أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
2003
التاريخ: 26-11-2014
1396
التاريخ: 14-06-2015
2950
التاريخ: 5-11-2014
2222
|
قد علم كل عاقل جرب الامور ، وعرف مجاريها أن الذي يبني أمره على الكذب والافتراء في تشريعه وأخباره ، لا بد من أن يقع منه التناقض والاختلاف ، ولا سيما إذا تعرض لكثير من الامور المهمة في التشريع والاجتماع والعقائد ، والنظم الاخلاقية المبتنية على أدق القواعد ، وأحكم الاسس ، ولا سيما إذا طالت على ذلك المفتري أيام ، ومرت عليه أعوام. نعم لا بد من أن يقع في التناقض والتهافت من حيث يريد أو لا يريد ، لان ذلك مقتضى الطبع البشري الناقص إذا خلا من التسديد. وقد قيل في المثل المعروف : لا حافظة لكذوب.
وقد تعرض القرآن الكريم لمختلف الشؤون ، وتوسع فيها أحسن التوسع فبحث في الالهيات ومباحث النبوات ، ووضع الاصول في تعاليم الاحكام والسياسات المدنية ، والنظم الاجتماعية ، وقواعد الاخلاق. وتعرض لأمور أخرى تتعلق بالفلكيات والتاريخ ، وقوانين السلم والحرب ، ووصف الموجودات السماوية والارضية من ملك وكواكب ورياح ، وبحار ونبات وحيوان وإنسان ، وتعرض لأنواع الامثال ، ووصف أهوال القيامة ومشاهدها فلم توجد فيه أية مناقضة ولا أدنى اختلاف ولم يتباعد عن أصل مسلم عند العقل والعقلاء. وربما يستعرض الحادثة الواحدة مرتين أو أكثر ، فلا تجد فيه أقل تهافت وتدافع. وإليك قصة موسى عليه السلام ، فقد تكررت في القرآن مرارا عديدة ، وفي كل مرة تجد لها مزية تمتاز بها من غير اختلاف في جوهر المعنى.
وإذا عرفت أن الآيات نزلت نجوما متفرقة على الحوادث ، علمت أن القرآن روح من أمر الله ، لان هذا التفرق يقتضي بطبعه عدم الملائمة والتناسب حين يجتمع . ونحن نرى القرآن معجزا في كلتا الحالتين ، نزل متفرقا فكان معجزا حال تفرقه ، فلما اجتمع حصل له إعجاز آخر. وقد أشار إلى هذا النحو من الاعجاز قوله تعالى :
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] .
وهذه الآية تدل الناس على أمر يحسونه بفطرتهم ، ويدركونه بغريزتهم ، وهو أن من يعتمد في دعواه على الكذب والافتراء لا بد له من التهافت في القول ، والتناقض في البيان ، وهذا شيء لم يقع في الكتاب العزيز.
والقرآن يتبع هذه الخطة في كثير من استدلالاته واحتجاجاته ، فيرشد الناس إلى حكم الفطرة ، ويرجعهم إلى الغريزة ، وهي أنجح طريقة في الارشاد ، وأقربها إلى الهداية. وقد أحست العرب بهذه الاستقامة في أساليب القرآن ، واستيقنت بذلك بلغاؤهم. وإن كلمة الوليد بن المغيرة في صفة القرآن تفسر لنا ذلك ، حيث قال ـ حين سأله أبو جهل أن يقول في القرآن قولا :
« فما أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم في الاشعار مني ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله إن لقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو ولا يعلى.
قال أبو جهل : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قال الوليد : فدعني حتى افكر فيه فلما فكر. قال : هذا سحر يأثره عن غيره » (1).
وفي بعض الروايات قال الوليد :
« والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الانس ومن كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر (2) ...
وإذا أردت أن تحس ذلك من نفسك فانظر إلى الكتب المنسوبة إلى الوحي ، فانك تجدها متناقضة المعاني ، مضطربة الاسلوب ، لا تنهض ولا تتماسك. وإذا نظرت إلى كتب العهدين ، وما فيها من تضارب وتناقض تجلت لك حقيقة الامر ، وبان لك الحق من الباطل. وهنا نذكر أمثلة مما وقع في الاناجيل من هذا الاختلاف :
1 ـ في الاصحاح الثاني عشر من إنجيل متى ، والحادي عشر من لوقا : إن المسيح قال : من ليس معي فهو علي ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق. وقال في التاسع من مرقس ، والتاسع من لوقا : من ليس علينا فهو معنا.
2 ـ وفي التاسع عشر من متى ، والعاشر من مرقس ، والثامن عشر من لوقا : إن بعض الناس قال للمسيح : أيها المعلم الصالح. فقال : لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله. وفي العاشر من يوحنا أنه قال : أنا هو الراعي الصالح ... أما أنا فإني الراعي الصالح.
3 ـ وفي السابع والعشرين من متى قال : كان اللصان اللذان صلبا معه ـ المسيح ـ يعيرانه ، وفي الثالث والعشرين من لوقا : وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلا : إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا ، فأجاب الآخر وانتهره قائلا : أولا أنت تخاف الله؟ إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه.
4 ـ وفي الاصحاح الخامس من انجيل يوحنا : إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقا. وفي الثامن من هذا الانجيل نفسه أنه قال : وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق. هذه نبذة مما في الاناجيل ـ على ما هي عليه من صغر الحجم ـ من التضارب والتناقض. وفيها كفاية لمن طلب الحق ، وجانب التعصب والعناد (3).
______________________
1 ـ تفسير الطبري ج 29 ص 98.
2 ـ تفسير القرطبي ج 19 ص 72.
3. وللزيادة راجع كتابي « الهدى والرحلة المدرسية » لشيخنا البلاغي 1 وكتابنا « نفحات الاعجاز ».
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|