المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تعريف القرائن القضائية
2024-11-07
التبعية في الاقتصاد العربي
2024-11-07
تعريف الخبرة
2024-11-07
التجارة في الوطن العربي
2024-11-07
ما وإن ولا ولات المشبهات بليس
2024-11-07
تربية الماشية في إيطاليا
2024-11-07

Hypersensitivity Reactions
21-2-2016
التوازن المستقر بواسطة حقل مغناطيسي متجمد
6-6-2017
بعض الطرق غير التقليدية في برامج المكافحة المتكاملة
5-11-2021
بذور زراعة الرز
2024-03-27
Multiferroics
4-3-2021
Endocytosis
31-7-2016


قاعدة « الغرور »  
  
2444   08:01 صباحاً   التاريخ: 31-1-2022
المؤلف : الشيخ محمد باقر الإيرواني
الكتاب أو المصدر : دروس تمهيدية في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2، ص 153
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الغرور - المغرور يرجع الى من غره /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2016 1190
التاريخ: 25-1-2022 2141
التاريخ: 2024-07-31 349
التاريخ: 10-2-2022 1718

من القواعد التي يشار إليها في الفقه ويتمسك بها بصفتها مدركا للضمان في موارد محدودة وقليلة قاعدة الغرور والتي قد يعبّر عنها أيضا بقاعدة المغرور يرجع على من غرّه ، فيشار إليها في باب النكاح في مسألة ما لو زوّج شخص امة غيره من شخص آخر جاهلا بكونها لغيره وأولدها طفلا ، فان الزوج يضمن لمولى الامة لأجل الدخول بها عشر قيمتها ان كانت بكرا ونصف العشر ان كانت ثيبا ، كما يضمن قيمة الولد ، ويرجع الزوج بكلتا الغرامتين اللتين غرمهما للمولى على ذلك الشخص الغار لقاعدة الغرور [١].

كما يشار إليها في باب الغصب في مسألة ما لو قدم الغاصب الطعام المغصوب لغيره موحيا له انّه ملكه ، فان المالك إذا رجع على الآكل لقاعدة الاتلاف أو على اليد رجع هو بدوره على‌ الغاصب لقاعدة الغرور [2] .

ان قاعدة الغرور ذكرت في هذين الموردين وما شاكلهما من دون اشارة إلى تفاصيلها وما يرتبط بها من أبحاث.

ولو تمّت القاعدة المذكورة مدركا حصلنا على سبب آخر للضمان مضافا الى أسبابه الاخرى وهي : اليد ، الاتلاف ، الأمر بالعمل ، والاقدام على الضمان في رأي ، والتسبيب لخسارة الآخرين.

بيد انها محل اختلاف بين الفقهاء فمنهم من قبلها كسبب من أسباب الضمان ومنهم من رفض ذلك.

ونمنهج الحديث حول القاعدة ضمن النقاط التالية :

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعدة.

٣ ـ قاعدة التسبيب.

٤ ـ اعتبار الجهل في صحة التمسك بالقاعدة.

٥ ـ تطبيقات.

١ ـ مضمون القاعدة‌ :

يقصد بالغرور الخديعة. يقال غرّه غرورا بمعنى خدعه خدعة.

وينبغي عدم الخلط بين الغرور والغرر ، فالأوّل يراد به الخديعة بينما الثاني يراد به كل جهالة تشتمل عليها المعاملة.

والمقصود من القاعدة ـ على هذا ـ ان كل من خدع غيره وأوقعه‌

في الخسارة ضمن تلك الخسارة ، فالغاصب إذا قدّم الطعام المغصوب لغيره ضمن ذلك الغير الآكل قيمة الطعام لصاحبه لقاعدة على اليد أو الاتلاف ولكنه بدوره يرجع على الغاصب الغار لقاعدة الغرور.

