أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-20
323
التاريخ: 2023-09-03
1048
التاريخ: 2024-09-15
256
التاريخ: 2024-03-14
744
|
المنادى بـ (يا أيها)
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] [1] العبادة أقصى غاية الخضوع ، ولذلك لا تكون إلّا للخالق ، أو المقام مقامه ، وما روي أنّ كلّ خطاب بـ (يا أيّها النّاس) مكّيّ وبـ (يا أيّها الّذين آمنوا) مدنيّ [2] إن صحّ فلا يوجب تخصيصه بالكفّار ، فإنّ المأمور به هو العبادة مطلقا يعمّ بدو العبادة وازديادها ، والمواظبة عليها.
في تفسير القاضي [3] إنّما قال ربّكم تنبيها على أنّ الموجب القريب للعبادة هي الربوبيّة ، و «الذي» بصلته صفة جرت عليه للتعظيم والتّعليل ، ويحتمل التقيد إن خصّ الخطاب بالمشركين وأريد بالربّ أعمّ من الحقيقيّ وما سمّوه باسمه ، لكنّه خلاف الظاهر كما لا يخفى.
والخلق الإيجاد على تقدير واستواء ، ولعلّ للترجّي والإشفاق ، تقول لعلّ زيدا يكرمني ، ولعلّه يهينني ، والجملة حال عن فاعل «اعبدوا» أي راجين أن تكونوا من المتّقين ، وينبّه على أنّ العابد ينبغي أن لا يغترّ بعبادته بل يكون بين خوف ورجاء ، مع رجحان للرجاء.
أو عن الخالق لكن على طريق التشبيه بالرّاجي ، أو عن المخلوقين كذلك ، فإنّه لما أزاح العلل في أقدارهم وتمكينهم ، وهداهم النّجدين وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتّقوا لترجح أمرهم وهم مختارون بين الطّاعة والعصيان.
وأمّا كونها علّة بمعنى كي موافقا لقوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] كما يظهر من المجمع [4] فقد أنكره الكشاف والقاضي [5] فعلى هذا يجوز أن يكون غرض المجمع بيان محصّل المعنى على تجوّز ، أو معناها المجازيّ ومنعهما باعتبار الحقيقة أو على مقتضى مذهبه فتأمّل.
و «الّذين» عطف على مفعول خلقكم وغلّب الخطاب على الغيبة في لعلّكم أو حذف «وإياهم» للحضور.
فان قلت : فهلّا قيل تعبدون لأجل اعبدوا أو اتّقوا لمكان يتّقون ، ليتجاوب طرفا النّظم؟ قلت : ليست التّقوى غير العبادة حتّى يؤدى ذلك إلى تنافر النّظم وإنّما التّقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده ، فاذا قال (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) للاستيلاء على أقصى غايات العبادة ، كان أبعث على العبادة ، وأشدّ إلزاما على ما ثبت في النفوس ، كذا في الكشاف.
ثمّ ظاهر الأمر إيجاب مطلق العبادة على كلّ النّاس : مسلمهم وكافرهم ، حرّهم وعبدهم ، إلّا ما أخرجه الدّليل كالصّبيان والمجانين ، فيدلّ على وجوب العبادة في الجملة ، أو حتّى يكونوا متّقين.
وعلى مشروعيّتها مطلقا ، قيل فلا يحتاج إلى التوقيف فتصلح النّافلة دائما والصّوم كذلك وإعادة العبادة والقضاء ، وغير ذلك من أنواع العبادة ، ولا يخفى أنّ ذلك بعد ثبوت كونها عبادة مطلقا وربّما يكتفي باشتمالها على الخضوع والتذلّل مع ورود الشّرع بشيء من جنسه أو مطلقا فتأمّل.
وعلى أنّ الكافر مكلّف ، والعبد كذلك ، قيل : وتدلّ على أنّ العابد لا يستحقّ بعبادته عليه ثوابا ، وإنّما وجبت عليه شكرا لما عدّده عليه من النّعم السّابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل ، وفيه نظر لجواز ذكر النعم المعدودة لمزيد الترغيب والتحريص فان الآمر إذا عدّد بعض نعمه عند الأمر ، كان ذلك آكد وأتمّ ، وأبعث على الرغبة.
