أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2020
3605
التاريخ: 2023-07-11
1155
التاريخ: 2023-08-06
1038
التاريخ: 2023-08-23
1372
|
السؤال : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه ـ أي الإمام ـ السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.
ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّ صلى الله عليه واله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم » (1).
كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب الله ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسى عليه السلام : {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73] ، لماذا يعتذر موسى عليه السلام كُلّما سأل الخضر عن أفعاله ، وبماذا اعتذر هنا؟ لقد اعتذر بأنّه نسى ، ولا يمكن حملها هنا على الترك.
وقول موسى عليه السلام : {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ...} [الأعراف: 143] ، فإنّ الرؤية عند الشيعة من أعظم المحال ، لأنّها تستلزم التحديد وغير ذلك ، فدعاء موسى هذا دائر بين الجهل بالربّ سبحانه ، وبين التجاوز في الدعاء والاعتداء فيه ، بل وإساءة الأدب مع الله تعالى .
وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1] ، فلماذا ورد هذا السؤال من الله عزّ وجلّ ، إنّه عتاب للرسول صلى الله عليه واله ، أنّه حرّم على نفسه سريته مارية ، أو شرب العسل.
وأيضاً هل يصحّ أن يحرّم أحد الشيعة على نفسه شيئاً ممّا أحلّه الله ويكون محموداً؟ أليس هذا هو مقتضى العصمة واللطف الذي أوجبتموه على الله؟
وقوله : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [الفتح: 1، 2] .
ما المقصود بقوله تعالى ذنبك؟ فالله جلّ جلاله أثبت ذنباً متقدّماً وذنباً متأخّراً ، وأثبت له مغفرة ذلك كُلّه.
الجواب : أمّا قوله تعالى عن موسى عليه السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ... ) ، فيمكن أن تحمل : أنّه أراد لا تأخذني بما تركت من عهدك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس وأُبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه واله (2).
والوجه الآخر الذي يمكن أن تحمل عليه الآية : أنّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته ، ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف عليه السلام : {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [يوسف: 70] أي تشبهون السرّاق ، وكما يتأوّل الخبر الذي يرويه أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه واله أنّه قال : « كذب إبراهيم عليه السلام ثلاث كذبات : في قوله : سارة أختي ، وفي قوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله : إنّي سقيم » ، والمراد بذلك ـ إن كان هذا الخبر صحيحاً ـ أنّه فعل ما ظاهره الكذب (3).
وأمّا قول موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) ، أنّه عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه ، وإنّما سألها لقومه.
فقد روي أنّ قومه طلبوا ذلك منه ، فأجابهم : بأنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالى ، فلجّوا به وألحّوا عليه في أن يسأل الله تعالى أن يريهم نفسه ، وغلب في ظنّه أن الجواب إذا ورد من جهته جلّت عظمته كان أحسم للشبهة وأنفى لها ، فأختار السبعين الذين حضروا للميقات ، لتكون المسألة بمحضر منهم ، فيعرفوا ما يرد من الجواب ، فسئل عليه السلام على ما نطق به القرآن ، وأجيب بما يدلّ على أنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالى.
ويقوّي هذا الجواب أُمور منها : قوله تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } [النساء: 153] .
ومنها : قوله تعالى : {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55] .
ومنها : قوله تعالى : {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ } [الأعراف: 155] فأضاف ذلك إلى السفهاء ، وهذا يدلّ أنّه كان بسببهم من حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.
وليس لأحد أن يقول : لو كان موسى عليه السلام يسأل الرؤية لقومه ، فلم يضف السؤال إلى نفسه ، فيقول : ( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ، ولم كان الجواب مختصّاً به في قوله : ( لَن تَرَانِي )؟ وذلك أنّه غير ممتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه ، مع أنّ المسألة كانت من أجل غيره ، إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس.
فلهذا يقول أحدنا إذا شفّع في حاجة غيره للمشفوع إليه : أسألك أن تفعل بي كذا وكذا ، وتجيبني إلى كذا وكذا ، ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفّعتك ، وما جرى مجرى هذه الألفاظ.
وإنّما حسن هذا لأنّ للسائل في المسألة غرضاً ، وإن رجعت إلى آخر لتحقّقه بها ، وتكلّفه كتكلفه إذا اختصّه.
