب الهجرة بواسطة السفن التي كانت في طريقها من شواطئ جدة إلى سواحل الحبشة. وكان عليهم هذه المرة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، ومعه زوجته أسماء بنت عميس، وكان معهم بعض من وجوه المسلمين الذين ينتمون إلى قريش وغيرهم. واستيقظت قريش على أنباء تلك الهجرة لتلك القافلة، وقدرت أن هؤلاء سيكونون النواة الأولى لدعاة الإسلام في بلد يؤمن بالنصرانية، وقد ترامى إلى أسماع قريش أن بعض آثارها تبشر بظهور نبي عربي، وخشيت أن يوجه المسلمون نشاطهم إلى تلك البلاد فيبشرون بالإسلام فيها، ويصبحون قوة لا طاقة لهم بها، وقريش تعرف وتعلم إن للإسلام قواعده وقوته وتأثيره على النفوس. عز على قريش أن يجد المهاجرون الفارون بدينهم من عذابها الأمان وطيب الإقامة، فأغرتهم كراهيتهم للإسلام أن يبعثوا وفدا من شياطين قريش مزودا بالهدايا والتحف للنجاشي والبطارقة وحاشيته، وكان الوفد مؤلفا من: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وعمارة بن الوليد بن المغيرة - كما نص على ذلك جماعة من المؤرخين في السير - كما حدثت فيما بينهم في الطريق وفي الحبشة مسائل لا أخلاقية يترفع الإنسان عن ذكرها. ذكر ذلك العلامة المجلسي (2) راجع السير لتكشف عن جيف تزكم الأنوف. عندما وصلوا الحبشة قدموا إلى النجاشي هديته فقبلها منهم، ثم تحدثوا معه بالمهمة التي جاؤوا من أجلها بما تحدثوا به مع بطارقته وحواشيه، ورجح له البطارقة أن يسلمهم اللاجئين ويردهم إلى قومهم وبلادهم، فلم يستجب لهم وقال: والله لا أصنع شيئا حتى أدعوهم وأنظر في أمرهم، فإن كانوا كما يقولون سلمتهم لهم، وإن كانوا على غير ذلك أحسنت جوارهم ما داموا في جواري.
أرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستدعاهم إليه، فلما حضروا مجلسه اتجه إليهم وقال: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟ فتولى الجواب عن المسلمين جعفر بن أبي طالب، فقال: أيها الملك، سلهم أنحن عبيد لهم؟ فقال عمرو: لا، بل أحرار، فقال: سلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال: لا، ما لنا عليكم ديون، فقال: سلهم هل لهم في أعناقنا دماء يطالبوننا بها؟ قال عمرو: لا، قال: فما تريدون منا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم. ثم قال جعفر: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفته، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة، والصيام، وأداء الزكاة... ومضى جعفر ابن أبي طالب يحدثه عن أصول الإسلام وفروعه، إلى أن قال: فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله تعالى، فلم نشرك بالله، وأحللنا ما أحل لنا، وحرمنا ما حرم علينا، فعدا علينا قومنا وعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأصنام والأوثان من دون الله، ولنستحل ما كنا نستحله من الخبائث، فلما ضيقوا علينا وعذبونا وقهرونا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
فملأت كلمات جعفر نفس النجاشي إحساسا وروعة وقال: هل معك شيء مما جاء به عن الله؟ فقال له: نعم، قال: فاقرأه علي، فقرأ عليه آيات من سورة مريم، في أداء عذب وخشوع آسر، فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكى معه الأساقفة، ثم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة، والتفت إلى وفد قريش وقال لهم: انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكم. فخرج عمرو بن العاص، ومن معه من مجلس النجاشي مقوضين، مردودا عليهم ما جاؤوا به وأقاموا عنده بخير دار مع خير جوار.
_________
(1) سيرة ابن هشام: 1 / 344، الكامل في التاريخ: 2 / 51.
(2) البحار ج 18 ص 412 للمجلسي (رحمه الله).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|