ثمّ غايته أن يكون مقارنتها للأمر دالّة على وجوب امتثاله لهذه الأوصاف وأقصى ذلك أن يكون هذه موجبة لعبادته ، أو اختصاصه بالعبادة ، وعلى كلّ تقدير لا يلزم كونها لمجرد الشّكر ، أن لا يترتّب عليها ثواب ، ولا يستحق بها أجر بوجه.
على أنّ قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لا يبعد أن يكون إشارة إلى حصول الثّواب ودفع العقاب ، بل هو أقوى في ذلك كما لا يخفى.
على أنّ تعداد النّعم والامتنان بها على العباد في مواضع كثيرة من المنعم الغنيّ المطلق ، إنّما يناسب عدم إرادة العوض ، فلا ينبغي كونها سببا موجبا للعبادة وشكرا لها على ما ادّعاه ، هذا مع ما دلّ على ترتّب الثواب من الآيات والأخبار ، وغيرها ممّا هو مذكور في أصول الكلام ممّا لا ينبغي معه الذّهاب إلى خلافه بل كاد أن يكون الثّواب والعقاب من ضروريّات دين محمّد (صلى الله عليه وآله) بل كلّ الأديان ، وبهما يثبتون الحشر والنشر ، والظّاهر أنّه إجماع المسلمين.
نعم هذا مذهب منسوب إلى أبي القاسم البلخيّ وذهاب غيره غير معلوم ، ودوام قائل به بعيد جدّا ، ولم ينقل ذلك من أحد من الطّائفة المحقّة.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]
«الذي» منصوب بأنّه صفة ثانية أو بالمدح أو مرفوع خبرا عن محذوف أو مبتدء خبره (فَلا تَجْعَلُوا) وقرئ «بساطا ومهادا» والمعنى أنّهم يقعدون عليها وينامون ويتقلّبون كما يتقلّب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده ، وكأنّ المراد بذلك تسهيل الانتفاع بها جدّا ، ولهذا قيل : ولا يلزم كون الأرض مسطّحة ، لأنّها لاتّساعها لا ينافي هذا المعنى منها ، كرويّتها.
والسّماء اسم جنس تقع على الواحد والمتعدّد ، والبناء مصدر سمّي به المبنيّ بيتا كان أو قبّة أو خباء أو طرافا ، وأبنية العرب أخبيتهم ، ومنه بنى على امرأته لأنّهم كانوا إذا تزوّجوا ضربوا عليها خباء جديدا ، كذا في الكشّاف.
«وأنزل» عطف على «جعل» ومن ابتدائية سواء أريد بالسّماء السّحاب أو جهة الفوق مطلقا ، فان ما علاك سماء أو الفلك و «أخرج» عطف على «أنزل» وضمير به للماء ، ومن تبعيضيّة فرزقا مفعول له بمضي المرزوق أو حال أو بيانيّة مقدّم على المبين كما في : «أنفقت من الدراهم ألفا» فرزقا مفعول «اخرج» «ولكم» صفة رزقا أو مفعوله إن أريد به المصدر كأنّه قال رزقا إيّاكم ، وإنّما ساغ الثّمرات والموضع موضع الكثرة لأنّه أراد بالثّمرة جماعة الثّمرة كما في قولك أدركت ثمرة بستانه ، ويؤيّده قراءة من الثّمرة على التّوحيد أو لأنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض ، أو لأنّها لمّا كانت محلّاة باللام خرجت عن حدّ القلّة.
(فَلا تَجْعَلُوا) إمّا متعلق باعبدوا على أنّه نهي معطوف عليه أو نفي منصوب بإضمار أن جواب له ، أو بلعلّ على أنّه منصوب نصب فاطّلع في قوله تعالى {أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} [غافر: 36-37] إلحاقا لها بالأشياء السّتة ، وينبغي حينئذ أن يكون «الذي» مفعول «يتّقون».
أو بالّذي جعل على أنّه نهي وقع خبرا على تأويل «مقول فيه لا تجعلوا» والفاء للسببيّة أدخلت عليه لتضمّن المبتدء معنى الشّرط أو بهو الذي على تقدير كونه خبرا ، فإمّا من عطف الإنشاء على الإخبار لجوازه أو بتأويل.
