أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-7-2019
2511
التاريخ: 2023-08-08
981
التاريخ: 22-6-2021
3746
التاريخ: 5-12-2016
2015
|
غزوة قرارة الكدر
إلى بني سليم وغطفان للنصف من المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهراً، غاب خمس عشرة ليلة.
حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن يعقوب بن عتبة، قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من المدينة إلى قرارة الكدر، وكان الذي هاجه على ذلك أنه بلغه أن بها جمعاً من غطفان وسليم. فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهم، وأخذ عليهم الطريق حتى جاء فرأى آثار النعم ومواردها، ولم يجد في المجال أحداً، فأرسل في أعلى الوادي نفراً من أصحابه، واستقبلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في بطن الوادي، فوجد رعاءً فيهم غلامٌ يقال له يسار، فسألهم عن الناس فقال يسار: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمسٍ وهذا يومٌ ربعي، والناس قد ارتبعوا إلى المياه، وإنما نحن عزاب في النعم. فانصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد ظفر بنعم، فانحدر إلى المدينة حتى إذا صلى الصبح فإذا هو بيسار فرآه يصلي. فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقال القوم: يا رسول الله، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعاً، فإن فينا من يضعف عن حظه الذي يصير إليه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): اقتسموا! فقالوا: يا رسول الله، إن كان أنما بك العبد الذي رأيته يصلي، فنحن نعطيكه في سهممك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): قد طبتم به نفساً؟ قالوا: نعم. فقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأعتقه، وارتحل الناس فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة، واقتسموا غنائمهم فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكان القوم مائتين.
فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي، عن حفص بن عمر بن أبي طلحة، عمن أخبره، عن أبي أروى الدوسي، قال: كنت في السرية وكنت ممن يسوق النعم، فلما كنا بصرار على ثلاثة أميال من المدينة خمس النعم، وكان النعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسه وقسم أربعة أخماس على لمسلمين، فأصابهم بعيران بعيران.
حدثنا عبد الله بن نوح، عن أبي عفير، قال: استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على المدينة ابن أم مكتوم، وكان يجمع بهم ويخطب إلى جنب المنبر، يجعل المنبر عن يساره.
قتل ابن الأشرف
وكان قتله على رأس خمسة وعشرين شهراً في ربيع الأول.
حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن رومان، ومعمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، وإبراهيم بن جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، فكل قد حدثني بطائفة، فكان الذي اجتمعوا لنا عليه قالوا: إن ابن الأشراف كان شاعراً وكان يهجو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه، ويحرض عليهم كفار قريش في شعره.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام، فيهم أهل الحلقة والحصون، ومنهم حلفاء للحيين جميعاً الأوس والخزرج. فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلماً وأبوه مشركاً. فكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه أذًى شديداً، فأمر الله عز وجل والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزل: " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذًى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " . وفيهم أنزل الله عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]. الآية.