وأمّا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... ) يظهر من كلامك أنّك تريد أن تقول : أنّ فعل النبيّ هذا ـ وهو التحريم ـ يقدح في عصمته ، لأنّ العتاب الموجّه له من الله ما هو إلاّ ذمّ للنبي صلى الله عليه واله على فعله هذا ، والذمّ لابدّ أن يكون على شيء قبيح ، وهو يقدح بالعصمة ، هذا ما فهمناه من كلامك.
وما يقال في تفسير هذه الآية : إنّها تومي إلى عمل من الأعمال المحلّلة ، التي يقترفها النبيّ صلى الله عليه واله لا ترتضيه أزواجه ، فضيّقن عليه وآذينه حتّى أرضاهن بالحلف على أن يتركه ولا يأتي به بعد.
وقوله : {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ، المراد بالتحريم التسبيب إلى الحرمة بالحلف ، على ما تدلّ عليه الآية التالية ، فإنّ ظاهر قوله : {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] أنّه صلى الله عليه واله حلف على ذلك ، ومن شأن اليمين أن يوجب عروض الوجوب ، إن كان الحلف على الفعل ، والحرمة إن كان الحلف على الترك ، وإذا كان صلى الله عليه واله حلف على ترك ما أحلّ الله له ، فقد حرّم ما أحلّ الله بالحلف ، وليس المراد بالتحريم تشريعه صلى الله عليه واله على نفسه الحرمة ، فيما شرّع الله له في الحلّية فليس له ذلك.
وقوله : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب بالتحريم رضاهن بدل من تحرم ....
وحال من فاعله ، والجملة قرينة على أنّ العتاب بالحقيقة متوجّه إليهن ، ويؤيّده قوله خطاباً لهما : {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4] .
أمّا قوله تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) ، فإنّ الخطاب وأن كان للنبي صلى الله عليه واله ، إلاّ أنّ المقصود منه الأُمّة ، وهذا موجود في القرآن في آيات أُخر أيضاً.
وأمّا قوله تعالى : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) ، للتعرّف على تلك الآية ونظائرها لابدّ من الوقوف على الأصل المسلّم بين العقلاء ، وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسؤولية متحالفان ، وربّ عمل يعدّ صدوره من شخص جرماً وخلافاً ، وفي الوقت نفسه لا يعدّ صدوره من إنسان آخر كذلك.
فالعارف بعظمة الربّ يتحمّل من المسؤولية ما لا يتحمّله غيره ، فيكون المترقّب منه غير ما يترقّب من الآخر ، ولو صدر منه ما لا يليق ، وتساهل في هذا الطريق ، يتأكّد منه الاستغفار ، وطلب المغفرة لا لصدور الذنب منه ، بل من باب قياس عمله إلى علو معرفته وعظمة مسؤوليته.
ولأجل ذلك تعدّ بعض الغفلات ، أو اقتراف المكروهات من الأوّلياء ذنباً ، إذا قيس إلى ما أعطوا من الإيمان والمعرفة ، ولو قاموا بطلب المغفرة والعفو ، فإنّما هو لأجل هذه الجهات.
يقول العلاّمة الإربلي : « إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى ، وقلوبهم مملوءة به ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، وهم أبداً في المراقبة ، كما قال عليه السلام : « اعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تره فإنّه يراك ».
فهم أبداً متوجّهون إليه ، ومقبلون بكلّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب ، والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدّوه ذنباً ، واعتقدوه خطيئة ، واستغفروا منه ... » (4).
وأمّا قوله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، فإنّ الذنب في اللغة يأتي بثلاثة أُصول : « أحدها الجرم ، والآخر مؤخّر الشيء ، والثالث : كالحظّ والنصيب » (5).
وكون الذنب في الآية بمعنى الجرم ممّا لا ريب فيه ، غير أنّ الذي يجب التنبيه عليه ، هو أنّ اللفظ لا يدلّ على أزيد من كون صاحبه عاصياً وطاغياً ، وناقضاً للقانون ، وأمّا الذي عصى وطغى عليه ونقض قانونه فهو يختلف حسب اختلاف البيئات والظروف ، وليست خصوصية العصيان لله سبحانه مأخوذة في صميم اللفظ ، بحيث لو أطلق ذلك اللفظ يتبادر منه كونه سبحانه هو المعصي أمره ، وإنّما تستفاد الخصوصية من القرائن الخارجية ، وهذا هو الأساس لتحليل الآية ، وفهم المقصود منها ، والغفران باللغة هو الستر.
