المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



قاعدة « الفراش »  
  
2633   08:38 صباحاً   التاريخ: 21-2-2022
المؤلف : الشيخ محمد باقر الإيرواني
الكتاب أو المصدر : دروس تمهيدية في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2، ص 185
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الولد للفراش /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2022 1489
التاريخ: 18-9-2016 1349
التاريخ: 18-9-2016 2280
التاريخ: 2024-08-03 342

من القواعد المشهورة التي تسالم عليها جميع المسلمين قاعدة الفراش المستندة للحديث المشهور عن النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

 

ويشار إلى القاعدة المذكورة عادة في موردين : باب النكاح وباب اللعان.

اما باب النكاح فيذكر فيه ان الزوجة إذا تحقق منها الزنا أو وطء الشبهة فالولد المتكوّن بعد ذلك يبقى ملحقا بالزوج ولا يجوز نفيه عنه لقاعدة الفراش.

واما باب اللعان فيذكر فيه ان من ولد له ولد وكان يشك في نسبته إليه فلا يجوز له نفيه عنه لقاعدة الفراش ولكن لو جزم بأنّه ليس منه باعتبار انّه لم يواقعها طيلة الفترة فيلزمه نفيه عنه لئلاّ يلتحق بنسبه ما ليس منه ، ولكن لا يحكم الحاكم بالانتفاء عنه ظاهرا إلاّ بعد اللعان ، بأن يقول أمام الحاكم : أشهد بالله اني لمن الصادقين فيما قلت‌ من نفي ولدها ، مكررا ذلك أربع مرّات ، ثم يقول بعد ذلك مرّة واحدة : لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين.

 

وإذا تمّت صورة اللعان هذه حكم بانتفاء الولد عن الزوج ظاهرا ، ولا يتحقق بينهما بعد ذلك توارث وتنفسخ الزوجية ويزول الفراش.

هذا كلّه لو أمكن التحاق الولد به تطبيقا لقاعدة الفراش ، اما إذا لم يمكن الالتحاق به ـ كما لو فرض ان الزوج كان في مكان والزوجة في مكان آخر وثبت لدى الحاكم عدم تحقق شي‌ء بينهما سوى العقد ـ تحقق الانتفاء بدعواه بلا حاجة إلى لعان.

انه في هذين الموردين تذكر قاعدة الفراش ويتمسك بها ولكن كما هي العادة لا يشار إلى تفاصيلها وحدودها.

ونمنهج الحديث حولها ضمن النقاط التالية :

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعد.

٣ ـ ألفاظ حديث الفراش ومعناه.

٤ ـ بم يتحقق الفراش؟

٥ ـ مصاديق متعددة للفراش.

٦ ـ الدوران بين الفراشين.

٧ ـ القيافة وقاعدة الفراش.

٨ ـ أبو حنيفة وبعض آرائه.

٩ ـ تطبيقات.

 

١ ـ مضمون القاعدة‌ :

يقصد بالقاعدة المذكورة ان الزوجة متى ما اولدت ولدا ولم يجزم بانتفائه عن الزوج فهو ملحق به ولا يحق له نفيه عنه لمجرّد عدم مشابهته له أو لغير ذلك من الأسباب. فكما ان الزوج لا يحق له نفي الولد عنه في صورة الجزم بكونه ولده كذلك لا يحق له ذلك حالة الشك واحتمال انّه ولده.

وبهذا يتّضح ان قاعدة الفراش هي كسائر القواعد المقررة حالة الشك ، فكما ان قاعدة الطهارة تتضمن الحكم بالطهارة على كل شي‌ء حالة الشك في طهارته كذلك قاعدة الفراش تحكم بالحاق الولد بالزوج حالة الشك في انتسابه له.