فلما أبى ابن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأذى المسلمين، وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم، فرأى الأسرى مقرنين، كبت وذل، ثم قال لقومه: ويلكم، والله لبطن الأرض خيرٌ لكن من ظهرها اليوم! هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. قال: وما أنتم وقد وطىء قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضهم وأبكي قتلاهم، فلعلهم ينتدبون فأخرج معهم. فخرج حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضبيرة السهمي، وتحته عاتكة بنت أسيد ابن أبي العيص، فجعل يرثي قريشاً ويقول:
طحنت بدرٍ لمهلك أهله ... ولمثل بدرٍ تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضه ... لا بتعدوا إن الملوك تصرع
ويقول أقوامٌ أذل بسخطهم ... إن ابن أشرف ظل كعباً يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدع
كم قد أصيب بها من ابيض ماجدٍ ... ذي بهجة يأوى إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقالٍ يسود ويربع
نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبهٌ ... هل نال مثل المهلكين التبع
فأجابه حسان بن ثابت، يقول:
أبكي لكعبٍ ثم على بعبرةٍ ... منه وعاش مجدعاً لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدرٍ منهم ... قتلى تسح لها العيون وتدمع
فابكى فقد أبكيت عبداً راضعاً ... شبه الكليب للكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منهم سيداً ... وأحان قوماً قاتلوه وصرعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شغفٌ يظل لخوفه يتصدع
ونجا وأفلت منهم متسرعاً ... فلٌ فليلٌ هاربٌ يتهزع
ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حسان، فأخبره بنزول كعب على من نزل، فقال حسان:
ألا أبلغوا عني أسيداً رسالةً ... فخالك عبدٌ بالسراب مجرب
لعمرك ما أوفى أسيدٌ بجاره ... ولا خالدٌ ولا المفاضة زينب
وعتاب عبدٌ غير موفٍ بذمة ... كذوب شؤون الرأس قردٌ مدرب
فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنع بنا حسان؟ فتحول، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حسان فقال: ابن الأشرف نزل على فلان. فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة. فلما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قدوم ابن الأشرف قال: اللهم، اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): من لي بابن الأشرف، فقد آذاني؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول الله، وأنا أقتله. قال: فافعل! فمكث محمد بن مسلمة أياماً لا يأكل، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا محمد، تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول الله، قلت لا قولاً فلا أدري أفي لك به أم لا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): عليك الجهد. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): شاور سعد بن معاذ في أمره. فاجتمع محمد بن مسلمة ونفرٌ من الأوس منهم عباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر، فقالوا: يا رسول الله نحن نقتله، فأذن لنا فلنقل، فإنه لا بد لنا منه. قال: قالوا! فخرج أبو نائلة إليه، فلما رآه كعب أنكر شأنه، وكاد يذعر، وخاف أن يكون وراءه كمين، فقال أبو نائلة: حدثت لنا حاجةٌ إليك. قال، وهو في نادي قومه وجماعتهم: ادن إلي فخبرني بحاجتك. وهو متغير اللون مرعوبٌ فكان أبو نائلة ومحمد ابن مسلمة أخويه من الرضاعة فتحدثنا ساعة وتناشدا الأشعار، وابنسط كعب وهو يقول بين ذلك: حاجتك! وأبو نائلة يناشده الشعر وكان أبو نائلة يقول الشعر فقال كعب: حاجتك. لعلك أن تحب أن يقوم من عندنا؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا. قال أبو نائلة: إني كرهت أن يسمع القوم ذرو كلامنا، فيظنون! كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، وحاربتنا العرب ورمتنا عن قوسٍ واحدةٍ، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس وضاع العيال، أخذنا بالصدقة ولا نجد ما نأكل. فقال كعب: قد والله كنت أحدثك بهذا يا ابن سلامة، أن الأمر سيصير إليه. فقال أبو نائلة: ومعي رجالٌ من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاماً أو تمراً وتحسن في ذلك إلينا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة. قال كعب: أما إن رفافي تقصف تمراً، من عجوة تغيب فيها الضرس، أما والله ما كنت أحب يا أبا نائلة أن أرى هذه الخصاصة بك، وإن كنت من أكرم الناس علي، أنت أخي، نازعتك الثدي! قال سلكان: اكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد. قال كعب: لا أذكر منه حرفاً. ثم قال كعب: يا أبا نائلة، اصدقني ذات نفسك، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه. قال: سررتني يا أبا نائلة! فماذ ترهنونني، أبناءكم ونساءكم؟ فقال: لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا! ولكنا نرهنك من الحلقة ما ترضى به. قال كعب: إن في الحلقة لوفاء. وإنما يقول ذلك سلكان لئلا ينكرهم إذا جاءوا بالسلاح. فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد، فأتى أصحابه فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده. ثم أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عشاءً فأخبروه، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثم وجههم، ثم قال: امضوا على بركة الله وعونه! ويقال: وجههم بعد أن صلوا العشاء وفي ليلةٍ مقمرةٍ مثل النهار، في ليلة أربع عشرة من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهراً.
