المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6204 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



خبر الآحاد.  
  
4348   11:48 صباحاً   التاريخ: 14-8-2016
المؤلف : عبد الهادي الفضلي.
الكتاب أو المصدر : أصول الحديث
الجزء والصفحة : ص115 - 131
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / أقسام الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2016 2178
التاريخ: 2023-08-02 1262
التاريخ: 17-8-2016 3409
التاريخ: 5-2-2017 2272

ويطلق عليه (خبر الواحد) أيضا.

تعريفه:

يمكننا أن نصنف ما ذكر من تعاريف لخبر الواحد إلى الأصناف التالية:

1- التعريفات القائلة بأن خبر الواحد هو الذي لا يبلغ حد التواتر، سواء كان راويه واحدا أو أكثر من واحد.

وممن عرف خبر الواحد بهذا الشهيد الثاني في (الدراية 15)، والشيخ المامقاني في (المقباس 1 / 125)، وأستاذنا الشيخ المظفر في (أصول الفقه 2 / 69)، والسيد معروف في (الدراسات 40)، وغيرهم.

2- ما ذكر من أن خبر الواحد هو الذي لا يفيد العلم بنفسه. وممن عرفه بهذا الشيخ السبحاني في (أصول الحديث وأحكامه ص 34).

3- التعريف الجامع بين التعريفين السابقين، القائل: إن خبر الواحد هو الذي لا يبلغ حد التواتر - سواء كثرت رواته أم قلت -، وليس شأنه إفادته العلم بنفسه. وهو تعريف الشيخ العاملي في (معالم الدين 342).

4- التعريف القائل بأن خبر الواحد هو ما يفيد الظن وإن تعدد المخبر. وهو تعريف العلامة الحلي في (مبادئ الوصول 203).

وإذا حاولنا المقارنة بين هذه التعاريف سوف نرى أن النصف الأول هو من نوع التعريف ب‍ (غير) أو النفي المنطقي، والذي يراد به أننا عندما نعرف أحد القسمين، فتعريفه في الوقت نفسه يكون تعريفا لقسميه، وذلك بإضافة كلمة (غير) أو أية أداة تنفي تعريف القسيم عن قسيمه.

فنحن لأننا عرفنا المتواتر لا نحتاج إلى أن نعرف الآحاد بأكثر من أن نقول عنه بأنه (غير المتواتر) أو (هو الذي لا ينطبق عليه تعريف المتواتر) بمعنى أنه هو الذي يرويه راو واحد أو أكثر من راو واحد لا تحيل العادة فيه احتمال كذب الراوي والرواة.

وفي الصنف الثاني يقوم التعريف على نفي الخصيصة التي هي للمتواتر عن الآحاد وهي إفادة الحديث العلم بصدقه بنفسه، فالآحاد - على هذا - (لأنه غير المتواتر): هو الذي لا يفيد العلم بنفسه.

والصنف الجامع بين التعريفين، جمع بين الحسنيين لتأكيد الفرق بين القسمين.

وفي الصنف الرابع، وهو تعريف العلامة الحلي، قد نحتاج إلى إضافة قيد ليشمل التعريف قسمي خبر الواحد، ذلك أن أحدهما وهو خبر الواحد غير المقرون هو الذي يفيد الظن، والآخر وهو المقرون بما يفيد العلم، فإنه يفيد العلم، ولأجل أن يشمله التعريف نفتقر إلى القيد فنقول - مثلا -: هو الذي يفيد الظن أو العلم بمساعدة القرينة.

ومع إضافة هذا القيد لنا أن نختار أي تعريف من هذه التعريفات فإنها كلها تنطبق على معنى الآحاد.

تقسيمه:

يقسم خبر الواحد إلى قسمين رئيسين هما: المقرون، وغير المقرون.

أو كما يعبر بعضهم: المقترن، وغير المقترن.

أو المحفوف بالقرائن، وغير المحفوف بها.

1- خبر الواحد المقرون

تقدم في تعريف خبر الواحد أنه لا يفيد العلم بصدقه بنفسه، وإنما يفيد هذا إذا اقترن بقرينة تساعده على إفادته العلم بصدقه وصحة صدوره عن المعصوم.

وقد عرفه الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41) بقوله: (فأما الخبر القاطع   للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره).

وعرفه الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) بقوله: (وما ليس بمتواتر على ضربين: فضرب منه يوجب العلم أيضا، وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم).