ولا ينبغي ان يفهم من القاعدة المذكورة الحكم بالحاق الولد بالزوج حتى في حالة عدم امكان الالتحاق به ـ كما إذا فرض تحقق العقد فقط وغياب الزوج عن الزوجة غيابا كاملا أو فرض ولادة الطفل قبل مضي فترة أقل الحمل أو بعد مضي أقصى فترة الحمل ـ كما ينسب ذلك إلى أبي حنيفة على ما سيأتي بل المقصود الحكم بذلك حالة الشك وامكان الانتساب.

٢ ـ مدرك القاعدة‌ :

تستند القاعدة المذكورة الى الحديث المشهور عن النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». والحديث المذكور متفق بيننا وبين العامة على روايته عنه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم.

وقد روي عندنا في نصوص متعدّدة ، كصحيحة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله : «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال : للذي عنده لقول رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر» [١].

والمقصود من قوله عليه ‌السلام : «للذي عنده» : المولى المالك للجارية ، كما نبّه على ذلك الفيض الكاشاني في كتابه الوافي [٢].

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه ‌السلام : «ايّما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادّعى ولدها فانه لا يورث منه شي‌ء ، فان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ...» [٣].

هذه بعض الأمثلة في رواياتنا.

واما في أحاديث العامة فقد روى مسلم بسنده إلى عائشة : «اختصم سعد بن أبي وقّاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إليّ انّه ابنه ، انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته ، فنظر رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم إلى شبهه فرأى شبها بيّنا بعتبة فقال : هو لك يا عبد ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ...» [٤].

وقد نقل أحمد بن حنبل في مسنده عن عبادة بن الصامت قسما‌ كبيرا من أقضية النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم ، حيث قال ما نصّه : «ان من قضاء رسول الله ان المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار ... الى ان قال : وقضى ان الولد للفراش وللعاهر الحجر ...» [5].

ونصوصهم التي تنقل قاعدة الفراش كثيرة. وما ذكرناه مثال لها.

وقصّة الطعن على معاوية على القائه الحديث المذكور في سلّة المهملات مشهورة ، فان مطاعن الشخص المذكور وان كان يصعب حصرها إلاّ ان أشهرها أربعة : حربه لأمير المؤمنين عليه ‌السلام ، وقتله حجرا الذي هو من خيار أصحاب النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم ، واستخلافه ولده من بعده ، واستلحاقه زيادا بأبي سفيان هاجرا بذلك حكم النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم بكون الولد للفراش وللعاهر الحجر [6].

ولا يراد بهذا الحكم أن زيادا ولد زنا ليقال كيف اذن نصّبه أمير المؤمنين عليه ‌السلام فترة خلافته أميرا على بعض بلاد الإسلام الأمر الذي يستلزم امامته لجماعة المسلمين في صلاتهم التي لا تجوز لولد الزنا ، كلا لا يراد الحكم بأنّه ولد زنا ولا يمكن الحاقه بأبي سفيان ما دام ولد زنا وانّما يراد ان يقال ان مقتضى قاعدة الفراش الحاقه بوالده وزوج امّه لأنّه صاحب الفراش دون من زنا بها كأبي سفيان فان ذلك خلاف القاعدة المذكورة.

وبالجملة : الحديث المذكور يقطع بصدوره عن النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم ولا حاجة للبحث عن سنده وان كان تامّا أيضا اتفاقا.

هذا هو المدرك للقاعدة المذكورة.

واما الاجماع فلا يمكن التمسك به بعد كونه مستندا للحديث المذكور كما هو واضح.

٣ ـ ألفاظ حديث الفراش ومعناه‌ :

تطلق كلمة «الفراش» بالكسر على المرأة باعتبار ان الرجل يفترشها ولكن المقصود منها في الحديث صاحب الفراش ، وهو الزوج أو المولى.

والعاهر هو الزاني من العهر بمعنى الزنا.

والمقصود من ثبوت الحجر للعاهر الكناية عن الخيبة وعدم ثبوت شي‌ء له ، فان العرب تقول : فلان له التراب أو الحجر تقصد بذلك الكناية عن خيبته وعدم ثبوت شي‌ء له.

