المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16575 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آفات التفسير بالمأثور : الاسرائيليات في التفسير والحديث  
  
2997   05:51 مساءاً   التاريخ: 14-10-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب
الجزء والصفحة : ج2 ، ص594-607.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الأثري أو الروائي /

كانت العرب منذ اول يومها تزعم من اهل الكتاب ، ولاسيما اليهود القاطنين بين اظهرهم ، اهل دين وثـقـافة ومعرفة بشؤون الحياة ، ومن ثم كانوا يراجعونهم فيما تتوق اليه نفوسهم في معرفة شؤون الـخـلـيـقة وتواريخ الامم السالفة والانبياء وما الى ذلك وهكذا بعد ظهور الاسلام كانوا يفضلون مراجعة اهل الكتاب في معرفة شؤون الاسلام والدعوة .

ولاسيما وقد حدا بهم القرآن الى مسائلة اهل الذكر والكتاب قال تعالى مخاطبا لهم : {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس : 94] . وهذا من باب {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس : 22] .
المخاطب ، وان كان هو النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) لكن المقصود غيره ممن شك في رسالته ، فليراجعوا اهل الكتاب في معرفة سمات نبي الاسلام وهذا كان في ابان الدعوة ، حيث كان يرجى الصدق من اهل الكتاب .
وهـكـذا قـولـه تـعـالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء : 7]
وقوله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل : 43، 44].
و قوله : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ ...} [الإسراء : 101] .
الى غيرها من آيات ، تخاطب المشركين ، فيما لو ارتابوا في صحة ما جاء به القرآن ، ان يراجعوا اهل الكتاب .
وقـد حـسـب بعض المسلمين الاوائل ، ان ذلك تجويز لهم ايضا في مراجعة اليهود ، فيسالوهم عن بعض شؤون الشريعة ، و لاسيما في اصول معارفها وشؤون الخليقة وتاريخ الانبياء.
لـكن الامر لم يستمر على ذلك حتى جاء النهي الصريح عن مراجعة اهل الكتاب ، وذلك بعد ان عرف منهم الخبث واللؤم في تضليل المسلمين ، وتشويه سمعة الاسلام ، وتضعيف العقائد.
قـال تـعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران : 118]