فالخبر المقرون: هو الذي تصحبه القرينة المساعدة له على إفادته العلم بصدقه وصحة صدوره.

والقرائن - هنا - كثيرة، منها:

1- ما ذكره الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41) - بعد تعريفه له الذي مر ذكره في أعلاه - قال: - وربما كان الدليل (يعني القرينة) حجة من عقل.

- وربما كان شاهدا من عرف.

- وربما كان إجماعا.

2- ما ذكره الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) - بعد تعريفه له المذكور في أعلاه - قال: (والقرائن أشياء كثيرة: - منها أن تكون مطابقة لأدلة العقل.

- ومنها أن تكون مطابقة لظاهر القرآن.

- ومنها أن تكون مطابقة للسنة المقطوع بها.

- ومنها أن تكون مطابقة لما أجمع المسلمون عليه.

- ومنها أن تكون مطابقة لما أجمعت عليه الفرقة المحقة.

3- ما كره الحر العاملي في خاتمة (الوسائل) في (الفائدة الثامنة) التي عقدها لذلك حيث عنونها ب‍ (الفائدة الثامنة في تفصيل بعض القرائن التي تقترن بالخبر).

وبدأ فائدته هذه بنقل تعريف المحققين من العلماء للقرينة بأنها: (ما ينفك عن الخبر وله دخل في ثبوته).

ثم قسمها إلى ثلاث أقسام، هي:

أ- ما يدل على صدور الخبر عن المعصوم.

ب- ما يدل على صحة مضمون الخبر.

ج- ما يدل على ترجيح الخبر عن الخبر المعارض له.

ثم عددها إجمالا فذكر ما ذكره الشيخ الطوسي، وزاد عليه، وأهم ما ذكره من إضافات:

أ- كون الراوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة. فإنه قد يحصل من هذا العلم بصدق الخبر وصحة صدوره.

ب- وجود الحديث في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها، أو في كتاب أحد الثقات.

ج- وجود الحديث في أحد الكتب الأربعة.

د- وجود الحديث في كتاب لأحد أصحاب الإجماع.

ه‍- تكراره في كتب متعددة معتمدة.

و- عدم وجود معارض له.

وهذه القرائن كلها قرائن علمية يرتبط بعضها بتصحيح مضمون الخبر، وهي مثل موافقة القرآن الكريم وموافقة السنة القطعية.

ويرتبط بعضها بتصحيح السند، مثل وجود الحديث في كتاب لأحد أصحاب الاجماع، وفي كتاب أحد الثقات.

ولهذا لا تخرج عن كونها نتائج اجتهادية يقول بها الفقيه وفق اجتهاده: ومن هنا قد تفيد العلم عند بعض، وقد لا تفيده عند آخر لاختلاف الاجتهاد، والخلاف في نتائجه.

ولعله لهذا ذهب بعضهم إلى أن خبر الواحد مطلقا - أي سواء كان مقرونا أم غير مقرون - لا يفيد العلم.

قال العاملي في (معالم الدين 342): (وخبر الواحد: هو ما لم يبلغ حد التواتر - سواء كثرت رواته أم قلت - وليس شأنه إفادة العلم بنفسه.

نعم قد يفيد بانضمام القرائن إليه وزعم قوم أنه لا يفيد العلم وإن انضمت إليه القرائن. والأول أصح).

والمعروف والمشهور شهرة كبيرة أن الآحاد قد تقترن بما يفيد العلم بصدقها وصحة صدورها.

والمسألة ترتبط بواقع السيرة الاجتماعية للناس، وهي قاضية - وببداهة - بذلك.

يقول الشيخ السبحاني: (وقد كثر النقاش في إفادته اليقين بما لا يرجع إلى محصل، وكأن المناقشين بعداء عن الأحوال الاجتماعية التي تطرأ علينا كل يوم، فكم من خبر تؤيده القرائن فيصبح خبرا ملموسا لا يشك فيه أحد)(1).

مشروعية خبر الواحد المقرون: وما قلناه في مشروعية الرجوع إلى الخبر المتواتر لإفادته العلم بصدوره، واعتباره مصدرا شرعيا، نقوله هنا، وللسبب نفسه، وهو إفادة الخبر المقرون العلم أيضا، والعلم حجيته ذاتية - كما مر.

