أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-08-2015
837
التاريخ: 7-08-2015
882
التاريخ: 20-11-2014
1233
التاريخ: 7-08-2015
896
|
اعلم أنّ العلماء المتكلّمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين :
[ القول ] الأوّل : أنّ الحسن والقبح عقليّان وهو مختار
الإماميّة والحكماء والمعتزلة (1). وأشار المصنّف ; إليه بقوله : ( وهما عقليّان )
بمعنى أنّ الحاكم بهما هو العقل فعلا أو قوّة ، وأنّ الفعل حسن أو قبيح في نفسه
إمّا لذاته أو لصفة لازمة له ، أو بوجوه واعتبارات ، أو على وجه التركيب باعتبار
الذات والصفات والاعتبارات على الاختلاف ... فالشرع كاشف ومبيّن للحسن والقبح
الثابتين له على أحد الأنحاء الثلاثة ، وليس له أن يعكس القضيّة من عند نفسه بأن
يحسّن ما قبّحه العقل ويقبّح ما حسّنه إلاّ إذا اختلف حال الفعل في الحسن والقبح
بالقياس إلى الأزمان ، أو الأشخاص ، أو الأحوال ؛ فإنّ له حينئذ أن يكشف عمّا
يتغيّر الفعل إليه من حسنه أو قبحه في نفسه.
[ القول ] الثاني : أنّ الحسن والقبح شرعيّان بمعنى أنّه ليس
للفعل حسن أو قبح في نفس الأمر لأمر حقيقيّ حاصل فيه قبل الشرع حتّى يمكن للعقل
إدراكه ، ويكون الشرع كاشفا عنه بل الشرع هو المثبت له والمبيّن ، فلا حسن للأفعال
ولا قبح لها قبل ورود الشرع ، فلو عكس الشارع القضيّة فحسّن ما قبّحه ، وقبّح ما
حسّنه ، لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر ، فصار القبيح حسنا والحسن قبيحا كما في النسخ
من الحرمة إلى الوجوب ، ومن الوجوب إلى الحرمة ، فكلّ ما أمر به الشارع فهو حسن ،
وكلّ ما نهى عنه مثلا فهو قبيح ، ولو لا الشرع لم يكن حسن ولا قبيح. وهو مختار
الأشاعرة (2) كالشارح القوشجي ، كما صرّح به في شرح الكتاب (3) ، وشارح « المقاصد
» ؛ حيث قال : « فعندنا ذلك بمجرّد الشرع » (4) وصاحب المواقف وشارحه ؛ حيث قالا :
« ( القبيح ) عندنا ( ما نهي عنه شرعا ) نهي تحريم أو تنزيه ( والحسن بخلافه ) ،
أي ما لم ينه عنه شرعا كالواجب والمندوب والمباح ؛ لأنّ المباح عند أكثر أصحابنا
من قبيل الحسن وكفعل الله تعالى ؛ فإنّه حسن أبدا بالاتّفاق.
وأمّا فعل البهائم ، فقد قيل : إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح
باتّفاق الخصوم ، وفعل الصبيّ مختلف فيه ( ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها ،
وليس ذلك ) أي حسن الأشياء وقبحها (عائدا إلى أمر حقيقيّ ) حاصل في الفعل قبل
الشرع ( يكشف عنه الشرع ) كما يزعمه المعتزلة ( بل الشرع هو المثبت له والمبيّن )
فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع ( ولو عكس ) الشارع ( القضيّة فحسّن ما
قبّحه وقبّح ما حسّنه لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر ) فصار القبيح حسنا ، والحسن
قبيحا ، كما في النسخ من الحرمة إلى الوجوب ، ومن الوجوب إلى الحرمة » (5) إلى غير
ذلك من الكلمات.
والثمرة ـ مضافا إلى الثمرة العلميّة ـ تظهر في تصحيح
العقيدة والحكم بجواز ارتكاب القبيحين ، بل وجوبه فيما لم يصل بالنسبة إليه
الشريعة في جواز التكليف بما لا يطاق وعدم حكم قبل الشريعة وأمثال ذلك كثيرة.