{ بِطَانَةً } : ما يستبطنه الانسان من ثيابه التي تلي جسده ، اي لا تتخذوا اصحاب سر من غيركم .
{ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } ، اي لا يقصرون في افساد ذهنياتكم عن الاسلام ، ومنه الخبل : فساد العقل ورجل مخبل : فاسد الراي .
{ وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ } ، اي كانت غاية جهدهم ايقاع العنت بكم والعنت : المشقة الروحية ، والقلق الفكري .
ومـن ثـم اصـدر النبى (صلى الله عليه واله وسلم ) نهيه الصريح عن مراجعة اهل الكتاب ، بما انهم لا يخلصون النصيحة للمسلمين ، ولا يأبهون ان حقاً قالوا او باطلاً ، مادامت الغاية هي ايقاع الفساد والعنت بين المؤمنين .
فـقـد اخرج احمد في مسنده وكذا ابن ابي شيبة والبزار من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبداللّه الانصاري ، قال :
ان عـمـر بن الخطاب اتى النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) بكتاب اصابه من بعض اهل الكتاب ، فقراه عليه (و في نسخة احمد : فقراه النبي ) فغضب ، فقال : أمتهوّكون فيها يا ابن الخطاب ؟ بيضا نقية لا تسالوهم عن شي فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، او بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو ان موسى (عليه السلام ) كان حيا ما وسعه الا ان يتبعني  (1)  .
المتهوك : الذي خاس عقله ، فيرد في الامور من غير روية ولا تعقل ، كالمتهور غير المبالي .
وهذا اللحن من الخطاب غاية في الاستنكار على صنيع قبيح لا يليق بشان انسان عاقل متدبر بصير فقد وبخ (صلى الله عليه واله وسلم ) عمر في صنيعه هذا ، وانه راجع اليهود في بعض مسائله ، وهذا الاسلام ناصع جلى بين يديه يجيب على جميع مسائل الانسان في الحياة ، لا ابهام فيه ولا قصور.
فقد ابان (صلى الله عليه واله  وسلم ) ان نبي اللّه موسى (عليه السلام ) لو ادرك هذا الزمان ، لكان الواجب نبذ ما لديه ، والاخذ بما جاء به نبي الاسلام ، فكيف بالمسلمين يراجعون اليهود في مخاريق قديمة العهد ، لا وزن لها ولا اعتبار ، وانـها مزيج اباطيل قد يوجد في طيها بعض الحقيقة ، مما لا يمكن الوثوق من صحتها ، مادامت ضائعة بين الاباطيل .
وقـد عـقـد الـبـخـاري فـي صـحيحه بابا عنونه بقول النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) : ((لا تسألوا اهل الكتاب عن شـي)) (2) و ذكـر فـيه حديث معاوية عن كعب الاحبار : ان كان من اصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن اهل الكتاب ، وان كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب .
قوله : ((نبلو عليه الكذب )) ، اي نختبره فنجد في اخباره كذبا هذا الحديث قاله معاوية عندما حج في خلافته (3)  .
وروى بـاسـنـاده عـن ابـي هريرة ، قال : كان اهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الاسلام ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) : ((لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا باللّه وما انزل الينا وما انزل اليكم (4) .
اقـول : ويـل تـلـك الفئة من المنتحلين بالإسلام ، يتركون القرآن العربي الفصيح ، ويستمعون الى سفاسف عبرية يفسرها ذوو الاحقاد من اهل الكتاب .
و هـذا كـان فـي اخريات حياة النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) حيث كان ابو هريرة (5) ممن يستمع الى مثل تلك السفاسف ، فجا النهي ، و الامر بالاقتناع بما جاء به القرآن .
