أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2016
758
التاريخ: 15-11-2016
664
التاريخ: 15-11-2016
826
التاريخ: 14-7-2019
677
|
[نص الشبهة]
إِنَّ من صفاته سبحانه كونه مستوياً على عرشه. وقد جاء هذا الوصف في كثير من الآيات ، فقد ورد لفظ العرش في الذكر الحكيم اثنين و عشرين مرة. كما ورد لفظ « عرشه » مرة واحدة ، والكل راجع إلى عرشه سبحانه إلاّ آيتان هما : قوله سبحانه : { وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل: 23]. وقوله سبحانه : {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100]، كما ورد الإستواء اثنى عشر مرة ، وهي ما عدا ثلاث آيات ـ راجعة إلى استوائه سبحانه على العرش.
وقد ادعى أَهل الحديث و تبعهم الأشعري أَنَّ الآيات ظاهرة في أنَّ له سبحانه عرشاً وأنه مستو عليه ، غير أَنَّ الكيف مجهول. وقد أخذ المشبّهة بما ادعاه أهل الحديث من الظاهر من دون القول بكون الكيف مجهولا.
[جواب الشبهة]
...أثارت هذه المسألة في الأوساط الإِسلامية ضجيجاً وعجيجاً بالغين بين الصّفاتية والمؤوّلة. و نحن نقول ، لو أنَّ الباحثين أمعنوا النَّظر في هذه الآيات مجرّدين عن كل ما يحملونه من العقائد الموروثة ، لوقفوا على مفادها ، و أنها لا تهدف إلى ما عليه الصفاتية من أنَّ له سبحانه عرشاً و سريراً ذا قوائم ، موضوعاً على السماء والله جالس عليه ، والكيف إمَّا معلوم أو مجهول. و لا على ما عليه المؤوّلة من تأويل الآية بمعنى حاجة الآية إلى حملها على خلاف ظاهرها ، بل القرائن الموجودة في بعض هذه الآيات تُضفي على الآية ظهوراً في المعنى المراد من دون مس بكرامة التنزيه و لا تَعَمّد و تَعَمّل في التأويل ، فالآيات لا تحتاج إلى التأويل أي حملها على معان ليست الآيات ظاهرة فيها.
لا شك أَنَّ العرش بمعناه الحرفي معلوم لكل أحد بلا شبهة.
قال ابن فارس : « عرش : العين و الراء والشين أصل صحيح واحد ، يدل على ارتفاع في شيء مبني ، ثم يستعار في غير ذلك. من ذلك العرش ، قال الخليل العرش : سرير المَلِك. و هذا صحيح ، قال الله تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ }. ثم استعير ذلك ، فقيل لأمر الرجل و قوامه : عرش. و إذا زال عنه قيل : ثلّ عرشه. قال زهير :
تَدَاركْتُما الأَحلافَ قَدْ ثلّ عَرْشَها ... و ذبَيانَ إذْ زلّتْ بأقْدامِها النَّعْلُ » (1)
كما أنَّ الاستواء معلوم لغة فإِنَّه التمكّن و الاستيلاء التام. قال الرَّاغب في مفرداته : « واستوى يقال على وجهين : أحدهما يسند إليه فاعلان فصاعداً. نحو : استوى زيد و عمرو في كذا ، أي تساويا. و قال تعالى : {لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 19]. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو : {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 6] ، {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ} [المؤمنون: 28] ، {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13] ، {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]. و متى عُدّي ب ـ « على » اقتضى معنى الاستيلاء كقوله : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5].(2)
والذي نركّز عليه هو أنَّ الاستواء في الآية ليس ظاهراً في معنى الجلوس و الإِعتماد على الشيء ، بل المراد هو الاستيلاء و التمكن التام ، كناية عن سعة قدرته و تدبيره. و قد استعمل الإِستيلاء بهذا المعنى في غير واحد من أبيات الشعر. قال الأخطل يمدح بشراً أخا عبدالملك بن مروان حين ولي إمرة العراق :
ثُمَّ اسْتَوى بِشْرٌ على العِراقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْف وَدَم مِهْراقِ (3)
وقال آخر :
فَلمَّا عَلَوْنا وَاستَوَيْنا عَلَيْهِم ... تَرَكْنَاهُم صَرْعَى لِنَسْر و كاسِرِ
إِنَّ المقصود هو استيلاء بِشْر على العراق و قوم القائل في البيت الثاني على العدو. و ليس العلوها هنا علواً حسيّاً بل معنوياً.
إذا عرفت ذلك فنقول ، لو أخذنا بالمعنى الحرفي للعرش ، كما هو المتبادر من قوله سبحانه : {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] ، فيجب أنْ نقول إِنَّ لله سبحانه عرشاً ، كعروش الملوك والسلاطين. وعند ذلك يتمحض المراد من استوائه عليه ، بالجلوس عليه متمكّناً.
وأما لو نبذنا هذا المعنى ، وقلنا بأنَّ المراد من الظاهر هو الظهور التصديقي. وهو المتبادر من مجموع الآية بعد الإمعان في القرائن الحافة بتلك الجملة ، يكون المراد من الآية هو الكناية عن استيلائه على مُلكه في الدنيا والآخرة وتدبيره من دون استعانة بأحد.
والجُمَل الواردة في كثير من الآيات الحاكية عن استوائه على العرش تدل
على أنَّ المراد هو الثاني دون الأول ، و تثبت بأنَّ المقصود بيان قيامه بتدبير الأمر قياماً ينبسط على كل مادَقَّ وَجَلّ ، و أنه سبحانه كما هو الخالق فهو المُدَبّر أيضاً.
