أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-4-2022
3345
التاريخ: 9-4-2022
1709
التاريخ: 2024-08-03
417
التاريخ: 6-7-2019
1433
|
يمكن الاستدلال على حجّيّة القرعة بعدّة أدلّة من الكتاب والسنّة، إضافة إلى السيرة:
الأوّل: من الكتاب:
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ﴾(1)، بتقريب أنّ يونس لمّا خرج من قومه غاضباً عليهم، ركب سفينة لم تتمكّن من مواصلة سيرها، إمّا لاعتراض الحوت لها وعدم اندفاعه إلّا بإلقاء واحد له ليلقمه, أو لزيادة وزنها الذي يحتاج معه إلى إلقاء واحد من الركاب، وبالتالي تمّ الاتّفاق على الاقتراع لتعيين ذلك الشخص، وخرجت القرعة باسم يونس، ووافق على نتيجة القرعة، فإنّ ذكرها في القرآن الكريم واشتراك النبي يونس عليه السلام بها وقبوله لنتيجتها يدلّ على حجّيّة القرعة، وإلّا لَمَا اشترك يونس عليه السلام الّذي هو معصوم في ذلك .
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ يَخْتَصِمُونَ﴾(2)، وهي واردة في قصّة ولادة مريم عليها السلام، وما رامته أمّها امرأة عمران، حيث إنّها بعد ما وضعتها أنثى لفّتها في خرقة وأتت بها إلى المعبد ليتكفلّها عبّاد بني إسرائيل، وقد مات أبوها من قبل، فقالت دونكم النذيرة(3)، فتنافس فيها الأحبار, لأنّها كانت بنت إمامهم عمران، فوقع التشاحّ بينهم فيمن يكفل مريم حتّى قد بلغ حدّ الخصومة ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾، فما وجدوا طريقاً لرفع التنازع إلّا القرعة، فتقارعوا بينهم، فألقوا أقلامهم الّتي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء، وقيل: ألقوا قداحهم للاقتراع، جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم، فارتزّ(4) قلم زكريّا ثمّ ارتفع فوق الماء، ورسبت أقلامهم، وقيل ثبت قلم زكريّا وقام طرفه فوق الماء كأنّه في الطين، وجرت أقلامهم مع جريان الماء، فوقعت القرعة على زكريّا - وقد كانوا تسعة وعشرين رجلاً - فكفلها زكريّا، وكان خير كفيل لها وقد كان بينهما قرابة, لأنّ خالة أمّ مريم كانت عنده. هذا، ولكنّ في الآية نفسها إبهام, فإنّ كون جملة ﴿إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ﴾ بمعنى الاقتراع غير واضح، إلّا أنّ بعض القرائن الداخليّة والخارجيّة رافعة للإبهام عنها، كقوله تعالى: ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾، وقوله: ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾، وغير واحدة من الروايات الواردة في تفسير الآية الّتي تأتي الإشارة إليها .
وبالنتيجة، في الآية دلالة على أنّ القرعة كانت مشروعة لرفع النزاع والخصومة في الأمم السالفة، ويمكن إثباتها في هذه الأمّة أيضاً بضميمة استصحاب الشرايع السابقة، مضافاً إلى أنّ نقله في القرآن من دون إنكار، دليل على ثبوتها في هذه الشريعة أيضاً، وإلّا لوجب التنبيه على بطلانها في هذه الشريعة .
الثاني: من السنّة :
الرواية الأولى: صحيحة محمّد بن حكيم: "سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء؟ فقال لي: كلّ مجهول ففيه القرعة. قلت له: إنّ القرعة تخطئ وتصيب؟ قال: كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ" (5). ووجه الاستدلال بالرواية، لناحية عدم تخصيص الحكم هنا بالمنازعة ونحوها، بل عنوانه "كلّ مجهول". وأما إبهام كلمة "شيء" واحتمال كون السؤال عن شيء خاصّ متنازع فيه، فالحقّ أنّه لا يضرّ بإطلاق قوله: "كلّ مجهول ففيه القرعة", لأنّ ورود السؤال في مورد خاصّ لا يضرّ بعموم الحكم إذا كان اللفظ عامّاً. وأمّا قوله: "كلّما حكم الله به فليس بمخطىء"، فقد ذكر فيه احتمالان:
أحدهما: أن يكون المراد خروج سهم المحقّ واقعاً، فهو ردع لقول السائل إنّ القرعة تخطىء وتصيب، وإثبات لعدم خطئها، وهذا المعنى بعيد عن ظاهر الرواية .