و روى حديث ابن عباس في الاستنكار لمراجعة بعض المسلمين لأهل الكتاب ، وسنذكره .
هذا ، ومع ذلك كان من المسلمين من لم ينته عن مراجعة اهل الكتاب او النظر في كتبهم ورسائلهم ، بغية الحصول على مطالب كان يزعم افتقادها في احاديث المسلمين .
وقـد راجـت هذه العادة الجاهلية ـ التي كانت تضعف حينا وتقوى حينا آخرـ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) حيث انسد على كثير من الناس باب علم اللّه المتمثل في شخصية الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) متغافلين عن خلفائه الـعـلماء ابواب علومه الفياضة ، ولاسيما باب علم النبى علي امير المؤمنين (عليه السلام ) ومن كان على حذوه كابن عباس وابن مسعود واضرابهما ، فتركوا السبيل السوى ولجأوا الى معوج الطريق .
هذا ابن عباس يناديهم فيقول :
(( كيف تسألون اهل الكتاب عن شي ، وكتابكم الذي انزل على رسول اللّه احدث (6)  ، تقرأونه مـحـضـا لـم يشب (7) و قد حدثكم ان اهل الكتاب بدلوا كتاب اللّه وغيروه وكتبوا بأيديهم الـكـتـاب ، وقـالوا : هو من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا الا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسالتهم لا واللّه ما راينا منهم رجلا قط يسالكم عن الذي انزل عليكم )) (8)  .
وكـان مـن الاثـار السيئة التي خلفتها مراجعة اهل الكتاب رغم نهي النبي عنها ان خلطت الاكاذيب الاسـرائيـلـيـة بالتفسير والحديث الوارد عن النبي والخيار من صحابته الاجلاء ، فشوهت وجه الـتفسير ، فضلا عن التاريخ والحديث وسوف نذكر نماذج من هذا التشويه ، ولاسيما في التفسير بالمأثور.
قال ابن خلدون   : و صار التفسير على صنفين : تفسير نقلي مسند الى الاثار المنقولة عن السلف ، وهي معرفة الناسخ والمنسوخ واسباب النزول ومقاصد الاي ، وكل ذلك لا يعرف الا بالنقل عن الصحابة والتابعين ، وقـد جـمـع الـمتقدمون في ذلك واروعوا ، الا ان كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والـمقبول والمردود والسبب في ذلك : ان العرب لم يكونوا اهل كتاب ولا علم ، وانما غلبت عليهم الـبـداوة والأمـيـة ، واذا تـشـوقوا الى معرفة شي مما تتشوق اليه النفوس البشرية ، في اسباب المكونات وبد الخليقة واسرار الوجود ، فإنما يسالون عنه اهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدونه منهم ، وهـم اهل التوراة من اليهود ، ومن تبع دينهم من النصارى واهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ، ولا يعرفون من ذلك الا ما تعرفه العامة من اهل الكتاب ، ومعظمهم من حمير الذين اخذوا بدين الـيـهودية ، فلما اسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها ، مـثـل اخـبار بد الخليقة وما يرجع الى الحدثان والملاحم وامثال ذلك وهؤلاء مثل كعب الاحبار ووهـب بـن منبه وعبداللّه بن سلام وامثالهم ، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في امثال هذه الاغـراض اخـبـار مـوقـوفة عليهم وتساهل المفسرون في مثل ذلك ، وملاوا كتب التفسير بهذه المنقولات ، واصلها ـ كما قلناـ عن اهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك ، الا انهم بعد صيتهم وعظمت اقدارهم ، لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة ، فتلقيت بالقبول من يومئذ  (9)  .