في الكشاف [6] الندّ المثل ، ولا يقال إلّا للمثل المخالف المناوي ، ومعنى «ليس لله ندّ ولا ضدّ» نفي ما يسدّه مسدّه ، ونفي ما ينافيه ، والكفّار لما تقرّبوا إلى أصنامهم وعظّموها وسمّوها آلهة ، أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة مثله قادرة على مخالفته ومضادّته ، فقيل لهم الأنداد على سبيل التهكّم ، وكما تهكّم بهم بلفظ الندّ ، شنّع عليهم واستفظع شأنهم من حيث الجمع بأن جعلوا أندادا كثيرة لمن لا يصحّ أن يكون له ندّ قطّ ، وقرئ «ندا».
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حال من ضمير (فَلا تَجْعَلُوا) والمفعول محذوف أي وحالكم أنّكم من أهل العلم والنظر وإصابة الرأي ، متمكّنون من معرفة أنّه لا يجوز أن يكون له ندّ ، أو مقدّر منويّ وهو أنّه لا يجوز ، أو لا يكون له ندّ ، أو أنّه لا يقدر على مثل هذه الأفعال ولا يفعله غيره ، أو ما بينه وبينها من التفاوت ، وعلى التقدير فالمقصود منه مزيد التوبيخ لا تقيد الحكم وقصره عليه ، فان الظّاهر أنّ العالم والجاهل المتمكّن من العلم سواء في التكليف ، ولهذا صحّ الأوّل أيضا.
نعم يمكن أن يفهم أنّ الجاهل معذور على تقدير عدم القدرة على العلم وتمكّنه منه ، فيمكن أن يستفاد منه عدم التكليف بما لا يطاق ، ويستنبط هنا أحكام أخر :
منها إباحة السكون في أيّ جزء من الأرض كان على أيّ وجه أراد ، والصلاة فيه وسائر العبادات ، بل إباحة الأرض والتّصرف فيها سكنى وغيرها إلّا ما أخرجه دليل ، إذ ليس المراد بجعلها فراشا ما يختصّ ببعض ما تقدّم ، وكذا إباحة الماء واستعماله وطهارته بل طهوريّته أيضا ، لأنّها من جملة انتفاعاتها المتعارفة المطلوبة منه. كما هو مقتضى مقام الامتنان ، ولكن قوله (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) ربّما استدعى خلافه فتأمّل.
والمقام يستدعي كون جميع الثمرات المخرجة رزقا وفي المجمع في {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25] أنّ الرّزق عبارة عما يصحّ الانتفاع به ، ولا يكون لأحد المنع منه ، وفي القاموس : الرّزق ما ينتفع به ، وقد يقرب منه كلام القاضي كما يأتي فقد يستفاد إباحة الثّمرات جميعا وعموم الانتفاع بها إلّا ما أخرجه دليل ، وتحريم الشرك وثبوت الوحدانيّة.
قال القاضي [7] : اعلم أنّ مضمون الآيتين هو الأمر بعبادة الله والنهي عن الإشراك به ، والإشارة إلى ما هو العلّة والمقتضي لها ، وبيانه أنّه رتّب الأمر بالعبادة على صفة الربوبيّة إشعارا بأنّها العلّة لوجوبها ، ثمّ بيّن ربوبيتها بأنّه خالقهم وخالق أصولهم وما يحتاجون إليه في معاشهم من المقلة والمظلة والمطاعم والملابس ، فإنّ الثمرة أعمّ من المطعوم ، والرّزق أعمّ من المأكول والمشروب ، ثمّ لمّا كانت هذه أمور الّتي لا يقدر عليها غيره شاهدة على وحدانيّته ، رتّب عليها النّهي عن الإشراك به.
[1] قد كثر التنافس والتباغض في كلمة يا ايها المقدم على المقصود بالنداء وترى البحث مبسوطا في الأشباه والنظائر للسيوطي ج 3 ص 64 الى ص 71 وفي أمالي ابن الشجري ج 2 ص 116 الى ص 122 المجلس الثامن والخمسين (58) وقد لخص البحث في روح المعاني ويناسب لنا هنا نقله ففيه تذكار لكثير من المباحث الأدبية قال في ص 168 ج 1 روح المعاني :
واى لها معان شهيرة والواقعة في النداء نكرة موضوعة لبعض من كل ثم تعرفت بالنداء وتوصل بها الى نداء ما فيه ال لان يا لا تدخل عليها في غير الله الا شذوذا لتعذر الجمع بين حرفي التعريف فإنهما كمثلين وهما لا يجتمعان الا فيما شذ من نحو.