قال: فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف، فلما انتهى إلى حصنه هتف به أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهدٍ بعرس، فوثب فأخذت امرأته بناحية ملحفته وقالت: أين تذهب؟ إنك رجلٌ محارب، ولا ينزل مثلك في هذه الساعة. فقال: ميعاد، إنما هو أخي أبو نائلة، والله لو وجدني نائماً ما أيقظني. ثم ضرب بيده الملحفة وهو يقول: لو دعي الفتى لطعنةٍ أجاب. ثم نزل إليهم فحياهم، ثم جلسوا فتحدثوا ساعةً حتى انبسط إليهم، ثم قالوا له: يا ابن الأشرف، هل لك أن تتمشى إلى شرج العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا؟ قال: فخرجوا يتماشون حتى وجهوا قبل الشرج، فأدخل أبو نائله يده في رأس كعب ثم قال: ويحك، ما أطيب عطرك هذا يا أبا الأشرف! وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه، وكان جعداً جميلاً. ثم مشى ساعةً فعاد بمثلها حتى اطمأن إليه، وسلسلت يداه في شعره وأخذ بقرون رأسه، وقال لأصحابه: اقتلوا عدو الله! فضربوه بأسيافهم، فالتفت عليه فلم تغن شيئاً، ورد بعضها بعضاً، ولصق بأبي نائلة. قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً معي كان في سيفي فانتزعته في سرته، ثم تحاملت عليه فقططته حتى انتهى إلى عانته، فصاح عدو الله صيحة ما بقي أطم من آطام يهود إلا قد أوقدت عليه نار. فقال ابن سنينة، يهودي من يهود بني حارثة، وبينهما ثلاثة أميال: إني لأجد ريح دم بيثرب مسفوح. وقد كان أصاب بعض القوم الحارث بن أوس بسيفه وهم يضربون كعباً، فكلمه في رجله. فلما فرغوا احتزوا رأسه ثم حملوه معهم، ثم خرجوا يتشدون وهم يخافون من يهود الأرصاد، حتى أخذوا على بني أمية بن زيد ثم على قريظة، وإن نيرانهم في الآطام لعالية، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض نزف الحارث الدم فأبطأ عليهم فناداهم: أقرءوا رسول الله مني السلام! فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم). فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا. وقد قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تلك الليلة يصلي، فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أن قد قتلوه. ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) واقفاً على باب المسجد، فقال: أفلحت الوجوه! فقالوا: ووجهك يا رسول الله! ورموا برأسه بين يديه، فحمد الله على قتله. ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل في جرحه فلم يؤذه، فقال في ذلك عباد بن بشر:
صرخت فه فلم يجفل لصوتي ... وأوفى طالعاً من فوق قصر
فعدت فقال من هذا المنادي ... فقلت أخوك عباد بن بشر
فقال محمدٌ أسرع إلينا ... فقد جئنا لتشكرنا وتقرى
وترفدنا فقد جئنا سغاباً ... بنصف الوسق من حبٍّ وتمر
وهذى درعنا رهناً فخذها ... لشهرٍ إن وفى أو نصف شهر
فقال معاشرٌ سغبوا وجاعوا ... لقد عدموا الغنى من غير فقر
وأقبل نحونا يهوى سريعاً ... وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيضٌ حدادٌ ... مجربةٌ بها الكفار نفرى
فعانقه ابن مسلمة المرادي ... به الكفان كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتاً عليه ... فقطره أبو عبس بن جبر
وصلت وصاحباي فكان لما ... قتلناه الخبيث كذبح عتر
ومر برأسه نفرٌ كرامٌ ... هم ناهوك من صدقٍ وبر
وكان الله سادسنا فأبنا ... بأفضل نعمةٍ وأعز نصر
قال ابن أبي حبيبة: أنا رأيت قائل هذا الشعر. قال ابن أبي الزناد: لولا قول ابن أبي حبيبة لظننت أنها ثبت.
قالوا: فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): من ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه. فخافت اليهود فلم يطلع عظيمٌ من عظمائهم ولم ينطقوا، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف.
