المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6104 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آثار امللك سعنخ كارع.  
  
138   07:15 مساءً   التاريخ: 2024-07-03
المؤلف : سليم حسن.
الكتاب أو المصدر : موسوعة مصر القديمة.
الجزء والصفحة : ج3 ص 119 ــ 131.
القسم : التاريخ / العصور الحجرية / العصور القديمة في مصر /

وقد بقي لنا عدد محدد من الآثار الصغيرة التي تحمل اسم الفرعون «سعنخ كارع» ففي سقارة عثر له على تمثال محفوظ الآن في متحف اللوفر، ويقال: إن له كذلك خاتمًا من الذهب نُقش عليه اسمه (Wiedemann Ibid, P. 221). وتوجد له لوحة من ودائع الحجر الأساسي لمعبده، وهي بديعة الصنع قد نُقش عليها «ملك الوجه القبلي والوجه البحري (سعنخ كارع) محبوب «منتو» رب طيبة.» (Petrie, Historical Scarabs, P. 165). وقد عثر «نافيل» على خرزة كرية الشكل لونها أزرق قاتم تحمل لقبه. (Hall, Egyptian Scarabs in the British Museum No. 61). وكذلك يوجد في مجموعة «بتري» جعران ولكن يحتمل أنه من عصر متأخر. (Petrie, Scarabs and Cylinders Pl. XI, 11. 9). على أنه إذا كان «سعنخ كارع» قد قارب الخمسين من عمره عند توليته عرش الملك فقد كانت الضرورة تملي عليه أن يسارع في إقامة مثواه الأخير، ولكن تدل ظواهر الأمور على أنه كان يقوم بهذا العمل بشيء من الفتور والتراخي. (Winlock, A. J. S. L. 1915 P. 29, Figs 1, 6–9; 1941, P. 146, Pl. 23). فنعرف أنه قد وضع تصميم طريق ابتداء للعمل في البقعة التي قام عليها معبد الرمسيوم الحالي، وكان الحجارون قد بدءوا من جهة أخرى يقطعون طريق المعبد في الطرف الجنوبي لشيخ عبد القرنة وعلى سفح التلال للجبل، وكان انحدار هذا الطريق بنسبة واحد إلى خمسة وعشرين، ومن المحتمل أن هذين المكانين اللذين ابتدأ عندهما العمل لم يتصل بعضهما ببعض قط، وإذا اتخذنا الخنادق الظاهرة حتى الآن وهي التي قُطعت في سفح التل، أساسًا لحكمنا استنتجنا أن العمل كان يقوم به شرذمة قليلة من العمال، وقد تركوا عدة قطع من الأحجار المنزوعة من الصخر في مكانها في الرصيف السفلي من الجبل، وإنه لمن السهل أن يتتبع الإنسان أثر الجانبين اللذين سيتكون منهما عرض الطريق، ومن ثم يمكن الحكم بأن تصميم عرضه كان مثل عرض طريق «نب حبت رع«. وفي أعلى هذا الطريق كان العمال قد بدءوا عمل رصيف ممهد تقريبًا طوله نحو 100 متر، ومن المحتمل أن عرضه كان يساوي طوله لو تم، وكذلك كان العمل قد بُدئ في حفر خندق لإقامة جدار طوله نحو 70 ذراعًا أمام مقبرة الملك، غير أنه لم يتم، وكان قد وضع خمس ودائع لحجر الأساس، وهي قربان من اللحم في حُفَر عُملت في الصخر، وكذلك شرع العمل في نحت قبر للفرعون، غير أنه لم يتم منه إلا قطع الممر المنحدر، وطوله نحو 35 مترًا. وعندئذ أُعلن وفاة الفرعون؛ فكانت النتيجة أن وُسع نهاية الممر بسرعة واتُّخذ منه حجرة دفنٍ للملك، ثم سُدَّت بعدُ بقطع من الحجر الجيري الأبيض بدلًا من حجر الجرانيت الذي كان يغلَق به حجرة دفن الملوك.

المعبد: أما معبد الفرعون فكان يتألف من جدار رخيص ملتوٍّ بني، من اللبن، فوق المكان الذي دُفن فيه، وقد أقيم خارج هذا المعبد بيت صغير من اللبن للكاهن الحارس، ولم نجد حول قبر هذا الفرعون إلا حُفرًا صغيرة اتُّخذت مقابر، وكان لكل منها بئر مستطيلة الشكل، ولم يقُم بجواره حتى فيما بعد إلا بعض مدافن مربعة الشكل في أوائل الأسرة الثامنة عشرة.

مقبرة مكت رع (1): أما الأغنياء الذين كان في مقدورهم أن ينحتوا لأنفسهم مقابر على جوانب التل المشرف على موقع هذا المعبد، فكان يبلغ عددهم نحو الثلاثين. على أنه من الأمور الغريبة التي يلاحظها الإنسان في هذا المكان أنه كلما جال المرء حول منحدرات هذا التل يلحظ أن معظم هذه المقابر التي حُفرت في واجهته قد هُجرت قبل أن يتم العمل فيها، وأن العدد القليل منها نسبيًّا هو الذي قد استُعمل للدفن فعلًا، ففي واحد منها نجد اسم مدير البيت للقصر الداخلي المسمى «سي أنحور» على قطعة من غطاء وجه (Winlock, Dier el Bahri P. 32). ولكن أهم القبور وأعظمها في الجبانة كلها كان قبر الأمير الوراثي، والحاكم، وخازن بيت مال ملك الوجه القبلي والأمير الوراثي، عند بوَّابة (جب) مدير البيت العظيم والسمير الوحيد، وحامل الختم «مكت رع» وهو نفس الرجل الذي ذهب في ركاب الفرعون «نب حبت رع»، ومضى اسمه في «شط الرجال» على الصخور بوصفه المحبوب حقًّا من سيده وحاكم المحاكم الست العظيمة. والواقع أن محتويات هذه المقبرة قد كشفت لنا عن صفحة مجيدة في حياة القوم الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والدينية بشكل مجسم مما لم نكن نحلم به في هذا العصر البخيل بآثاره. ولذلك سأتكلم عنها وعن محتوياتها ببعض التفصيل، ولنترك الملوك وآثارها ونعيش مع موظف كبير وما يحيط به من عامة الشعب على مختلف نِحلهم وطبقاتهم. نُحتت هذه المقبرة العظيمة في الصخرة المطلة على معبد الأسرة الحادية عشرة بالدير البحري، وقد حاول الكشف عنها «درسي» في عام 1895 فلم يصل إلى نتيجة، ثم جاء بعده «السير مند» عام 1902 واستطاع كشف الطريق المؤدِّية إلى بابها (A. S. II. P. 133 & VI, P. 77) ، وقد بقيت مطمورة بالأتربة حتى كشف عنها «ونلك» عام 1922. و«مكترع» هذا كان موظفًا كبيرًا يلقَّب بحامل الختم ومدير القصر، عاش في عهد الملك «منتو حتب الثالث» وقد عثرنا قبل على اسمه في معبد هذا الملك بالدير البحري (Naville, XI, Dyn. Temple II. Pl. IX. d.)، والظاهر أنه عاش في عهد الملوك الذين خلفوا «منتو حتب الثاني»، وتدل محتويات قبره على أنه كان صاحب سلطان عظيم في البلاط، فقد انتخب لنفسه أفخم مكان في جبانة عصره، فهو يشرف كما قلنا من قبل على معبد سيده الجنازي، ويمكن مشاهدة القبر من ساحة المعبد، وتصميم المقبرة يُشعر بأن «مكترع» قد نحت لابنه المسمى «أنتف» مقبرة في نفس مقبرته، وقد أصبح فيما بعد «أنتف» هذا أميرًا، وحامل ختم الملك، ورغم أن المقبرة وُجدت منهوبة فقد عثر فيها على حجرة سرداب لم يُمس بعد.

السراديب ومحتوياتها: وقد كان استعمال السرداب شائعًا في عهد الدولة القديمة ومخصصًا لحفظ تماثيل المُتوفَّى في بادئ الأمر، ثم أخذ القوم بالتدريج يضعون فيه مع تمثال المُتوفَّى بعض أفراد أسرته أو خدمه، وقد كانوا أحيانًا يضعون سردابًا خاصًّا للخدم وأصحاب الحرف والصناعات التي كان يحتاج إليها المُتوفَّى في آخرته، كل ذلك كان يُصنع من الحجر الجيري الأبيض أو الحجر المحلي في جبانة الجيزة أو في جبانة سقارة. وفي عهد الأسرة السادسة كثر عملها من الخشب؛ وربما كان سبب ذلك اتصال التجارة بين مصر و«سوريا» وجلب الخشب منها. وقد لاحظنا أن هذه التماثيل أخذت تكثر شيئًا فشيئًا، وبخاصة أنها كانت مجرد نماذج صغيرة، ولوحظ أن تمثال صاحب المقبرة أخذ يصغر حجمه حتى أصبح في النهاية يعمل بحجم تماثيل الخدم وأصحاب الحرف والصناعات. وقد رأينا في أواخر الدولة القديمة وما بعدها أن تماثيل الخدم وأصحاب الحرف والصناعات تُعمل في مصانع خاصة بها كما يظهر، وتكوِّن كل منها فرقة خاصة بصناعة أو حرفة أو تعمل في قوارب. أما تمثال صاحب المقبرة فقد كان يشرف على ما تقوم به هذه الفرق من الأعمال، وقد كانت العقيدة السائدة في هذه الفترة عند معظم الشعب أن روح هذه النماذج من العمال، وكذلك روح الطعام الذي كانوا يصنعونه ليكون خالدًا يمد صاحب المقبرة بما يحتاج إليه من طعام وغيره، وهذه الفكرة كانت منتشرة انتشارًا عظيمًا بين المصريين حوالي سنة 2000ق.م، فكان كل فرد في مقدوره أن يشتري مثل هذه النماذج لتوضع معه حول تابوته أو بالقرب منه في المقبرة، وكان لا يتأخر قط عن الحصول عليها؛ ولذلك نجد بعض التماثيل من هذا النوع منتشرة في متاحف العالم، على أن المهم في مقبرة «مكترع» هو أنه كان رجلًا صاحب يسار وثروة عظيمة، وأراد حسب اعتقاده أن يحيا حياة بذخ وترف في عالم الآخرة كما كان ينعم بالحياة في الدار الفانية؛ ولذلك جهز نفسه بمجموعة فخمة من هذه النماذج مما لم يعثر على مثيلاتها للآن لشخص عادي. ويرجع الفضل في بقاء هذه المجموعة لنا إلى مهندسه الذي عاد إلى اتباع طريقة بناء السرداب، كما كانت الحال في عهد الدولة القديمة مما لم يتنبه إليه اللصوص الذين تعودوا نهب القبور في هذا العهد، ولذلك أفلتت من أيديهم هذه المجموعة الفذة لفائدة العلم والتاريخ، وما ذلك إلا لأن طريقة وضعها في المقبرة لم تكن مألوفة للصوص الذين كانوا يعرفون طرق الدفن في ذلك العصر وفي كل عصر بمهارة فائقة، ونحن بوصفنا هذه المجموعة هنا نكشف عن صحيفة اجتماعية في تاريخ الشعب المصري في تلك الفترة الغامضة.

شكل 1: حاملة القرابين.

على أننا في مثل هذا الكتاب لا يمكننا أن نصف مجموعات النماذج التي بلغت أربعًا وعشرين، جهز بها «مكترع» قبره لتقوم بحاجياته في الحياة الآخرة. والواقع أن كثيرًا من هذه المجاميع يوضح لنا عمليات ومناظر حيوية وصناعات دقيقة وغير ذلك مما يحتاج إلى درس طويل قبل أن نشرح تفاصيل كل مجموعة شرحًا وافيًا، ولا نزاع في أن هذه التفاصيل وبخاصة ما دق منها هي التي تصور لنا حياة وادي النيل منذ أربعة آلاف سنة مضت، وفي ذلك تنحصر أهمية هذه النماذج فهي صور مجسمة من الحياة اليومية بعيدة عن الفكرة الدينية المحضة التي كانت الوازع في عمل الأثاث الجنازي، فمثلها عندنا اليوم مثل متاحف الشمع، وإذا استثنينا من بين هذه النماذج ثلاث مجموعات لها علاقة مباشرة بالفكرة الدينية كان ما تبقى منها دنيويًّا محضًا.

 

شكل 2: إحصاء الماشية.

 

وهذه المجاميع الجنازية تنحصر فيما يأتي: مجموعة تمثل بنتين واقفتين على جانبي السرداب، وترتدي كل منهما ملابس طلية ملوَّنة بالألوان الزاهية، وتحمل كل منهما قربانًا؛ فإحداهما على رأسها سلة فيها لحم وخبز وفي يد كل منهما إوزة حية، وتمثالا هاتين البنتين مصنوعان من الخشب بنصف الحجم الطبيعي. والمجموعة الثانية تتألف من أربعة أشخاص واقفين على كرسي واحد جميعًا، ويمثلون على التوالي كاهنًا مستعدًا بمبخرته وآنية الطهور، ورجلًا يحمل على رأسه مجموعة ملاءات من الكتان للأسرة، واثنتان أخريان تحملان إوزًا وسلتين فيهما طعام، أما ما بقي من النماذج التي يحتويها السرداب فتمثل صور الحياة التي كان ينعم بها «مكترع» مدة حياته في عالم الدنيا، وهي نفس الحياة التي كان يزعم أنه سيتمتع بها في الحياة الآخرة.

شكل 3: حظيرة الذبح.

 

وأفخم هذه الصور وأعظمها المجموعة التي يظهر فيها هذا العظيم وهو يحصي ماشيته بمتحف القاهرة، وقد ظهر هذا المنظر ممثلًا في الردهة التي أمام بيته، ويطل عليها إيوان ذو أربعة عمد ملونة بألوان زاهية، وفيه يجلس «مكترع» ومعه ابنه ووارثه، ويلاحظ أنهما متربعان على رقعة الإيوان في جانب منه، وفي الجانب الآخر جلس أربعة من الكتبة منهمكين في تدوين حسابات الضيعة على قراطيس البردي، وترى ساقيه ومن يرعى بيته قد وقفوا في الإيوان على إحدى مراقيه، وفي الردهة المقابلة للإيوان يقف رئيس الرعاة منحنيًا تحية لسيده ويقدم له تقريره عن الإحصاء، وفي بداية هذا المنظر يشاهد الرعاة وهم يلوِّحون بعصيهم ويشيرون بأيديهم حينما يسوقون ويقودون الماشية المختلفة الألوان، وقد مثل كل من هذه الماشية بحجم يبلغ حوالي ثلثي قدم، ولا يعتبر صنع تماثيل تلك الماشية من النوع الممتاز من الوجهة الفنية، غير أنها مع ذلك تشعر بصدق التمثيل ودقة الملاحظة؛ إذ إن حركاتها قد أبرزت بحذق، فهذه النماذج بما فيها من ألوان زاهية تعبر عن الحياة والمرح اللذين لا تصادفهما في القطع المصرية الفنية التي صُنعت حسب قواعد موضوعة متبعة.

طريقة تسمين الثيران: وبعد عملية الإحصاء هذه لثيران «مكترع» نجده قد مثل لنا طريقة تسمين الثيران في الحظيرة (تماثيل هذا المنظر محفوظة في متحف متروبوليتان) فنشاهد في الحجرة التي تُعلف فيها الثيران لتسمينها بعض الحيوان مربوطًا حول مقود، ثم نشاهد في حجرة أخرى الثيران التي قد سمنت وهي تُغذى باليد، ويلاحظ أن الثور قد امتلأ جسمه لحمًا وشحمًا؛ لدرجة أنه أصبح من ثقل من وزنه راكعًا على الأرض، والراعي يدس له الطعام في فمه دسًّا.

ذبح الثيران وتجفيف لحمها: وبعد ذلك ننتقل إلى آخر منظر في حياة الثور، وأعني بذلك حظيرة الذبح (متحف المتروبوليتان) فنشاهد هنالك الثيران وقد سيقت إلى قاعة ذات عمد مكوَّنة من طابقين مفتوحة للعراء من جهة واحدة، فهناك تُطرح الثيران أرضًا بعد أن تعدَّ للذبح، وترى أن في هذه الحظيرة كاتبًا ومعه أدوات الكتابة المؤلفة من جعبة أقلام وقرطاس من البردي يقوم بعملية الحساب، وترى كذلك رئيس القصابين يشرف على عملية الذبح، وطاهيَين يقومان بطهو عصيدة دم على مواقد في ركن الحظيرة، وفي شرفة القاعة قطع لحم معلقة للتجفيف.

أهراء الغلال: ونشاهد أنه بعد أن يحصل «مكترع» على حاجته من اللحم، يهتم بالحبوب التي كانت تعد لطعامه، فنشاهد أهراء الغلال، وترى كتبة يجلسون في ردهته كل يحمل قلمه وقرطاسه ليدوِّن حساب الغلال، ونشاهد في الوقت نفسه رجلين يكيلان القمح بمكاييل خاصة ليوضع في حقائب يحملها طائفة من الرجال ويصعدون في سلم ليضعوها في مخازن عظيمة الحجم بمتحف المتروبوليتان، وقد جلس عند باب الحظيرة «أحدب» وفي يده عصا يشرف على العمل بيقظة حتى لا يترك العمل عامل قبل انتهاء الوقت المحدد.

صناعة الخبز والجعة: ثم ننتقل بعد ذلك إلى مشهد صناعة الخبز والجعة، وقد خُصص لهما بناء واحد، بمتحف المتروبوليتان، فيشاهد في الحجرة الأولى من هذا المبنى امرأتان تطحنان القمح، ثم يُرى رجل يصنع من دقيقه أقراصًا من عجين يلوكها آخر في وعاء، وبالقرب منه نجد العجينة التي تُركت لتختمر في أربعة قدور، وبعد أن تختمر العجينة يشاهَد إنسان آخر يصبها في صف من الأواني المصفوفة وقد أحكمت عليها سداداتها ووضعت مسندة على طول جدار الحجرة، أما في الحجرة الثانية فنجد عملية إنضاج الخبز؛ حيث نشاهد رجالًا يدقون الحبوب بمدقات، ونساء يطحنَّ الدقيق، وآخرين يقلبون العجين ويصنعون منه أرغفة وفطائر في أشكال غريبة، وغيرهم يقومون بوضعها في الأفران.

النسيج والتجارة:

شكل 4: حانوت النسيج.

 

شكل 5: حانوت النجارة.

 

أما الأشغال اليدوية فقد عُثر منها على نموذجين: فنجد في صورة نساء يغزلن وينسجن في حانوت، كما يشاهد النجارون يقومون بعملهم في حانوت آخر، وفي حانوت النسيج ثلاث نسوة قد أحضرن الكتان ووضعنه في وعاء ليقوم بنسجه ثلاث نسوة أخر، بعد أن تقوم بغزله نسوة يشاهَدن واقفات، وفي اليد اليسرى لكل منهنَّ مغزل تحركه بيدها اليمنى على ركبتها بمتحف القاهرة، وعندما تمتلئ المغازل بالخيوط المغزولة، توضع محتوياتها على حمالات مثبتة في الجدار المقابل الذي يشتغل النسوة بجواره، ونشاهد في نفس الوقت نساء ينسجن على آلتين (نولين) منصوبتين على رقعة الحجرة. ننتقل بعد ذلك إلى حانوت النجار وهو مكوَّن من ردهة مسقف نصفها، وتحتوي على مشحذ لشحذ آلات النجارة وصندوق ضخم يضم الآلات اللازمة؛ ففيه مناشير وقواديم وأزاميل ومخاريز، وهذا الصندوق موضوع تحت الجزء المسقوف من الحانوت (متحف القاهرة)، أما في العراء فيجلس النجارون زمرًا يقومون بقطع الأخشاب الغليظة بالقواديم، ثم يصقلون سطحها بقطع كبيرة من الحجر الرملي، وفي وسط تلك الردهة نشاهد نشارًا ربط قطعة من الخشب في عمود وأخذ في نشرها ألواحًا، وفي مكان آخر نرى نجارًا جالسًا على الأرض وفي يده لوح من الخشب يقوم بثقبه بمثقب ومدقة.

بيته وحديقته: نعود الآن إلى ما أعده «مكترع» لنفسه في حياته الخاصة المنزلية، فنشاهد أنه قد شيد لنفسه حديقتين منقطعتي النظير في كل ما عثر عليه من الآثار المصرية في هذه الناحية.

شكل 6: البيت والحديقة.

 

والواقع أن المفتن المصري الذي صنع نماذجهما قد بذل مجهودًا جبارًا في إظهار كل الأجزاء الهامة التي ينتظمها بيت الشريف المصري وحديقته التي تسرِّي عن قلب صاحبها، وتُدخل عليه الفرح والغبطة بمناظرها البهجة الأنيقة، وجزء من نماذج هذين المنظرين يوجد بمتحف القاهرة والجزء الآخر بمتحف المتروبوليتان وأول ما يلاحَظ أنه قد أقام جدارًا حاجزًا يحجب البيت عن العالم الخارجي، وفي داخل هذا الجدار أنشأ بركَة مستطيلة الشكل صنعها من النحاس حتى يسهل وضع ماء حقيقي فيها، ثم حفَّها بأشجار الفاكهة وأنشأ قبالتها إيوانًا عظيمًا محلَّى بعمد ملونة بألوان نضرة بهجة، وفي نهاية هذا الإيوان أقيم باب رسمي ذو مصراعين، في أعلاه نافذة يدخل منها الهواء والنور، وكذلك أقيم باب آخر صغير للاستعمال العادي، وتشاهد أيضًا نافذة طويلة يخيل للإنسان أنها واجهة البيت نفسه، وقد صُنعت أشجار هذه الحديقة من الخشب، وكل شجرة قد رُكبت فيها أوراقها بعد حبك صناعتها، وهذه الأشجار تمتاز بالبساطة الطبعية التي نشاهدها ماثلة في كل هذه النماذج، أما فاكهة هذه الأشجار فيلاحظ أنها لا تنبت من أغصان الأشجار، بل من سيقانها الأصلية وفروعها.

نماذج سفنه المختلفة: على أن نصف ما عثر عليه من تلك النماذج كان يشتمل على قوارب وزوارق من التي تجري في النيل والبحر، ولا غرابة في ذلك فإن الشريف في تلك الأزمان كان في حاجة ماسة إلى القيام بأسفار في النيل جنوبًا وشمالًا ليدير أملاكه المبعثرة أو ليقوم بما عليه من الواجبات في إدارة حكومة البلاد، ولقد كانت الأسفار في الأزمان الغابرة دائمًا بالنيل في القوارب، وكان لعظماء القوم بطبيعة الحال سفنهم الخاصة بهم للسياحة والنزهة، ولا يدهشنا ذلك؛ لأن النيل والمستنقعات كانت هي مسرح المصريين في غدواتهم وروحاتهم، ومن أجل ذلك كان نصف النماذج التي عثرنا عليها قوارب وسفنًا لتقوم بسد حاجات «مكترع» في عالم الآخرة الذي لم يكن في نظر المصري إلا صورة من عالم هذه الدنيا كما ذكرنا. على أن «مكترع» قد عاش في عصر يبعد جيلًا أو جيلين عن العصر الذي ظهرت فيه الشعائر الدينية الجديدة في الوجه القبلي، وهي التي كانت تتطلب من المصري أن يجهز نفسه بقارب مقدس ليصحب الشمس في سياحتها، ونتشكك كثيرًا في أن «مكترع» قد أعدَّ واحدًا من هذه القوارب لغرض جنازي، بل الواقع أنها كانت نماذج لسفن عادية من التي كانت تمخر عباب النيل صعودًا وهبوطًا منذ أربعة آلاف سنة مضت. ويوجد من بين هذه القوارب المصغرة أربعة، وطول الواحد منها في الأصل نحو أربعين قدمًا، وقد صنع نموذجه في نحو أربعة أقدام فقط، ويحتوي القارب على عدد من الملاحين يتراوح بين اثني عشر وثمانية عشر عدا الرعاة والرماة والضابط. وكانت هذه القوارب عندما تقلع نحو الجنوب إلى أعالي النيل سائرة مع الريح الشمالية، تنشر فيها أربعة من الشرع، ونشاهد النواتي الصغار يثبتون الأمراس ويشدون حبال الشرع بمتحف القاهرة ولكن في العودة عند الانحدار مع تيار النيل حيث يضاد التيار الريح؛ تخفَض السارية، ويُلَف الشراع على سطح السفينة، ويشتغل الملاحون بالمجاديف، كما نشاهد اليوم في قوارب النيل. وترى في كل من هذه القوارب الشريف «مكترع» جالسًا على فراش وثير فوق كرسي، وفي يده زهرة يشم عبيرها، كما يشاهَد ابنه جالسًا بجانبه، وفي الجانب الآخر منه مغنٍّ يمسح فمه ليجلو صوته للغناء، وفي إحدى هذه المناظر ترى بجوار المغني عوَّادًا ضريرًا، وقد وضع عوده على قاعدة من الخشب بين ركبتيه (متحف المتروبوليتان)، ومما تجدر ملاحظته في أحد هذه القوارب أن الصانع كان يتوخى تمثيل الحقيقة إلى درجة تثير الإعجاب والضحك معًا؛ إذ نجد في حجرة قارب من هذه النماذج مدير البيت ممثلًا جالسًا وبجانبه كوَّة، فيها حقيبتان مستديرتان في النهاية تشبه كل منهما تلك التي كانت تستعمل منذ جيلين من الزمان عندنا للسفر (متحف القاهرة).

 

شكل 7: قاربان تصيد السمك.

 

ولم تكن سفن النهر في هذا الوقت كبيرة الحجم؛ ولذلك لم يكن يطهَى الطعام فيها، بل كان يهيَّأ للمطبخ قارب خاص يسير وراء القارب الكبير وعند تناول الطعام كان يُربط به، (متحف المتروبوليتان). هذا؛ ويشاهَد على سطح القارب نساء يطحنَّ ورجال يعجنون أحيانًا بأيديهم وأحيانًا بأرجلهم، ثم يقتطعون الرغفان من العجينة بأيديهم. وكذلك نرى في حجرات القوارب قطع اللحم معلقة، ورفوفًا صُفت عليها أواني الجعة والنبيذ، وأظن أن ذلك منتهى ما يمكن رؤيته من ضروب البذخ وحياة الرفاهية والنعيم في عصرنا. أما في السياحات القصيرة الأمد أو النزهة فكانت تُستعمل قوارب نزهة صغيرة ضيقة الحجم ذات لون أخضر، قيدومها، ومؤخرتها معقوفان، وعندما يكون الريح ساكنًا ملائمًا يرفع الملاحون السارية، وينشرون الشراع المربع الشكل، وهو الذي كان يُستعمل في سفن السياحة، أما إذا كان معاكسًا فكانت تُنزَّل السارية ويطوى الشراع ويقوم ستة عشر نوتيًّا بالتجديف (متحف المتروبوليتان) ومثل هذه القوارب كانت خالية من حجر النوم، وكان الشريف وابنه يجلسان تحت قبة صغيرة مفتوحة. أما إذا خرج الشريف لصيد الطيور والسمك فكان يستعمل لهذا الغرض قاربًا صغيرًا (متحف المتروبوليتان) وكان يقف في مقدمته الصيادون بمقامعهم، وإذا صيدت سمكة عظيمة الحجم جرت من حافة القارب إلى داخله، ويلاحظ أنه قد ربط في جانب حجرة القارب عمد وأوتاد خاصة بشباك الطير، وترى في القارب ولدًا وابنة قد أحضرا إوزًّا حيًّا مما اصطاده الشريف وابنه، ويشاهَدان جالسين فوق سطح القارب، ثم نشاهد أخيرًا قاربين من الغاب يجرَّان شبكة عظيمة مفعمة بالأسماك؛ ويلاحظ أن كل قارب من هذين يجدف فيه رجلان، وفي وسط القارب يقف صيادو السمك وهم يجرون الشبكة ومعهم مساعد يأتي بالسمك إلى القارب (متحف القاهرة). على أن الأهمية العظمى التي نستخلصها من نماذج السفن هذه منحصرة في المعلومات التي نصل إليها عن كيفية تجهيز السفن بالأمراس والأشرعة والمجاديف، فقد وجدناها تامة إلى حدٍّ بعيد جدًّا ومُحكمة الترتيب والإتقان، ومحفوظة بحالة جيدة لدرجة أن في إمكاننا مشاهدة أمراس القارب وعقده سليمة جدًّا، وكذلك وجدنا المجداف الذي يحرك السكان في حالة جيدة يمكننا بها فحصه تمامًا لأول مرة، وقد ذكر لنا الأستاذ «ونلك» أنه في صيف عام 1921 قد بعث الدهشة والعجب في نفوس أهالي ساحل «مين» في الولايات المتحدة إلى درجة يقصر عنها الوصف عندما جهز قاربًا بأمراس وآلات لقارب صُنع على نمط قوارب الأسرة الحادية عشرة، فقد صنع مجاديف عظيمة الحجم كالتي على القوارب المصرية، ثم أقام فيها أعمدة لسكان القارب، ووضع المجاديف في أماكنها، ونقل كل الحركات التي كان يقوم بها المصريون في تجديفهم، وقد أسفرت التجربة عن نجاح باهر جدًّا.

..........................................

1- M. M. A. December 1920, P. 14 ff




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).