أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-17
1140
التاريخ: 10-10-2014
1964
التاريخ: 10-10-2014
3165
التاريخ: 17-09-2014
12085
|
التأويل في اللغة من : أوّل الكلام وتأوله : دبّره وقدّر ، وأوله وتأوله : فسّره ، وقوله عزَّ وجل : ولمّا يأتكم تأويله ، أي لم يكن معهم علم تأويله ، وهذا دليل على أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه . . . وفي حديث ابن عباس : اللَّهم فقههُ في الدين ، وعلّمه التأويل . . . والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ ، وقال أبو منصور : وقال أَبو منصور : يقال أُلْتُ الشيء أؤوله إذا جمعته وأصلحته فكان التأويل جمع معاني أَلفاظ أَشكَلَت بلفظ واضح لا إشكال فيه (1) ، فالتأويل هو ضربُ من حركة مرتدّة تحاول الرجوع باللفظ إلى معاني غير موضوعة له . . . فالتأويل يعتمد على آليات التفسير المذكورة ليوظفها لأجل إضاءة النص . . . أي الوقوف على النص على ما تدل عليه لحظة التلقي بين النص والمتلقي مع لحظة وعي النص ورتبته . . . (2) . أما التفسير ، فهو في اللغة ، البيان ، فسر الشيء يفسره ، بالكسر ، وتفسرُه بالضم - فسرا وفسره أبانه ، وقوله عزَّ وجلَّ : ﴿ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ ، الفسِر : كشف المغطى عن اللفظ المشكل . . . (3) .
لا شك في أن تأويل القرآن ، هو من أكثر المسائل أهمية وتعقيداً في تاريخ الإسلام والمسلمين ولعله يصح القول : إن تاريخ المسلمين هو تاريخ التأويل والتفسير ، بل وحروب التأويل والتفسير ، حيث جاء في الأثر أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قاتل على تنزيل القرآن وعلي (عليه السلام) قاتل على تأويله ، وكما جاء في كتاب العين : نحن ضربناكم على تنزيله ، فاليوم نضربكم على تأويله (4) .
يقول الطباطبائي في دقته المعهودة في معنى التأويل : «التأويل من الأول وهو الرجوع ، فتأويل المتشابه هو المرجع الذي يرجع إليه ، وتأويل القرآن هو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه» (5) .
إن الذي ميّز الطباطبائي في تفسيره للقرآن ، وكذلك في تأويله ، هو أنه يرى للقرآن مرجعاً أصلياً ثابتاً في أُمّ الكتاب لا يتغيّر ولا يتبدل ، وهو إنما أُنزل بهدف الإنذار والبشارة ، كما قال تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [مريم : 97] .
هذه هي حقيقة القرآن عند الطباطبائي ، والتأويل والتفسير عنده ينطلقان من هذه الحقيقة ، وكما سوف نرى أن المفسّر لم يذهب في مذاهب الفقهاء وأهل التفسير قديماً وحديثاً ليختلف معهم فيما هو بحاجة إلى تفسير ، وفيما هو بحاجة إلى تأويل ، وإنما يحسم الجدل في هذه المسألة بالقول : «إن ما يذكُره القرآن بكلمة (التأويل) لم يكن مدلولاً للفظ ، بل حقائق وواقعيات أعلى شأناً من فهم عامة الناس ، وهي الأساس للمسائل الاعتقادية والأحكام العملية للقرآن ، نعم إن لكل القرآن تأويلاً ، ولا يدرك تأويله عن طريق التفكر مباشرة ، ولا يتضح ذلك من ألفاظه ، وينحصر فهمه وإدراكه بالأنبياء والصالحين من عباد الله ، الذين نزهوا أنفسهم من كل رجس ، فإنهم يستطيعون إدراكه عن طريق المشاهدة ، نعم إن تأويل القرآن سوف ينكشف يوم القيامة» (6) .
فتأويل القرآن ، كما يرى الطباطبائي ، هو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه ، باعتباره الأصل له ، هناك حيث تتجلى حقيقة القرآن الثابتة . وإذا كان القرآن قد ذكر لفظ التبشير والإنذار في موارد من كلامه ، كما قال الله تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [مريم : 97] ، فذلك إنما هو تنزّل بالحق فيما أُخبر به العباد وأُنبئوا أن الله هو مولاهم الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، وأن النبوة حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، وبالجملة كل ما يظهر يوم القيامة من أنباء النبوة وأخبارها (7) .