يقول الشيخ المفيد في (أصول الفقه 40): (والحجة في الأخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب.

وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا يلزم به عمل على حال.

والأخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين: 

 أحدهما: التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطئ على ذلك، أو ما يقوم مقامه في الاتفاق.

والثاني: خبر واحد يقترن إليه ما يقوم المتواتر في البرهان على صحة مخبره، وارتفاع الباطل منه والفساد).

ويقول الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) - بعد تعريفه له الذي تقدم نقله في أعلاه -: (وما يجري هذا المجرى يجب أيضا العمل به، وهو لاحق بالقسم الأول) يعني المتواتر.

وقال استاذنا الشيخ المظفر في (أصول 2 / 69): (لاشك في أن مثل هذا حجة. وهذا لا بحث لنا فيه، لأنه مع حصول العلم تحصل الغاية القصوى، إذ ليس وراء العلم غاية في الحجية وإليه تنتهي حجية كل حجة).

2- خبر الواحد غير المقرون

تعريفه

إخال أننا تبينا مفهوم خبر الواحد غير المقرون من تعريفنا لمفهوم الخبر المتواتر وخبر الواحد المقرون.

وهو ذلكم الخبر الذي لا يبلغ مستوى التواتر، ولم يقترن بما يساعده على إفادة العلم بصدوره.

وأقصى ما يفيده إذا توافرت في إسناده شروط الصحة هو الظن بصدوره عن المعصوم.

مشروعيته:

ومن هنا أثار علماء أصول الفقه مسألة حجيته ومشروعية العمل به، لأن الظن منهي شرعا عن العمل به، والركون إليه، إلا إذا قام الدليل على مشروعيته.

قال الشيخ الطوسي في (العدة 1 / 44): (من عمل بخبر الواحد فإنما يعمل   به إذا دل دليل على وجوب العمل به، إما من الكتاب أو السنة أو الاجماع، فلا يكون قد عمل بغير علم)(2).

وقد وقعت هذه المسألة موقع خلاف كبير، تشعبت أطرافه، وتوسع البحث فيه توسعا كبيرا.

وأول ما يلتقينا من خلاف في المسألة هو: موقف العقل من التعبد به.

فذهب ابن قبة (محمد بن عبد الرحمن الرازي) إلى عدم جواز التعبد به عقلا، أي أن العقل يمنع من التعبد به.

وذهب الآخرون من أصحابنا إلى جواز التعبد به.

قال الشريف المرتضى: (والعقل لا يمنع من العبادة بالقياس، والعمل بخبر الواحد. ولو تعبد الله تعالى بذلك لساغ، ولدخل في باب الصحة لأن عبادته بذلك توجب العلم الذي لا بد أن يكون العمل تابعا له)(3).

وبعد القول بجواز التعبد به عقلا، وقع الخلاف في جواز التعبد به شرعا.

فذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى وأبو المكارم ابن زهرة والقاضي ابن البراج والطبرسي وابن إدريس إلى القول بعدم حجيته وعدم جواز التعبد به شرعا.

قال الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41): (فمتى خلا خبر واحد من دلالة يقطع بها على صحة خبره فإنه - كما قدمناه - ليس بحجة ولا موجب علما ولا عملا على كل وجه).

وقال الشريف المرتضى: (لابد في الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى العلم... ولذلك أبطلنا في الشريعة العمل بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علما ولا عملا، وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم، لأن خبر الواحد إذا كان عدلا فغاية ما يقتضيه الظن بصدقه، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبا).(4)

وذهب الآخرون - وهم الأكثرية الغالبة - إلى جواز التعبد به شرعا لقيام الدليل بذلك.

وأهم ما استدلوا به:

1- قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

بتقريب (أنها تعطي أن النبأ من شأنه أن يصدق به عند الناس، ويؤخذ به، من جهة أن ذلك من سيرتهم، وإلا فلماذا نهي عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنه فاسق، فأراد الله تعالى أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنه لا ينبغي أن يعتمدوا كل خبر من أي مصدر كان، بل إذا جاء به فاسق ينبغي أن لا يؤخذ به بلا ترو، وإنما يجب فيه أن يتثبتوا أن يصيبوا قوما بجهالة، أي فعل ما فيه سفه وعدم حكمة قد يضر بالقوم. والسر في ذلك أن المتوقع من الفاسق ألا يصدق في خبره، فلا ينبغي أن يصدق ويعمل بخبره. فتدل الآية بحسب المفهوم على أن خبر العادل يتوقع منه الصدق فلا يجب فيه الحذر والتثبت من إصابة قوم بجهالة. ولازم ذلك أنه حجة)(5).

