أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-09-2014
4857
التاريخ: 28-09-2014
5312
التاريخ: 9-06-2015
5865
التاريخ: 2023-04-21
1373
|
المادة المحترقة لجهنم ووقودها
قال تعالى : {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24].
يعتبر القرآن الكريم أن الإنسان هو وقود جهنم، أي مادتها المحترقة، ووقودها، وقداحها. فالقداح هو كعود الثقاب الذي يشتعل باحتكاكه بمادة معينة، والوقود هو كأخشاب الحطب السميكة الضخمة التي تبقى في الموقد لأمد بعيد، وتتحول إلى رماد بعد مدة طويلة، فتحرق معها أعواد الحطب الناعمة الصغيرة.
فالإنسان ذاته من شأنه أن يوقد النار؛ كما جاء في الآية محل البحث أو الآية : {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } [آل عمران: 10] ، وهو أيضاً حطبها فهو يسجر؛ أي يشتعل فيها: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } [الجن: 15] (1)، {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } [غافر: 71، 72]. وتأسيساً على هذا الكلام، فإنه لا سبيل للفرار من العذاب؛ لأنه لو كان الحطب بمعزل عن الإنسان، والإنسان يحرق به لكان احتمال الفرار واردا، وفي حال الاحتراق والاشتعال فإن جسمه فقط هو الذي سيشتعل، وليس روحه. أما إذا احترق الإنسان نفسه فلا مفر من العذاب؛ بل إن جسمه سيحترق: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] ، كما ستنصهر روحه أيضاً {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ } [الهمزة: 6، 7].
إن النار التي باستطاعتها إحراق روح الإنسان، لابد أن يكون لها منشأ روحي؛ أي، إنها تنبثق من الفؤاد والروح. فالحطب الخارجي ليس بمقدوره إحراق الفؤاد (وهو مرحلة تجرد الروح). بل إن روح الإنسان لا تحترق حتى وإن اودع المرء في بودقة صهر المعادن، ومن هنا فإنه عندما ألقى أصحاب الاخدود المؤمنين في حفرة اللهب، لم تحترق إلا أجساد هؤلاء المؤمنين؛ أما أرواحهم فكانت متنعمة، بل وكانوا ملتذين بأن أبدانهم تحترق في سبيل الدين.
إن بمستطاع الإنسان تحمل العذاب الجسماني، أما العذاب الروحي فإنه مما لا يطاق. فأهل المعنى يقولون في استعاذتهم من جهنم: إلهي! لا تحرقنا في نار جهنم؛ إذ أن دخول النار مدعاة لفضيحة الإنسان وخزيه: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] ؛ لأن السقوط في جهنم هو علامة على الكفر والنفاق، أو - على الأقل - دليل على الانحراف، ونتيجة لذلك يكون الحرمان من رحمة ألله الخاصة، وهذه الفضيحة هي اشد إيلاماً من احتراق البدن في النار.
يقول جماعة من المفسرين مستندين إلى بعض الأحاديث: إن المراد من الحجارة المشار إليها بأنها وقود هي حجر الكبريت الأسود(2) . وقد عدوا أن ما تمتاز به هذه الحجارة عن غيرها هي سرعة الاشتعال والاتقاد، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وشدة حرها(3) . لكن ما ينبغي الالتفات إليه هو أن حجر الكبريت قابل للاشتعال في الدنيا أيضاً، وليس لهذه المسألة بالغ أهمية كي تستدعي التخويف والإنذار الشديدين، ولا يمكن اعتبار أن حجر الكبريت هو المراد القطعي من الحجارة المذكورة. كما وذهب بعض المفسرين أيضاً إلى أن المراد من تلك الحجارة هي الجواهر والذهب والفضة ا لتي كان يكنز ها أصحابها و يفتتنون و يغترون بها (4)؛ كما في قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35]. هذا المعنى كذلك لا يمكنه أن يشكل المصداق اليقيني للحجارة في الآية مورد البحث؛ لأن الآية أعلاه ناظرة إلى مطلق كانزي الذهب والفضة، سواء من الكفار أو من غيرهم، والحال أن الآية محط البحث تقول: (أعدت للكافرين).
الاحتمال الاخر في تفسير الحجارة، والذي يتصف بالصحة اكثر من غيره على ما يبدو، هو أن هذه الآية ناظرة إلى الآية الشريفة: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] ؛ أي: إنكم وما تعبدون من غير الله حطب جهنم ووقودها (5). بناء على هذا، فإن المراد من الحجارة المذكورة هنا هي الأصنام والأوثان المنحوتة من الحجر، حيث إن في الإعلان عن كونها وقوداً أثراً تبليغياً يساعد على اجتنابها، وهو ذو تأثير في الإنذار؛ إذ الإنسان إذا علم بأن ما يعبد في الدنيا، وما عقد الآمال على شفاعته سوف يظهر في القيامة على هيئة جمر محرق، فإن ذلك سيزيد من معاناته النفسية وعذابه الروحي.
تنويه: إن أكثر الموجودات المركبة المادية دنواً هي الحجارة، وأرقاها هو الإنسان، وكلاهما في المعاد هو وقود للنار. ولعل شجرة جهنم والحيوان ان المناسبة لها؛ نظير الأفعى والعقرب، حيث إنهما الحد المتوسط بين الجماد والإنسان، متضمنان في الآية : أي إن الآية محل البحث جامعة لجميع المراتب، لكنها اكتفت بذكر الأدنى والأعلى منها ولم تتطرق إلى ذكر سائر التركيبات.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سورة الجن، الآية 15. إطلاق هذه الآية يشمل كل قاسط وظالم، سواء كان من الجن أو من الإنس.
2. جامع البيان، ج 1، ص0221
3. الجامع لأحكام القرآن، مج 1ج 01ص225.
4. راجع تفسير البيضاوي (انوار التنزيل واسرار التأويل)، ج 1، ص40.
5.راجع الميزان، ج1،ص90.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|