وكان ابن سنية من يهود بني حارثة، وكان حليفاً لحويصة بن مسعود، قد أسلم، فعدا محيصة على ابن سنينة فقتله، فجعل حويصة يضرب محيصة، وكان أسن منه، يقول: أي عدو الله، أقتلته؟ أما والله لرب شحمٍ في بطنك من ماله! فقال محيصة: والله، لو أمرني بقتلك الذي أمرني بقتله لقتلتك. قال: والله، لو أمرك محمد أن تقتلني لقتلتني؟ قال: نعم. قال حويصة: والله، إن ديناً يبلغ هذا لدين معجب. فأسلم حويصة يومئذٍ، فقال محيصة وهي ثبت، لم أر أحداً يدفعها يقول:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسامٍ كالون الملح أخلص صقله ... متى ما تصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعاً ... ولو أن لي ما بين بصري ومأرب
ففزعت اليهود ومن معها من المشركين، فجاءوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين أصبحوا فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلةً بلا جرم ولا حدث علمناه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحدٌ منكم إلا كان له السيف. ودعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى أن يكتب بينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابً تحت العذق في دار رملة بنت الحارث. فحذرت اليهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف.
فحدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: قال مروان بن الحكم، وهو على المدينة وعنده ابن يامني النضري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدراً. ومحمد بن مسلمة جالسٌ شيخ كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله عندك؟ والله، ما قتلناه إلا بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). والله، لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد. وأما أنت يا ابن يامين، فلله علي إن أفلت، وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك! فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث له رسولاً ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر، وإلا لم ينزل. فبينا محمد بن مسلمة في جنازة وابن يامين بالبقيع، فرأى نعشاً عليه جرائد رطبة لامرأة، جاء فحله. فقام الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما تصنع.؟ نحن نكفيك! فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدةً جريدةً حتى كسر تلك الجرائد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحاً، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم قال: والله، لو قدرت على السيف لضربتك به.
شأن غزوة غطفان بذي أمر
وكانت في ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهراً. خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الخميس لثنتي عشرة خلت في ربيع، فغاب أحد عشر يوماً.
حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة قال: حدثنا ابن أبي عتاب، وحدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان، وحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي بكر، فزاد بعضهم على بعض في الحديث، وغيرهم قد حدتنا أيضاً، قالوا: بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن جمعاً من ثعلبة ومحارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، جمعهم رجلٌ منهم يقال له دعثور ابن الحارث بن محارب، فندب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المسلمين، فخرج في أربعمائة رجل وخمسين، ومعهم أفراس، فأخذ على المنقى، ثم سلك مضيق الخبيت، ثم خرج إلى ذي القصة، فأصاب رجلاً منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة، فقالوا: أين تريد؟ قال: أريد يثرب. قالوا: وما حاجتك بيثرب؟ قال: أردت أن أرتاد لنفسي وأنظر. قالوا: هل مررت بجمع، أو بلغك خبر لقومك؟ قال: لا، إلا أنه قد بلغني أن دعثور بن الحارث في أناس من قومه عزل. فأدخلوه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فدعاه إلى الإسلام فأسلم، وقال: يا محمد، إنهم لن يلاقوك، إن سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال، وأنا سائرٌ معك ودالك على عورتهم. فخرج به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وضمه إلى بلال، فأخذ به طريقاً أهبطه عليهم من كثيب، وهربت منه الأعراب فوق الجبال، وقبل ذلك ما قد غيبوا سرحهم في ذرى الجبال وذراريهم، فلم يلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أحداً، إلا أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال. فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذا أمر وعسرك معسكرهم فأصابهم مطرٌ كثيرٌ، فذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لحاجته فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه. ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل، فقالت الأعراب لدعثور، وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله. فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً، ثم أقبل مشتملاً على السيف حتى قام على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف مشهوراً، فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): الله! قال: ودفع جبريل عليه السلام في صدره، ووقع السيف من يده، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وقام به على رأسه فقال: من يمنعك مني اليوم؟ قال: لا أحد. قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله، لا أكثر عليك جمعاً أبداً! فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سيفه، ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: أما والله لأنت خير مني. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): أنا أحق بذلك منك. فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال: والله، كان ذلك ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل، دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليه! وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية فيه: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم " الآية. وكانت غيبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إحدى عشرة ليلة، واستخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على المدينة عثمان بن عفان.
