أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-01
339
التاريخ: 24-11-2014
5618
التاريخ: 9-06-2015
4944
التاريخ: 9-11-2014
4989
|
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[البقرة : 153-157]
يتبين بالتدبر في الآية، و سائر الآيات التي ذكرناها حقيقة أخرى أوسع من ذلك، و هي تجرد النفس، بمعنى كونها أمرا وراء البدن و حكمها غير حكم البدن و سائر التركيبات الجسمية، لها نحو اتحاد بالبدن تدبرها بالشعور و الإرادة و سائر الصفات الإدراكية، و التدبر في الآيات السابقة الذكر يجلي هذا المعنى فإنها تفيد أن الإنسان بشخصه ليس بالبدن، لا يموت بموت البدن، و لا يفنى بفنائه، و انحلال تركيبه و تبدد أجزائه، و أنه يبقى بعد فناء البدن في عيش هنيء دائم، و نعيم مقيم، أو في شقاء لازم، و عذاب أليم، و أن سعادته في هذه العيشة، و شقاءه فيها مرتبطة بسنخ ملكاته و أعماله، لا بالجهات الجسمانية و الأحكام الاجتماعية.
فهذه معان تعطيها هذه الآيات الشريفة، و واضح أنها أحكام تغاير الأحكام الجسمانية، و تتنافى الخواص المادية الدنيوية من جميع جهاتها، فالنفس الإنسانية غير البدن.
و مما يدل عليه من الآيات قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} [الزمر: 42] ، و التوفي و الاستيفاء هو أخذ الحق بتمامه و كماله، و ما تشتمل عليه الآية: من الأخذ و الإمساك و الإرسال ظاهر في المغايرة بين النفس و البدن.
و من الآيات قوله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 10، 11] ، ذكر سبحانه شبهة من شبهات الكفار المنكرين للمعاد، و هو أنا بعد الموت و انحلال تركيب أبداننا تتفرق أعضاؤنا، و تبدد أجزاؤنا، و تتبدل صورنا فنضل في الأرض، و يفقدنا حواس المدركين، فكيف يمكن أن نقع ثانيا في خلق جديد؟ و هذا استبعاد محض، و قد لقن تعالى على رسوله: الجواب عنه، بقوله: قل: (يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) الآية، و حاصل الجواب أن هناك ملكا موكلا بكم هو يتوفاكم و يأخذكم، و لا يدعكم تضلوا و أنتم في قبضته و حفاظته، و ما تضل في الأرض إنما هو أبدانكم لا نفوسكم التي هي المدلول عليها بلفظ كم فإنه يتوفاكم.
و من الآيات قوله تعالى: "و نفخ فيه من روحه" الآية: السجدة - 9، ذكره في خلق الإنسان ثم قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85] ، فأفاد أن الروح من سنخ أمره، ثم عرف الأمر في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [يس: 82، 83] فأفاد أن الروح من الملكوت، و أنها كلمة كن ثم عرف الأمر بتوصيفه بوصف آخر بقوله: "و ما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر": القمر - 50، و التعبير بقوله: (كلمح بالبصر) يعطي أن الأمر الذي هو كلمة كن موجود دفعي الوجود غير تدريجية، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده و تقييده بزمان أو مكان، و من هنا يتبين أن الأمر - و منه الروح شيء غير جسماني و لا مادي فإن، الموجودات المادية الجسمانية من أحكامها العامة أنها تدريجية الوجود، مقيدة بالزمان و المكان، فالروح التي للإنسان ليست بمادية جسمانية، و إن كان لها تعلق بها.
و هناك آيات تكشف عن كيفية هذا التعلق، فقد قال تعالى: "منها خلقناكم": طه - 55، و قال تعالى: "خلق الإنسان من صلصال كالفخار": الرحمن - 14 و قال تعالى " وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ": السجدة 7- 8، ثم قال: سبحانه و تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 12 - 14] ، فأفاد أن الإنسان لم يكن إلا جسما طبيعيا يتوارد عليه صور مختلفة متبدلة، ثم أنشأ الله هذا الذي هو جسم جامد خامد خلقا آخر ذا شعور و إرادة، يفعل أفعالا: من الشعور و الإرادة و الفكر و التصرف في الأكوان، و التدبير في أمور العالم بالنقل و التبديل و التحويل إلى غير ذلك مما لا يصدر عن الأجسام و الجسمانيات، فلا هي جسمانية، و لا موضوعها الفاعل لها.
فالنفس بالنسبة إلى الجسم الذي ينتهي أمره إلى إنشائها - و هو البدن الذي تنشأ منه النفس - بمنزلة الثمرة من الشجرة و الضوء من الدهن بوجه بعيد، و بهذا يتضح كيفية تعلقها بالبدن ابتداعا، ثم بالموت تنقطع العلقة، و تبطل المسكة، فهي في أول وجودها عين البدن، ثم تمتاز بالإنشاء منه، ثم تستقل عنه بالكلية فهذا ما تفيده الآيات الشريفة المذكورة بظهورها: و هناك آيات كثيرة تفيد هذه الحقيقة بالإيماء و التلويح، يعثر عليها المتدبر البصير، و الله الهادي.