فلا والله لا يلفى لما بي
ولا للما بهم ابدا دواء
وأعطيت حكم المنادي وجعل المقصود بالنداء وصفا لها والتزم فيه هذه الحركة الخاصة المسماة بالضمة خلافا للمازنى فإنه أجاز نصبه وليس له في ذلك سلف ولا خلف لمخالفته للمسموع وانما التزم ذلك اشعارا بأنه المقصود بالنداء ولا ينافي هذا كون الوصف تابعا غير مقصود لمتبوعه لان ذلك بحسب الوضع الأصلي حيث لم يطرء عليه ما يجعله مقصودا في حد ذاته ككونه مفسرا لمبهم ومن هنا لم يشترطوا ذلك في النعوت على ما بين في محله.
وها التنبيهية زائدة لازمة للتأكيد والتعويض عما تستحق من المضاف اليه أو ما في حكمه من التنوين كما في (أياما تدعوا) وان لم يستعمل هنا مضافا أصلا وكثر النداء على هذه الطريقة لما فيها من التأكيد الذي كثيرا ما يقتضيه المقام بتكرر الذكر وإيضاح بعد الإبهام والتأكيد بحرف التنبيه واجتماع التعريفين.
هذا ما ذهب اليه الجمهور وقطع الأخفش ـ لضعف نظره ـ بان أيا الواقعة في النداء موصولة حذف صدر صلتها وجوبا لمناسبته التخفيف للمنادى وأيد بكثرة وقوعها في كلامهم موصولة وندرة وقوعها موصوفة واعتذر عن عدم نصبها حينئذ مع انها مضارعة للمضاف بأنه إذا حذف صدر صلتها كان الأغلب فيها البناء على الضم فحرف النداء على هذا يكون داخلا على مبني على الضم ولم يغيره وان كان مضارعا للمضاف.
ويؤيد الأول عدم الاحتياج الى الحذف وصدق تعريف النعت والموافقة مع هذا وانها لو كانت موصولة لجاز ان توصل بجملة فعلية وظرفية مما يقطع المنصف معه بأرجحية مذهب الجمهور.
نعم أورد عليه اشكال استصعبه بعض من سلف من علماء العربية وقال انه لا جواب له وهو ان ما ادعوا كونه تابعا معرب بالرفع وكل حركة إعرابية انما تحدث بعامل ولا عامل يقتضي الرفع هناك لان متبوعه مبني لفظا ومنصوب محلا فلا وجه لرفعه.
وأقول ان هذا من الأبحاث الواقعة بين ابى نزار وابن الشجري وذلك انه وقع سؤال عن ضمة هذا التابع فكتب أبو نزار انها ضمة بناء وليست ضمة الأعراب لأن ضمة الاعراب لا بد لها من عامل يوجبها ولا عامل هنا يوجب هذه الضمة.
وكتب الشيخ منصور موهوب بن أحمد أنها ضمة أعراب ولا يجوز ان تكون ضمة بناء ومن قال ذلك فقد غفل عن الصواب وذلك لان الواقع عليه النداء أي المبنى على الضم لوقوعه موقع الحرف والاسم الواقع بعد وان كان مقصودا بالنداء الا انه صفة اى فمحال اى يبني أيضا لأنه مرفوع رفعا صحيحا ولهذا أجاز المازني النصب على الموضع كما يجوز في يا زيد الظريف وعلة الرفع انه لما استمر الضم في كل منادي معرفة أشبه ما أسند إليه الفعل فأجريت صفته على اللفظ فرفعت.
وأجاب ابن الشجري بما أجاب به الشيخ وكتب انها ضمة أعراب لا ضمة المنادي المفرد لها باطرادها منزلة بين منزلتين فليست كضمة حيث لأنها غير مطردة لعدم اطراد العلة التي أوجبتها ولا كضمة زيد في نحو خرج زيد لأنها حدثت بعامل لفظي ولما اطردت الضمة في نحو يا عمرو وكذلك اطردت في نحو يا رجل يا غلام الى ما لا يحصى نزل الاطراد فيها منزلة العامل المعنوي الواقع للمبتدإ من حيث اطردت الرفعة في كل اسم ابتدأ به مجردا عن عامل لفظي وجيء له بخبر كعمرو منطلق وزيد ذاهب الى غير ذلك.