هل تجوز مراجعة اهل الكتاب ؟

وهل هناك ما يبرر مراجعة اهل الكتاب ؟. زعـم الكثير من الكتاب المتأخرين ـ تبريرا لمواقف لفيف من الصحابة الذين صمدوا على الرجوع اليهم ، ولاسيما مسلمة اهل الكتاب ـ ان هناك دلائل على الجواز ، اما في زمن متأخر عن المنع الذي كان في ابتداء الامر ، او في شؤون لا تمس احكام الشريعة في مثل القصص والتواريخ ، او فيما لم تمس ه يد التحريف وقد توافق مع ما جاء به القرآن الكريم ، او نحو ذلك .
هـذا ابن تيميه يذكر عن السدى الكبير (هو ابو محمد اسماعيل بن عبدالرحمان الكوفي توفي سنة 127هـ) انـه كـان فـي بـعض الاحيان ينقل ما يحكى من اقاويل اهل الكتاب ، التي اباحها ـ فيما زعم ـ رسـول اللّه (صلى الله عليه واله  وسلم ) حيث قال : بلغوا عني ولو آية ، و حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار (10)  ، رواه البخاري عن عبداللّه بن عمرو بن العاص ولهذا كان عبداللّه بن عمرو قد اصاب يوم اليرموك زاملتين  (11) من كتب اهل الكتاب ، فكان يحدث منهما ، بما فهمه من هذا الحديث من الاذن في ذلك (12)  .
قال : ولكن هذه الاحاديث الاسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد ، فأنها على ثلاثة اقسام :
احدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق .
والثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه .
والثالث : ما هو مسكوت عنه ، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه ، وتجوز حـكايته ، لما تقدم (13) و غالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى امر ديني ولهذا اختلف علما اهل الكتاب في مثل هذا كثيرا ، في مثل اسما اهل الكهف واسما الطيور التي احياها اللّه لإبراهيم ، مما لا فـائدة فـي تـعـيـيـنـه تـعـود عـلى المكلفين في دنياهم ودينهم ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز (14)  .
ويستدل الذهبي لجواز مراجعة اهل الكتاب والنقل عنهم فيما لا يخالف الشريعة بيات ، زعم دلالتها على اباحة الرجوع اليهم ، قال :
واذا نـحـن نـظـرنـا فـي القرآن الكريم ، وجدنا من آياته البينات ما يدعو نبي الاسلام وجماعة المسلمين الى ان يرجعوا الى علما اهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسالوهم عن بعض الحقائق التي جات في كتبهم ، وجاء بها الاسلام فانكروها ، او اغفلوها ، ليقيم عليهم الحجة ، ولعلهم يهتدون .
و مـن هـذه الآيات الدالة على اباحة رجوع النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) ومن تبع دينه من المسلمين الى اهل الكتاب قـوله تعالى : {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس : 94]  ، و قـولـه : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء : 7] و[النحل : 43]  ، وقوله : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف : 45] قال : و معناه : واسال اممهم وعلما دينهم قال الفرا مبينا وجه المجاز في الآية : هم انما يخبرونه عن كتب الرسل ، فاذا سألهم فكانه سال الانبياء (عليه السلام ) ، وقوله : {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف : 163] ، وقوله : {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء : 101] ، وقوله : {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} [البقرة : 211] (15) .
قال : كل ما تقدم من امر اللّه لنبيه (ص ) بسؤال اهل الكتاب ، يدل على جواز الرجوع اليهم ، ولكن لا في كل شي ، بل فيما لم تصل له يد التحريف والتبديل من الحقائق التي تصدق القرآن وتلزم المعاندين منهم ومن غيرهم الحجة  (16) .
قال : وعلى هذا فما جاء موافقا لما في شرعنا تجوز روايته ، وعليه تحمل الآيات الدالة على اباحة الرجوع الى اهل الكتاب ، وعليه ايضا يحمل قوله (صلى الله عليه واله وسلم ) : ((حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج )) ، اذ المعنى : حدثوا عنهم بما تعلمون صدقه .
و امـا مـا جـاء مـخالفا لما في شرعنا او كان لا يصدقه العقل ، فلا تجوز روايته ، لان حديث الاباحة لا يتناول ما كان كذبا واما ماسكت عنه شرعنا ، ولم يكن ما يشهد لصدقه ولا لكذبه وكان محتملا ، فحكمه ان نتوقف في قبوله فلا نصدقه ولا نكذبه ، و على هذا يحمل قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) : ((لا تصدقوا اهـل الـكـتاب ولا تكذبوهم )) اما روايته فجائز على انها مجرد حكاية لما عندهم ، لأنها تدخل في عموم الاباحة المفهومة ، من قوله (صلى الله عليه واله وسلم ) : ((حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج )) (17)  .
واضـاف قـائلا : مـا ثبت من ان بعض الصحابة كابي هريرة وابن عباس ، كانوا يراجعون بعض من اسـلـم من اهل الكتاب ، يسالونهم عما في كتبهم ، وما روي من ان عبداللّه بن عمرو بن العاص اصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب اهل الكتاب فكان يحد ث منهما ، لا يعارض ما رواه البخاري من انكار ابن عباس على من يسال اهل الكتاب .
ولا ما رواه عبدالرزاق في مسنده عن ابن مسعود من نهيه عن سؤال اهل الكتاب بقوله : ((لا تسالوا اهل الكتاب ، فانهم لن يهدوكم وقد اضلوا انفسهم )) .
ولا مـا رواه احـمـد من انكار الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) على عمر لما اتاه بكتاب اصابه من بعض اهل الكتاب بقوله : ((امتهو كون فيها يا ابن الخطاب )) .
قال : ((نعم لا تعارض بين هذا وذاك ، لان صحابة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) كانوا اعرف الناس بأمور دينهم ، وكان لهم منهج سديدو معيار دقيق في قبول ما يلقى اليهم من الاسرائيليات ، ما كانوا يرجعون اليهم في كل شي ، وانما كانوا يرجعون اليهم لمعرفة بعض جزئيات الحوادث والاخبار.
قال : اما انكار الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) وانكار الصحابة على من كان يرجع اليهم ، فقد كان في مبدا الاسلام وقبل استقرار الاحكام ، مخافة التشويش على عقائدهم وافكارهم (18)  .
قال ابن حجر : ((و كان النهي وقع قبل استقرار الاحكام الاسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة ثـم لـمـا زال الـمـحـذور وقـع الاذن فـي ذلـك ، لـما في سماع الاخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار (19) . 