2- رواية عبد العزيز بن المهتدي عن الإمام الرضا (ع)، قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟قال (ع): نعم)(6).

قال الشيخ الأنصاري: (وظاهر هذه الرواية أن قبول قول الثقة كان أمرا   مفروغا عنه عند الراوي فسأل عن وثاقة يونس ليرتب عليه أخذ المعالم منه) (7).

إلى غيره من أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي في قبول خبر الثقة.

السيرة الاجتماعية: يقول استاذنا الشيخ المظفر في (أصول الفقه 2 / 91- 92): (إنه من المعلوم - قطعا الذي لا يعتريه الريب - استقرار بناء العقلاء طرا واتفاق سيرتهم العملية على اختلاف مشاربهم وأذواقهم، على الأخذ بخبر من يثقون بقوله ويطمئنون إلى صدقه ويأمنون كذبه، وعلى اعتمادهم في تبليغ مقاصدهم على الثقات.

والمسلمون بالخصوص كسائر الناس جرت سيرتهم العملية على مثل ذلك في استفادة الأحكام الشرعية من القديم إلى يوم الناس هذا، لأنهم متحدوا المسلك والطريقة مع سائر البشر، كما جرت سيرتهم بما هم عقلاء على ذلك في غير الأحكام الشرعية.

وإذا ثبتت سيرة العقلاء من الناس بما فيهم المسلمون على الأخذ بخبر الواحد الثقة، فإن الشارع المقدس متحد المسلك معهم، لأنه منهم، بل هو رئيسهم، فلا بد أن نعلم بأنه متخذ لهذه الطريقة العقلائية كسائر الناس ما دام أنه لم يثبت لنا أن له في تبليغ الأحكام طريقا خاصا مخترعا منه، غير طريق العقلاء، ولو كان له طريق خاص قد اخترعه غير مسلك العقلاء لأذاعه وبينه للناس، ولظهر واشتهر، ولما جرت سيرة المسلمين على طبق سيرة باقي البشر.

وهذا الدليل قطعي لا يداخله الشك، لأنه مركب من مقدمتين قطعيتين:

1- ثبوت بناء العقلاء على الاعتماد على خبر الثقة والأخذ به.

2- كشف هذا البناء منهم عن موافقة الشارع لهم، واشتراكه معهم، لأنه متحد المسلك معهم.

قال شيخنا النائيني (قده) - كما في تقريرات تلميذه الكاظمي (قده) 3 / 69-: (وأما طريقة العقلاء فهي عمدة أدلة الباب بحيث لو فرض أنه لكان سبيل إلى المناقشة في بقية الأدلة فلا سبيل إلى المناقشة في الطريقة العقلائية القائمة على الاعتماد على خبر الثقة والاتكال عليه في محاوراتهم).

وقال الشيخ الخاقاني في (أنوار الوسائل 1 / 5- 6): (وعلى كل فقد قامت الأدلة من الأخبار المتواترة على حجية الخبر الموثوق بصدوره تعبدا أو إمضاء للسيرة المتعارفة المألوفة بين الناس في اعتبار خبر الواحد الموثوق بصدوره في كل عصر وجيل).

وقد ترتب على هذا الخلاف في حجية خبر الواحد غير المقرون من ناحية شرعية خلاف آخر يرتبط بروايات الآحاد الثقات المذكورة في كتب أصحابنا المعتبرة.

فذهب القائلون بعدم الحجية إلى أنها (أعني الروايات المشار إليها) هي من نوع الخبر المقرون فتفيد العلم.

ومن هنا جاز العمل بها عندهم، وعملوا بها كما يبين - وبوضوح - من استدلالاتهم المختلفة بها في كتبهم وأبحاثهم.

وذهب القائلون بالحجية إلى صلاحيتها للاستدلال بها إذ توفرت على شرائط الصحة التي تفيد الظن بصدورها عن المعصوم.

وتفرع على هذا الخلاف الثاني خلاف ثالث، وهو أن عد القائلون بأن تلكم الروايات المشار إليها هي من نوع الأخبار المقرونة، الحديث المعتبر هو ما أفاد العلم.