وربما يحتمل كون المقصود الكناية عن الرجم وانه في حالة الزنا والشك في انتساب الولد يلحق بصاحب الفراش والزاني يرجم بالحجارة.

إلاّ ان المعنى الأوّل أرجح باعتبار ان حكم الزاني ليس هو الرجم بالحجارة دائما بل يختص ذلك بما إذا كان محصنا ، واما غير المحصن فحكمه الجلد.

٤ ـ بم يتحقق الفراش‌ :

لا اشكال في كون المقصود من الفراش هو الزوج ، ولكن بم يتحقق كونه فراشا ومتى يصدق ذلك؟ فهل يكفي في تحقق ذلك مجرّد‌ تحقق العقد أو يلزم تحقق الدخول؟

ان في ذلك احتمالات :

أ ـ تحققه بمجرّد العقد وان لم يتحقق بعده الدخول ، فنفس العقد بمجرده كاف في تحقق عنوان الفراش ويوجب الحاق الولد بالزوج.

وربما ينسب ذلك الى أبي حنيفة ، فقد ذكر العيني في عمدة القارئ الذي هو شرح لصحيح البخاري : شذّ أبو حنيفة فيما إذا عقد شخص على امرأة وطلّقها عقيب النكاح من غير امكان الوطء فاتت بولد لستّة أشهر من وقت العقد حيث ألحقه بالزوج. وهذا خلاف ما جرت به عادة الله من ان الولد انّما يكون من ماء الرجل والمرأة [7].

ب ـ تحقّقه بالعقد وامكان الوطء. وربما ينسب ذلك إلى الشافعي واحمد.

ج ـ تحققه بالعقد والدخول بالفعل. وينسب ذلك الى مذهب ابن تيمية [8].

هذا والأنسب ان يقال : ان المدار في تحقّق الفراش على العقد وامكان تحقّق الحمل من الزوج ، فلو فرض ان الزوج لم يدخل بزوجته ولكنه أراق منيّه على فرجها كفى ذلك في تحقق الفراش والحاق الولد به.

والوجه في ذلك : ان كلمة الفراش وان كان يراد بها الزوج ، ومقتضى اطلاق الحديث كفاية تحقق العقد في الالحاق بالزوج كما هو المنسوب إلى أبي حنيفة إلاّ ان من الواضح ان القاعدة المذكورة قاعدة‌ شرّعت في حالات الشك في الانتساب ، إذ مع الجزم بالانتساب الى الزوج فلا معنى لأن يعبّدنا الشارع بالالحاق به لأنّه تعبّد بما هو معلوم بالوجدان ، وهكذا لا معنى للتعبّد مع الجزم بعدم امكان الالتحاق بالزوج ـ لكونه في حبس أو مكان بعيد لا يمكن ان يصل معه إليها ـ إذ لا يمكن التعبّد بما يجزم ببطلانه ، فانّه تعبّد مرفوض عقلا وعقلائيا فيتعيّن بذلك كون المقصود التعبّد بالالحاق بالزوج في الحالات التي يمكن فيها الانتساب إليه ، ومن الواضح أن إمكان الالتحاق بالزوج لا يكفي فيه مجرّد العقد كما لا يلزم فيه تحقق الدخول بل يكفي امكان حصول التلقيح من ماء الرجل ولو مع الجزم بعدم تحقّق الدخول.

٥ ـ مصاديق متعددة للفراش‌ :

لا اشكال في تحقق الفراش بالعقد الدائم ، وذلك هو القدر المتيقن منه. ولكن ليس ذلك هو المحقق الوحيد له بل يتحقق أيضا بالعقد المنقطع وبالملك ، فان عنوان الفراش يصدق في الحالتين المذكورتين حقيقة.

