المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تكلم عيسى في المهد
2024-11-07
تكبد الجراح في سبيل الله
2024-11-07
تغيير القبلة امتحان للمسلمين
2024-11-07
تسقيط اليهود كل من اسلم
2024-11-07
تحول القبلة الى الكعبة
2024-11-07
اين تكون أرواح الناس يوم القيامة
2024-11-07

Detour Index
7-4-2022
تغليف الجدران
28-1-2023
التمييز بين سبب القرار الاداري وتسبيبه
5-4-2017
تقسيم الخبر إلى المتواتر والآحاد.
17-8-2016
معوقات الاتصال- حجم المعلومات
23-8-2020
أقسام ومبأدى التحلیل الكمي الحجمي:
25-12-2015


قاعدة « القرعة »  
  
2142   10:27 صباحاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية اللَّه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ص435 - 461.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / القرعة /

وهي أيضاً من القواعد الفقهية المشهورة التي تترتّب عليها ثمرات كثيرة، وقد وقع الإشكال والخلاف في سعة دائرتها وضيقها، ومنشؤه الإشكال فيما يستفاد من الأدلّة الواردة فيها، وتحقيق البحث في هذه القاعدة يستدعي التكلّم في مقامات:

المقام الأوّل: في مدركها ومستندها، وهو امور:

الأوّل: الكتاب، فقد ورد فيه حكاية المساهمة في موردين:

أحدهما: ما ورد في قصّة النبيّ يونس من قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] .

وقد ورد في الأخبار الاحتجاج على شرعية القرعة بهذه الآية‏‏‏ (1) ، والمراد بالمساهمة المقارعة، وبكونه من المدحضين صيرورته معلوماً بالقرعة ممتازاً عن غيره، وأصل الدحض: الزلق، والإدحاض: الإزالة والإبطال، وأصل المعنى كما عن المجمع : صار من المقروعين المغلوبين المقهورين‏‏‏‏ (2) ، وكيفيّة الواقعة على ما في الخبر أنّه لمّا وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره اللَّه تعالى به، فركب السّفينة فوقفت، فقالوا: هاهنا عبد آبق فاقترعوا له، فخرجت القرعة على يونس، فقال: أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء، فالتقمه الحوت‏‏‏‏ (3).

ودعوى أنّه لا دلالة للآية على المشروعية؛ فإنّ غاية مفادها الحكاية، وهي أعمّ من المشروعية، مدفوعة- مضافاً إلى ما عرفت من أنّه ورد في الأخبار الاحتجاج على شرعية القرعة بهذه الآية- بأنّه لا مجال للمناقشة في دلالة الآية على قبول يونس للمقارعة لو لم نقل بأنّ ظاهرها تصدّي نفسه لها، و هذا القبول إن كان منشؤه كونه أمراً تعبّدياً جاء به يونس، فمقتضى الاستصحاب عند الشكّ في البقاء بقاؤه في هذه الشريعة؛ لما تقرّر في محلّه من جريان استصحاب أحكام الشرائع السابقة‏‏‏ (4)  وإن كان منشؤه كونه أمراً عقلائيّاً كما هو الظاهر، وقد أمضاه النبيّ يونس، فاللازم ثبوته في هذه الشريعة لهذه الجهة، كما لا يخفى.

ثانيهما: ما ورد في قصّة التخاصم في تكفّل مريم واقتراعهم لذلك من قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [آل عمران: 44] وكيفيّة الواقعة أنّ زكريّا عليه السلام قال لهم: أنا أحقّ بمريم؛ أي من جهة التكفّل؛ لأنّ عندي خالتها، قالوا :

لا حتى نقرع عليها، فانطلقوا إلى نهر الاردن، فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، على أنّ من ارتفع قلمه فوق الماء فهو أحقّ بها‏‏‏ (5).

وقيل: إنّ أقلامهم‏ كانت من الحديد، فألقوا أقلامهم ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة يرتفع قلم زكريّا وترسب أقلامهم، والمناقشة في دلالة الآية على المشروعية مدفوعة بما عرفت في الآية الاولى .

الثاني: الروايات، وهي على ثلاث طوائف :

الطائفة الاولى: ما يستفاد منها العموم في جميع الموارد، مثل :

ما رواه الشيخ عن محمّد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شي‏ء، فقال لي: كلّ مجهول ففيه القرعة، قلت له: إنّ القرعة تخطئ وتصيب، قال: كلّ ما حكم اللَّه به فليس بمخطى‏ء.

ورواه الصدوق بطريقين صحيحين‏‏‏‏ (6)  عنه‏‏‏ (7) ، ويظهر من الشيخ في كتاب النهاية الاعتماد على هذه الرّواية، بل وصدور مضمونها عن غير أبي الحسن عليه السلام أيضاً‏‏‏ (8) ، وكذا يظهر منه الاعتماد عليها في كتاب الخلاف‏‏‏ (9) ، وكذا من الحلّي في السّرائر‏‏‏ (10) ، والشهيد في القواعد‏‏‏ (11)  مع اختلاف في التعبير.

مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ محمّد بن حكيم هو الخثعمي الذي لا تبعد دعوى وثاقته؛ لكونه صاحب الأصل، ولكثرة نقل المشايخ بل أصحاب الإجماع عنه، ولو كان في الرواية ضعف فهو منجبر بعمل الأصحاب واعتمادهم عليها، وليس في طرقنا ما يستفاد منه العموم غير هذه الرواية، لكن سيأتي التحقيق في مفادها، فانتظر.

وكالرّوايتين العامّيتين: القرعة لكلّ أمر مشكل، والقرعة لكلّ أمر مشتبه، وعن الحلّي دعوى الإجماع على أنّ كلّ مشكل فيه القرعة‏‏‏ (12) ، ونقل عنه أيضاً أنّه قال في باب سماع البيّنات: وكلّ أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن تستعمل فيه القرعة؛ لما روي عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام وتواترت به الآثار وأجمعت عليه الشيعة الإماميّة‏‏‏ (13).

وما رواه في المستدرك عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهم السلام: أنّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما اشكل‏‏‏‏ (14).

قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: وأيّ حكم في الملتبس أثبت من القرعة؟ أليس هو التفويض إلى اللَّه جلّ ذكره؟ ثمّ ذكر قصّة يونس ومريم وعبد المطلّب‏‏‏‏ (15).

وما رواه فيه أيضاً عن الشيخ المفيد قدس سره في الاختصاص، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى ‏بن عمران الحلبي، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن عبد الرحيم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

إنّ عليّاً عليه السلام كان إذا ورد عليه أمر لم يجى‏ء فيه كتاب ولم تجر به سنّة رجم فيه- يعني ساهم- فأصاب، ثمّ قال: يا عبد الرّحيم وتلك من المعضلات‏‏‏‏ (16).