ثانيهما: وهو الأنسب بظاهرها أن يكون المراد عدم الخطأ في الحكم بحجّيّة القرعة، فإنّه لو لم يكن هناك مصلحة في العمل بالقرعة والحكم بحجّيتها، لما حكم به الله، فالمعنى أنّ خطأ القرعة عن الواقع، أحياناً، لا يمنع من كون نفس الحكم بحجّيّتها صواباً ومشتملاً على المصلحة، فحكم الله ليس بخطأ. والذي يؤيّد هذا المعنى بل يدلّ عليه أنّ قوله: "كلّ ما حكم الله به" بمعنى نفس الحكم، فعدم الخطأ فيه لا في متعلّقه الّذي هو القرعة. هذا، مضافاً إلى أنّ العلم بوقوع الخطأ في كثير من الأمارات الشرعيّة، مع أنّها ممّا حكم الله به، يمنع من حمل الحديث على هذا المعنى، لو فرض ظهوره فيه بادئ الأمر .
الرواية الثانية: صحيحة إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام: "رجل قال: أوّل مملوك أملكه فهو حرّ فورث ثلاثة؟ قال: يقرع بينهم، فمن أصابته القرعة أُعتق. قال: والقرعة سنّة"(6) ، فإنّ ذيلها "والقرعة سنّة" يمكن أن يُستفاد منه حجّيّة القرعة في جميع الموارد. وهذا الحديث، وإن كان وارداً في مورد خاصّ، ولكنّ قوله: "القرعة سنّة" يدلّ إجمالاً على عموم الحكم، وعدم اختصاصه بالمقام .
الرواية الثالثة: ما رواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام إلى اليمن،
فقال له، حين قدم: حدّثني بأعجب ما ورد عليك، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاني قوم قد تبايعوا جارية، فوطئها جميعهم في طهر واحد، فولدت غلاماً، فاحتجّوا فيه، كلّهم يدّعيه، فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلى الله إلّا خرج سهم المحقّ"(7).
ورواه في التهذيب والاستبصار، عن عاصم بن حميد، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام، إلّا أنّه قال: "ليس من قوم تنازعوا ثم فوّضوا..."، ولعلّه الأصحّ, فإنّ التفويض إلى الله إنّما يكون بعد التنازع وقبل القرعة كما في هذه النسخة، لا بعد القرعة، كما في نسخة الفقيه .
وعلى كلّ حال، هذه الرواية عامّة في جميع موارد التنازع والمشكلات، وموردها يكون من الأمور المشكلة الّتي لها واقع مجهول يراد كشفه، كما أنّ ظاهر الفقرة الواردة في ذيلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كون القرعة - مع شروطها، ومع التفويض إلى الله - كاشفة عن ذلك الواقع المجهول، وعلى هذا تكون منسلكة في سلك الأمارات، لوكان خروج سهم المحقّ غالبيّاً، ولوكان دائميّاً كانت القرعة أعلى من الأمارات المعمولة، وهذه الرواية المصحّحة المرويّة عن الكتب الأربعة من أحسن ما ورد في هذا الباب(8).
هذا وهناك روايات خاصّة مبثوثة في مختلف أبواب الفقه تؤيّد عموم القاعدة وعدم اختصاصها بمورد معيّن، وإن لم يكن فيها تصريح بالعموم، ولكن ورودها وانبثاثها في تلك الأبواب المختلفة من المؤيّدات القويّة على المقصود، وقد أعرضنا عن ذكرها اختصاراً (9)
الثالث: السيرة العقلائيّة: إنّ العقلاء يعملون بالقرعة عند تمشكل الأمر، فلو زاد عدد الطلّاب عن الحدّ المقرّر للقبول في المدرسة، أو زاد عدد من تقدّم بطلب الحجّ عن الحدّ المقرّر، أُقرع بينهم. والسيرة المذكورة حيث لا يحتمل حدوثها جديداً ولم يرد عنها ردع، تكون حجّة, لإمضائها .
_______________
(1) سورة الصافّات، الآيات: 140-142 .
(2) سورة آل عمران، الآية: 44 .
(3) التي نُذرت .
(4) ارتزّ: ثبت .
(5) العاملي، وسائل الشيعة، م.س، باب 13 من أبواب كيفية الحكم، ح 11 .
(6) العاملي، وسائل الشيعة، م.س، باب 13 من أبواب كيفية الحكم، ح 2 .
(7) العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج 18، باب 13، الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، ح5.
(8) الشيرازي، القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص330 .
(9) الشيرازي، القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص337 . حيث أورد هذه الروايات بالتفصيل .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|