والآية تدلّ على أنّ الغاية المتوخّاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبيّ صلى الله عليه واله ، ما تقدّم منها وما تأخّر ، غير أنّ في ترتّب تلك الغاية على ذيلها غموضاً في بادئ النظر ، والإنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع والبلدان ، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش سبباً لمغفرة ذنوبه.
مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو عادية ، بحيث تعدّ أحدهما علّة لتحقّق الأُخرى ، أو ملازمة لها ، وهذه الرابطة خفية في المقام جدّاً ، فإنّ تمكّن النبيّ من الأعداء والسيطرة عليهم ، يكون سبباً لانتشار كلمة الحقّ ورفض الباطل ، واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة ، فلو قال : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ، لتتمكّن من إظهار الحقّ ونشر التوحيد ودحض الباطل ، كان الترتّب أمراً طبيعياً ، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين.
وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الأصقاع ، فالرابطة غير واضحة.
وهذه هي النقطة الحسّاسة في فهم مفاد الآية ، وبالتالي دحض زعم المخطئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم ، ولو تبيّنت صلة الجملتين لاتضح عدم دلالتها على ما تتبنّاه تلك الطائفة.
إنّ الحوادث الدامية بين قريش والنبيّ صلى الله عليه واله ، ما هي إلاّ حوادث مرّة في واقعهم ، بما أنّها جرت إلى ذهاب كيانهم ، وحدوث التفرقة في صفوفهم ، والفتك بصناديدهم على يد النبيّ صلى الله عليه واله ، صوّرته في مخيلتهم وخزانة أذهانهم صورة إنسان مجرم مذنب ، قام في وجه سادات قومه ، فسبّ آلهتهم ، وعاب طريقتهم بطريقة تراها قريش ، ما هي إلاّ كذب وافتراء وكهانة وسحر ، ولم يكتف بذلك حتّى شنّ عليهم الغارة والعدوان ، فصارت أرض يثرب وما حولها مجازر لقريش ، ومذابح لأسيادهم ، فأيّ جرم أعظم من هذا؟ وأيّ ذنب أكبر منه عند هؤلاء الجهلة الغفلة؟ الذين لا يعرفون الخيّر من الشرير ، والصديق من العدو ، والمنجي من المهلك.
وإنّ واقعة الفتح التي حصلت لمس منها الكفّار خُلق النبيّ العظيم ، فرفع الستار الحديدي الذي وضعه بعض أعدائه بينه وبين قومه ، فعرفوا أنّ ما يرمي به نبي العظمة ، ويوصف به بين أعدائه ، كانت دعايات كاذبة ، وكان منزّهاً عنها ، بل عن الأقل منها.
فأصبحت هذه الذنوب التي كانت تدّعيها قريش على النبيّ ـ بعد وقعة الحديبية ، أو فتح مكّة ـ أسطورة خيالية ، قضت عليها سيرته في كُلّ من الواقعتين ، من غير فرق بين ما الصقوا به قبل الهجرة أو بعدها ، وعند ذلك يتّضح مفاد الآيات ، كما يتّضح ارتباط الجملتين : الجزائية والشرطية.
وعلى ذلك ، فالمقصود من الذنب : ما كانت قريش تصفه به ، كما أنّ المراد من المغفرة : إذهاب آثار تلك النسب في المجتمع.
______________
1 ـ الرسالة السعدية : 75.
2 ـ جامع البيان 15 / 354 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 100 ، الدرّ المنثور 4 / 232 ، تاريخ الأُمم والملوك 1 / 263.
3 ـ مسند أحمد 2 / 403 ، صحيح البخاري 4 / 112 و 6 / 121 ، صحيح مسلم 7 / 98 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 366 و 10 / 198.
4 ـ كشف الغمّة 3 / 47.
5 ـ معجم مقاييس اللغة 2 / 361.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|