هذا مضافا الى صحيحة سعيد الأعرج المتقدّمة حيث دلّت على ان الجارية المملوكة لمولاها إذا وطئها اثنان في طهر وحملت كان الطفل لمولاها التي هي عنده.

وهل يكفي في تحقق الفراش تحليل المولى جاريته لشخص فترة؟ نعم ذلك وجيه باعتبار ان التحليل سبب لحلية الجارية كالعقد والملك ولا فرق بينهما ، فكما يتحقق الفراش ويصدق بهما كذلك يتحقق بالتحليل.

وقد تسأل عن وطء الشبهة هل يكفي في تحقق عنوان الفراش؟

والجواب : تارة يفرض ان المرأة لها زوج ووطئها فترة الزوجية شخص آخر شبهة ، واخرى يفترض عدم وجود زوج لها ووطئها شخصان أحدهما شبهة والآخر بالزنا.

اما في الحالة الاولى فالولد ملحق بالزوج دون الواطئ شبهة لأن عنوان الفراش صادق على الزوج دون الواطئ شبهة.

وإذا قيل : ان حديث الولد للفراش يريد الحاق الولد بالزوج في الحالات التي يكون فيها أمر الولد مرددا بين كونه متولّدا من الزوج أو متولّدا من الزنا وليس بناظر لحالة دوران أمره بين كونه من الزوج أو من الواطئ شبهة.

والقرينة على نظر الحديث لما ذكر تعبيره في الجملة الثانية بجملة «وللعاهر الحجر»، فان المراد من العاهر خصوص الزاني ولا يعمّ الواطئ بالشبهة.

قلنا : هذا صحيح ولكن المفهوم من الحديث ان الولد متى ما أمكن الحاقه بالفراش يلزم الحاقه به سواء كان المقابل هو احتمال التولد من الزاني أو احتمال تولده من الواطئ بالشبهة ولا يفهم العرف الخصوصية لكون الاحتمال المقابل هو التولد من الزنا.

واما في الحالة الثانية فيمكن ان يقال بلزوم الاقتراع لتشخيص انتساب الولد لان احتمال تولده من كل منهما موجود ، وعنوان الفراش لا يصدق على أحدهما.

نعم إذا فرض صدق عنوان الفراش على الواطئ شبهة الحق به ، كما لو فرض ان امرأة كان لها زوج فترة سنوات وبعد ذلك اتضح انّه‌ اخوها من الرضاع فلا يبعد صدق عنوان الفراش عليه ويكون الولد ملحقا به عند زنا شخص بتلك المرأة.

٦ ـ الدوران بين الفراشين‌ :

إذا فرض ان امرأة طلّقها زوجها الأول وتزوجت بآخر بعد انتهاء العدة وولدت طفلا بعد زواجها بالثاني فهل يلحق الطفل بزوجها الأوّل أو بزوجها الثاني؟ ان لذلك أربع صور:

الاولى : ان يفترض امكان الحاقه بالأول ولا يمكن الحاقه بالثاني ، كما إذا كانت ولادتها لأقل من ستة أشهر من حين وطء الثاني مع عدم تجاوز أقصى فترة الحمل من حين وطء الأول.

انه في مثل ذلك يلزم الحاقه بالأول لفرض عدم امكان الحاقه بغيره ويستكشف بطلان نكاح الثاني لوقوعه في العدة إذ تكون المرأة المذكورة حاملا من الأوّل حين تزوّجها بالثاني ، وعدّة الحامل تنقضي بالولادة ومن ثمّ يكون تزوجها بالثاني زواجا في العدة ، والعقد على ذات العدّة مع الدخول موجب لحرمتها المؤبدة ولو مع الجهل.

الثانية : ان لا يمكن الحاقه بالأوّل بينما يمكن الحاقه بالثاني عكس الصورة السابقة ، كما إذا فرض ان الولادة تحققت بعد مضي أقصى فترة الحمل من حين وطء الأوّل ، بينما يفترض الفترة من حين وطء الثاني ليست أقل من فترة أقل الحمل ولا أكثر من فترة أقصى الحمل.