ولا ينبغي ان نفهم من هذا ان قاعدة الغرور ترادف القاعدة الثانية المعروفة بقاعدة التسبيب إلى الضمان ، كلا ان القاعدتين وان التقتا في كثير من مواردهما إلاّ انّهما قد يفترقان في بعض الموارد الاخرى ، كما لو فرض ان الطبيب وصف للمريض علاجا خاصّا اشتباها وتضرّر بذلك المريض ، انّه في مثل ذلك لا يمكن التمسّك بقاعدة الغرور لأن الطبيب ما دام مشتبها فلا يصدق عليه عنوان الغار ولكنّه سبّب الخسارة والضرر على المريض فتشمله قاعدة التسبيب ويحكم بضمانه لأجلها ـ بناء على تماميتها ـ دون قاعدة الغرور.

وهكذا لو فرض ان انسانا نجّس مسجدا أو المصحف الشريف واحتاج التطهير الى بذل اجرة معينة ، ان تلك الاجرة يجب بذلها على من يتمكن منها. والسبب في خسارتها هو ذلك الشخص المنجّس ، فبناء على تمامية قاعدة التسبيب وكون المثال مصداقا لها يلزم ضمانه لأجلها وليس لقاعدة الغرور.

وهكذا لو فرض ان انسانا نجّس فرش الغير واحتاج تطهيره الى اجرة معينة ، فان ضمانها لو ثبت على المنجس فهو لقاعدة التسبيب وليس لقاعدة الغرور.

وهكذا لو فرض ان تاجرا استورد بضاعة معينة بمقدار كبير أوجب خسارة بقية التجار الذين لديهم تلك البضاعة ، ان ضمان الخسارة المذكورة لو ثبت فهو لقاعدة التسبيب دون قاعدة الغرور.

وبهذا ننتهي إلى ان قاعدة التسبيب قد تصدق من دون قاعدة الغرور ، والعكس ليس بصحيح ، فان قاعدة الغرور لا تنفك عن قاعدة التسبيب عادة ، فالنسبة بينهما على هذا هي العموم والخصوص المطلق.

ودعوى ان بالامكان صدق قاعدة الغرور دون قاعدة التسبيب ، كما لو مدح شخص امرأة فتزوجها آخر اغترارا بالمدح ، فانه في مثل ذلك لا تصدق قاعدة التسبيب لأن المادح لم يصدر منه التزويج بينما تصدق قاعدة الغرور ، ومعه تكون النسبة هي العموم من وجه.

مدفوعة : بان نفس المدح نحو تسبيب عرفا لزواج الآخر‌ .

٢ ـ مدرك القاعدة‌ :

أهم ما يمكن التمسك به للقاعدة وجهان :

الوجه الأوّل‌ :

التمسك بالسيرة العقلائية بدعوى انها منعقدة على ضمان الغار ، وحيث انه لم يرد ردع عنها شرعا فتكون ممضاة.

ودعوى السيرة مقبولة في الجملة وليس في جميع موارد القاعدة.

انها مقبولة في مثل الغاصب الذي قدّم الطعام المغصوب للغير وأكله ايحاء بأنه ملكه أو في مثل من ركب سيارة باعتقاد انها سيارته التي يضعها في مكانها المقرّر وإذا بها سيارة شخص آخر وضعت مكان الأوّل عن قصد وعمد.

وليست مقبولة فيما إذا قال شخص لآخر : ان التجارة الفلانية مربحة فتاجر بها وإذا الأمر بالعكس ، أو فرض ان شخصا عنده بضاعة‌ معينة بكمية كبيرة لم يفصح عنها وأوهم الآخرين عدم وجود تلك البضاعة عنده فلما استورد الآخرون تلك البضاعة إذا به يعرضها في السوق ، الأمر الذي يوجب خسارة ذلك المستورد ، انه في المثالين المذكورين ولا أقل الثاني لا يحكم العقلاء بضمان الغار.

وعليه فليس بامكاننا ان نستفيد من السيرة العقلائية الضمان بشكل مطلق في موارد الغرور بل يختلف ذلك باختلاف الموارد.

الوجه الثاني‌ :

التمسك بالأحاديث العامة والخاصة.

اما الحديث العام فهو ما اشتهر بلسان «المغرور يرجع على من غرّه». وقد نسب بعض الفقهاء ذلك الى النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، كما في جواهر الكلام وحاشية الارشاد ومستمسك العروة الوثقى وغيرها [3].