مناقشة دلائل الجواز

غـيـر ان هذه الدلائل غير وافية بإثبات المطلوب ، ولا هي تبرر مراجعة اهل الكتاب في شي من تفسير القرآن الحكيم او تاريخ الانبياء (عليه السلام).
ذلك لان اليهود الذين جاوروا العرب كانوا اهل بادية مثلهم ـ كما قال ابن خلدون ـ لا علم لهم ولا تـحـقيق بمعرفة الصحيح من الاخبار ، سوى ما شاع لديهم من اخبار عامية مما لا يمكن الوثوق بها اما عـلـمـاؤهم فكانوا اهل دجل وتزوير ، كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ـ كما حكى عنهم القرآن ـ ويـزورون الـحـديث ويقولون : هذا من عند اللّه ، وما هو من عند اللّه ، ليشتروا به ثمنا قليلا ، بغية حطام الدنيا الرذيلة .
ومـن ثـم كـان المنع من ذلك شديدا كما عرفت في مناهي النبي واصحابه الكبار عن ذلك ، ولم يدل على جوازه شي من الاخبار والاثار.
امـا الآيات التي زعموها مبيحة لذلك ، فالاستدلال بها عقيم ، لأنها من باب ((اياك اعني واسمعي يا جـارة )) كـان الـخـطاب في ظاهره مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) غير ان المقصود غيره من المتشككين في امر الـرسـالة ، وليسوا هم المسلمين ايضا ، بل الكفار والمنافقون هم المقصودون ، بدليل صدر الآية وذيـلها : {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس : 94] والـعـجب من الذهبي كيف يزعم ان هذه الآية جات رخصة للنبي في مراجعة اهل الكتاب ؟ يشك النبي فيما انزل اليه ؟ لا شـك ان الـمـقصود غيره من الذين كانوا يتشككون في صدق رسالته ، ولقد كان المرجع الوحيد الـذي يـمـكـن اولئك المتشككين اللجوء إليه هم (اهل الكتاب ) الذين جاوروهم ، وليس النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) بمقصود البتة ، ولا المسلمون المعتقدون بصحة الرسالة .
وهـكذا قوله تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل : 43، 44] خطاب محض موجه الى العرب الجاهلي .
اما حديث ((حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج )) فهو كناية عن التوسع في تفضيع شانهم ، حيث كل ما حدثته عنهم من رذائل وفضائح فهو حق لا مرية فيه ، حيث توسعهم في ارتكاب الآثام وركوبهم جـمـيـع الـقـبائح المحتملة بشأنهم ، كما جاء في المثل : ((حدث عن البحر ولا حرج )) كناية عن التوسع في الامر ، وانه كل ما قلت عنه فهو صحيح ومنه قولهم بشان معن بن زائدة الشيباني وكان مـن اجواد العرب : (( حدث عن معن ولا حرج )) ، كناية عن توسعه في المكرمات ، فكل ما حدثت عنه من فضيلة ، فهو صدق واقع (20)  .
فـهـذا تـعـبـير كنائي عن مطلق التوسع في امر ان شينا او زينا ، وليس المقصود التحدث ، بمعنى الرواية والنقل عنهم .
و يتأيد هذا المعنى ، بما ورد في لفظ احمد :
(( تـحـدثـوا عـن بـني اسرائيل ولا حرج ، فإنكم لا تحدثون عنهم بشي الا وقد كان فيهم اعجب منه )) (21)  ، اي كل ما حدثت عنهم من فضيحة او رذيلة شانئة ، فهو صدق ، لانهم اوسع فضاحة واكثر رذالة مما يحتمل بشأنهم .
وفي لفظه الاخر :
(( حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ، وحدثوا عني ولا تكذبوا )) (22)  .
فـفـي هـذه الـمـقـارنـة بـيـن الـتـوسـع في الحديث عن بني اسرائيل ، والتقيد لدى الحديث عن رسـول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) دلالـة واضـحـة على صدق الحديث عنهم مهما كان الحديث ، اما عند التحدث عن رسـول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) فـيـجب تحري الصدق ، ولئلا يكون كذبا عليه فانه من كذب عليه متعمدا فليتبوا مقعده من النار.
الرأي الحاسم

لا شك أن سبر التاريخ ودراسة أحوال الماضين عبرة وعظة لمن اعتبر به وأخذ من متقلباته متعظاً له : فيم ربحوا وفيم رسبوا !

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس : 14]

وكتاب العبر لمن أمعن وتدبر ، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام " أو ليس لكم في آثار الأولين مزدجر ، وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر ؟! " (23) .

نعم ، كانت دراسة التاريخ ضرورة تربوية للأجيال ، وليؤخذ من تجارب الماضين مشاعل وهاجه لإثارة درب الباقين ، فلا تتكرر التجربة إذا كانت عنيفة ، ولا يعيد التاريخ بمرارتها الأولى ، ومن جرب المجرب حلت به الندامة ...

وهذا القرآن الكريم يوبخ اهل العمه والترف ممن سايروا آباءهم من غير دراية .. قال تعالى .. ناكراً عمههم هذا - :

{قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف : 23]

{قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170] .

وهكذا وبخ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذا الإغفال وإعفاء تجارب السلف التي قاسها الآباء ، قال موبخاً هذه الشنعة : " وإنما تسيرون في أثر بين وتتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم " (24).