وفي مثل ذلك يتعيّن الالحاق بالثاني بعد عدم امكان الالحاق بالاول.

الثالثة : ان لا يمكن الحاقه باحدهما ، كما إذا كانت الفترة بين الولادة ووطء الأول أزيد من فترة أقصى الحمل وبينها وبين وطء الثاني أنقص من فترة أقل الحمل.

وفي مثل ذلك يكون منتفيا عنهما معا لعدم امكان الحاقه بهما.

ولكن ذلك لا يعني كونه من زنا لاحتمال دخول المني فيها بشكل آخر وهي لا تدري فتكون هي امّا له بلا أب.

الرابعة : ان يفترض امكان الحاقه بهما. وفي مثله يكون المناسب سقوط القاعدة في حقهما للمعارضة.

إلاّ انّه قد يقال بالالحاق بالثاني لأن ظاهر جملة «الولد للفراش» كونه تابعا للفراش الفعلي ، وحيث ان الفراش الفعلي هو الثاني فيلزم الالحاق به.

وفيه : ان الظهور المذكور مسلّم إلاّ ان المدار في فعلية الفراش على فعليته حين تحقق الوطء لا حين تحقق الولادة ، ومن الواضح انه في زمان وطء الأوّل كان هو الفراش الفعلي وفي زمان وطء الثاني كان هو الفراش الفعلي.

وعليه فالالحاق بالثاني من هذه الجهة مشكل.

والأنسب التمسك لذلك بموثق أبي العباس قال : «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير وان كان لأقل من ستة أشهر فهو للأوّل» [9].

٧ ـ القيافة وقاعدة الفراش‌ :

القيافة تعني ملاحظة وجوه الشبه بين اثنين في اليد أو الرجل ونحوهما ليحكم بأن هذا ابن ذاك أو أخوه مثلا.

والمشهور بين الفقهاء حرمتها فيما إذا قصد ترتيب أحكام النسب بعد ملاحظة وجوه الشبه.

ويكفي لإثبات حرمتها ان العمل على طبقها يستلزم طرح قاعدة الفراش التي جعلها الشارع الميزان الوحيد في الحكم بالنسب عند الشك.

هذا ولكن توجد روايات قد يفهم منها جواز القيافة نذكر منها روايتين :

الاولى : ما ورد في قصة استسلام الامام الرضا عليه ‌السلام للقافة في قضية ولده الامام الجواد عليه ‌السلام ، فقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال : «سمعت علي بن جعفر يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال : والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه ‌السلام فقال له الحسن : إي والله جعلت فداك لقد بغى عليه اخوته فقال علي بن جعفر : اي والله ونحن عمومته بغينا عليه ، فقال له الحسن : جعلت فداك كيف صنعتم فاني لم أحضركم؟ قال : قال له اخوته ونحن أيضا : ما كان فينا امام قطّ حائل اللون ؛ فقال لهم الرضا عليه ‌السلام : هو ابني ، قالوا : فان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم قد قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة ، قال : ابعثوا أنتم اليهم فامّا أنا فلا ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم. فلما جاؤوا‌ أقعدونا في البستان واصطفّ عمومته واخوته واخواته وأخذوا الرضا عليه ‌السلام وألبسوه جبّة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له : ادخل البستان كأنّك تعمل فيه ، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه ‌السلام فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا : ليس له هاهنا أب ولكن هذا عمّ أبيه وهذا عمّ أبيه وهذا عمّه وهذه عمّته وان يكن له هاهنا أب فهو صاحب البستان فان قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه ‌السلام قالوا : هذا أبوه ...» [١0].