بيد انه باللسان المذكور لا توجد رواية منسوبة الى النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم حتى في معاجم الحديث للعامة فضلا عن الخاصة. أجل يوجد بألسنة اخرى منسوبا الى غير النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم كما سيتضح.

وعليه فدعوى انجبار ضعف سند الحديث بعمل الأصحاب كما يتراءى من المستمسك وغيره ضعيفة باعتبار ان الجملة المذكورة لم يثبت كونها حديثا ليتم انجبارها بناء على تمامية كبرى الانجبار واحراز الصغرى وان الأصحاب استندوا إلى ما ذكر وهو معتمدهم في مقام الفتوى ، وهذا غير ثابت أيضا.

نعم ورد ما يقرب من مضمون الجملة السابقة منسوبا الى أمير‌ المؤمنين عليه ‌السلام ، فالبيهقي في سننه نقل عن الشافعي عن علي عليه ‌السلام : في المغرور يرجع بالمهر على من غرّه [4].

بيد ان الحديث المذكور على تقدير تمامية سنده خاص بخصوص المهر ولا يعمّ غيره.

واما الأحاديث الخاصة فكثيرة. والمهم منها :

١ ـ صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌ السلام : «امرأة شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت ثم جاء زوجها الأوّل. قال : لها المهر بما استحل من فرجها الأخير، ويضرب الشاهدان الحد ، ويضمنان المهر بما غرّا الرجل ، ثم تعتد وترجع الى زوجها الأوّل» [5] ، بتقريب ان الباء في جملة «بما غرّا الرجل» سببية ، أي : يضمنان بسبب انّهما غرّا الرجل فيتمسك بعموم التعليل ويثبت بذلك ان مطلق الغرور يوجب الضمان.

وهي تامّة السند أيضا ، فان كلاّ من الصدوق والشيخ رواها بطريقه الخاص. وكلا الطريقين ولا أقل طريق الصدوق تام ، إذ رواها بسنده إلى إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه ‌السلام.

وطريق الصدوق الى إبراهيم صحيح على ما في المشيخة. وإبراهيم وأبو بصير من ثقات أصحابنا.

أجل يبقى ان صاحب الوسائل روى جملة «بما غرّا» بعنوان نسخة ، ولكن إذا رجعنا إلى المصدر الأصلي ، وهو الفقيه والتهذيب رأيناها ثابتة في كليهما فلا مشكلة من هذه الناحية.

٢ ـ ما رواه رفاعة بن موسى : «سألت أبا عبد الله عليه‌ السلام ... عن البرصاء ، فقال : قضى أمير المؤمنين عليه‌ السلام في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء ان لها المهر بما استحل من فرجها وان المهر على الذي زوّجها ، وانّما صار عليه المهر لأنّه دلسها ...» [6].

ودلالتها واضحة ، فانّها تدل بعموم التعليل على ان كل مدلس ـ الذي هو تعبير آخر عن الغار ـ ضامن.

إلاّ ان سندها يشتمل على سهل الذي وقع محلاّ للكلام. ولكنها تصلح على أي حال لدعم الصحيحة الاولى.

٣ ـ ما رواه إسماعيل بن جابر : «سألت أبا عبد الله عليه ‌السلام عن رجل نظر الى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوجني ابنتك فزوّجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد انها غير ابنته وانّها امة. قال : ترد الوليدة على مواليها ، والولد للرجل ، وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل وخدعه» [7].

ودلالتها واضحة. إلاّ ان سندها يشتمل على محمّد بن سنان الذي وقع محلاّ للكلام أيضا. ولكنها تصلح للدعم كما تقدّم.

وبهذا يتّضح ان ثبوت الضمان بقاعدة الغرور أمر صحيح.

ويتضح أيضا ان مناقشة السيّد الخوئي قدس‌ سره للقاعدة باعتبار ان المدرك المهم لها هو رواية إسماعيل ورفاعة ، وكلتاهما ضعيفة السند [8] قابلة للتأمّل.

ووجه التأمّل : ان صحيحة أبي بصير تام الدلالة والسند فلا يضر بعد ذلك ضعف الروايتين.

على ان اتفاق روايات ثلاث ـ بل أكثر ـ وبلسان متقارب على مطلب واحد قد يورث للفقيه الاطمئنان بحقانية المطلب.

