أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
507
التاريخ: 4-9-2016
640
التاريخ: 2-9-2016
518
التاريخ: 2-9-2016
766
|
في أنّ الأصل في الأشياء الإباحة قبل ورود الشرع. وإليه ذهب المعظم (1). وقيل بالتوقّف مطلقا (2). وقيل به فيما احتمل الحرمة ولم يكن من الشبهة في طريق الحكم ، وفي غيره الحكم فيه الإباحة (3). وقيل بوجوب الاحتياط (4).
والأكثر على أنّ القائل بالاحتياط هو القائل بالتوقّف ؛ فإنّه يتوقّف في الفتوى والحكم ، ويحتاط في العمل. وليس القول به مذهبا على حدة ، ويأتي (5) حقيقة الحال فيه.
وقيل بالحرمة ظاهرا (6). وقيل به واقعا (7). ومحلّ الخلاف الأفعال الاختياريّة. وأمّا الاضطراريّة : فالأصل فيها الإباحة وفاقا.
لنا : استفاضة الأخبار بإطلاق كلّ شيء حتّى يرد فيه نهي (8) ، وبعدم المؤاخذة قبل البيان (9) ، وبأنّه لن يكلّف الله نفسا إلاّ ما آتاها (10) ، وبعدم قيام الحجّة قبل المعرفة (11) ، وبعدم تعلّق التكليف بمن لا يعقل ، كالمجانين والصبيان وأمثالهما (12) ، وتعلّقه بهم يوم القيامة.
ولنا : قوله تعالى : {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة: 29] دلّ على إباحة جميع أفراد
الانتفاع في جميع ما في الأرض إلاّ ما ثبت من خارج ؛ لأنّ المقام مقام امتنان (13) ، واللام يقتضي الاختصاص بجهة الانتفاع ، ولفظة « ما » ظاهرة في العموم.
وقوله : {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ.... } [البقرة: 173] دلّ بمفهوم الحصر على إباحة غير ما ذكر.
وقوله : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]. وحمل « من » على التبعيضيّة ، وإرادة بعض معيّن أو مبهم لا يناسب مقام الامتنان ، وإرادة بعض لم يثبت حرمته يثبت المطلوب.
وقوله تعالى : {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] والمراد بـ « الطيّب » ما يستطاب طبعا لا الحلال ، وإلاّ لزم التكرار ، وهو يقتضي حلّ المنافع بأسرها.
وقوله : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] إنكار على من حرّم الزينة والرزق الطيّب ، فيثبت الإباحة في كلّ ما يصدق عليه الزينة والطيّب.
وقوله : {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145] وجه الاستدلال به ظاهر. وفيه إشعار بأنّ إباحة الأشياء مركوزة في العقل قبل الشرع ؛ لأنّه في صورة (14) الاحتجاج على الحلّ بعدم وجدان التحريم إلاّ للأشياء الخاصّة.
وقوله : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } [الأنعام: 151] الآية دلّ باعتبار إفادة « ما » للعموم على إباحة ما سوى المتلوّ عليهم.
وقوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ } [الأعراف: 33] ووجه الاحتجاج به ظاهر.
وقوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15]
وقوله : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]
وقوله : {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42]
وقوله : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] ، ووجه الاحتجاج بها ظاهر.
ولنا : حكم العقل بقبح التكليف من غير بيان ؛ لاستلزامه تكليف ما لا يطاق ، والإجماع المعلوم بالتتبّع ، ونقل غير واحد من أجلّة الأصحاب (15). قال المحقّق :
إنّ أهل الشرائع كافّة لا يخطّئون من بادر إلى تناول شيء من المشتهيات ، سواء علم الإذن فيها من الشرع أو لم يعلم ، ولا يوجبون عليه عند تناول شيء من المآكل أن يعلم التنصيص على إباحته ، ويعذرونه في كثير من المحرّمات إذا تناولها من غير علم ، ولو كانت محظورة لأسرعوا إلى تخطئته حتّى يعلم الإذن (16).