ولأجل هذا الخبر خالف صاحب الحدائق المشهور في مسألة القيافة واختار جوازها باعتبار انّه عليه ‌السلام أجابهم إلى ما سألوا ولو كان ذلك محرّما لما أجابهم إلى ذلك ، وكيف يجيب عليه ‌السلام الى محرم ، مضافا الى انّهم نقلوا عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم قضاءه بالقافة وهو عليه ‌السلام لم يكذّبهم بل قررهم على ذلك [11].

الثانية : ما روي في كتب العامة مكرّرا عن عائشة : «ان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال : ألم تري ان مجزّزا نظر آنفا الى زيد بن حارثة واسامة بن زيد فقال : ان بعض هذه الأقدام لمن بعض» [12].

وكأن الوجه في التشكيك في نسبة اسامة إلى زيد ان زيدا أبيض‌ اللون بينما اسامة شديد السواد لأنّ امه أم أيمن كانت حبشية سوداء.

واسترّ النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم لأنّ شهادة مجزز القائف الذي كان يجزّ ناصية الاسراء في الجاهلية ـ ومن هنا سمّي بمجزّز ـ أزالت ذلك.

والسرور المذكور وركونه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم الى شهادة القائف يدل على جواز القيافة والاستناد إليها.

وكلتا الروايتين كما ترى.

اما الاولى فلأنّها ضعيفة بزكريا الصيرفي الراوي لها فانّه مجهول الحال. ومضمونها لا يمكن قبوله إذ كيف يحتمل وصول المستوى بأعمام الامام عليه ‌السلام واخوته الى حدّ لا وازع لهم من ابراز مخدراتهم ـ بنات النبوّة والامامة ـ أمام القائف ناظرا في أرجلهن.

وكيف يحتمل ذلك في حق علي بن جعفر الذي كان يقدّس مقام الامامة إلى حدّ بعيد ، فقد روى الكليني بسنده إلى محمّد بن الحسن بن عمار : «كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالسا بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن عليه ‌السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه ‌السلام المسجد ـ مسجد الرسول صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلمـ فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه فقال له أبو جعفر عليه ‌السلام : يا عم اجلس رحمك الله فقال :يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم ، فلما رجع علي بن جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ، فقال : اسكتوا إذا كان الله عزّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه انكر فضله! نعوذ بالله ممّا‌ تقولون بل أنا له عبد» [13].

واما الرواية الثانية فلو ثبت صحّة سندها وفرض نزول تحريم القيافة تلك الفترة فيمكن ان يقال : ان سرور النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم كان للنتائج التي توصّل اليها مجزز ، وهي نفي التشكيك عن نسب اسامة وذلك ليس فيه أي دلالة على امضاء القيافة وفعل القائف.

٨ ـ أبو حنيفة وبعض آرائه‌ :

عرفنا فيما سبق ان قاعدة الفراش شرعت أمارة حالة الشك في الانتساب ولم تشرّع لإثبات الانتساب الى الزوج تعبّدا حتى مع الجزم بعدم الانتساب إليه.

هذا ولكن المنسوب الى أبي حنيفة ان حيثية الفراش تتحقق بمجرّد العقد ولو لم يتحقق دخول وأنتج ذلك نتائج غريبة التزم بها وبنى عليها اشار الى بعضها ابن قدامة في المغني منها:

أ ـ إذا غاب الزوج غيبة طويلة وبلغ الزوجة خبر وفاته فاعتدت ثم تزوّجت بآخر وجاءت منه بأولاد ثم جاء زوجها الأول فالعقد الثاني باطل ويلحق الأولاد بالأول لأنّه صاحب الفراش.

ب ـ لو تزوج مشرقي بمغربية ولم يجتمعا أصلا وجاءت بولد لستة أشهر من حين العقد الحق بالزوج حتى لو طلّقها عقيب العقد بلا فاصل.

ج ـ لو تزوج رجلان اختين وزفت كل واحدة الى زوج الاخرى‌ اشتباها ووطئ كلّ منهما من زفّت إليه وحملت فالولد للزوج الأصلي تطبيقا لقاعدة الفراش[14].