إذن فلتكن دراسة التاريخ موضع عظة واعتبار ، إذا كانت عن تدبر وإمعان ،وبعيدة عن كل تعصب مقيت ... الأمر الذي أغفله أحفاد إسرائيل وأذنابهم ..

وعليه فالقول الحاسم بشأن مراجعة كتابات السلف من يونان ورومان ومصر واليهود وحتى الفرس والهنود ، هو الجواز بل اللزوم ، بعد كونها ضرورة لازدهار حضارة الأجيال .. غير أن هذه المراجعة لابد أن تكون عن دراسة واعية وتحقيق وإمعان، وبعيدة عن تعصبات أعمى تقليدية يمقتها العقل الرشيد ..

والأمر بشأن مراجعة الكتب الدينية القديمة – وقد أحاط بها هالة من خرافات بائدة – أدعى للحذر والاحتياط ن ولا سيما لو أريد العثور على حقائق وحياتية احتضنها تلكم الكتب وفي طيها الشيء الكثير .. فلا بد من التحري والتدقيق دون التسرع والاسترسال ..

ونتيجة على ذلك كانت مراجعة كتب السلف – مهما كانت – ضرورة ثقافية وحياتية شاملة .. أما الاستسلام محضاً فلا ، وأما التحري والتحقيق فنعم ..

هذا هو القول الفصل في مراجعة كتب الأسلاف إذا كانت عن وعي وإمعان .. والله من وراء القصد ..
____________________
1- مـسـنـد احـمـد ، ج3 ، ص 387 وراجع : فتح الباري ، ج13 ، ص281 . قال ابن حجر : رجاله موثوقون إلا أن في مجالد ضعفا ... غير أن البخاري قال : إنه صدوق . وقال يعقوب بن سفيان : تكلم الناس فيه وهو صدوق . قال ابن عدي : له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة . قالت : وهذا الحديث من هذا الطريق الصالح . راجع : تهذيب التهذيب ، ج10 ، ص40-41.

2- جامع البخاري ، ج9 ، ص 136 وراجع : ج3 ، ص 237.

3- راجع : فتح الباري ، ج13 ، ص 282.

4- صحيح البخاري ، ج9 ، ص 136.

5- لان ابا هريرة اسلم بعد فتح خيبر سنة سبع من الهجرة .

6- في نسخة : ((احدث الاخبار باللّه )).

7- لم يشب : من الشوب وهو الخلط ، اي لم يشبه شي ، كناية عن عدم الدس فيه والتحريف ، كما كان عليه كتب السالفين .

8- صـحيح البخاري ، ج9 ، ص 136 وج3 ، ص 237 وفي الموضعين بعض الاختلاف في لفظ الحديث .

9- المقدمة لابن خلدون ، ص 439 ـ 440 ، آخر الفصل الخامس فيما ذكره بشان التفسير.

10- رواه البخاري في باب ما ذكر عن بني اسرائيل من كتاب الانبياء ، ج4 ، ص 207.

11- الـزامـلـة : هـي الـمـلـفة ، وربما كانت حمل بعير ، وقد فسر ابو شهبة الزاملتين بحمل بعيرين ( الإسرائيليات والموضوعات ، ص92).

12- سناتي على تفسير هذا الحديث بغير ما فهمه هؤلاء.

13- من عدم تصديقهم ولا تكذيبهم فيما يحكونه ذكر ذلك في ص 19 من رسالته .

14- مـقـدمـتـه فـي اصـول التفسير ، ص 45 ـ 46 ، (المطبعة السلفية ) وراجع : مقدمة تفسير ابن كثير (المقدمة) ، ج1 ، ص4.

15- الاسـرائيليات في التفسير والحديث ، محمد حسين الذهبي ، ص 60 ـ 61 .

16- المصدر ، ص 63.

17- الاسرائيليات في التفسير والحديث ، ص 64 ـ 65.

18- الاسرائيليات في التفسير والحديث ، ص 66 ـ 67.

19- راجع : فتح الباري ، ج6 ، ص 320.

20- راجع : مجمع الامثال للميداني رقم 1103 ، ج1 ، ص 207 وفرائد الادب للاب لويس معلوف .

21- مسند احمد بن حنبل ، ج3 ، ص 13.

22- المصدر نفسه ، ص 56.

23- نهج البلاغة ، الخطبة : 99 .

24- نهج البلاغة : الخطبة : 183.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .