أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-18
933
التاريخ: 2023-12-19
1059
التاريخ: 25-9-2016
2299
التاريخ: 2023-12-19
1052
|
[على طالب العلم] أن يحسن نيّته ويطهّر قلبه من الأدناس والذنوب والمعاصي، ليصلح لقبول العلم وحفظه واستمراره، فإنّ القلب سلطان البدن، فإذا صلح صلح الجسد كلّه، وحرام على قلب مذنب ظلماني أن يدخله النور، واستعن على الحفظ وزيادة الحافظة بقلّة الذنوب وتركها، فإنّ الذنب على الذنب من دون التوبة، وتبديل السيّئات بالحسنات، يوجب النسيان، وقلّة الحافظة، وضعف القوّة الدرّاكة.
"لا بدّ لطالب العلم من النيّة في تعلّم العلم، إذ النيّة هو الأصل في جميع الأحوال لقوله تعالى: (إنَّما الأعْمالُ بِالنِّيَّاتِ)، ولقوله (صلى الله عليه وآله): (لكلّ امرئ ما نوى) فينبغي أن ينوي المتعلّم بطلب العلم رضاء الله تعالى وإزالة الجهل عن نفسه وعن ساير الجهّال، وإبقاء الإسلام وإحياء الدين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نفسه ومن متعلّقاته ومن الغير بقدر الإمكان، فينبغي لطالب العلم أن يصبر في المشاقّ ويجتهد بقدر الوسع فلا يصرف عمره في الدنيا الحقيرة الفانية، ولا يذلّ نفسه بالطمع، ويجتنب عن الحقد ويحترز عن التكبّر" (1).
ويجتنب الذنوب والمعاصي، فإنّ إحدى آثار تصفية الروح ونتائجها اجتناب الذنوب والآثام، فترك المعاصي من أهمّ الشروط في تحصيل العلوم الإسلاميّة، فمن يسودّ قلبه بالمعاصي والمحرّمات، كيف يتوفّق بكسب نور العلم.
شكوت إلى وكيع قلّة الحفظ، فقال: استعن على الحفظ بترك الذنوب.
وعلمائنا الأعلام لم يتركوا الذنوب وحسب، بل تركوا المكروهات، وحتّى منهم من ترك الحلال. فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فمن لم يراعِ جانب التقوى والورع عن المحارم في حياته الحوزويّة فإنّه لا يتوفّق في تحصيل العلم، وكثيراً ما يترك الحوزة وينزع العمّة.
يقول العارف بالله الشيخ حسين قلي الهمداني في إحدى رسائله: « وما استفدته أنا الضعيف من العقل والنفل، إنّ أهمّ الأشياء لطالب القرب هو الجدّ والسعي في ترك المعصية، وما لم تؤدِّ هذه الخدمة فإنّ ذكرك وفكرك بحال قلبك، لن ينفعك شيئاً، لأنّ خدمة الشخص للسلطان أعظم من هذا السلطان العظيم الشأن، وأيّ خصومة أقبح من هذه الخصومة.
فافهم ممّـا ذكرت أنّ طلبك محبّةً إلهيّة مع كونك مرتكباً للمعصية أمر فاسد جدّاً، وكيف يخفى عندك أنّ ترك المعصية أوّل الدين وآخره وظاهره وباطنه، فبادر إلى المجاهدة، واشتغل بتمام الجدّ في المراقبة، من أوّل قيامك من نومك في جميع آناتك إلى نومك، والزم الأدب في مقدس حضرته، واعلم أنّك بجميع أجزاء وجودك ذرّةً ذرّة أسير قدرته، وراعِ حرمة شريف حضوره، واعبده كأنّك تراه (2).
فطالب العلم لا بدّ له أوّلا من تصحيح النيّة، بأن يطلب العلم لله سبحانه، ثمّ يترك المعاصي، فإنّه يغفر للجاهل سبعون ذنباً، قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، وكيف من عرف أنّه في محضر ملك الملوك، في محضر ربّ العالمين يعصي الله؟
كثيرٌ من سلفنا الصالح كانوا طيلة حياتهم لا يرتكبون مكروهاً ولا مباحاً، فكيف بالحرام؟ وفي عصرنا، يقال عن آية الله العظمى السيّد الخونساري (قدس سره): من يوم بلوغه لم يرتكب ذنباً. وسيّدنا الاُستاذ آية الله النجفي المرعشي (قدس سره) قال لي: لم أعمل ما يوافق هواي منذ البلوغ. وأحد الأخوين الشريف الرضي والسيّد المرتضى علم الهدى عليهما الرحمة لم ينوِ المكروه من يوم بلوغه، ومثل هذه الحالات إن دلّت على شيء فإنّها تدلّ على طهارتهم ونزاهتهم وعصمتهم الأفعاليّة الجزئيّة، التي هي تالي تلو العصمة الذاتيّة الكلّية الواجبة كما في الأنبياء والأئمّة الهداة المعصومين (عليهم السلام) وفاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليها السلام).
فلا بدّ لطالب العلم في سيرته الأخلاقيّة منذ اليوم الأوّل أن يجتنب المكروهات فضلا عن المحرّمات، ويشتغل بالمستحبّات والنوافل فضلا عن الواجبات، ولا يقول: (كلّ مكروه جائز)، فربّ مكروه يبعّد الإنسان عن ربّه، وربّ نافلة تقرّب العبد إلى الله كما ورد في الخبر الشريف: « يتقرّب العبد إليّ بالنوافل حتّى اُحبّه، فإذا أحببته أكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها » أي يكون مظهراً لأسماء الله وصفاته العليا، فعينه عين الله ويده يد الله وسمعه سمع الله، وأيّ مقام أعظم من هذا، فإنّه لا يلقاه إلاّ ذو حظٍّ عظيم.
يقول العارف الكبير آية الله البيدآبادي في وصيّته: عليه إذن أن يوحّد همومه (يجعلها همّاً واحداً)، وأن يبذل كامل الجدّ والجهد، ليضع قدمه في جادّة الشريعة، ويحصّل ملكة التقوى، أي لا يحوم بقدر الممكن حول الحرام والمشتبه المباح، قولا وفعلا وحالا وخيالا واعتقاداً، لتحصل له الطهارة الصوريّة والمعنويّة، وهي شرط العبادة، وليترتّب أثر على العبادة، ولا تكون محض صوريّة (3).
الله الله في صدق النيّة وتطهير النفس وتهذيبها وتزكية الروح وصيقلة القلب ونوره بالطاعة وترك المعاصي والمكروهات.
(وَما اُمِروا إلاّ لِيَعْبُدوا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ) (4).
فأوّل شرط طلب العلم: تطهير النيّة والإخلاص، فلا يرفعوا قدماً ويضعوها منذ البداية إلاّ (لله) خالصاً مخلصاً، ويبتعدوا عن الأوهام والخيالات الباطلة، ولا يكون هدفهم أبداً الوصول إلى مطامع الدنيا وزخارفها الملوّثة.
فيبعد عن نفسه منذ اليوم الأوّل وساوس الشيطان والتفكير بالرئاسة والمرجعيّة وإمامة الجمعة والجماعة ونيابة المجلس في عصرنا هذا، وإقبال الناس إليه وتقبيل يده، وأمثال ذلك، فإنّه يضرّه ولا ينفعه أبداً، وما يزداد من علمه إلاّ بعداً عن ربّه، ويكون العلم هو الحجاب الأكبر.
فالعمدة: النيّة الصادقة والتقوى والإخلاص، وإنّما يحصل الطالب عليها بالتأمّل والتفكّر، فإنّ التفكّر أبو كلّ خير واُمّه ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ ثمّ الدعاء والتوسّل بالله ورسوله والأئمّة الأطهار وأرواح علمائنا الكرام، والذين جاهدوا في الله سبحانه فإنّه يهديهم السبيل ويوصلهم إلى المطلوب، ويفتح لهم أبواب السماوات والأرض، فيوفّقهم ويسعدهم ويهيّئ لهم الأسباب، فإنّه إذا أراد الله بعبد خيراً هيّأ له الأسباب، ولا يكون ذلك إلاّ لمن كان من أهل الخير والصلاح وأراد الله بقلبه، وتوجّه إليه بوجوده وكيانه وحياته.
واعلم أنّ الإنسان إنّما هو ذو بعدين: بُعد روحي وبُعد جسدي. والأوّل راكب والثاني مركوب يخدمه، ثمّ الأوّل له مراحل في كمال مادّته من النطفة وحتى العلقة والمضغة، وهكذا حتّى يكون إنساناً كاملا، ثمّ يردّ إلى أرذل العمر، ثمّ يموت، وكلّ هذا إنّما هو بالجبر والقهر والقسر، وليس باختيار الإنسان، ويعبّر عن الإنسان في هذا البعد بالشخص لتشخّصه وتعيّنه بالامتداد الثلاثة ـ الطول والعرض والعمق ـ في عالم الخارج وعالم الجزئيات، وأمّا البعد الآخر والذي يسمّى بالشخصيّة وتشير إليه كلمة (أنا) الملازمة على بساطتها وعدم تركّبها وتقسّمها وتجزّئها منذ تكوّن الجنين وحتّى المعاد، وإنّها مخلّدة وباقية، إلاّ أنّ سير تكاملها إنّما بالاختيار.
ثمّ كما ورد في الخبر الشريف: « الناس نيام إن ماتوا انتبهوا »، فإنّ الإنسان بعد موته، يرى ملكوت الأشياء بعدما كان يرى ملكها في الدنيا، أي يرى حقائق الأشياء كما هي، ويكون بصره اليوم حديد، ونافذ إلى عمق الأشياء وملكوتها، فيكون يقظاً ومتنبّهاً بعد ما كان في سبات الغفلة ونوم السهو، فإنّه بعد الموت يصحو ويتنبّه، ويعبّر عنه باليقظة، ويعدّ حقيقة الإنسان أو أوّل منازل السير والسلوك لمن أراد السير إلى الله سبحانه، ولكن التنبّه واليقظة هذه إنّما هي اختيارية، ويمكن للسالك أن يستيقظ في حياته الدنيوية، ويشاهد ملكوت السماوات والأرض، كما حدث ذلك لأنبياء الله وأوليائه وعباده الصالحين، ومن هذا المنطلق ورد في الحديث الشريف: «موتوا قبل أن تموتوا»، وهذا يعني أنّ الإنسان يمكنه أن يصل إلى حقيقته الإنسانية في حياته الدنيوية هذه، ويدخل في منزل اليقظة، ثمّ يسافر منها إلى منازل اُخرى، فأولى المنازل التوبة، وإنّ الإنسان يتجلّى فيه اسم الله التوّاب، فيتوب من القبائح لقبحها تقرّباً إلى الله سبحانه، وطالب العلم لا بدّ له من حسن النيّة أوّلا، لأنّ الأعمال إنّما هي بالنيّات، فمن لم يكن لله عمله خالصاً فإنّه لا يفلح ولا يصعد الكلم إلى الله سبحانه، إلاّ إذا كان طيّباً، وهو العمل المخلص ـ كما ورد في الروايات ـ وبعد حسن النيّة عليه أن لا يعصي الله جلّ جلاله، ويطهّر قلبه من أن يهمّ بالمعصية أو يخطر على ذهنه ذلك، ويتّقِ الله حقّ تقاته، فإنّ للتقوى مراحل ثلاثة:
1 ـ تقوى العامّ، أي لعامّة الناس، ومنهم طالب العلم، وهي أن يأتي بالواجبات الشرعيّة، ويترك المحرّمات والمعاصي.
2 ـ تقوى الخاصّ، بأن يترك الشبهات فضلا عن المحرّمات.
3 ـ تقوى الخاصّ الخاصّ، بأن يترك الحلال فضلا عن الشبهات، كما يحدّثنا التأريخ بنماذج من علمائنا الأعلام حيث وصلوا إلى هذا المقام ونالوا العصمة الأفعالية الجزئية، حيث من أوّل بلوغهم لم يرتكبوا المعصية، بل لم يفكّروا بعمل مكروه كما يقال ذلك عن السيّد المرتضى علم الهدى (قدس سره)، وقال لي سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد النجفي المرعشي (قدس سره) يوماً: إنّي منذ بلوغي لم أعمل ما يوافق هواي، وهذا مصداق تامّ لما جاء في الخبر الشريف عن صاحب الأمر (عليه السلام): « أمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مطيعاً لمولاه مخالفاً لهواه، فعلى العوامّ أن يقلّدوه ». وبمثل هذه النفوس القدسيّة الطاهرة المطهّرة بقي الدين الحنيف، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام).
حدّثني اُستاذي في السير والسلوك، عن اُستاذه العارف بالله الشيخ رجب علي الخيّاط أنّه في إحدى ضيافاته وكنت معه، قبل الظهر قال لصاحب الدار أحسّ بضعف في جسدي، فجيء بقرص صغيرة من الخبر تصنع في الدار، فأكلها وقام للصلاة، وكان من عادته أن يسلّم بعد الصلاة على رسول الله وعترته الطاهرين (عليهم السلام) فيسمع الجواب ـ كما جاء في زيارة الإمام الرضا (عليه السلام): « أشهد أنّك تسمع كلامي وتردّ سلامي » ـ إلاّ أنّه لم يسمع هذه المرّة، فتعجّب وأخذ يحاسب نفسه من صلاة الصبح حتّى الظهر، ماذا فعل من المعاصي حتّى حجبته عن سماع السلام، فلم يقف على شيء، فتوسّل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) على أن يعلمه بالسبب، فرأى الرسول الأكرم قائلا معاتباً: يا شيخ، كان بإمكانك أن تأكل نصف القرصة لرفع ضعفك، فلماذا أكلت القرصة كلّها؟! وهذا مصداق الحديث الشريف: وفي حلالها حساب، وفي الشبهات عتاب، وفي الحرام عقاب، وكذلك اشتهر: أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فأكل القرصة لا حرمة فيه، إلاّ أنّه يعدّ لمثل المقرّبين وأولياء الله عزّوجلّ ذنب يعاقب أو يعاتب عليه.
فترك المعصية والذنب من أهمّ الشروط التي توجب التوفيق في تحصيل العلوم الشرعيّة، فإنّ العلم ليس بكثرة التعلّم، إنّما هو نور يقذفه الله في قلب من شاء أن يهديه، وذلك لمن خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى، فالله سبحانه يهديه بعد أن اختار بنفسه طريق الحقّ ونجد الخير ـ والهداية يعدّ المنزل الثاني أو الثالث في السير والسلوك ـ وذنوب طلبة العلوم الدينية تختلف، فإنّ الشيطان لا يغويه بشرب الخمر ولعب القمار وما شابه، إنّما يضلّه ويأتيه عن طريق الحسد وحبّ الجاه وعبادة الرئاسة والمقام والاستغابة والتهمة والافتراء على المؤمنين والثرثرة والكلام الزائد ـ ومن كثر كلامه كثر خطأه ... ـ والمزاح الجارح وفي غير موضعه وأمثال ذلك.
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام):"وجدت علم الناس كلّه في أربع:
أوّلها: أن تعرف ربّك. والثاني: أن تعرف ما صنع بك. والثالث: أن تعرف ما أراد منك. والرابع: أن تعرف ما يخرجك من دينك".
وممّا يخرج طالب العلم من الدين أمثال هذه الذنوب كغيبة العلماء، مع أنّ لحم العالم مسموم، كما يقال في المثل، وهذا يعني أنّ من يأكل لحم العالم في استغابته، فإنّه سرعان ما يموت قلبه، ويسلب منه التوفيق والتسديد. والحياة الروحيّة والقلبيّة، ويكون حينئذ ميّت يمشي بين الأحياء، وتكون بطن الأرض خيرٌ له من ظهرها، لأنّه يزداد إثماً وذنباً، يوماً بعد يوم.
وإذا كان مسجد قُبا يُعظّم عند الله وخلقه من يومه الأوّل، لأنّه اُسّس من اليوم الأوّل على التقوى، وأمّا مسجد ضرار فإنّه يعدّ وكر التآمر وبيت النفاق، فإنّه لا بدّ من أن يهدم ويزول، وهذا يعني أنّ ظاهرهما من حيث البناء والشكل والمظهر واحد، إلاّ أنّ ملكوتهما وباطنهما باعتبار النوايا والأهداف يختلفان، فأحدهما مظهر الحقّ ومظهر الرحمان، والآخر مظهر الباطل ومظهر الشيطان.
وهذا في كلّ شيء ما سوى الله سبحانه، فإنّ الإنسان إنّما يكون مظهراً لأسماء الله وصفاته، ويصل إلى مقام الشهود والكشف ومقام الفناء في الله سبحانه، لو أسّس بنيانه على التقوى من اليوم الأوّل، فعندما يدخل الحوزة العلمية، عليه أن يهذّب نفسه بتقوى الله وترك المعاصي والآثام، وإلاّ فإنّه يكون باطلا ومظهراً للشيطان، ويكون صاحب بدعة وضلالة وانحراف في العقيدة والسلوك، ويكون ضالا ومضلا ـ صان الله الحوزات من أمثال هؤلاء الشياطين علماء السوء ومظاهر الرذائل والذمائم ـ.
وكم قرأنا في التأريخ أصحاب البدع والمذاهب الباطلة إنّما كانوا في بداية أمرهم من أهل العلم، ومن الحوزات الدينيّة. فهذا محمّد بن عبد الوهاب النجدي مؤسّس الفرقة الوهابيّة بين السنّة لتهديم السنّة باسم السنّة، وهو وليد الاستعمار البريطاني، إنّما كان من أهل العلم، وهذا علي محمّد الشيرازي المعروف بالباب، مؤسّس الفرقة البهائيّة بين الشيعة باسم الشيعة لتهديم كيان التشيّع، وهو من أهل العلم، وكان وليد الاستعمار البريطاني أيضاً في ذلك العصر، وقد أوجدهما الاستعمار لزرع التفرقة بين المسلمين كما في مخطّطهم الاستعماري ـ فرّق تسد ـ كلّ ذلك نتيجة عدم التهذيب من اليوم الأوّل.