الطائفة الثانية: ما يستفاد منه العموم في الجملة، ككثير من الروايات الواردة في القرعة التي نقل أكثرها في الوسائل في الباب «12» وفي الباب «13» من أبواب كيفيّة الحكم، وفي المستدرك في الباب «11» من تلك الأبواب، مثل:

ما ورد في ذيل صحيحة أبي بصير- برواية الصّدوق- من قول النبيّ صلى الله عليه و آله: ليس من قوم تقارعوا وفوّضوا أمرهم الى اللَّه- عزّ وجلّ إلّا خرج سهم المحقّ‏‏‏‏ (17).

وقريب منه ما عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذيل رواية العبّاس ‏بن هلال‏‏‏‏ (18).

ومرسلة الصّدوق عن الصادق عليه السلام‏‏‏‏ (19).

ومرسلة فقه الرّضا عنه عليه السلام قال: أيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى اللَّه؛ لقوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] ‏‏‏‏ (20).

وكذا رواية أحمد البرقي‏‏‏‏ (21).

الطائفة الثالثة: الروايات الواردة في موارد خاصّة، وهي كثيرة:

منها: ما إذا تعارضت البيّنتان وكان المرجّح مفقوداً، ففي صحيحة داود بن سرحان- برواية الصدوق- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجلين شهدا على رجل في أمر،

وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهد عليه الاوليان، قال: يقرع بينهم، فأيّهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالقضاء‏‏‏ (22).

وفي صحيحة الحلبي قريب منها، إلّا أنّ في آخرها بدل و «هو أولى بالقضاء»: وهو أولى بالحقّ‏‏‏ (23) .

وفي صحيحة البصري- بروايته أيضاً- عن ابي عبد اللَّه عليه السلام قال: كان عليّ عليه السلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدّتهم سواء وعدالتهم سواء، أقرع بينهما على أيّهما تصير اليمين‏‏ (24).

ومنها: الإشهاد على الدّابة، ففي موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: إنّ رجلين اختصما إلى عليّ عليه السلام في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما إنّها نتجت على مذوده‏‏ (25) ، وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين‏ (26).

ومنها: الإشهاد بالإيداع على الظاهر، ففي رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل شهد له رجلان بأنّ له عند رجل خمسين درهماً، وجاء آخران فشهدا بأنّ له عنده مائة درهم، كلّهم شهدوا في موقف، قال: اقرع بينهم، ثمّ استحلف الذين أصابهم القرع‏ (27).

ومنها: مورد اشتباه الولد بين العبد والحرّ والمشرك، ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إذا وقع الحرّ والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادّعوا الولد، اقرع بينهم، وكان الولد للّذي يقرع (28).

ومنها: الإشهاد على الزّوجية (29).

ومنها: قضيّة الشابّ الذي خرج أبوه مع جماعة، ثمّ جاءوا وشهدوا بموته‏ (30).

ومنها: قضيّة الوصية بعتق ثلث العبيد (31).

ومنها: عتق ثلثهم‏ (32).

ومنها: الاشتباه بين الولد والعبد المحرّر (33).

ومنها: الاشتباه بين صبيّين: أحدهما حرّ والآخر مملوك‏ (34).

ومنها: الخنثى المشكل‏ (35).

ومنها: مورد عتق أوّل مملوك‏ (36).

ومنها: مورد اشتباه المعتق بغيره‏ (37).

ومنها: مورد عتق العبيد في مرض الموت ولا مال له سواهم‏ (38).

ومنها: مورد اشتباه الغنم الموطوءة (39).

ومنها: مورد قسمة أمير المؤمنين عليه السلام المال الذي اتي من أصبهان، المذكور في كتاب الجهاد (40).

ومنها: قضية مساهمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قريشاً في بناء البيت‏ (41).

ومنها: استعلام موسى عليه السلام النمام بالقرعة بتعليم اللَّه تعالى‏ (42).

ومنها: مساهمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين أزواجه إذا أراد سفراً (43).

ومنها: اقتراعه صلى الله عليه و آله بين أهل الصّفة للبعث إلى غزوة ذات السّلاسل‏ (44).

ومنها: اقتراعه صلى الله عليه و آله في غنائم حنين‏ (45).

ومنها: اقتراع بني يعقوب ليخرج على واحد، فيحبسه يوسف عليه السلام عنده‏ (46).

هذه هي الموارد التي تتبّعها سيّدنا الاستاذ الأعظم الخميني دام ظلّه العالي‏ (47). ولعلّ المتتبّع يجد أزيد من ذلك موارد اخر أيضاً.

وقد ظهر من جميع ذلك دلالة الروايات المتكثّرة على مشروعية القرعة في الجملة. وإن كانت مختلفة بحسب الظّاهر من حيث السعة والضيق، وسيأتي التحقيق في مفادها إن شاء اللَّه تعالى.

الثالث: الإجماع‏ (48)  المنقول بل المحصّل من تتبّع الفتاوى والكلمات؛ فإنّ الظاهر أنّه لم ينقل عن أحد من الأصحاب إنكار مشروعيّة القرعة بنحو الإطلاق وإن وقع بينهم الاختلاف في موارد متعدّدة، لكن أصل اعتبار القرعة بنحو الإجمال لم يقع مورداً للإنكار والخلاف بوجه، ولكنّ الظاهر أنّه بعد دلالة الكتاب والسنّة المستفيضة بل المتواترة إجمالًا على مشروعية القرعة لا يبقى للإجماع أصالة، ولا يكون دليلًا مستقلّاً في عرض الكتاب والسنّة؛ لأنّه من المحتمل بل المقطوع أن‏ يكون مستند المجمعين الكتاب والسنّة، فالإجماع حينئذ لا يكون حجّة برأسه.

الرّابع: بناء العقلاء على الرجوع إلى القرعة في بعض الموارد...

أنّ المساهمة المحكيّة في الكتاب في موردين لعلّها كانت هي المساهمة العقلائية الجارية في مثل الموردين، من اشتباه العبد الآبق على نقل، أو إشرافهم على الغرق، فرأوا طرح واحد منهم لنجاة الباقين على نقل آخر، ومن يتكفّل مريم من الأشخاص المتعدّدين، فالظاهر ثبوت هذا البناء وعدم الردع عنه في الشريعة، بل تحقّق الإمضاء بمقتضى الكتاب والسنّة، لكنّ الكلام في ضابط المورد الذي يرجع فيه العقلاء إلى القرعة...

المقام الثاني: في بيان مقدار دلالة الأدلّة الورادة في مشروعيّتها، سيّما مُفاد الطوائف الثلاث من الروايات الواردة فيها.