والحقّ مع الإماميّة ؛ لبراهين عقليّة :
الأوّل : أنّ الفعل لو لم يكن له رجحان وجودا أو عدما بحسب
الواقع وفي نفسه ، لكان الأمر به أو النهي عنه ترجيحا بلا مرجّح ؛ لاقتضاء الأمر
جعل الوجود راجحا على العدم ، بل جعل فعل من الأفعال راجحا على غيره من غير مرجّح
، واقتضاء النهي جعل الترك راجحا كذلك ، وجعل أحد المتساويين راجحا من غير مرجّح
قبيح بالبديهة وإن قلنا بجواز الترجيح بلا مرجّح ، بمعنى اختيار أحد المتساويين من
غير مرجّح ، كما في قدحي عطشان ، ورغيفي جوعان ؛ حيث يختار أحدهما من غير مرجّح
ولو من جهة عدم الالتفات.
وبعبارة أخرى يلزم من شرعيّة الحسن والقبح عدم الأمر والنهي
، ويلزم من عدمهما عدم شرعيّة الحسن والقبح ؛ لما لا يخفى ، وما يلزم من وجوده
عدمه فهو باطل.
الثاني : ما أشار إليه المصنّف بقوله : ( للعلم بحسن الإحسان
وقبح الظلم من غير شرع ) بمعنى أنّ العلم بحسن الإحسان والعدل ، وقبح الإساءة
والكذب والظلم كقتل النفس القدسيّة بلا جهة حاصل بالضرورة لكلّ عاقل من غير ملاحظة
الشرع ؛ ولذلك يعترف بذلك منكر الشرائع كالدهريّ والزنديق أيضا ، فلو كان بحسب
الشرع لما علم كذلك ، ومثل ذلك القطع بأنّه يقبح عند الله من العارف بذاته وصفاته
أن يشرك وينسب إليه الزوجة والولد وما لا يليق به من صفات النقص وسمات الحدوث ،
بمعنى أنّه يستحقّ الذمّ والعقاب في حكم الله تعالى سواء ورد الشرع ، أم لا.
وتوهّم أنّ كون قبح ذلك مركوزا في العقول من النقول يوهم
كونه من مجرّد العقول غير معقول.
فإن قلت : نمنع جزم العقل بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع
فيه.
نعم ، جزم العقل بالحسن والقبح ـ بمعنى الملاءمة والمنافرة ،
أو صفة الكمال والنقص ـ مسلّم وهو غير نافع.
قلت أوّلا : إنّ العقل يحكم بديهة بأنّ قاتل الأنبياء بغير
حقّ وبلا جهة مستحقّ للذمّ ؛ لظلمه ، والمحسن يستحقّ المدح ؛ لإحسانه ، والمنع
مكابرة صريحة عند الإنصاف.
وثانيا : إنّ المسلّم فيما نحن فيه مستلزم للمتنازع فيه حيث
يكون بالاختيار.
فإن قلت : قولنا : « العدل حسن ، والظلم قبيح » عدّ عند
الحكماء من مقبولات العامّة للمصلحة العامّة والمفسدة وهي مادّة القياس الجدليّ ،
فدعوى الضرورة ـ المعتبرة في اليقينيّات التي هي مادّة البرهان ـ غير مسموعة ؛
لعدم دلالة اتّفاق العقلاء عليها.
قلت : ضروريّة الحكمين المذكورين وعدم توقّفهما على النظر
والفكر ضروريّة على وجه يكون إنكاره مكابرة ، ومدخليّة المصالح والمفاسد فيهما غير
قادحة لصدورهما من العقل النظريّ بإعانة العقل العمليّ المزاول للأعمال ، والمباشر
للأفعال بملاحظة المصالح والمفاسد من غير توقّف على النظر ، وهذا كتوقّف سائر
البديهيّات إلى أمور غير النظر كالمشاهدة والملاحظة ، بل هما صادران من العقل مع
قطع النظر عن المصلحة والمفسدة ؛ ولهذا يصدران من غير العارف بالمصالح والمفاسد ،
ومن الغافل.
وعدّ الحكماء لهما من المقبولات مجرّد تمثيل للمصلحة العامّة
والمفسدة العامّة ، فلهما جهة ضروريّة وجهة مقبوليّة ، فهما من اليقينيّات من جهة
ضروريّتهما وعدم احتياجهما إلى النظر ، ومن المقبولات من جهة قبول عموم العقلاء
لهما من جهة ملاحظة المصلحة والمفسدة العامّتين، فعلى هذا يصحّ ذكرهما في
البرهانيّات والجدليّات باعتبارين.