ويتضح بهذا أيضا ان التمسك بالإجماع لإثبات القاعدة أمر غير وجيه لأن حجيته هي باعتبار كاشفيته عن رأي المعصوم عليه ‌السلام يدا بيد ، ومع احتمال المدرك له ـ وهو السيرة والروايات ـ لا يمكن الجزم بكاشفيته عن رأي المعصوم عليه ‌السلام.

٣ ـ قاعدة التسبيب‌ :

هناك قاعدة باسم قاعدة التسبيب ـ ويعبّر عنها على لسان القدماء بقاعدة السبب أقوى من المباشر ـ وقع الكلام في حجيتها. ومضمونها ان شخصا لو سبب لثان الوقوع في خسارة فهو ضامن لتلك الخسارة.

مثال ذلك : ما لو نجّس شخص قطعة فرش لغيره وكانت طهارتها أمرا ضروريا واحتاج التطهير إلى اجرة معينة ، فبناء على تمامية قاعدة التسبيب يلزم المنجس ضمان تلك الاجرة كما ويلزمه ضمان النقص الطارئ على العين بسبب التطهير لو فرض نقصان قيمتها بذلك.

هذا ولكن السيّد الخوئي قدس ‌سره رفض الضمان بتقريب ان سبب الضمان منحصر بأمرين : الاتلاف واليد ، وكلاهما غير متحقق ، إذ بالتنجيس لم يتحقق اتلاف قطعة الفرش ولا الاستيلاء عليها ليلزم ضمان اجرة التطهير أو قيمة النقص الطارئ.

هذا لو لم يفرض ان قيمة الفرش قد نقصت بالتنجيس نفسه ، اما إذا نقصت بالتنجيس نفسه وقبل ان يغسل ثبت الضمان لقاعدة الاتلاف حيث تم اتلاف وصف كمالي من أوصاف الفرش بعملية التنجيس نفسها.

وبالجملة : إذا لم تنقص قيمة الفرش بالتنجيس نفسه واحتاج تطهيره الى اجرة أو فرض نقصان القيمة على تقدير التطهير فلا ضمان لتلك الاجرة ولا لذاك النقصان لعدم صدق اليد ولا الاتلاف ، وسبب الضمان لا يعدو أحد هذين الأمرين اما اليد أو الاتلاف.

ثم أضاف قدس ‌سره قائلا :

وامّا التسبيب فهو ليس سببا مستقلاّ للضمان في مقابل السببين المذكورين بل هو يوجب الضمان لو صدق عنوان المتلف على السبب.

وعليه فينبغي التفصيل في موارد التسبيب بين ما إذا صدق على السبب انه متلف وبين ما إذا لم يصدق عليه ذلك ، ففي الأوّل يضمن لقاعدة الاتلاف دونه في الثاني.

مثال صدق ذلك : ما لو أرسل شخص دابته واتلفت زرع الغير أو أعطى شخص سكينا بيد صبي وأمره بضرب شخص ، فانه يصدق على الشخص المذكور عنوان المتلف وينسب إليه اتلاف زرع الغير وجرح الشخص ، باعتبار ان المباشر اما لا إرادة له أو ذو إرادة ضعيفة بحيث يعدّ آلة بيد السبب ، وينسب العرف بنحو الحقيقة الاتلاف إليه لا إلى المباشر.

ومثال عدم صدق ذلك : ما لو توسطت في البين الارادة التامة للمباشر ، كما لو أمر شخص شخصا آخر كبيرا باتلاف زرع الغير أو‌ جرحه وقام بتنفيذ ذلك. ان الاتلاف في مثل ذلك ينسب الى المباشر ـ باعتبار توسط إرادته التامّة ـ وليس إلى السبب. هذا ما أفاده قدس ‌سره في هذا المقام [9].

وهناك مسألة ثانية بحثها الفقهاء ترتبط بالمسألة المتقدّمة ، وهي ان زيدا لو نجّس المصحف الشريف أو المسجد ـ اللذين يجب تطهيرهما فورا ـ واحتاج تطهيرهما إلى بذل اجرة معينة فهل يختص ضمانها بزيد أو يعم كل فرد مسلم؟

انه بناء على تمامية قاعدة التسبيب يمكن الحكم بضمان زيد للأجرة ، بتقريب ان زيدا صار بفعله سببا لخسارة الآخرين قيمة التطهير ، فاذا تصدّى بعض الناس للتطهير جاز له الرجوع عليه للقاعدة المذكورة.

