علاقة الجغرافية السياسية بعلم التاريخ:

إن أي دراسة للمجتمع البشري عظيمة الفائدة إذا استطاعت لاعت أن تضع استقصاءها الخاص في الإطار المزدوج للزمان التاريخي والمكان الجغرافي، وأي تحليل تاريخي أو جغرافي لن يكون كاملا إلا إذا طبق هذين البعدين، فبالنسبة إلى الجغرافيا نلاحظ أن التغيرات التاريخية تغير الأنماط المكانية والعلاقات المكانية. والتحليل الجغرافي الذي يتجاهل مثل هذه العوامل، أو الذي يعالج نمطا مكانيا كما لو كان ساكنا أو يعبر عن التغيير في المستقبل، هو في النهاية صورة زائفة للحقيقة. وبالمثل نلاحظ أن العوامل المكانية والبيئة تؤثر في التغيرات التاريخية. فالدراسة التاريخية التحليلية التي تتجاهل مثل هذه العوامل تنتج في النهاية صورة ناقصة ومشوهة، طالما أنها تهمل "المسرح" الذي يؤدي التاريخ دوره عليها، وكما ذكر "بيتر هيلين" (Peter Heyly) في لندن سنة 1621م الجغرافيا بغير تاريخ قد تكون فيها حياة وحركة، ولكنها عشوائية بغير نظام، والتاريخ بغير جغرافيا مثل الجثة الهامدة لا حياة فيها ولا حركة على الإطلاق فالتاريخ هو علم الزمان والجغرافيا هي علم المكان، و التاريخ يدرس احداث الزمن التي تدخل في مجال الجغرافية السياسية.

وللتاريخ أبعاد ثلاثة هي: الإنسان والزمان والمكان، وهو يمد الجغرافية السياسية التي تتكون من بعدين : الأرض والإنسان بما تحتاجه من مجريات الحوادث التاريخية التي أثرت في تطور الدولة من حيث تقدمها أو تأخرها. وبما أن الجغرافية السياسية تدرس الخصائص السياسية للبيئة في الوقت الحاضر، فأن هذه الخصائص لا يمكن فهمها إلا في ضوء الماضي. ويعتقد البعض أن الماضي اللازم للجغرافية السياسية هو نحو (60) سنة (Immediate Past) ويعتبر الشعور السياسي من أقوى العواطف الإنسانية، ومعلوم أن السلوك السياسي للدول والحكومات يتأثر بميزات الماضي وكل هذا ما يقدمه التاريخ لمعاونة الجغرافية السياسية. ومع أن التاريخ يمكن ان يدرس الظواهر المكانية، فالجغرافيا يمكن أن تدرس الحوادث التاريخية. إلا أنه لا يحتاج التاريخ ولا الجغرافيا أن يدرسا جميع الظواهر التي تتواجد في أقسام الواقع الذي يدرسانه، بل يدرسان فقط تلك الظواهر التي تختلف بشكل بارز في مختلف أقسام الزمن أو المكان على التوالي. وفي كل حالة يركز الاهتمام بدرجة رئيسية على تلك الظواهر التي تختلف أكثر من غيرها والتي تكون اختلافاتها ذات الأهمية الكبرى للتباين الكلي.

 وعلى كل فالعلاقة بين التاريخ والجغرافيا وثيقة:

1- فالتاريخ هو ذاكرة الأمة والجغرافيا هي بيت (مكان) الأمة.

2- التاريخ هو ذكر ألأمة، والجغرافيا هي ذخيرة (ممتلكات) الأمة.

3- التاريخ هو تراث الوطن، والجغرافيا وعاء الوطن.