فلا بدّ لطالب العلم في سيرته الأخلاقية والسلوك العرفانيّ أن يترك المعاصي ويتّقي الله حقّ تقاته.
لقد سأل موسى (عليه السلام) الخضر (عليه السلام): ماذا فعلت حتّى اُمرت أن أتعلّم منك؟ بِمَ بلغتَ هذه المرتبة؟ فقال: بترك المعصية (5).
ثمّ صاحب الزمان (عليه السلام) تعرّض عليه أعمالنا عصر الاثنين والخميس، فإنّه لو اطّلع على ذنوبنا فإنّه يتألّم من ذلك ـ كما جاء ذلك في توقيعه الشريف ـ وحينئذ من أصاب قلب صاحب الأمر (عليه السلام) وألّمه وهو واسطة الفيض الإلهي، فإنّه كيف يوفّق في حياته العلمية والعملية وفي دراساته الحوزوية ـ هيهات هيهات ـ إلاّ أن يتوب عاجلا غير آجل، ويترك المعاصي بنيّة صادقة، وإيمان وتقوى وإنابة وإخبات.
وكان شيخنا في الأخلاق (قدس سره) يقول: أتعجّب من بعض الطلبة أنّه يسألني كيف نترك الذنب ولا نعصي الله سبحانه، والمفروض أن يفكّر كيف يكون سلمان زمانه وأويس دهره؟! ولهذا كان علمائنا في السلف يتركون المباح والمكروهات فضلا عن الشبهات، يقول الشهيد الأوّل في قواعده: " ومن الخسران صرف الزمان في المباح وإن قلّ".
وقالوا في المقدّس الأردبيلي (قدس سره) أنّه لم يصدر عنه في أربعين سنة فعلٌ مباح فضلا عن الحرام والمكروه.
ويقول المحدّث القمي (رحمه الله): لم يصدر من الميرداماد الفيلسوف الإسلامي فعلٌ مباح طيلة عشرين عاماً.
ويقول الملاّ عبد الله الشوشتري الذي هو من تلامذة المحقّق الأردبيلي في موعظته لابنه: يا بني، إنّي بعدما أمرني مشايخي (رحمهم الله) بالعمل برأيي ما ارتكبت مباحاً ولا مكروهاً إلى الآن، حتّى الأكل والشرب والنوم.
فكلّ هذه يمكن الإنسان أن ينويها لله سبحانه فتكون مستحبّة ونافلة، وإنّ العبد ليقرّب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض، حتّى يحبّه الله سبحانه، فإذا أحبّه يكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويديه التي يبطش بها، فيكون مظهراً لعلم الله وقدرته.
يقول العارف بالله الشيخ محمد البهاري: الثاني (من شروط السالك): أن يجتنب المكروهات مهما أمكن وينشغل بالمستحبّات، ولا يحقّرن شيئاً من المكروهات فيقول: (كلّ مكروه جائز) فكثيراً ما يكون ترك المكروه أو فعل مستحبّ صغير أشدّ أثراً في القرب من المولى من كلّ ما عداه، ويتّضح هذا من التأمّل في العرفيات.
الثالث: ترك المباحات في مقدار اللزوم والضرورة، صحيح أنّ الشارع المقدّس أباح اُموراً كثيرة، ولكن حيث أنّه في الباطن لا يرغب لعبده أن ينشغل بغيره وينصرف إلى اُمور الدنيا، فمن المستحسن للعبد أن يستجيب لرغبة المولى، فيترك هذه الزخرفات، حتّى وإن لم يكن ارتكابها حراماً، اقتداءً بالنبيّين وتأسّياً بالأئمة الطاهرين.
والمرحوم الملاّ محمد صالح البرغاني أخو الشهيد الثالث من علماء القرن الثالث عشر رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام وسأله عدّة أسئلة أحدها: ما هو السبب في أنّ العلماء في السابق كانوا أصحاب كرامات ومكاشفات، وفي هذا الزمان ـ هذا قبل أكثر من مئة عام، فكيف بزماننا هذا ـ سدّ باب المكاشفات؟
فأجابه (صلى الله عليه وآله): السبب أنّ العلماء في الماضي قسّموا الأحكام في أعمالهم وسلوكهم إلى قسمين: واجب وحرام، وكانوا يتركون الحرام ويضمّون إليه المكروه والمباح فيتركونها، ويأتون بالمستحبّات مع الواجبات ولكنّكم طبقة المتأخّرين، قسّمتم الأحكام عملياً إلى خمسة أقسام، وتتركون المستحبّات وتفعلون المكروهات والمباحات، ولهذا سدّت دونكم أبواب الكرامات والمكاشفات (6).