بل ويمكن الحكم بضمانه للخسارة حتى بناء على انكار قاعدة التسبيب وحصر سبب الضمان بالاتلاف واليد ، بتقريب ان الآخر المتصدي للتطهير وان تصدّى بإرادته إلاّ انّه لما كان ملزما من قبل الشارع بالتطهير فإرادته تصبح إرادة مغلوبة وفي حكم العدم ، وبذلك يسند الاتلاف عرفا الى السبب ويكون استقرار الضمان عليه دون غيره.

ولا ينقض على ذلك بما ذكره السيّد الخوئي قدس ‌سره من ان لازم ذلك ان المعسر لو تزوج وأولد أطفالا وهو عاجز عن القيام بنفقتهم وفرض ان المسلمين قاموا بالانفاق عليهم من باب وجوب حفظ النفس‌ المحترمة على كل مسلم ، ان لازم ذلك ضمان ذلك المعسر المتزوّج بما ينفقه الناس على أطفاله ، والحال ان ذلك لا يمكن التزامه [10].

وهكذا لا ينقض بما لو فرض ان شخصا ابرأ شخصا آخر من دين مانع من الاستطاعة فترتب على ذلك تحقق عنوان الاستطاعة للحج في حقّه ووجوبه عليه ، فبناء على عدّ الإرادة المغلوبة بحكم العدم يلزم ضمان المبرأ لنفقات الحج ، وهو بعيد أيضا.

ان هذين النقضين وأمثالهما قابلان للدفع ، باعتبار ان العرف يفهم من حكم الشارع بجواز زواج المعسر وابراء المديون عدم كونهما ضامنين. وهذه الدلالة الالتزامية العرفية هي المانع من الحكم بالضمان ، وهذا بخلافه في مثال تنجيس المسجد أو المصحف الشريف فإنّه لا توجد مثل هذه الدلالة.

وعلى أي حال ان قاعدة التسبيب لها نتائج تظهر في الأمثلة المذكورة وغيرها ، وقد أنكرها بعض الأعلام بدعوى عدم تمامية دليل عليها ، ومن ثمّ أنكر الثمرات المترتبة عليها في الأمثلة السابقة ، كضمان قيمة تطهير الفرش وقيمة النقص الطارئ بسبب التطهير واجور تطهير المسجد والمصحف.

إلاّ ان من القريب جدّا دعوى انعقاد السيرة العقلائية عليها والحكم بضمان المسبب لخسارة الآخرين فيما إذا كان تسبيبه تسبيبا غير مأذون به شرعا. وحيث ان السيرة المذكورة لم يثبت ردع عنها فتكون ممضاة.

٤ ـ اعتبار الجهل في صحة التمسك بالقاعدة‌ :

قد يفرض ان الشخص الغار عالم بما يترتب على فعله من الخديعة ووقوع الغير في الخسارة وقد يكون جاهلا بذلك. وهكذا الحال بالنسبة إلى الشخص المغرور قد يفرض جهله بواقع الحال وقد يفرض علمه.

فان فرض علم الغار وجهل المغرور فذلك هو القدر المتيقن من قاعدة الغرور.

واما إذا فرض علم المغرور فلا اشكال في انتفاء عنوان الغرور سواء كان الطرف الآخر عالما أو جاهلا.

واما إذا كانا جاهلين معا فقد ادعى البعض صدق عنوان الغرور ، بدعوى ان عناوين الأفعال ليست متقومة بقصد تلك العناوين ، فمن قام أو قعد يصدق عليه عنوان القائم أو القاعد وان لم يكن قاصدا لذلك بل كان غافلا ، فمن قدّم طعام الغير إلى آخر يصدق عليه انّه غار ولو لم يكن ملتفتا لكونه طعام الغير بل معتقدا بكونه طعام نفسه [1١].