الثالث : أنّه لو لم
يثبت الحسن والقبح إلاّ بالشرع ، لم يثبتا أصلا ؛ لأنّ العلم بحسن ما أمر به
الشارع ، أو أخبر عن حسنه ، وبقبح ما نهى عنه ، أو أخبر عن قبحه يتوقّف على أنّ
الكذب قبيح لا يصدر عنه ، وأنّ الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به
تعالى ، وذلك إمّا بالعقل والمفروض أنّه معزول لا حكم له ، وإمّا بالشرع فيدور.
وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : ( ولانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا ).
فإن قلت : إنّ الدور إنّما يلزم إذا جعل الأمر والنهي دليلي
الحسن والقبح ، ولكنّا لم نجعلهما دليلين لهما ، بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل
متعلّق الأمر والمدح ، والقبح عبارة عن كون الفعل متعلّق النهي والذمّ.
قلت أوّلا : إنّه خلاف ما صرّح به شارح المقاصد (6) الذي هو
من فحول الأشاعرة ...
وثانيا : إنّ كون الفعل حسنا أو قبيحا ـ على تقدير كونهما
شرعيّين ـ إنّما يعلم إذا كان الفعل متعلّق الأمر والنهي [ وكون الفعل متعلّق
الأمر ] (7).
الرابع : ما أشار إليه المصنّف ; أيضا بقوله : ( ولجاز
التعاكس ) بمعنى أنّه لو كان الحسن والقبح بالشرع لا بالعقل ، لجاز أن يعكس الشارع
، فيحسّن ما قبّحه ، ويقبّح ما حسّنه ، كما في النسخ ، فيلزم جواز حسن الإساءة
وقبح الإحسان بالمعنى المتنازع فيه ، وذلك باطل بالضرورة.
الخامس : ما ذكره في شرح المقاصد من أنّه لو لم يكن وجوب النظر
عقليّا لزم إفحام الأنبياء (8) ، وأنّه لو لم يقبح من الله تعالى شيء لجاز إظهار
المعجزة على يد الكاذب ، وفيه انسداد باب إثبات النبوّة (9).
قال : والجواب أنّ الإمكان العقليّ لا ينافي الجزم بعدم
الوقوع أصلا كسائر العاديّات (10).
وفيه الفرق بين الإمكان والقبح ، فهو ممكن لكنّه لم يقع ؛
لقبحه عقلا ولو بالاعتبار مضافا إلى الآيات والأخبار.
__________________
(1) « تقريب المعارف » : 58 ـ 59 ؛ « قواعد المرام في علم
الكلام » : 104 ـ 107 ؛ «نقد المحصّل » : 339 ـ 341 ؛ « كشف المراد » : 302 ـ 305
؛ « مناهج اليقين » : 229 ـ 235 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 82 ـ 85 ؛ « النافع
ليوم الحشر » : 25 ـ 26؛ « إرشاد الطالبين » : 254 ـ 263 ؛ « شرح الأصول الخمسة »
: 326 ؛ « المغني في أبواب التوحيد والعدل » 6 : 7 وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة
» 6 : 371 ؛ « أصول الفقه » للمظفّر : 223 ـ 248.
(2)
« المحصّل » : 478 ـ 481 ؛ « المطالب العالية » 3 : 289 ـ 358 ؛ « الأربعين في
أصول الدين » 1 : 346 ـ 349.
(3) «
شرح تجريد العقائد » : 337 ـ 338.
(4) «
شرح المقاصد » 4 : 282.
(5) «
شرح المواقف » 8 : 181 ـ 182.
(6)
« شرح المقاصد » 4 : 282 ـ 283.
(7)
كذا في النسخ.
(8)
هذا هو الدليل الرابع من أدلّة المعتزلة على كون الحسن والقبح عقليّين ، كما في «
شرح المقاصد » 4 : 290 ـ 291 وردّه التفتازانيّ في نفس الكتاب 2 : 293.
(9)
وهذا أيضا الدليل السادس من أدلّة المعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » 4 : 290 ـ
291، وقد نقضه التفتازانيّ في « شرح المقاصد » 1 : 292.
(10)
هذا جواب التفتازانيّ عن الدليل الرابع للمعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » 4 :
293.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
نشر مظاهر الفرح في مرقد أبي الفضل العباس بذكرى ولادة السيدة زينب (عليهما السلام)
|
|
|