وقد إستعان ـ لتبيين سعة تدبيره الذي لا يقف على حقيقته أحد ـ بتشبيه المعقول بالمحسوس و هو تدبير الملوك و السلاطين ملكهم متكئين على عروشهم و الوزراء محيطون بهم. غير أَنَّ تدبيرهم تدبير تشريعيّ و تقنينيّ و تدبيره سبحانه تدبير تكوينيّ.
ويدل على أَنَّ المراد هو ذلك أمران :
الأمر الأول : إنَّه سبحانه قد أتى بذكر التدبير في كثير من الآيات بعد ذكر إستوائه على العرش. فذكر لفظ التدبير تارة ، و مصداقه و حقيقته أخرى. أما ما جاء فيه التدبير بلفظه ، فقوله سبحانه:
أ ـ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3].
ب ـ {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].
ج ـ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 4، 5].
ففي الآية الأولى يُرَتِّب سبحانه التدبير على قوله :{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْش } ليكون المعنى «استوى على عرش التّدبير ». كما أنَّه في الآية الثانية بعد ما يذكر قسماً من التدبير وهو تسخير الشمس و القمر يُعطي ضابطة كلية لأمر التدبير و يقول : { ويُدَبّرُ الأَمْرَ }. و على غرار الآية الأولى ، الآية الثالثة.
وأما ما جاءت فيه الإِشارة إلى حقيقة التدبير من دون تسميته فمثل قوله سبحانه : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
فقوله : { يُغْشِي اللَّيل النَّهار } [ في ] الآية إشارة إلى حقيقة التدبير و بيان نماذج منه ، ثم أتْبَعَه ببيان ضابطة كلية و قال : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. أي إليه يرجع الخلق و الإِيجاد و أمر التدبير.
وقس على هاتين الطائفتين سائر الآيات. ففي الكل إلماع إلى أَمر التدبير إمّا بلفظه أَو ببيان مصاديقه ، حتى قوله سبحانه : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة: 13 - 18]. فالعرش في هذه الآية هو عرش التدبير و إدارة شؤون الملك يوم لا مُلْكٌ إلاّ ملكه. قال تعالى : {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16].
وقال سبحانه : {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ } [الأنعام: 73].
فهذه الآيات تعبّر عن معنى واحد و هو تصوير سيطرة حكمه تعالى في ذلك اليوم الرهيب. قال سبحانه : {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62].
وقال سبحانه : {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44].
فالمتدبّر في هذه الآيات يقف على أنها تهدف إلى حقيقة واحدة و هي أنَّ خلق السموات والأرض، لم يعجزْه عن إدارة الأمور وتدبيرها ، وأما جلوسه على العرش بمعناه الحرفي فليس بمراد قطعاً.
الأمر الثاني : إنه قد جاء لفظ الإِستواء على العرش في سبع آيات مقترناً بذكر فعل من أفعاله و هو رفع السموات بغير عمد ، أو خلق السَّموات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام أو ما يشبه ذلك. فإِنَّ ذاك قرينة على أنَّ المراد منه ليس هو الإِستواء المكاني ، بل الإِستيلاء والسيطرة على العالم كله. فكما لا شريك له في الخلق و الإيجاد ، لا شريك له أيضاً في المُلك والسلطة. ولأجل ذلك يحصر التدبير بنفسه ، كما يحصر الخلق بها و يقول : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
فالجمود على ظهور المفردات و ترك التفكّر و التعمّق ، ابتداع مفض إلى صريح الكفر. حتى أَنَّ من فسِّر قوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] بأنَّ لله مِثْلا ، و ليس كَمِثْلِهِ مِثْل ، وقع في مغبة الشّرك و حبائله.
والإستناد إلى الأحاديث التي يرويها ابن خزيمة و من تبعه ، استناد إلى أمور جذورها من اليهود و النَّصارى. و قد عرّف الرازي ابن خزيمة و كتابه المعروف ب ـ « التوحيد » بقوله : « واعلم أن محمد بن اسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء } في الكتاب الذي سماه ب ـ « التوحيد ». و هو في الحقيقة كتاب الشرك ، و اعترض عليها. وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلا مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقِصَ العقل » (4).
ولأجل ما في التشبيه والتجسيم ، والقول بالقدر والجبر ، من مفاسد لا تحصى ، قال الدكتور أحمد أمين :
« وفي رأيي لوسادت تعاليم المعتزلة إلى اليوم لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي ، وقد اعجزهم التسليم و شَلّهم الجبر و قعد بهم التواكل » (5).
أقول : و في رأيي ، لو سادت الحرية الفكرية على المسلمين ، و تجرد المسلمون عن كل رأي سابق ورثوه من أهل الحديث ، ونظروا إلى الكتاب العزيز و تمسكوا بالسنَّة الصحيحة المروية عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )عن طريق أهل بيته (عليهم السَّلام ) الذين عرّفهم الرسول في الحديث المتواتر (حديث الثقلين) لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي.
هذا ، وعلى ضوء ماقررنا من الضابطة و الميزان ، تَقْدِر على تفسير ماورد في التنزيل من الوجه والعين واليدين و الجنب والإِتيان والفوقية و ما يشابهها ، دون أن تمسّ كرامة التنزيه ، و من دون أنْ تخرج عن ظواهر الآيات بالتأويلات الباردة غير الصحيحة. والإِجراء ، على النمط التصديقيّ ، لا المعنى الحرفي التَّصوريّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ معجم مقاييس اللغة ، ج 4 ، ص 264.
2 ـ مفردات الراغب ، مادة « سوا ».
3ـ البداية و النهاية ، ج 9 ، ص 7.
4 ـ تفسير الامام الرازي ، ج 27 ، ص 150.
5 ـ ضحى الإِسلام ، ج 3 ، ص 70.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|