قوله تعالى: (و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات)، لما أمرهم الله بالاستعانة بالصبر و الصلاة، و نهاهم عن القول بموت من يقتل منهم في سبيل الله بل هم أحياء بين لهم السبب الذي من أجله خاطبهم بما خاطب، و هو أنهم سيبتلون بما لا يتمهد لهم المعالي و لا يصفو لهم الأمر في الحياة الشريفة، و الدين الحنيف إلا به، و هو الحرب و القتال، لا يدور رحى النصر و الظفر على مرادهم إلا أن يتحصنوا بهذين الحصنين و يتأيدوا بهاتين القوتين، و هما الصبر و الظفر، و يضيفوا إلى ذلك ثالثا و هو خصلة ما حفظها قوم إلا ظفروا بأقصى مرادهم و حازوا الغاية القصوى من كمالهم، و اشتد بأسهم و طابت نفسهم، و هو الإيمان بأن القتيل منهم غير ميت و لا فقيد، و أن سعيهم بالمال و النفس غير ضائع و لا باطل، فإن قتلوا عدوهم فهم على الحياة، و قد أبادوا عدوهم و ما كان يريده من حكومة الجور و الباطل عليهم - و إن قتلهم عدوهم فهم على الحياة - و لم يتحكم الجور و الباطل عليهم، فلهم إحدى الحسنيين على أي حال.
و عامة الشدائد التي يأتي بها هو الخوف و الجوع و نقص الأموال و الأنفس فذكرها الله تعالى، و أما الثمرات فالظاهر أنها الأولاد، فإن تأثير الحرب في قلة النسل بموت الرجال و الشبان أظهر من تأثيره في نقص ثمرات الأشجار، و ربما قيل: إن المراد ثمرات النخيل، و هي التمر و المراد بالأموال غيرها و هي الدواب من الإبل و الغنم.
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 155، 156] أعاد ذكر الصابرين ليبشرهم أولا، و يبين كيفية الصبر بتعليم ما هو الصبر الجميل ثانيا، و يظهر به حق الأمر الذي يقضي بوجوب الصبر - و هو ملكه تعالى للإنسان - ثالثا، و يبين جزاءه العام - و هو الصلاة و الرحمة و الاهتداء - رابعا فأمر تعالى نبيه أولا بتبشيرهم، و لم يذكر متعلق البشارة لتفخيم أمره فإنها من الله سبحانه فلا تكون إلا خيرا و جميلا، و قد ضمنها رب العزة، ثم بين أن الصابرين هم الذين يقولون: كذا و كذا عند إصابة المصيبة، و هي الواقعة التي تصيب الإنسان، و لا يستعمل لفظ المصيبة إلا في النازلة المكروهة، و من المعلوم أن ليس المراد بالقول مجرد التلفظ بالجملة من غير حضور معناها بالبال، و لا مجرد الإخطار من غير تحقق بحقيقة معناها، و هي أن الإنسان مملوك لله بحقيقة الملك، و أن مرجعه إلى الله سبحانه و به يتحقق أحسن الصبر الذي يقطع منابت الجزع و الأسف، و يغسل رين الغفلة.
بيانه أن وجود الإنسان و جميع ما يتبع وجوده، من قواه و أفعاله قائم الذات بالله الذي هو فاطره و موجده فهو قائم به مفتقر و مستند إليه في جميع أحواله من حدوث و بقاء غير مستقل دونه، فلربه التصرف فيه كيف شاء و ليس للإنسان من الأمر شيء إذ لا استقلال له بوجه أصلا فله الملك في وجوده و قواه و أفعاله حقيقة.
ثم إنه تعالى ملكه بالإذن نسبة ذاته، و من هناك يقال: للإنسان وجود، و كذا نسبة قواه و أفعاله و من هناك يقال: للإنسان قوى كالسمع و البصر، و يقال: للإنسان أفعال كالمشي و النطق، و الأكل و الشرب، و لو لا الإذن الإلهي لم يملك الإنسان و لا غيره من المخلوقات نسبة من هذه النسب الظاهرة، لعدم استقلال في وجودها من دون الله أصلا.
و قد أخبر سبحانه: أن الأشياء سيعود إلى حالها قبل الإذن و لا يبقى ملك إلا لله وحده، قال تعالى: "لمن الملك اليوم. لله الواحد القهار": المؤمن - 16، و فيه رجوع الإنسان بجميع ما له و معه إلى الله سبحانه.
فهناك ملك حقيقي هو لله سبحانه لا شريك له فيه، لا الإنسان و لا غيره، و ملك ظاهري صوري كملك الإنسان نفسه و ولده و ماله و غير ذلك و هو لله سبحانه حقيقة، و للإنسان بتمليكه تعالى في الظاهر مجازا، فإذا تذكر الإنسان حقيقة ملكه تعالى، و نسبه إلى نفسه فوجد نفسه ملكا طلقا لربه، و تذكر أيضا أن الملك الظاهري فيما بين الإنسان و من جملتها ملك نفسه لنفسه و ماله و ولده سيبطل فيعود راجعا إلى ربه وجد أنه بالآخرة لا يملك شيئا أصلا لا حقيقة و لا مجازا، و إذا كان كذلك لم يكن معنى للتأثر عن المصائب الموجبة للتأثر عند إصابتها، فإن التأثر إنما يكون من جهة فقد الإنسان شيئا مما يملكه، حتى يفرح بوجدانه، و يحزن بفقدانه، و أما إذا أذعن و اعتقد أنه لا يملك شيئا لم يتأثر و لم يحزن، و كيف يتأثر من يؤمن بأن الله له الملك وحده يتصرف في ملكه كيف يشاء؟.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
جراح في مستشفى الكفيل: نسعى دائمًا إلى تطوير العمل لإجراء العمليات المتقدمة
|
|
|