وهذا يعني أن الحديث المعتبر عندهم هو الحديث المتواتر والآحاد المقرون فقط. فقد يعبرون عنه بالصحيح أيضا.

كما اعتدوا الحديث الذي لا يفيد العلم بصدوره عن المعصوم - سواء أفاد   الظن أم أقل منه - حديثا غير معتبر، وعبروا عنه بالضعيف أيضا.

ويمكننا أن نلخص هذا بالجدول التالي:

- الحديث = [يفيد العلم (المعتبر = الصحيح) (متواتر - آحاد " مقرون ") - لا يفيد العلم (غير المعتبر = الضعيف)]

- أو نقول: الخبر = [معتبر (= متواتر - آحاد مقرون) - غير معتبر]

وقسم الآخرون القائلون بأن تلكم الروايات فيها ما يفيد العلم وفيها ما لا يفيده الحديث كالتالي:

- الحديث = يفيد العلم (متواتر، آحاد مقرن) - لا يفيد العلم (يفيد الظن - لا يفيد الظن)

- أو نقول:   الحديث = معتبر [مفيد للعلم (متواتر - آحاد مقرون) - مفيد للظن (آحاد غير مقرون)] - غير معتبر

والشيخ الطوسي من أقدم من يمكننا استخلاص هذا التقسيم من بحثه للأخبار، وذلك في كتابه (عدة الأصول).

وهو (أعني الشيخ) من أقدم من جوز التعبد شرعا بخبر الواحد غير المقرون، قال في (العدة 1 / 290): (والذي أذهب إليه: أن خبر الواحد لا يوجب العلم وإن كان يجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا.

وقد ورد جواز العمل به في الشرع، إلا أن ذلك موقوف على طريق مخصوص، وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة، ويختص بروايته، ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره، من العدالة وغيرها).

ويكون بهذا قد خالف أستاذيه المفيد والمرتضى، كما أنه استطاع في هدي ما ذكره من أدلة على رأيه هذا في كتابه (عدة الأصول) وبشكل مفصل ومركز - أن يتغلب رأيه على رأي أستاذيه، ويشتهر بين العلماء، وينتشر في الأوساط العلمية الامامية.

وفي القرن السابع الهجري عندما تركز مركز الحلة العلمي، وراح وبشكل جاد يسهم إسهاما فاعلا في التأليف في مختلف حقول المعرفة الاسلامية التي تدرس في المراكز العلمية الامامية، والتي يحتاج إليها الفقيه في ممارسته لعملية الاجتهاد، ومنها علم الرجال، ألف السيد جمال الدين أحمد بن طاووس الحلي كتابه (حل الاشكال في معرفة الرجال).

وهداه اطلاعه على أحوال الرجال من خلال تجربته العلمية في تأليفه الكتاب المذكور، إلى استخلاص واقع هذه الأحوال وتنويعها تنويعا يلتقي وطبيعة تنويع الأسانيد وفق أحوال الرجال، ذلك أن في رجال الحديث:

أ- الامامي العادل.

ب - الامامي الممدوح.

ج - غير الامامي لكنه موثق.

د- ضعيف الحال أو مجهوله.

ولأنه رأى أن أحوال رجال الأسانيد لا تخرج عن هذه:

1- فقد يأتي سند كل رواته إماميون عدول.

2- وقد يأتي سند كل رواته إماميون، ولكن فيهم المعدل وفيهم الممدوح.

3- وقد يأتي سند رواته من الاماميين المعدلين والممدوحين ومن غير الاماميين إلا أنهم موثقون.

4- وقد يضم السند من هو مجهول الحال أو مضعف.

فعمل - لهذا - على تصنيف الأسانيد إلى أربعة، وسماها: الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف.

وهذا التقسيم يساعد - من ناحية عملية - على سهولة ويسر تقويم رجال السند، ومن ثم تقييم السند.

ولعله إلى هذا هدف السيد ابن طاووس. ولعله لهذا أيضا أكده تلميذه العلامة الحلي.

وسار عليه كل من جاء بعدهما من علماء المدرسة الأصولية.

وفي الطرف الآخر بقي علماء الاخبارية على التقسيم الثنائي الذي تقدم عرضه.