فنقول: إنّ الذي يظهر بعد التتبّع والتأمّل في غير الطائفة الاولى من الطائفتين الأخيرتين أنّ مورد القرعة ومحلّ جريانها هو موارد تزاحم الحقوق وعدم ثبوت المرجّح لأحدها على الآخر، وهذا هو الجامع بين جميع الموارد التي حكم فيها بالقرعة. نعم، مورد التخلّف فيما ذكرنا إنّما هي مسألة الغنم الموطوءة التي حكم فيها بالقرعة، مع عدم تحقّق الجامع المذكور فيها.

ولكن يمكن الجواب عنه- مضافاً إلى أنّه يمكن فرض تزاحم الحقوق فيها أيضاً، بأن كان القطيع مركّباً من أغنام أزيد من مالك واحد، كما كان هو الشائع في تلك الأزمنة، بل في زماننا هذا أيضاً- بأن يقال: إنّ الرواية الدالّة على ثبوت القرعة في المورد المفروض مشعرة بكون هذا المورد أيضاً من موارد تزاحم الحقوق؛ لأنّه قد عبّر فيها- بعد الحكم بالقرعة واستخراج الموطوءة بها- بأنّه «قد نجت سائرها»؛ فإنّ نجاة السائر إنّما هي مع التزاحم، كما لا يخفى.

نعم، لابدّ من ملاحظة الطائفة الاولى الدالّة بظاهرها على أنّ كلّ مجهول ففيه القرعة، ونقول: إنّ عمدة ما يمكن أن يكون مستنداً للعموم هي رواية محمد بن حكيم ... وحيث إنّ السؤال فيها ناقص؛ ضرورة أنّ السؤال عن الشي‏ء لا ينطبق عليه الجواب بثبوت القرعة لكلّ أمر مجهول، بل نفس هذا السؤال لا يكاد يصدر من عاقل، فهذا يكشف عن أنّ السؤال كان عن أمر لم ينقل إلينا، وحينئذ يبقى احتمال أنّه لو كان السؤال مذكوراً لكان من الممكن أن يكون قرينة على عدم شمول الجواب لجميع الموارد.

هذا، مع أنّه لو اغمض النظر عن ذلك نقول: قد عرفت أنّ القرعة ليست أمراً شرعيّاً اخترعه الشارع، بل كانت معمولًا بها عند العقلاء قبل الشرع أيضاً، وقد عرفت أنّ المساهمة المحكية في الكتاب في موردين كانت هي المساهمة العقلائية ظاهراً، ومن المعلوم أنّ مورد إجراء القرعة ومحلّها عند العقلاء لا يكون عامّاً شاملًا لجميع موارد الاشتباه والجهل، بل العقلاء يعملون بها في موارد مخصوصة، والظاهر أنّ ضابطها تزاحم الحقوق، وبعد ثبوت هذا البناء لا يكاد يفهم من مثل رواية محمد بن حكيم العموم لغير تلك الموارد.

ويؤيّد ما ذكرنا أنّه مع كون هذه الرواية بمرأى ومسمع من الأصحاب- بل ادّعي الإجماع على صدور مضمونها من الشيخ‏ (49)  والشهيد (50)  وغيرهما (51) ، وتمسّكوا بها في غير مورد من مسائل القضاء وأشباهها- لم يظهر من أحد منهم التمسّك بها والفتوى بمضمونها في غير موارد تزاحم الحقوق. نعم، حكي عن ابن‏ طاووس الفتوى‏ بالقرعة في مورد اشتباه القبلة (52) ، ولكنّه من الشذوذ بمكان، مضافاً إلى كونه مخالفاً للنصّ الوارد في تلك المسألة (53).

ويؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا ما دلّ على أنّ أصل القرعة من الكتاب؛ لأنّه ليس المراد دلالة الكتاب على شرعيّة القرعة؛ لأنّه لم يرد فيه ... إلّا حكاية المساهمة في موردين، والحكاية أعمّ، بل المراد دلالة الكتاب على وجود هذا الأمر وثبوته بين العقلاء، فلابدّ في تشخيص مورده ومجراه من الرجوع إليهم، كما لا يخفى.

وأمّا قولهم في مطاوى كتبهم الفقهيّة: «القرعة لكلّ أمر مجهول» أو «مشتبه» فالظاهر أنّ المراد بالأمر فيه هو الأمر الذي يرجع إلى الحاكم، على ما يشهد به استعمال هذه الكلمة في باب القضاء؛ فإنّه حيثما يطلق في كتاب القضاء لا يراد منه إلّا ذلك، كلفظ «الحكم» المعبّر به في ذلك الكتاب. ومن هنا يظهر سرّ تقييد الحلّي في السرائر مورد القرعة بما إذا كان الأمر المجهول مشتبه الحكم‏ (54) ؛ فإنّ مراده من الأمر المجهول هو الأمر الذي يرجع إلى الحاكم، ومن الحكم المشتبه هو الحكم الذي هو وظيفة القاضي لا الحكم الشرعي الكلّي.

ويؤيّد أيضاً ما ذكرنا ما ورد ممّا يدلّ على عدم جواز استخراج المجهول بالقرعة لغير الإمام‏ (55) ، الذي يعنى به من يجوز له التصدّي للقضاء؛ فإنّ تخصيص‏ جواز الاستخراج به لا يلائم مع ثبوت القرعة في جميع الامور المشتبهة، بل المناسب له هو اختصاص موردها بموارد تزاحم الحقوق التي لابدّ فيها من الرجوع إلى الحاكم الشرعي لفصل الخصومة، ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً عدم خروج الموارد الخاصّة الواردة فيها القرعة عن الضابطة المذكورة.

وقد انقدح ممّا حقّقناه تمييز موارد القرعة عن غيرها، وحينئذ يظهر لك أنّه لا يكون لعمومها بالنسبة إلى مواردها تخصيصات كثيرة حتّى يلزم الاستهجان، ويحتاج في العمل بها إلى عمل الأصحاب، كما هو المشهور بين المعاصرين وغيرهم‏ (56) ، بل لا يكون لعمومها تخصيص إلّافي مسألة درهم الودعي؛ حيث إنّ مقتضى القاعدة القرعة فيها، ولكن النصّ الخاصّ قد حكم بالتنصيف‏ (57).

ثمّ إنّه لو أبيت عمّا ذكرنا من كون المراد ب «أمر» في الرواية النبويّة وفي قولهم: «كلّ أمر مجهول ففيه القرعة» هو الأمر الذي يرجع فيه إلى الحاكم؛ نظراً إلى إطلاق لفظ الأمر في الرّواية والفتوى، نقول: إنّ المراد بالأمر هل هو الحكم أو الموضوع ؟ وتوصيفه بكونه مجهولًا هل يراد به الشبهة الحكميّة أو الشبهة الموضوعيّة؟ لا مجال للأوّل؛ لأنّ الشبهات الحكميّة وإن كانت في بادئ النظر متّصفة بالجهل والاشتباه، إلّا أنّها بلحاظ تبيّن حكمها في لسان الشارع وبيان الوظيفة الشرعيّة فيها، لا تتّصف بالجهالة والاشتباه؛ فإنّ شرب التتن (التبغ) الذي يجري فيه احتمال الحرمة لا يكون مجهولًا؛ لأنّه قد حكم الشارع بحلّيته بمقتضى‏ أصالة الحلّية الجارية في مثله، وكذا صلاة الجمعة التي يجري فيها استصحاب الوجوب فرضاً بمقتضى قوله عليه السلام: لا تنقض اليقين بالشكّ‏ (58) ، لا تكون مشتبهة بوجه، وهكذا.

