الفكر الإقليمي في الجغرافيا القديمة

ترجع بداية ظهور فكرة تقسيم العالم إلى أقاليم إلى الإغريق، فقد قسم بوزيدونس Posidonius ( 130- 50 ق.م) سطح الأرض إلى مناطق، وهو ما يمكن اعتباره أيضا أول محاولة قديمة للدراسة الإقليمية، أما استرابوا فكان يطلق على الجغرافيا لفظ "كورولوجيا" أي مكان أو إقليم، ومن ثم يعتبر الإغريق هم أول من حاول تقسيم العالم إلى أقاليم عظمى، وذلك اعتمادا على عنصر الحرارة  كذلك قسم بطليموس Ptolemaeus (75- 173 م) العالم المعروف في عهد, أقاليم على أساس مناخي هو درجة الحرارة، يعرف الواحد منها باسم Klimata وهنا يتبين  أن أول تقسيم للعالم إلى أقاليم كان على أساس طبيعي بصفة عامة، ومناخي بصفة خاصة.

ولقد كان الأساس الطبيعي لتحديد الأقاليم أسبق في الظهور من الأساس البشرى، لأن الإنسان في ذلك الوقت كان خاضعاً بدرجة كبيرة لتأثير الظاهرات الطبيعية وعلى رأسها العوامل المناخية وأهمها درجة الحرارة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان تأثير الإنسان في سطح الأرض - عناصر الجغرافية البشرية - لم يكن قد اتضح بعد، حيث أنه لم وضح الا بعد كتابات "راتزل Ratzel في القرن التاسع عشر الميلادي، الذي وضعت فيه أسس كل من الجغرافيا البشرية، والمدرسة الجغرافية الحتمية.

ولما كان عامل الحرارة هو أساس التحديد في إطار دوائر العرض، فإن هذا التقسيم كان تقسيما فلكياً أكثر منه تقسيم الجغرافيا القديمة في المرحلتين اليونانية والرومانية كان هناك من يعتبر أن الوظيفة الأساسية للجغرافيا هي تنظيم المعلومات عن الأقطار المختلفة، بينما اعتبرها البعض الآخر تتمثل في ومن ناحية أخرئ فقد نتج عن توصل الإغريق إلى فكرة كروية الأرض أن قسموا سطح الكرة الأرضية إلى عدد من خطوط الطول والعرض على أساس اختلاف الطول النسبي لكل من الليل والنهار من خط عرض إلى آخر من ناحية، وميل أشعة الشمس عن خط الاستواء من خط عرض إلى آخر من ناحية أخرئ  وهذا التقسيم هو الذي دفع الفيلسوف "بارمانيدس Paramanides إلى تقسيم سطح الأرض إلى خمسة نطاقات هي نطاق حار في الوسط ونطاقان متجمدان في كل من الشمال والجنوب ونطاقان معتدلان أحدهما يقع ما بين النطاقين الحار والمتجمد الشمالي، والثاني يقع وقد نقل اهتمام الجغرافيا بالوصف الدقيق والمترابط لأجزاء سطح الأرض ثقل الاهتمام الجغرافي - منذ القرن الثاني قبل الميلاد - من الناحية الكونية cosmic  التي تعالج شكل الأرض وأبعادها وعلاقاتها الفلكية بالكون، إلى الناحية الوصفية، سواء أكان ذلك بمقياس المناطق الكبرى المترابطة مع غيرها chorographic ، أو بمقياس الأجزاء الصغرى التفصيلية topographic .

ومن هذا المنطلق يكون "بطليموس" رائدا هن رواد الفكر الإقليمي في الجغرافيا، لأنه جمع في كتابه "دليل الجغرافيا geographike “huphegesis نتاج الفكر الجغرافي الإغريقي وخلاصته عن الأرض ووضعها، محدداً أماكنها على خريطته المعروفة حسب مواقعها من خطوط الطول والعرض، ثم أتبع ذلك بوصف مستفيض لهذه المواقع ميز فيه بين الوصف الكلى للأرض geographic والوصف الإقليمي المترابط chorographic ، والوصف التفصيلي للمكان topographic .