غزوة بني سليم ببحران بناحية الفرع
لليالٍ خلون من جمادى الأولى، على رأس سبعة وعشرين شهراً، غاب رسول الله صلى الله عيه وسلم عشراً.
حدثني معمر بن راشد، عن الزهري، قال: لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )أن جمعاً من بني سليم كثيراً، ببحران، تهيأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لذلك ولم يظهر وجهاً، فخرج في ثلثمائة رجل من أصحابه فأغذوا السير حتى إذا كانوا دون بحران بليلةٍ، لقي رجلاً من بني سليم فاستخبروه عن القوم وعن جمعهم، فأخبره أنهم قد افترقوا أمس ورجعوا إلى مائهم، فأمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فحبس مع رجل من القوم، ثم سار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى ورد بحران، وليس به أحدٌ، وأقام أياماً ثم رجع ولم يلق كيداً، وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الرجل. وكانت غيبته عشر ليال.
حدثني عبد الله بن نوح، عن محمد بن سهل، قال: استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على المدينة ابن أم مكتوم.
شأن سرية القردة فيها زيد بن حارثة:
وهي أول سرية خرج فيها زيد رضي الله عنه أميراً، وخرج لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين شهراً.
حدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قالوا: كانت قريش قد حذرت طريق الشام أن يسلكوها، وخافوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه، وكانوا قوماً تجاراً، فقال صفوان بن أمية: إن محمداً وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك، وإن أقمنا نأكل رءوس أموالنا ونحن في دارنا هذه، ما لنا بها نفاق، إنما نزلناها على التجارة، إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى أرض الحبشة. قال له الأسود بن المطلب: فنكب عن الساحل، وخذ طريق العراق. قال صفوان: لست بها عارفا. قال أبو زمعة: فأنا أدلك على أخبر دليل بها يسلكها وهو مغمض العين إن شاء الله. قال: من هو؟ قال: فرات بن حيان العجلي. قد دوخها وسلكها. قال صفوان: فذلك والله فأرسل إلى فرات. فجاءه فقال: إني أريد الشام وقد عور علينا محمدٌ متجرنا لأن طريق عيراتنا عليه. فأردت طريق العراق. قال فرات: فأنا أسلك بك في طريق العراق، ليس يطأها أحدٌ من أصحاب محمد إنما هي أرض نجد وفيافٍ. قال صفوان: فهذه حاجتي. أما الفيافي فنحن شاتون وحاجتنا إلى الماء اليوم قليل. فتجهز صفوان بن أمية، وأرسل معه أبو زمعة بثلثمائة مثقال ذهب ونقر فضة، وبعث معه رجالاً من قريش ببضائع، وخرج معه عبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عبد العزي في رجال من قريش. وخرج صفوان بمالٍ كثير نقر فضة وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم، وخرجوا على ذات عرق.
وقدم المدينة نعيم بن مسعود الأشجعي، وهو على دين قومه، فنزل على كنانة بن أبي الحقيق في بني النضير فشرب معه، وشرب معه سليط بن النعمان بن أسلم ولم تحرم الخمر يومئذٍ وهو يأتي بني النضير ويصيب من شرابهم. فذكر نعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال، فخرج من ساعته إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) زيد بن حارثة في مائة راكب، فاعترضوا لها فأصابوا العير، وأفلت أعيان القوم وأسروا رجلاً أو رجلين، وقدموا بالعير على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فخمسها، فكان الخمس يومئذٍ قيمة عشرين ألف درهم، وقسم ما بقي على أهل السرية. وكان في الأسرى فرات بن حيان، فأتى به فقيل له: أسلم، إن تسلم نتركك من القتل، فأسلم فتركه من القتل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|