وإن شئت قلت: إنّ الجهل في المثالين إنّما هو بالإضافة إلى الحكم الواقعي، وأمّا بلحاظ الوظيفة الشرعيّة فالحكم معلوم لا يجري فيه جهالة، ولا مجال لدعوى كون المراد من الجهل في الرواية النبويّة وفي الفتاوى هو الجهل بالحكم الواقعي بعد إطلاق الجهل وعدم تقييده به.

ويؤيّد ما ذكرنا التعبير بالأعضال في بعض الروايات‏ الذي لا يبقى له مجال مع وضوح الوظيفة الشرعيّة ولو بحسب الحكم الظّاهري، فالشبهة الحكميّة خارجة عن مُفاد العبارة.

وأمّا الشبهة الموضوعيّة، فإن كانت بدوية، فالحكم فيها معلوم غير مجهول أيضاً؛ سواء كان هي البراءة أو الاحتياط، وإن كانت مقرونة بالعلم الإجمالي، فهي أيضاً حكمها معلوم؛ سواء كان الشبهة محصورة أم غير محصورة؛ لأنّ الحكم في الأوّل هو الاحتياط على ما هو المشهور (59) ، والبراءة على غيره، وفي الثاني هو البراءة على المشهور (60) أيضاً، فلم يبق لنا إلّا موارد تزاحم الحقوق في الشبهة الموضوعيّة التي لم يبيّن حكمها في الشريعة، فإذا دار أمر مال بين أن يكون لزيد أو لعمرو، وأقام كلّ واحد منهما بيّنة على مدّعاه، فهذا هو الأمر المجهول والمشتبه والمعضل، الذي لا محيص فيه عن إعمال القرعة والرجوع إليها؛ لعدم بيان حكمه في شي‏ء من أدلّة الأمارات الشرعيّة والاصول المعتبرة بوجه.

نعم، لا يختصّ إعمال القرعة بما إذا كان له واقع، غاية الأمر كونه مجهولًا عندنا، بل يعمّ ما إذا لم يكن له واقع أصلًا، غاية الأمر الأعضال لأجل أنّه لا ترجيح في البين أصلًا.

المقام الثالث: في أنّ القرعة هل تكون أمارة أو أصلًا؟ فيه وجهان، والظاهر هو الوجه الثاني:

أمّا أوّلًا: فلأنّ موارد ثبوت القرعة عند العقلاء على قسمين: قسم يكون للمجهول المشتبه واقع معلوم عند اللَّه وغير معلوم عندنا، كالمساهمة في قصّة يونس، بناءً على كونها لأجل تشخيص العبد الآبق كما في أحد النقلين‏ ، وقسم لا يكون له واقع معيّن، كالمساهمة في قصّة تكفّل مريم الواقعة في الكتاب العزيز ، ومن المعلوم أنّه لا تعقل الأمارية في القسم الثاني؛ لعدم ثبوت واقع حتى تكون القرعة أمارة له، والظاهر أنّه لا فرق بين هذا القسم والقسم الأوّل عند العقلاء.

وأمّا ثانياً: فلأنّا لو قلنا بأنّ الطريقية والأمارية قابلة لتعلّق الجعل بها- على خلاف ما حققناه في محلّه‏ (61) - ولكن مورده ما إذا كان المحلّ قابلًا لذلك الجعل، من جهة كونه واجداً لوصف الطريقيّة تكويناً؛ ضرورة أنّه لا يعقل جعل الطريقيّة للشك مثلًا. ومن المعلوم أنّ القرعة بالكيفيّة المتداولة لا يكون فيها جهة كشف وإراءة أصلًا؛ ضرورة أنّ إجالة السهام ثمّ إخراج واحد منها لا يكون فيها كشف وطريقيّة، وليس مثل خبر الثقة وشهادة عدلين، الذي يكون مشتملًا على الكشف والإراءة في نفسه، وحينئذ فكيف يمكن جعل الحجّية لها؟ كما لا يخفى.

وأمّا ثالثاً: فلأنّه حيث يكون موضوع القرعة هو المجهول بما أنّه مجهول، نظير سائر الاصول التي موردها خصوص‏ صورة الشكّ، كأصالة الحلّية والاستصحاب، فلابدّ من الالتزام بكونها مثلها في ذلك؛ أي في عدم كونها أمارة.

ودعوى أنّ ظاهر قول أمير المؤمنين عليه السلام: «ما من قوم فوّضوا أمرهم إلى اللَّه- عزّ وجلّ وألقوا سهامهم إلّا خرج السّهم الأصوب» (62)  أنّ القرعة لا تخطى‏ء أصلًا، بل الخارج سهم المحقّ دائماً، كما في مرسلة الفقيه عن الصادق عليه السلام أيضاً، قال: ما تقارع قوم فوّضوا أمرهم إلى اللَّه إلّا خرج سهم المحقّ‏ (63) ، وهو معنى الأماريّة، بل هي الأمارة الدائمة المطابقة.

مدفوعة بأنّ غاية ما يدلّ عليه مثل هذا التعبير هو مجرّد تطبيق اللَّه تعالى السهم الخارج على الواقع دائماً، لأجل تفويض الأمر إليه وجعله هو الحكم، وهذا يغاير معنى الأماريّة؛ فإنّها متقوّمة بحيثيّة الكشف والإراءة، والقرعة فاقدة لها، بل تكون القرعة على هذا نظير الاستخارة التي ليست بأمارة قطعاً.

ومن ذلك يظهر الخلل فيما أفاده المحقّق البجنوردي من جعل القرعة والاستخارة من الأمارات‏ (64) ؛ نظراً إلى وجود جهة الكشف فيهما والظنّ بإصابة الواقع، ودلالة الدليل على حجّية هذه الجهة، مثل قول أبي الحسن موسى عليه السلام: كلّ ما حكم اللَّه به فليس بمخطى‏ء .

وجه الخلل ما عرفت من أنّ جهة الكاشفيّة والطريقيّة - التي هي أمر تكوينيّ متقوّم بالطريق- أمر، وتطبيق اللَّه تعالى السهم الخارج على الواقع غالباً أو دائما أمر آخر لا ارتباط بينهما، والدليل إنّما يدلّ على الثّاني. وأمّا الأوّل: فهو مفقود في القرعة والاستخارة كليهما، فالإنصاف أنّه لا مجال لدعوى الأماريّة في القرعة، بل هي أصل عند العقلاء وعند الشارع، يرجع إليه في ما لم يكن مرجّح في البين، ولم يكن هناك أصل أو أمارة أصلًا.