ثمّ هنا نقطة مهمّة جدّاً، وهي: كما جاء مضمون ذلك في منية المريد للشهيد الثاني (قدس سره): إنّ عامّة الناس أدنى من أهل العلم بدرجة في سلوكهم وأخلاقهم، فإذا كان أهل العلم يأتون بالمستحبّات والنوافل فضلا عن الواجبات والفرائض، فإنّ الناس يكتفون بالواجبات، وإذا اشتغل أهل العلم بالمباحات فإنّ الناس يفعلون المكروهات، وإذا دخل في الشبهات فإنّ العامي يدخل في المحرّمات، والمصيبة فيما لو دخل رجل الدين في الحرام ـ والعياذ بالله ـ فإنّ العامي يكفر بالله سبحانه، وهذا ما يشاهد بالعيان، فلا يحتاج إلى نقل وبرهان.
والناس إذا رأوا الخطيئة من العالِم فإنّهم يسيئون الظنّ بالعلماء، وحتّى الدين، لا بالشخص نفسه، وليتهم أنصفوا ويسيئوا الظنّ بالشخص الخاطئ نفسه.
الله الله يا طالب العلم في ترك المعاصي والذنوب، وإن غلبت عليك شقوتك وشهوتك وتلوّثت بالمعاصي والآثام ولم توفّق للتوبة النصوحة (7)، فاخرج ولا تزيـد في ذنبـك وتضلّ الناس من حولك، وتلوّث حوزة العلم والتقى والكرامة.
وعليك أن تخلص في نيّتك وتسلّم وجهك لله، وتقتدي في حياتك بسلفك الصالح، فما أروع ما فعله آية الله السيّد حسين كوه كمري (رحمه الله) أحد تلامذة صاحب الجواهر، وكان من المعروفين له حوزة دراسية كبيرة في أحد مساجد النجف الأشرف، ويوماً مّا دخل المسجد قبل أوان الدرس، فوجد في زاوية المسجد مدرّساً حوله مجموعة صغيرة من الطلاّب، فسمع درسه فاُعجب به، وكرّر المجيء حتّى تيقّن أنّه أفضل منه في العلم والبيان والإبداع، فجمع طلاّبه واشترك معهم في درس الشيخ الجديد، ولم يكن سوى الشيخ الأعظم شيخنا الأنصاري (قدس سره).
وهذا آية الله ملاّ عبد الله التستري (رحمه الله)، إنّه ولمدّة ثلاثين عاماً لم يمتثل غير الواجبات الشرعيّة والمستحبّات الدينيّة، دخل يوماً على الشيخ البهائي قبيل الظهر، فحين صلاة الظهر طلب منه الشيخ البهائي أن يتقدّم لإمامة الجماعة، فلمّـا استعدّ للصلاة خرج مسرعاً، ولمّـا استفسروا عن ذلك أجابهم، شعرت في نفسي العُجب بأنّ مثل الشيخ البهائي يقتدي بي، فعلمت بعدم الإخلاص، فتركت الجماعة.
وما أجمل ما فعله المقدّس الأردبيلي لمّـا اجتمع مع هذا الرجل في مجلس عامّ، فسأله الملاّ عبد الله التستري، فقال له المقدّس: سوف اُجيبك فيما بعد، ولمّـا انتهى المجلس مشى معه صوب الصحراء وأجابه السؤال بالتفصيل، فتعجّب الملاّ وسأله أنّه لماذا لم يجبه في المجلس؟ فقال له: لو أجبتك وكان النقاش بيني وبينك لكنّا معرّضين لهوى النفس، لأنّ كلّ واحد منّا يريد أن ينتصر لرأيه، فربما نقع في العجب والجدال المذموم وحبّ الظهور، وهذا يتنافى مع الإخلاص، أمّا في الصحراء فلا مجال للشيطان ولا الرياء ولا وسوسة النفس.
وهذا شيخنا القميّ عباس صاحب مفاتيح الجنان، لمّـا كتب كتابه «منازل الآخرة» كان يقرأ الشيخ عبد الرزّاق في حرم السيّدة المعصومة (عليها السلام) بقم في جمع من الناس، وكان منهم والد الشيخ عبّاس القميّ، فاستحسن ما كان يفعله الشيخ عبد الرزّاق، وذات يوم قال لولده: يا ليت أنّك مثل هذا الشيخ الذي يصعد المنبر ويقرأ من كتاب «منازل الآخرة» تقرأ منه أيضاً. ويقول الشيخ عبّاس القميّ: أردت أن أقول لأبي: إنّ هذا الكتاب الذي يقرأه من مؤلّفاتي، ولكن امتنعت من ذلك، وقلت لوالدي: تكرّم علَيَّ بالدعاء حتّى يوفّقني الله. وأخيراً من كان لله كان الله له.
بعد رحلة صاحب الجواهر (قدس سره) إلى جوار ربّه، انتقلت المرجعيّة إلى تلميذه البارع شيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري، إلاّ أنّه من شدّة ورعه واحتياطه امتنع في بداية الأمر وقال: إنّ سعيد العلماء في إيران كان زميلي في الدراسة، وكان آنذاك أعلم منيّ وأكثر استيعاباً، فكتب إليه رسالة يدعوه ليتحمّل مسؤوليّة المرجعيّة، فأجابه سعيد العلماء (قدس سره): لقد بقيت أنت خلال المدّة الماضية في الحوزة مشتغلا بالتدريس والمباحثة، بينما انشغلت أنا بأمور الناس، ولهذا فأنت أحقّ منيّ بهذا الأمر.
بعد وصول الجواب تشرّف الشيخ الأنصاري بزيارة حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وطلب من ذلك الإمام العظيم أن يعينه بإذن الله تعالى في هذا الأمر الخطير ويسدّد خطاه. وحول الميرزا الشيرازي الكبير جاء إنّ طلاّب الشيخ الأنصاري بعد وفاة الشيخ اختاروه للمرجعيّة وأصرّوا عليه إصراراً كبيراً حتّى أقنعوه بقبول هذه المسؤولية، فجرت دموعه على خدّيه ولحيته المباركة، ثمّ أقسم أنّه لم يخطر في ذهني أبداً أنّي أحمل عبء هذه المسؤوليّة العظيمة (8).
وهذا آية الله السيّد محمّد الفشاركي من أبرز تلامذة الميرزا الشيرازي الكبير، بعد رحلة اُستاذه إلى جوار ربّه، طلبوا منه أن يتصدّى للمرجعيّة، فأبى عن ذلك، وقال: لست أهلا لذلك، لأنّ الرئاسة الشرعيّة تحتاج إلى اُمور غير العلم بالفقه والأحكام، من السياسات ومعرفة واقع الاُمور، وأنا رجل وسواسي في هذه الاُمور، فإذا دخلت في هذا المجال اُفسد ولا اُصلح، ولا يسوغ لي غير التدريس، فأرجع الناس إلى الميرزا محمّد تقي الشيرازي.
ويقول آية الله السيّد أحمد الزنجاني في كتابه (الكلام يجرّ الكلام): إنّ ابن المرحوم السيّد محمّد الفشاركي (رحمه الله) بعد وفاة الميرزا الشيرازي الكبير أرسلني والدي إلى المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي ـ الميرزا الصغير ـ لأقول له: إذا كنت تعتبر نفسك أعلم منيّ فتفضّل قل ذلك حتّى اُرجع زوجتي وأولادي إليك في التقليد، وإذا كنت تعتبرني أعلم فارجع أنت عائلتك إليَّ في التقليد.
وعندما نقلت هذه الرسالة الشفويّة إلى الميرزا فكّر كثيراً وقال: قل لسماحته هو ما رأيه؟ فنقلت هذا السؤال إلى والدي فقال: اذهب وقل له أي شيء تراه أنت ميزاناً للأعلميّة، إذا كان الميزان دقّة النظر فأنت أعلم، وإذا كان الميزان الفهم العرفي فأنا أعلم. وذهبت ثانيةً إلى الميرزا وأبلغته بذلك، ففكّر قليلا أيضاً وقال: سماحته أيّ الإثنين يعتبره ميزاناً؟ وأبلغت هذا الجواب ـ السؤال ـ ففكّر والدي قليلا وقال بسرور: لا يبعد أنّ دقّة النظر في ميزان الأعلميّة وملاكها، ثمّ قال: فلنقلّد جميعنا الميرزا الشيرازي.
أجل هكذا عظمائنا الأعلام، يبقون أكبر من الرئاسة والمقام، فلا تغرّهم الدنيا الدنيّة، ومنذ اليوم الأوّل هذّبوا أنفسهم وطهّروا قلوبهم، وصدقوا في نواياهم، فبلغوا القمّة في الكمال والجمال، وصاروا بدور العلم وشموس الحوزات، يستضاء بنورهم المشرق. فما أعظم مواقف اُولئك الأفذاذ والعباقرة في التقوى والعلم؟!
فهذا الشيخ عباس القمي في صلاة الليل عندما يقرأ سورة (يس) ويصل إلى هذه الآية الشريفة:(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتي كُنْتُمْ توعَدونَ) يكرّرها حتّى يتغيّر حاله ويتعوّذ من النار، ولم يتمكّن من إكمال السورة حتّى صلاة الصبح، ومع هذه المرتبة من التقوى والخشوع عندما يتقدّم لصلاة الجماعة في گوهرشاد، وبعد أيّام يكتضّ المسجد بالمصلّين، وإذا بالشيخ بعد صلاة الظهر يخرج من المسجد، وحينما يُسأل عن سبب ذلك، يجيب: إنّي في ركوع الركعة الرابعة من صلاة الظهر سمعت أحد المصلّين يقول: يا الله، إنّ الله مع الصابرين، ويريد أن يلتحق بالجماعة وكان صوته من بعيد فتبادر إلى ذهني كثرة المصلّين ممّـا أوجب الاضطراب في نيّتي، فخفت أن لا أكون مخلصاً في صلاتي فتركت الجماعة.
وأحد تلامذة العلاّمة الطباطبائي أربعين عاماً يطلب منه أن يصلّي خلفه جماعة فكان العلاّمة يأبى ويمتنع عن ذلك.
وهذا شريف العلماء اُستاذ الشيخ الأنصاري لم يكن يرضى أن يصليّ إماماً، ولكن عندما أصرّ عليه الناس ذات مرّة وافق وصلّى، وأثناء الصلاة انصرف ذهنه لا إراديّاً إلى حلّ مسألة علميّة، فلم يصلّ بعد تلك الصلاة، إذ أنّه لم يرَ نفسه أهلا لذلك.
وهذا آية الله السيّد صدر الدين الصدر كان مع آية الله الفيض وآية الله الحجّة الكوه كمري قدّس أسرارهم الزكيّة يتولّون إدارة الحوزة العلميّة بقم بعد آية الله العظمى مؤسّس الحوزة الشيخ عبد الكريم الحائري، فمن أجل توحيد المرجعيّة عند دخول آية الله العظمى السيّد البروجردي (قدس سره)، فوّض كلّ واحد من الثلاثة ما كان عنده من المسؤولية والوجاهة الاجتماعية إلى السيّد، فترك السيّد صدر محلّ إقامته صلاة الجماعة واعتزل اُمور الرئاسة إلى حدٍّ كبير، وقال في بيان سبب ذلك:(تِلـْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عَلُوَّاً في الأرْضِ وَلا فَساداً وَالعاقِبَةُ لِلـْمُتَّقينَ) فمن تواضعه لله قدّم ما عنده إلى السيّد لتوحيد الزعامة الدينيّة.
فطالب العلم لا بدّ أن يخلص في نيّته وعمله وقوله، ويتحرّر من أيّ نوع من أنواع التظاهر سواء كان بالعلم أو غيره، بل يكون دائماً محرّكه هو العمل المخلص، وحصول رضا الله سبحانه (أخلص العمل فإنّ الناقد بصير).
وهذا الشيخ جواد البلاغي المدافع عن الإسلام من شدّة إخلاصه طبع مؤلّفاته باسم مجهول.
وصاحب الذريعة الشيخ آقا بزرك الطهراني حينما يرى كتاب الغدير وعظمته يطلب من الله أن يهب بقيّة عمره لصاحب الغدير لينجز الغدير.
والشيخ عباس القمي عندما كان يعظ الناس في مسجد گوهر شاد وقع بصره على المرحوم الشيخ عباس تربتي وهو من العلماء الأبرار، فقال الشيخ عباس: أيّها الناس سماحة الشيخ موجود في المجلس استفيدوا من علمه، ثمّ نزل من المنبر، وطلب من الشيخ أن يتولّى الحديث.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدنيا كلّها جهل إلاّ مواضع العلم، والعلم كلّه حجّة إلاّ ما عمل به، والعمل كلّه رياء إلاّ ما كان مخلصاً، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له» (9) قال تعالى: {فَمَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فَلـْيَعْمَلْ عَمَلا صالِحاً وَلا يُشْرِكُ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَداً} (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آداب المتعلّمين، جامع المقدّمات 2: 50، طبعة دار الهجرة، قم.
(2) سيماء الصالحين: 87.
(3) سيماء الصالحين: 93.
(4) البيّنة: 5.
(5) سيماء الصالحين: 88.
(6) سيماء الصالحين: 92.
(7) لقد تعرّضت للتوبة وشرائطها بالتفصيل في كتاب «التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة»، فراجع.
(8) سيماء الصالحين: 111.
(9) بحار الأنوار 70: 242.
(10) الكهف: 110.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|