والانتهاء الى مثل هذه النتائج ليس بغريب بعد ما نقل ابن حزم في المحلى : من عجائب الدنيا ابطال أبي حنيفة الحج بوطء الرجل امرأته ناسيا لإحرامه وقد صح ان الله تعالى لا يؤاخذ بالنسيان ثم لا يبطل الحج بتعهد القصد إلى ان يلوط في احرامه أو يلاط به، فهل في الفضائح والقبائح أكثر من هذه المعصية وأعجب شي‌ء دعواهم الاجماع عليه [15].

وفتواه في عدم لزوم قتل اللائط متأوّلا في ذلك الأحاديث الدالّة على لزوم قتل الفاعل والمفعول به بحملها على المستحل أو على أمر سياسي قد تناقلتها كتب علماء الحنفية [16].

٩ ـ تطبيقات‌ :

١ ـ امرأة متزوجة زنا بها شخص وولدت طفلا يشابه الزاني تماما واجريت الفحوصات وتحاليل الدم فلوحظ الشبه الكامل في الدم وغيره بين الزاني والطفل فبمن يلحق؟

٢ ـ امرأة لها زوج لا ينجب زرّقت بحيامن شخص آخر وحملت بمن يلحق الطفل؟

٣ ـ شخص لم يجامع زوجته من القبل وزرّقت لها حيامن شخص آخر أو زنا بها آخر وحملت بمن يلحق الحمل؟

٤ ـ شخص كان يجامع زوجته عازلا عنها المني أو كان يستعمل الكيس أو تتناول هي الاقراص وحملت فلمن الحمل بعد افتراض ان شخصا زنا بها أو وطئها شبهة؟

٥ ـ شخص أجرى لنفسه عملية جراحية منعته بعد ذلك من الانجاب فلو حملت زوجته بعد ذلك ـ بعد فرض زنا شخص آخر بها ـ فبمن يلحق الطفل؟

٦ ـ إذا وطئ شخصان بالشبهة امرأة فولدت فبمن يلحق الطفل؟

_____________

[١] وسائل الشيعة باب ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء حديث ٤.

[٢] الوافي ٢٣ : ١٤٠٧.

[٣] وسائل الشيعة باب ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث ١. ولعل الأنسب في كلمة «شي‌ء» ان تكون منصوبة أي «شيئا».

[٤] صحيح مسلم ، كتاب الرضاع ، باب ١٠ الولد للفراش وتوقي الشبهات ، حديث : ١٤٥٧.

[5] قاعدة لا ضرر لشيخ الشريعة الاصفهاني : ١٩.

[6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد / فصل «أخبار متفرقة عن معاوية» ٥ : ١٣١ الطبعة المحقّقة من قبل محمّد أبي الفضل إبراهيم.

[7] عمدة القارئ ١١ : ١١٠.

[8] زاد المعاد على هامش شرح الزرقاني لابن القيم ٧ : ٣٦٣.

[9] وسائل الشيعة باب ١٧ من أبواب أحكام الأولاد حديث ١٢.

[١0] اصول الكافي ١ : ٣٢٢.

[11] الحدائق الناضرة ١٨ : ١٨٣.

[12] صحيح مسلم باب ١١ من كتاب الرضاع حديث ١٤٥٩ والبخاري في باب القائف من كتاب الفرائض ٤ : ١٠٥ وأبو داود السجستاني في كتاب الطلاق من سننه ٢ : ٢٨٠ وغيرهم.

[13] اصول الكافي ١ : ٣٢٢.

[14] المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣١.

[15] المحلى لابن حزم ٧ : ١٨٦ مسألة ٨٥٠.

[16] كالبحر الرائق ٥ : ١٦ ، وفتح القدير ٤ : ١٥٠ ، وبدائع الصنائع ٧ : ٣٥ ، والميزان للشعراني ٢ : ١٣٥.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.