المقام الرابع: في تعارض القرعة مع الاستصحاب، ونقول: إنّ النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه- لأنّ مورد الاستصحاب هو الشك مع لحاظ الحالة السّابقة؛ سواء كان في مورد تزاحم الحقوق أو غيره، ومورد القرعة هو الشكّ في موارد تزاحم الحقوق؛ سواء كان مع لحاظ الحالة السّابقة أم لا- إلّا أنّك عرفت في المقام الثاني أنّ دليل الاستصحاب حاكم على دليل القرعة؛ لأنّ مورد أدلّة القرعة إنّما هو الأمر المشكل الذي وقع التعبير به في كثير من الفتاوى تبعاً لجملة من النصوص، أو مطلق المجهول الّذي وقع التعبير به في رواية محمد بن حكيم ...

ومن المعلوم أنّ الأمر المشكل معناه هو الأمر الذي اشكل رفع التحيّر عنه أو الحكم فيه؛ لأنّ مورد استعماله يغاير مورد استعمال كلمة «المجهول»؛ فإنّه لا تستعمل كلمة «المجهول» غالباً إلّافي ما كان له واقع معيّن عند اللَّه مجهول عند الناس، و «المشكل» هو ما يصعب رفع التحيّر بالنسبة إليه، والدليل على اختلافهما أنّه يمكن توصيف الواقع بأنّه «مجهول»، ولا يمكن توصيفه بأنّه «مشكل». فقد ظهر أنّ المشكل يتقوّم بالتحيّر، ومن المعلوم أنّه مع جريان الاستصحاب لا تحيّر في البين أصلًا.

وأمّا ما وقع فيه التعبير بعنوان المجهول، فقد عرفت أنّ الجواب فيه وإن كان عامّاً، إلّا أنّ السّؤال حيث لا يكون تامّاً، بل كان من المعلوم وجود شي‏ء آخر؛ لأنّ السؤال عن نفس الشي‏ء لا معنى له، فلا مجال للاستدلال بعموم الجواب، وليس ذلك من باب الشك في وجود القرينة، الذي يكون بناء العقلاء على عدم الاعتناء به، كما لا يخفى.

هذا، مضافاً الى ما عرفت من أنّ المراد بالمجهول المطلق هو ما كان مطلق حكمه مجهولًا؛ سواء كان واقعيّاً أو ظاهريّاً، ومن المعلوم أنّه مع جريان الاستصحاب لا يبقى حينئذ مجال للرجوع الى القرعة بعد تبيّن الحكم الظاهري بالاستصحاب.

ثمّ إنّه استظهر المحقّق النائيني قدس سره أنّه لا يمكن اجتماع القرعة مع سائر الوظائف المقرّرة للجاهل حتى تلاحظ النسبة بينهما؛ لأنّ التعبّد بالقرعة إنّما يكون في مورد اشتباه موضوع التكليف وتردّده بين الامور المتبائنة ، ولا محلّ للقرعة في الشبهات البدوية؛ سواء كانت الشبهة من مجاري أصالة البراءَة والحلّ، أو من مجاري الاستصحاب؛ لأنّ المستفاد من قوله عليه السلام: القرعة لكلّ مشتبه أو مجهول، هو مورد اشتباه الموضوع بين الشيئين أو الأشياء، فيقرع بينهما لا خراج موضوع التكليف، ولا معنى للقرعة في الشبهات البدوية؛ فإنّه ليس فيها إلّا الاحتمالين، والقرعة بين الاحتمالين خارجة عن مورد التعبّد بالقرعة، فموارد البراءة والاستصحاب خارجة عن عموم أخبار القرعة بالتخصّص لا بالتخصيص، كما يظهر من كلام الشيخ قدس سره‏ (65) (66).

ويرد عليه : أنّه بعد عدم اختصاص أدلّة الاستصحاب بالشبهات البدوية تكون موارد اجتماع الاستصحاب والقرعة كثيرة جدّاً، خصوصاً في موارد الجهل‏

بتاريخ أحد الحادثين، كما لو عقد الوكيلان المرأة لرجلين، وجهل بتاريخ أحدهما، فبناءً على تقدّم الاستصحاب على القرعة، يحكم بصحّة عقد معلوم التاريخ كما أفتى به وبنظائره هذا المحقّق في حواشيه على العروة (67) ، وأمّا لو قيل بعدم تقدّمه عليها يكون من موارد القرعة، وله أمثال كثيرة في باب التنازع والقضاء.

كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا وجه لما أفاده الشيخ الأعظم‏ (68) وتبعه المحقّق الخراساني‏ (69)  من خروج الاستصحاب عن عموم أدلّة القرعة بالتخصيص؛ وذلك لما عرفت من عدم شمول أدلّة القرعة لمورد الاستصحاب بوجه.

المقام الخامس: في أنّ القرعة هل هي وظيفة الإمام، أو من بحكمه خاصّة، أو يعمل بها كلّ أحد؟ فيه وجهان، قال صاحب العناوين: والذي يقوى في النظر القاصر بعد ملاحظة الروايات اختصاص أمر القرعة بالوالي، فإن كان يمكن الرجوع فيه إلى إمام الأصل اختصّ به؛ لأنّه مورد أكثر الأخبار، وأنّها وإن لم تدلّ على الاختصاص، لكنّها لا تدلّ على العموم أيضاً، فيقتصر على المتيقّن.

ولما في مرسلة ثعلبة في الممسوح قال: يجلس الإمام ويجلس عنده ناس‏ (70).

وفي موثّقة ابن مسكان‏ (71)  وروايتي إسحاق‏ (72)  والسكوني‏ (73)  كذلك.

وما في صحيحة معاوية بن عمّار قال: أقرع الوالي بينهم‏ (74).

وما في صريح رواية يونس: ولا يجوز أن يستخرجه أحد إلّا الإمام؛ فإنّ له كلام وقت القرعة يقوله، ودعاء لا يعلمه سواه ولا يقتدر عليه غيره‏ (75).

وما في صريح مرسلة حمّاد: القرعة لا تكون إلّا للإمام‏ (76).

مضافاً إلى أنّ إطلاق ما مرّ من الروايات- يعني مثل رواية محمد بن حكيم‏ - موهون بما مرّ من أنّه مسوق لبيان المشروعيّة ونحوه، ولو فرض فيه إطلاق تقيّده هذه الروايات، وفيها الصحيح والموثّق وغيره.

