أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
500
التاريخ: 10-8-2016
1444
التاريخ: 2-9-2016
928
التاريخ: 2-9-2016
441
|
اختلف العلماء في أنّ اللغات توقيفيّة أو اصطلاحيّة؟
فذهب بعضهم إلى أنّها توقيفيّة (1) ، أي وضعها الله تعالى ، ووقّفنا عليه بالوحي إلى الأنبياء ، أو بخلق أصوات تدلّ عليه ، وأسمعها واحدا أو جماعة ، أو بخلق علم ضروريّ بها.
وذهب بعضهم إلى أنّها اصطلاحيّة (2) ، يعني أنّ واضعها البشر واحدا أو جماعة ثمّ حصل التعريف باعتبار الإشارة ، والتكرار ، والترديد بالقرائن ، كما في الأطفال يتعلّمون اللغات.
وذهب بعض إلى أنّ القدر المحتاج إليه في معرفة الاصطلاح توقيفيّ والباقي اصطلاحيّ (3).
وذهب جمع إلى التوقّف (4).
والحقّ المذهب الثاني ؛ لأنّا نعلم بالبداهة أنّ كثيرا من اللغات حدثت من الناس في وقت لم يكن بينهم نبيّ ، ولم يدّع أحد استماع صوت ، ولا علما ضروريّا بأنّ هذا موضوع لذاك.
نعم ، يمكن القول بإلهام بعض الناس بأن يضع (5) هذا اللفظ لهذا المعنى ، لا بأنّ هذا اللفظ وضعه الله لهذا المعنى ؛ لأنّه لم يدّع أحد ذلك ، ولو كان الأمر كذلك لسمع أو نقل ادّعاؤه من أحد.
وبالجملة ، هذا خلاف المعتاد ، ونحن نرى أنّ لغة واحدة تتغيّر بحيث تخرج عن الوضع الأوّل، كما هو ظاهر من لغة العرب والفرس ، وهذا التغيير والتبديل لا شكّ في استناده إلى البشر. وبالجملة ، استناد وضع اللغات إلى البشر أمر يدلّ عليه الوجدان ، ويقتضيه المشاهدة والعيان.
واستدلّ على هذا المذهب أيضا بقوله تعالى :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4].
ووجه الاستدلال به : أنّه دلّ على أنّ لكلّ قوم لغة سابقة على إرسال الرسول إليهم.
والتوقيف يقتضي كون اللغات مسبوقة بإرسال الرسل (6).
وأجيب عنه : بمنع استلزم التوقيف مسبوقيّة اللغات بالإرسال ؛ فإنّ الله علّم آدم اللغات ـ كما تدلّ عليه آية التعليم (7) ـ وعرّفها آدم لذرّيّته ، ولمّا جاء كلّ رسول إلى قومه ، كان لهم لغة ، وأمّا آدم فلم يكن له قوم حتّى يدخل في عموم الآية (8).
وأنت ستعلم اندفاع هذا الجواب بعد ما نردّ استدلال أهل التوقيف بآية التعليم.
هذا ؛ واستدلّ أهل التوقيف على مذهبهم بآيتين : آية تعليم الأسماء (9) ، وقوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22].
ووجه الاستدلال بالآية الاولى ظاهر.
والجواب عنها : أنّ المراد بالأسماء حقائق الأشياء بدليل الضمير (10) ، أو المراد منها أسماء الله الحسنى.
ويمكن أن يقال : المراد بالتعليم إلهام آدم وإقداره على وضع الألفاظ بإزاء المعاني.
ووجه الاستدلال بالآية الثانية أنّه لا يمكن أن يراد من « الألسنة » معناها الحقيقي ـ أعني العضويّ المخصوص ـ إذ ليس فيه كثير اختلاف ، فلا بدّ أن يراد منها معناها المجازي ، وهو اللغات ، فيكون المعنى : ومن آياته خلق اللغات المختلفة وتوقيف الناس عليها.
والجواب عنه : أنّه إذا تعيّن الحمل على المجاز ، يمكن أن يراد مجاز آخر ، وهو أن يراد بخلق الألسنة إقدار الناس على وضع اللغات ، وليس إرادة أحد المجازين أولى من إرادة الآخر.
وبما ذكرنا ظهر بطلان المذهبين الآخرين.
إذا علمت الحقّ في هذه القاعدة ، فاعلم أنّه يتفرّع عليها فروع.
منها : المسألة المعروفة بـ « مسألة مهر السرّ والعلانية » وهي ما إذا تزوّج رجل امرأة بألف درهم ، واصطلحا على تسمية الألفين بالألف (11).
وكيفيّة التفريع أنّه بناء على التوقيف يلزم الألف ، ولا مدخليّة للاصطلاح وعلى المذهب الحقّ تصير المسألة خلافيّة ، بناء على أنّ المناط هل الاصطلاح اللغوي السابق ، أو الاصطلاح الحادث؟
والحقّ : أنّه إن اعتبر اللفظ والقصد معا في العقود يكون العقد باطلا ، وإن لم يعتبر القصد فالمناط الاصطلاح السابق ، ولا يقاومه الاصطلاح الطارئ ، فيلزم الألف.
وكذا الحال في كلّ عقد اصطلاح المتبايعان أو أحدهما على تسمية العوضين أو أحدهما بغير اسمه المعروف ، بل يمكن التأتّي في غير العقود أيضا.
وكيفيّة التفريع في الجميع على ما ذكرنا.
_____________
(1) منهم : ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 32 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 111.
(2) نسبه الفخر الرازي إلى أبي هاشم في المحصول 1 : 182.
(3) نسبه الآمدي إلى الإسفرايني في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 111.
(4) نسبه الفخر الرازي إلى جمهور المحقّقين في المحصول 1 : 182 وهو مختاره أيضا في ص 192.
(5) في « أ » : « يوضع ».
(6) نسبه الفخر الرازي إلى أبي هاشم وأتباعه في المحصول 1 : 187 ـ 188.
(7) راجع المحصول 1 : 192.
(8) وهي قوله تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]
(9) حكاه عنهم الفخر الرازي في المحصول 1 : 184 و 185. والآية 22 من سورة الروم
(10) والمراد به ضمير الجمع المذكّر في ( عَرَضَهُمْ ). والأولى الاستدلال بقوله تعالى : ( بِأَسْماءِ هؤُلاءِ).
(11) كذا في النسختين. ولكن في التمهيد للإسنوي : 138 ، وتمهيد القواعد : 82 ، القاعدة 18: « تسمية الألف بألفين » وهو الصحيح.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
البحرين تفوز بجائزة أفضل وجهة للمعارض والمؤتمرات
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|