وهناك من قال بأن عنوان الغرور لا يصدق مع جهل الغار بيد ان قاعدة الغرور تشمل مثل ذلك ملاكا وان لم تشمله عنوانا [1٢].

وكلتا الدعويين كما ترى.

اما الاولى فلتقوّم صدق الغرور عرفا بعلم الغار وجهل المغرور.

واما الثانية فلأن ملاك الضمان في باب الغرور ليس إلاّ التسبيب‌ للخسارة ، ومعه فان تمّت قاعدة التسبيب كانت هي بنفسها دليلا على الضمان ، وان لم تتم وأنكرنا انعقاد السيرة العقلائية عليها فلا معنى للحكم بالضمان من باب صدق قاعدة الغرور ملاكا لأن ملاكها بقطع النظر عن صدق عنوان الغرور ليس سببا للضمان حسب الفرض.

وعليه فالمناسب في حالة جهلهما معا عدم التمسك بقاعدة الغرور لإثبات الضمان بل بقواعد اخرى ، كقاعدة الاتلاف أو اليد أو التسبيب حسب اختلاف الموارد.

٥ ـ تطبيقات‌ :

١ ـ إذا دفع شخص للخيّاط قطعة قماش وقال له : ان كانت تكفي قميصا فقصّها فلما قصّها اتضح العكس فهل يضمن؟

٢ ـ شخص أراد الزواج ومدح له ثان أخلاق امرأة معينة فلما تزوجها ظهر له سوء أخلاقها فهل يكون المادح غارّا ويلزمه ضمان المهر؟

٣ ـ الطبيب إذا عالج المريض وأخطأ في علاجه فتارة يفرض انّه يعالج المريض مباشرة باجراء عملية له واخرى يصف له الدواء ويسبب له بعض المضاعفات فهل يكون ضامنا في الحالتين المذكورتين؟ وما هو التوجيه الفني لذلك؟

٤ ـ الختّان إذا أخطأ وسبّب ضررا للمختون فهل يكون ضامنا ولما ذا؟

٥ ـ إذا مدح البائع سلعته فلما اشتراها المشتري اتضح له الخلاف وسبّب ذلك له بعض الخسائر فهل يضمن البائع ذلك ولما ذا؟

٦ ـ شخص قدّم طعاما للغير باعتقاد انّه له ثم اتضح انّه لغيره فهل يكونان ضامنين؟ ولما ذا؟

٧ ـ شخص دعي لمأدبة فاصطحب معه شخصا آخر فهل يكون ضامنا لما أكله الآخر؟

٨ ـ إذا قال شخص لآخر توجد في معرض الكتاب كتب تباع بسعر زهيد فسافر إليه فلم يجد الأمر كما أخبر فهل يجوز تغريمه اجور السفر؟

٩ ـ شخص له قطعة فرش فرشها في الشارع الذي تمرّ به السيارات لينزل منها ما التصق بها من تراب فمرت سيارة مثقلة بالحديد فشقت قطعة الفرش فهل يكون صاحب السيارة ضامنا؟

__________

[١] العروة الوثقى ، كتاب النكاح ، فصل نكاح العبيد والاماء ، مسألة : ٢٠.

[2] جواهر الكلام ٣٧ : ١٤٥.

[3] جواهر الكلام ٣٧ : ١٤٥. وقد نقل في هامش الجواهر ذلك عن حاشية الارشاد للمحقق الثاني. مستمسك العروة الوثقى ١٤ : ٣٥٠.

[4] السنن الكبرى للبيهقي ٧ : ٢١٩ باب من قال يرجع المغرور بالمهر على الذي غرّه.

[5] وسائل الشيعة باب ١٣ من أبواب الشهادات حديث ٢.

[6] وسائل الشيعة باب ٢ من أبواب العيوب والتدليس حديث ٢.

[7] المصدر السابق باب ٧ من أبواب العيوب والتدليس حديث ١.

[8] مباني العروة الوثقى ٢ : ١٣٢.

[9] التنقيح ٢ : ٣٢٣.

[10] التنقيح ٢ : ٣٢١.

[١1] القواعد الفقهية للسيد البجنوردي ١ : ٢٢٥.

[1٢] القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ٢ : ٢٩٥.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.