ودعوى أنّ الصحيح غير صريح الدلالة، والموثّقة أيضاً غير ناف لغير الوالي، والروايات الصريحة خالية عن الجابر؛ إذ لم يعهد من الأصحاب اشتراط القرعة بالإمام حتّى ينجبر.

مدفوعة أوّلًا: بأنّ هذه النصوص وإن لم تكن صالحة للتقييد، لكنّها كافية في إفادة التشكيك والوهن في الإطلاق، والأصل الأوّلي كاف في المنع عن غير المتيقّن.

وثانياً: أنّ دلالة الصحيحة والموثّقة على التقييد والاختصاص ليست بأضعف من تلك الإطلاقات في التعميم.

وثالثاً: أنّ هذه الروايات مرويّة في الكافي والتهذيب معلّلة بما علّل، معمول بها في أصل الحكم، فراجعها، وهذا القدر كاف في الظنّ بالصّدور، وهو المعتمد في‏ العمل، وتحقيق ذلك موكول إلى محلّه. مضافاً إلى أنّ القرعة في هذه المقامات مثبتة للموضوع؛ مستلزمة لترتّب أحكام مخالفة للأصل، والأصل عدم لحوقها إلّا بالمتيقّن، مع أنّ الغالب في المثبتات- كالبيّنة واليمين ونحو ذلك من الشياع ونحوه- عند الحاكم فكذلك القرعة.

وبالجملة: من أعطى النظر حقّه في هذا المقام لا يشك في الاختصاص، والذي أراه أنّ الظاهر من الأصحاب أيضاً ذلك؛ اذ لم يعهد منهم تعميم القرعة. نعم، كلامهم أيضاً غير مقيّد بخصوص الوالي في الموارد التي نقلناها عنهم، ومن هنا قد يتوهّم الإطلاق، لكنّه غير دالّ على ذلك؛ إذ الغالب في تلك الموارد المذكورة كونها عند الحاكم؛ إذ الغالب أنّها في باب التنازع والتداعي، ولا يحتاج في ذلك إلى تقييدهم بكونه عند الإمام.

وبالجملة: التأمّل في النص والفتوى يقضى بالاختصاص‏ (77).

أقول: إن قلنا باختصاص مورد القرعة بباب القضاء والحكومة- غاية الأمر كونها أعمّ من قضاء القاضي في باب الدّعاوي والخصومات، وحكومة الوالي في المنازعات المرتبطة به- فلا إشكال في اختصاص القرعة بالقاضي والوالي. وإن لم نقل به، فالظاهر أنّه بعد عدم ثبوت إطلاق يعتدّ به أنّ القدر المتيقّن هو الرجوع إليهما؛ للشك في ترتّب الآثار مع عدم الرجوع.

نعم، لا تنبغي المناقشة في جواز التراضي بالقرعة في بعض الموارد، كباب القسمة والتزاحم في المشتركات ونحوهما، كما أنّه لا مجال لتوهّم الاختصاص بإمام الأصل، وعدم الجواز للنائب العام وإن كان بعض التعليلات في الروايات يوهم الاختصاص، فتدبّر.

المقام السادس: الظاهر أنّه ليس للقرعة كيفيّة خاصّة وطريق مخصوص، بل هي عبارة عن العمل الذي يمتاز به الحقوق، ويكشف به عن الواقع، أو يتعيّن به أحد الامور. ويدلّ عليه- مضافاً إلى الإطلاقات الكثيرة- أنّه قد ورد في الكتاب العزيز بإلقاء الأقلام‏ (78) ، وفي النصوص بأنواع مختلفة، مثل الكتابة على السهم‏ (79) ، والخواتيم من الشركاء (80) ، ومن الحاكم‏ (81) ، والكتابة على الرقاع‏ (83) ، والنوى‏ (83) ، وغير ذلك، وهو يكشف عن عدم تعيّن طريق خاصّ وكيفيّة مخصوصة كما هو ظاهر.

المقام السّابع: ربما يستظهر اعتبار تفويض الأمر إلى اللَّه- تعالى- في صحّة القرعة؛ بمعنى أن يوطّن المتقارعون أنفسهم على التسليم لما أمر به اللَّه وإطاعته حتّى‏ ينكشف لهم، فلو اتّفق ذلك منهم تجربة أو من دون التفات إلى اللَّه تعالى بطلب البيان فلا عبرة بذلك.

أقول: الأصل في ذلك صحيحة جميل المروية في التهذيب قال: قال الطيّار لزرارة: ما تقول في المساهمة أليس حقّاً؟ فقال زرارة: بلى هي حقّ، فقال الطيّار:

أليس قد ورد أنّه يخرج سهم المحقّ ؟ قال: بلى، قال: فتعال حتّى أدّعي أنا وأنت شيئاً ثمّ نساهم عليه وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: إنّما جاء الحديث بأنّه ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلى اللَّه ثمّ اقترعوا إلّا خرج سهم المحقّ. فأمّا على التجارب فلم يوضع على التجارب.

فقال الطيّار: أرأيت إن كانا جميعاً مدّعيين ادّعيا ما ليس لهما، من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح‏ (84)  فإن كانا ادّعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح‏ (85).

وهذه الرواية وإن كان فيها إشكال من جهة ظهورها في التسالم بين زرارة والطيّار على أنّ مورد القرعة ما إذا كان هناك محقّ واقعاً... إلّا أنّ ظهورها في أنّه لم توضع القرعة على التجارب، بل إنّما هي في ما فوّضوا أمرهم إلى اللَّه تعالى لا ينبغي أن ينكر.

ويستفاد من بعض الروايات المتقدّمة اعتبار التفويض قبل القرعة (86) ، ومن بعضها اعتباره بعدها ، ومن بعضها أنّ القرعة عبارة عن نفس التفويض إلى اللَّه تعالى والمستفاد من المجموع بعد التأمّل أنّ مورد القرعة ما إذا كان المراد الكشف عن الواقع، أو تعيّن أحد الامور. وأمّا إذا كان المراد به التجربة ونحوها فلا مجال لها. والظاهر أنّه ليس المراد لزوم التوجّه الى اللَّه تعالى وطلب البيان منه‏ حتى يكون فيه شائبة العباديّة، بل المراد كون إعمالها لغرض جدّى ومقصود أصليّ؛ وهو ما ذكرنا.

ثمّ إنّ الظاهر عدم اعتبار الدعاء، فضلًا عن الدعاء المخصوص المشتمل عليه بعض الروايات في صحّة القرعة (87) ، وإن كان ظاهر بعض الروايات اعتباره، بل جعل ذلك علّة لعدم إقراع غير الإمام ... إلّا أنّ الظاهر باعتبار اختلاف النصوص في أصل الدعاء وفي خصوصيّته، الحمل على عدم الوجوب، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في قاعدة القرعة.

__________________

( 1) وسائل الشيعة: 27/ 261- 262، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 13 و 17، ومستدرك الوسائل: 17/ 373- 375، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 21618 و 21620.

( 2) مجمع البحرين: 1/ 579.

( 3) أنوار التنزيل: 2/ 300، وعنه تفسير كنز الدقائق: 8/ 512- 513.

( 4) سيرى كامل در اصول فقه : 15/ 107- 132.

( 5) مجمع البيان: 1/ 282- 283، وعنه بحار الأنوار: 14/ 196.

( 6) مشيخة الفقيه: 884.

( 7) تهذيب الأحكام: 6/ 240 ح 593، الفقيه: 3/ 52 ح 174، وعنهما وسائل الشيعة: 27/ 259 كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 11.

( 8) النهاية: 346.

( 9) الخلاف: 6/ 338 مسألة 10.

( 10) السرائر: 2/ 172- 173.

( 11) القواعد والفوائد: 2/ 183.

( 12) السرائر: 2/ 170 و ج 3/ 417.

( 13) السرائر: 2/ 173.

( 14) دعائم الإسلام: 2/ 522 ح 1864، وعنه مستدرك الوسائل: 17/ 373، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 21617.

( 15) دعائم الإسلام: 2/ 522 ملحق ح 1864، وعنه مستدرك الوسائل: 17/ 374، كتاب القضاء، أبواب الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 21618.

( 16) الاختصاص: 310، وعنه بحار الأنوار: 26/ 32 ح 49 و مستدرك الوسائل: 17/ 378، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 14، وفي البحار: 2/ 177 ح 20 عن بصائر الدرجات: 389، الجزء الثامن، الباب السابع ح 4.

( 17) الفقيه: 3/ 54 ح 183، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 258، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 6.

( 18) تهذيب الأحكام: 9/ 363 ح 1298، وعنه وسائل الشيعة: 26/ 312، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الغرقي والمهدم عليهم ب 4 ح 4.

( 19) الفقيه: 3/ 52 ح 175، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 261، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 13.

( 20) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 262، وعنه مستدرك الوسائل: 17/ 374، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 4.

( 21) المحاسن: 2/ 439 ح 2524، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 261، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى‏ ب 13 ح 17.

( 22) الفقيه: 3/ 52 ح 178، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 252، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام ‏الدعوى ب 12 ملحق ح 6.

( 23) تهذيب الأحكام: 6/ 235 ح 577، الاستبصار: 3/ 40 ح 137، وعنهما وسائل الشيعة: 27/ 254، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 12 ح 11.

( 24) الفقيه: 3/ 53 ح 181، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 251، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 12 ح 5.

( 25) المذود: معلف الدابّة.

( 26) تهذيب الأحكام: 6/ 234 ح 576، الاستبصار: 3/ 40 ح 136، الفقيه: 3/ 52 ح 177، وعنها وسائل الشيعة: 27/ 254، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 12 ح 12.

( 27) الكافي: 7/ 420 ح 1، تهذيب الأحكام: 6/ 235 ح 578، الاستبصار: 3/ 41 ح 138، وعنها وسائل الشيعة: 27/ 252، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 12 ح 7.

( 28) تهذيب الأحكام: 6/ 240 ح 595، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 257، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 1.

( 29) الكافي: 7/ 420 ح 2، تهذيب الأحكام: 6/ 235 ح 579، الاستبصار: 3/ 41 ح 139، وعنها وسائل الشيعة: 27/ 252، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 12 ح 8.

( 30) الكافي: 7/ 371 ح 8، تهذيب الأحكام: 6/ 316 ح 875، الفقيه: 3/ 15 ح 40، وعنها مرآة العقول: 24/ 204 ح 8 وبحار الأنوار: 14/ 11 ح 20.

( 31) تهذيب الأحكام: 8/ 234 ح 842 و ج 6/ 240 ح 590، الفقيه: 3/ 53 ح 180 و ص 70 ح 241، وعنها: وسائل الشيعة: 23/ 103، كتاب العتق ب 65 ح 1 و ملحق ح 2 و ج 27/ 257 و 261، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 3 و 16.

( 32) الكافي: 7/ 18 ح 11 و ص 55 ح 12، تهذيب الأحكام: 9/ 220، ح 864 و ج 8/ 234 ح 843، الفقيه: 4/ 159 ح 555، وعنها وسائل الشيعة: 19/ 408، كتاب الوصايا ب 75 ح 1 و ج 23/ 103، كتاب العتق ب 65 ح 2.

( 33) تهذيب الأحكام: 9/ 171 ح 700، وعنه وسائل الشيعة: 19/ 359، كتاب الوصايا ب 43 ح 1.

( 34) تهذيب الأحكام: 6/ 239 ح 586 و 587 الفقيه: 4/ 226 ح 717، وعنهما وسائل الشيعة: 27/ 258- 259، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 و 7 و 8.

( 35) وسائل ‏الشيعة: 26/ 291- 294، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى‏ وما أشبهه ب 4 ح 1- 4.

( 36) تهذيب الأحكام: 8/ 225 ح 810 و 811، الاستبصار: 4/ 5 ح 16 و 17، الفقيه: 3/ 53 ح 179، المقنع: 462- 463، وعنها وسائل الشيعة: 23/ 92- 93، كتاب العتق ب 57 ح 1- 3 و ج 27/ 261، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 15.

( 37) الكافي: 6/ 197 ح 14، تهذيب الأحكام: 8/ 230 ح 830، وعنهما وسائل الشيعة: 23/ 61، كتاب العتق ب 34 ح 1.

( 38) صحيح مسلم: 3/ 1043، كتاب الأيمان ب 12 ح 1668، سنن أبي داود: 602 ح 3961، سنن الترمذي: 3/ 645، كتاب الأحكام ب 27 ح 1368، حلية الأولياء: 10/ 215، الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 96.

( 39) تهذيب الأحكام: 9/ 43 ح 183، تحف العقول: 480، وعنهما وسائل الشيعة: 24/ 169 و 170، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرمة ب 30 ح 1 و 4.

( 40) الغارات: 34- 35، وعنه وسائل الشيعة: 15/ 114، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب 41 ح 13 و 14، وبحار الأنوار: 34/ 349 و ج 100/ 60 ح 10. وأخرجه في البحار: 41/ 118 عن مناقب ابن شهر آشوب: 2/ 112 نقلًا من فضائل الصحابة لابن حنبل: 1/ 549 ح 913 وحلية الأولياء: 7/ 300. ورواه في الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 533 وتاريخ مدينة دمشق: 42/ 476.

( 41) الكافي: 4/ 218 ح 5، الفقيه: 2/ 161 ح 696، وعنهما وسائل الشيعة: 13/ 216، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب 11 ح 11، وبحار الأنوار: 15/ 339 ح 9 ومستدرك الوسائل: 17/ 376، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 10.