فإن قلت : مقتضى هذه الأدلّة أنّه لا سبيل للعقل إلى إدراك الأحكام الشرعيّة ، وهذا ينافي ما اخترت فيما سبق (17) من استقلال العقل في إدراك الوجوب والحرمة العقليّين ، واستلزامهما للوجوب والحرمة الشرعيّين.
قلت : قد سبق (18) منّا أنّ أمثال هذه الأدلّة لا تفيد أكثر من أنّه لا حكم للعقل فيما لا يقتضي فيه بحسن وقبح ، وهو محلّ الخلاف.
احتجّ المتوقّف بالأخبار الحاصرة بين أقسام ثلاثة :
[ الاولى : ] الدالّة على التثليث (19) ولزوم الكفّ والتثبّت عند الشبهة (20).
و[ الثانية : ] الدالّة على المنع عن القول بغير علم (21).
ويدلّ عليه بعض الآيات أيضا كقوله تعالى : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ} [الإسراء: 36] إلخ. وقوله : {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ} [النساء: 171] إلخ. وما لم يرد به الشرع شبهة ، والحكم فيه بالإباحة قول بغير علم.
و[ الثالثة : ] الدالّة على أنّ لله في كلّ واقعة حكما مخزونا عند أهله (22) ، والقول بالإباحة فيما لا نعلمه ينافيه (23).
والجواب عن الأوّل : منع كون ما لا نصّ فيه شبهة ؛ لأنّ المراد من الشبهة في أخبار التثليث ما تعارض [ فيه ] النصّان ؛ لأنّها وردت فيه ، ولو كانت الأخبار الدالّة على الوقف فيما تعارض فيه النصّان دالّة على الوقف فيما لا نصّ فيه ، لكانت الأخبار الدالّة على التوسعة في الأوّل دالّة على الإباحة في الثاني ؛ لأنّ التوسعة في معنى الإباحة.
ومع التسليم نقول : إنّ هذه الأخبار كالصريحة في أنّ الشبهة ليست من المحرّمات ، فلا يكون اجتنابها واجبا ، بل المفهوم منها أنّها لمّا كانت ممّا يفضي إلى ارتكاب المحرّم يكون اجتنابها مستحبّا وارتكابها مكروها.
وما ورد في بعضها من أنّه من ارتكبها ارتكب الحرام أو هلك (24) ومثله ، فالمراد منه الإشراف على الارتكاب والهلاك ، ومثله متعارف في المحاورات ، كما يقال : من سافر وحده ضلّ عن الطريق ، أو أكله السبع.
والجواب عن الثاني : أنّ القول بالإباحة ليس قولا بغير علم بعد دلالة الأدلّة المتقدّمة (25).
و [ الجواب ] عن الثالث : أنّ ثبوت حكم لكلّ واقعة في الواقع لا ينافي براءة ذمّتنا ، وعدم تكليفنا به إذا لم يبلغنا ؛ لأنّ التكليف لا يكون إلاّ بعد البيان.
ولو قطع النظر عن ذلك كلّه وقلنا بدلالتها على مطلوبهم ، نقول : الترجيح لأخبار الإباحة ؛ لأكثريّتها ، واعتضادها بالكتاب والعقل والإجماع.
واحتجّ القائل بالاحتياط باستفاضة الأخبار بالأخذ به ، وبأنّ شغل الذمّة اليقينيّ يحتاج إلى البراءة اليقينيّة (26).
والجواب عن الأخبار : أنّها محمولة على الاستحباب ؛ جمعا بين الأدلّة ، وبعضها صريح فيه.
و[ الجواب ] عن الثاني : منع ثبوت شغل الذمّة اليقيني فيما نحن فيه. وسيأتي تحقيق القول في الاحتياط (27).
ثمّ الحقّ ـ على ما يستفاد من موارد الاحتياط والتوقّف ـ : أنّ الاحتياط يختلف في الموارد كما يأتي (28) ، فربّ مورد يكون الاحتياط فيه الترك ، وربّ مورد يكون الاحتياط فيه ارتكاب فعل واحد أو أفعال متعدّدة ، وليس هو مجرّد ارتكاب أمر محتمل للوجوب وحكم آخر ما عدا التحريم ، كما فهمه بعض المتأخّرين (29).