واستمر الوضع العلمي على هذا حتى توقف الدراسات الاخبارية بسبب سيطرة الدراسات الأصولية على المراكز العلمية الامامية، والأبحاث العلمية التي تصدر منها، فتحول المذهب القائل بالتقسيم الثنائي القديم إلى قضية تاريخية تذكر في مجال الدرس التاريخي لتطور البحث في علمي الرجال والحديث.

تقسيمه:

إذا رجعنا إلى تاريخ التشريع الاسلامي لمعرفة متى وضع علم الحديث عند أهل السنة، ومتى وضع علم الحديث عند الشيعة - ويعرف هذا عادة بأول كتاب ألف في هذا العلم - سوف نرى أول كتاب ظهر لأهل السنة في فن مصطلح الحديث - كما يعبرون عنه - وهو كتاب (المحدث الفاضل بين الراوي والواعي) للقاضي أبي محمد حسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360 ه‍.

وذكرت - فيما تقدم - أن أقدم مؤلف إمامي في هذا العلم أشير إليه وهو كتاب (شرح أصول دراية الحديث) للسيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النجفي النيلي من علماء المائة الثامنة.

وهذا يعني أن أهل السنة كانوا أسبق تاريخيا في تدوين علم الحديث.

وسبب هذا أن أهل السنة يعتمدون - كما هو معلوم - على الحديث المروي عن طريق الصحابة. ولأن الصحابة انتهى آخر أجيالهم بانتهاء القرن الأول الهجري، وانتهى من بعدهم التابعون وتابعو التابعين بانتهاء القرن الثالث الهجري.

وبانتهاء هؤلاء اختفت القرائن التي كانوا يعتمدون عليها في الوثوق بصحة الحديث، فعادوا أحوج ما يكونون إلى وضع قواعد وضوابط للتوثق من صحة الحديث، فاتجهوا إلى تحقق هذا في بدايات القرن الرابع الهجري.

ولأن استمرار اتصال الشيعة بالأئمة لم ينته إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، فاعتمدوا حينها على مدونات الحديث التي كتبت في عهود الأئمة.

واستمرت هذه المدونات موجودة بما صاحبها من قرائن الوثوق حتى عصر المحقق الحلي المتوفى سنة 676 ه‍، حيث اختفت باختفائها قرائن الوثوق فأصبحت الحاجة عند الشيعة ماسة لوضع علم الحديث.

ومن المعروف - تاريخيا - أن المتأخر يستفيد من تجارب المتقدم منهجيا وفنيا، وهذا ما لحظناه في كتاب (الدراية)، للشهيد الثاني، وهو أقدم كتاب في علم الحديث وصل إلينا، فقد تأثر من ناحية منهجية وفنية بمؤلفات علماء السنة في علم الحديث.

وهذا التأثير منه أدى إلى أن يذكر من أقسام الحديث ما لا مصاديق له في حديثنا أمثال بعض أقسام الضعيف.

ومع أنه أبقى مثل هذه إلا أنه من ناحية أخرى أجاد في إضافته ما هو موجود عندنا غير موجود عندهم كالموثق والمضمر وغيرهما. وسار على خطته كل من جاء بعده.

فرأيت - لهذا - أن أقتصر على ما هو موجود في حديثنا ومكرر ذكره في كتب فقهنا الاستدلالية، وهو كما في الجدول التالي: خبر الواحد = المسند [باعتبار ذكر اسم المروي عنه (المضمر " المقطوع " - المصرح " الموصول ") - باعتبار عدد الرواة (المستفيض - المشهور) - باعتبار قيمة الرواة (الصحيح - الحسن - الموثق - الضعيف " المقبول - المردود "] - المرسل   المسند تعريفه: المسند: هو ما ذكر فيه جميع رواته.

أو قل: هو ما تمت فيه سلسلة رواته.

ونعطي له مثالا ما نقله الشيخ ابن إدريس في كتابه (مستطرفات السرائر) - ص 39- عن كتاب أبان بن تغلب الكوفي: (قال أبان: حدثني القاسم بن عروة البغدادي عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما تقول في قتل الذر ؟قال: فقال (ع): اقتلهن، آذينك أو لم يؤذينك).

وأكثر ما في كتبنا، ولا سيما القديم منها هو من الأحاديث المسانيد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- أصول الحديث وأحكامه 35.

2- أصول الفقه للمظفر 2 / 69.

3- م. س 70.

4- م. ن.

5- م. س 74.

6- الوسائل: صفات القاضي.

7- أصول الفقه للمظفر 2 / 83.

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)