فلما استمرت ضمة المنادي في معظم الأسماء كما استمرت في الأسماء المعربة الضمة الحادثة عن الابتداء أشبهتها العرب بضمة المبتدء فاتبعتها ضمة الاعراب في صفة المنادي في نحو يا زيد الطويل وجمع بينهما أيضا ان الاطراد معنا كما ان الابتداء كذلك.
ومن شأن العرب ان تحمل الشيء على الشيء مع حصول أدنى مناسبة بينهما حتى انهم قد حملوا أشياء على نقائضها الا ترى انهم اتبعوا حركة الاعراب حركة البناء في قراءة من قرأ الحمد لله بضم اللام وكذلك اتبعوا حركة البناء حركة الاعراب في نحو يا زيد بن عمرو في قول من فتح الدال من زيد انتهى ملخصا.
وقد ذكر ذلك ابن الشجري في أماليه وأكثر في الحط على ابن نزار وبين ما وقع بينه وبينه مشافهة ولو لا مزيد الإطالة لذكرته بعجره وبجرة وأنت تعلم ما في ذلك كله من الوهن ولهذا قال بعض المحققين ان الحق أنها حركة اتباع ومناسبة لصفة المنادي ككسر الميم من غلامي وحينئذ يندفع الاشكال كما لا يخفى على ذوي الكمال.
بقي الكلام في اللام الداخلة على هذا النعت هل هي للتعريف أم لا والذي عليه الجمهور وهو المشهور انها للتعريف كما تقدمت الإشارة اليه.
ولما سئل عن ذلك أبو نزار قال انها هناك ليست للتعريف لان التعريف لا يكون الا بين اثنين في ثالث واللام فيما نحن فيه داخلة في اسم المخاطب ثم قال والصحيح انها دخلت بدلا من يا وأى وان كان منادي الا ان ندائه لفظي والمنادي على الحقيقة هو المقرون بأل ولما قصدوا تأكيد التنبيه وقد رأوا تكرير حرف النداء كرهوا التكرير فعوضوا عن حرف النداء ثانيا ها وثالثا ال.
وتعقبه ابن الشجري قائلاً ان هذا قول فاسد بل اللام هناك لتعريف الحضور كالتعريف في قولك جاء هذا الرجل مثلا ولكنها لما دخلت على اسم المخاطب صار الحكم للخطاب من حيث كان قولنا يا ايها الرجل معناه يا رجل ولما كان الرجل هو المخاطب في المعنى غلب حكم الخطاب فاكتفى باثنين لأن أسماء الخطاب لا يفتقر في تعريفها الى حضور ثالث.
الا ترى ان قولك خرجت يا هذا وانطلقت وأكرمتك لا حاجة به الى ثالث وليس كل وجوه التعريف يقتضي ان يكون بين اثنين في ثالث فان ضمير المتكلم في أنا خرجت معرفة إجماعا ولا يتوقف تعريفه على حضور ثالث.
وأيضا ما قص من حديث التعويض يستدعي بظاهره ان يكون أصل يا ايها الرجل يا اى يا يا رجل وانهم عوضوا من الثانية ها ومن الثالثة الألف واللام وأنت تعلم ان هذا مع مخالفته لقول الجماعة خلف من القول يمجه السمع وينكره الطبع فليفهم انتهى ما في روح المعاني.
[2] انظر في ذلك تعاليقنا على مسالك الافهام ج 1 ص 252 و 253.
[3] انظر البيضاوي ج 1 ص 106 ط مصطفى محمد.
[4] انظر مجمع البيان ج 1 ص 60.
[5] انظر الكشاف ج 1 ص 92 والبيضاوي ج 1 ص 108 ط مصطفى محمد وانظر تعاليقنا على هذا الجزء ص 35 في معنى لفظة لعل وعسى من الله.
[6] الكشاف ج 1 ص 95.
[7] تفسير البيضاوي 1 / 111.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
السيد السيستاني يستقبل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق
|
|
|