والتوقّف إمّا في القول ، وهو الكفّ عن الفتوى والحكم. وإمّا في العمل ، وهو ترك الأمر المحتمل للحرمة وحكم آخر من الأحكام الخمسة ، فهو أخصّ مطلقا من الاحتياط. والظاهر أنّ المتوقّف يرتكب الفعل فيما يحتمل الوجوب وغيره من الأحكام سوى الحرمة وإن لم يكن هو معنى التوقّف. والمحتاط يكفّ عن الفتوى والحكم ، فيتّحد القول بالتوقّف والاحتياط عند التحقيق. وحينئذ يصير أدلّة كلّ من الاحتياط والتوقّف معاضدة لأدلّة الآخر ، إلاّ أنّ الجميع لا يقاوم أدلّة القول بالإباحة ، كما عرفت وجهه.
واحتجّ المحرّم بأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، وهو قبيح (30).
وجوابه : أنّ الإذن معلوم ، أمّا عقلا ؛ فلأنّه لا ضرر على المالك ، كالاستضلال بحائط الغير ، وأخذ أحبّ مملوك قطرة من بحر لا ينزف لمولاه المتّصف بغاية الجود. والتقريب واضح.
وأمّا شرعا ؛ فلما عرفت. ولو كانت الأشياء على الحصر وفرض ضدّان لا ثالث لهما ، لزم التكليف بالمحال.
إذا تقرّر ذلك فالفروع له كثيرة :
منها : إباحة شرب التتن.
ومنها : إذا وقعت واقعة ولم يوجد من يفتي فيها ، فعلى القاعدة يلزم الرجوع إلى ما يقتضيه أصل الإباحة ، والحكم بعدم التكليف ، وقس عليهما أمثالهما.
______________
(1) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 325 ، والعدّة في أصول الفقه 2 : 742 ، والمستصفى : 51.
(2) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 324 ، والفخر الرازي إلى أبي الحسن الأشعري وأبي بكر الصيرفي وطائفة من الفقهاء في المحصول 1 : 159.
(3) حكاه الآمدي عن المعتزلة في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 130.
(4) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 325 و 326 ، والعدّة في أصول الفقه 2 : 741 و 742 ، والمحصول 1 : 158 و 159 ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1 : 52 ، والإحكام في أصول الأحكام 1 : 130 ـ 133.
(5) يأتي في ص 391.
(6 و 7) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 325 و 326 ، والعدّة في أصول الفقه 2 : 741 و 742 ، والمحصول 1 : 158 و 159 ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1 : 52.
(8) الفقيه 1 : 317 ، ح 937 ، ووسائل الشيعة 6 : 289 ، أبواب القنوت ، الباب 19 ، ح 3.
(9) الكافي 1 : 164 ، باب حجج الله على خلقه ، ح 4.
(10) المصدر : 163 ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ، ح 5.
(11) المصدر : 164 ، باب حجج الله على خلقه ، ح 4.
(12) بحار الأنوار 5 : 303 ، ح 13.
(113) كذا في النسختين. والأولى : « الامتنان ».
(14) كذا في النسختين. ولعلّه : « صدد ».
(15) راجع : العدّة في أصول الفقه 2 : 742 ، وتهذيب الوصول : 55 ، ومعارج الاصول : 204.
(16) معارج الاصول : 205 و 206.
(17 و 18) تقدّم في ص 102 ـ 103.
(19) الكافي 1 : 66 ، باب اختلاف الحديث ، ح 7.
(20) المصدر ، ح 10 ، وتهذيب الأحكام 5 : 466 ، ح 1631.
(21) الكافي 1 : 42 ، باب النهي عن القول بغير علم ، ح 1 و 2.
(22) راجع وسائل الشيعة 27 : 24 و 25 أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، ح 12 : « العلم مخزون عند أهله ... ».
(23) قال الفاضل التوني في الوافية : 187.
(24) تقدّم في ص 389.
(25) تقدّمت في ص 387 ـ 388.
(26) حكاه الفاضل التوني في الوافية : 191 ـ 192.
(27 و 28) يأتيان في ص 426.
(29) قاله الفاضل التوني في الوافية : 192.
(30) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 337 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 56.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|