( 42) الزهد: 9 ح 15، وعنه بحار الأنوار: 13/ 353 ح 47 و ج 75/ 266 ح 15 و ج 104/ 325 ح 7، ووسائل الشيعة: 12/ 310، كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة ب 164 ح 13، ومستدرك الوسائل: 17/ 375، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 5.

( 43) الاختصاص: 118، وعنه بحار الأنوار: 32/ 163 قطعة من ح 128، ومستدرك الوسائل: 17/ 377، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 11 ح 13.

( 44) الإرشاد للمفيد: 162، وعنه بحار الأنوار: 21/ 77 ح 5.

( 45) إعلام الورى‏: 239- 240، وعنه بحار الأنوار: 21/ 172- 173.

( 46) الأمالي للصدوق: 320 قطعة من ح 375، وعنه بحار الأنوار: 12/ 257 قطعة من ح 23.

( 47) الرسائل في الاصول: 1/ 338- 345.

( 48) السرائر: 3/ 417، مسالك الأفهام: 15/ 481- 482، عوائد الأ يّام: 651، العناوين: 1/ 349.

( 49) الخلاف: 3/ 298 مسألة 8 و ج 6/ 234 مسألة 32 و ص 399 مسألة 24، النهاية: 345- 346.

( 50) القواعد والفوائد: 2/ 22- 23 قاعدة 4 و ص 183 قاعدة 213.

( 51) السرائر: 2/ 170.

( 52) الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 93- 95.

( 53) الكافي: 3/ 285 ح 7 وص 286 ح 10، تهذيب الأحكام: 2/ 45 ح 144- 146، الاستبصار: 1/ 295 ح 1085- 1087، الفقيه: 1/ 179 و 180 ح 845 و 854، وعنها وسائل الشيعة: 4/ 307، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 6 ح 1 و ص 310- 311 ح 1- 5.

( 54) السرائر: 2/ 173.

( 55) الكافي: 6/ 197 ح 14، تهذيب الأحكام: 6/ 240 ح 592 و ج 8/ 230 ح 830، وعنها وسائل الشيعة: 23/ 61، كتاب العتق ب 34 ح 1 و ج 27/ 259، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 9.

( 56) الرسائل للإمام الخميني في الاصول: 1/ 346- 351، فرائد الاصول: 3/ 386، كفاية الاصول: 493، أجود التقريرات: 4/ 260- 262، نهاية الأفكار: 4، القسم الثاني: 107.

( 57) الكافي: 7/ 58 ح 5، الفقيه: 4/ 174 ح 610، تهذيب الأحكام: 9/ 162 ح 666، وعنها وسائل الشيعة: 19/ 323، كتاب الوصايا ب 25 ح 1 و ج 23/ 184، كتاب الإقرار ب 2 ح 1.

( 58) تهذيب الأحكام: 1/ 8 ح 11، وعنه وسائل الشيعة: 1/ 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

( 59) فرائد الاصول: 2/ 210.

( 60) نهاية الأفكار: 3/ 328 و 331.

( 61) سيرى كامل در اصول فقه: 10/ 97 و 155.

( 62) تهذيب الأحكام: 9/ 363 ح 1298، وعنه وسائل الشيعة: 26/ 312، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ‏ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 4 ح 4.

( 63) الفقيه: 3/ 52 ح 175، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 261، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام ‏الدعوى ب 13 ح 13.

( 64) القواعد الفقهيّة: 1/ 68- 70.

( 65) فرائد الاصول: 3/ 385.

( 66) فوائد الاصول: 4/ 678- 679.

( 67) العروة الوثقى: 5/ 645 تعليقة 1، النائيني.

( 68) فرائد الاصول: 3/ 385.

( 69) كفاية الاصول: 493.

( 70) الكافي: 7/ 158 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 357 ح 1275، وعنهما وسائل الشيعة: 26/ 293، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى‏ وما أشبهه ب 4 ح 3.

( 71) تهذيب الأحكام: 9/ 357 ح 1276، وعنه وسائل الشيعة: 26/ 294، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 4 ح 4.

( 72) الكافي: 7/ 157 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 356 ح 1274، وعنهما وسائل الشيعة: 26/ 292، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 4 ح 1.

( 73) لم نعثر عليه عاجلًا.

( 74) الفقيه: 3/ 52 ح 176، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 261، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 14.

( 75) الكافي: 6/ 197 ح 14، تهذيب الأحكام: 8/ 230 ح 830، وعنهما وسائل الشيعة: 23/ 61، كتاب العتق ب 34 ح 1.

( 76) تهذيب الأحكام: 6/ 240 ح 592، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 259، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 9.

( 77) العناوين: 1/ 365- 367.

( 78) سورة آل عمران 3: 44.

( 79) الكافي: 7/ 158 ح 2، المحاسن: 2/ 439 ح 2523، الفقيه: 3/ 53 ح 182 و ج 4/ 239 ح 763، تهذيب الأحكام: 6/ 239 ح 88 و ج 9/ 356 ح 1273، الاستبصار: 4/ 187 ح 701، وعنها وسائل الشيعة: 26/ 292، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 4 ح 2.

( 80) الكافي: 7/ 373 ح 9، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 280، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام‏ الدعوى ب 20 ح 2.

( 81) الكافي: 7/ 371 ح 8، الفقيه: 3/ 15 ح 40، تهذيب الأحكام: 6/ 316 ح 875، وعنها وسائل الشيعة: 27/ 279، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 20 ح 1، وفي البحار: 40/ 262 ذ ح 30 عن الكافي.

( 82) الكافي: 3/ 470 ح 3 و ص 473 ح 8، المقنعة: 219 ب 29، مصباح المتجهد: 534- 536، تهذيب الأحكام: 3/ 181- 182 ح 412 و 413، فتح الأبواب: 160- 164 و 228- 229 و 264 و 266 و 269 و 286، وعنها وسائل الشيعة: 8/ 68- 72، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الإستخارة ب 2 ح 1- 4. وفي ج 27/ 262، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى‏ ب 13 ح 19 عن الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 97.

وفي بحار الأنوار: 91/ 234 ح 8 و ص 235- 240 ح 1- 5 عن فتح الأبواب ومجموع الدعوات ومصباح المتهجد ومكارم الأخلاق: 2/ 106 رقم 2301.

( 83) مسالك الأفهام: 10/ 315، عوائد الأيّام: 561، العناوين: 1/ 371.

( 84) ويحتمل أن يكون منيح بالنون، وهو أحد سهام الميسر العشرة ممّا لا نصيب له( منه دام ظلّه).

( 85) تهذيب الأحكام: 6/ 238 ح 584، وعنه وسائل الشيعة: 27/ 257، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 4.

( 86) أي رواية جميل المتقدّمة آنفاً.

( 87) وسائل الشيعة: 8/ 68- 72، بحار الأنوار: 91/ 234 ح 8 و ص 235- 240 ح 1- 5.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.