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف : 3-4] ، أي لا يتوصل إليه الفهم الاعتيادي ولا يبلغه . . . (8) .
ومن هنا ، فإن ما قيل : إن التأويل ، في الآية السالفة ، هو الخارج الذي يطابقه الخبر الصادق كالأمور المشهودة يوم القيامة ، التي هي مطابقات ، اسم مفعول أخبار الأنبياء والرسل والكتب ، ويرده أن التأويل على هذا يختص بالآيات المخبرة عن الصفات وبعض الأفعال وعما سيقع يوم القيامة . وأما الآيات المتضمنة لتشريع الأحكام ، فإنها لاشتمالها على الإنشاء لا مطابق لها في الخارج عنها ، وكذا ما دل منها على ما يحكم به صريح العقل كعدة من أحكام الأخلاق ، فإن تأويلها معها ، وكذا ما دل على قصص الأنبياء والأمم الماضية ، فإن تأويلها على هذا المعنى يتقدمها من غير أن يتأخر إلى يوم القيامة مع أن ظاهر الآية يضيف التأويل إلى الكتاب كله ، لا إلى قسم خاص من آياته ، كما قال الله تعالى ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ وهذا كاشف عن أن أصل الكتاب هو تأويل تفصيل الكتاب .
يقول الطباطبائي في كتابه الشيعة في الإسلام : إن القرآن كله له تأويل (9) ، وليس فقط الآيات المخبرة عن الصفات وبعض الأفعال المشهودة يوم القيامة ، ويستدل على ذلك بقوله تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس : 39] . أي ترى الأشياء كلها بالعيان يوم القيامة ، وهذا ما أشار إليه تفصيلاً في كتابه الميزان ، بقوله : «فالآيات ، كما ترى ، تضيف التأويل إلى مجموع الكتاب» (10) .
ولذلك ، كما يرى الطباطبائي ، ذكر بعضهم أن التأويل هو الأمر العيني الخارجي ، الذي يعتمد عليه الكلام ، وهو أن مورد الأخبار المخبرة عن صفات الله وأسمائه ومواعيده وكل ما سيظهر يوم القيامة ، وفي مورد الإنشاء كآيات الأحكام المصالح المتحققة في الخارج ، كما في قوله تعالى : ﴿ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [الاسراء : 35] . فإن تأويل إيفاء الكيل وإقامة الوزن ، هو المصلحة المترتبة عليهما في المجتمع ، وهو استقامة أمر الاجتماع الإنساني ، يقول الطباطبائي : «إن ظاهر الآية أن التأويل أمر خارجي وأثر عيني مترتب على فعلهم الخارجي الذي هو إيفاء الكيل وإقامة الوزن ، لا الأمر التشريعي الذي يتضمنه قوله : ﴿ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ . . . ﴾ . فالتأويل أمر خارجي هو مرجع ومآل لأمر خارجي آخر ، فتوصيف آيات الكتاب بكونها ذات تأويل من جهة حكايتها عن معان خارجية ، كما في الأخبار ، أو تعلقها بأفعال ، أو أُمور خارجية ، كما في الإنشاء ، لها تأويل . فالوصف وصف بحال متعلق الشيء لا بحال نفس الشيء . هذا أولاً ،
ثانياً : إن التأويل وإن كان هو المرجع الذي يرجع ويؤول إليه الشيء ، لكنه رجوع خاص ، لا كل رجوع ، فإن المرؤوس يرجع إلى رئيسه وليس بتأويل له ، والعدد يرجع إلى الواحد وليس بتأويل له ، فلا محالة هو مرجع بنحو خاص لا مطلقاً . . . (11) .
فالقرآن ، كما يرى الطباطبائي ، هو المصدر الأساس للفكر الإسلامي ، وهو الذي يعطي الاعتبار والحجيّة للمصادر الدينية الأخرى ، لذا يجب أن يكون قابلاً للفهم لعامة الناس (12) ، وإذا كان هناك من معنى للتدبّر الذي حثّ الله عليه العباد ، كما في قوله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد : 24] ، فهو هذا المعنى ، أن الله تعالى أنزل القرآن نوراً بيناً ، وبياناً لكل شيء ، وطالب بالتدبّر به لأجل أن يكون مفهوماً لدى العامة ، فإذا لم يكن كذلك ، فإن مثل هذه الآيات لا اعتبار لها ، وقد رد الطباطبائي على من زعم أن المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ ، ورأى أن لازم وجود آيات في القرآن أريد بها معان يخالفها ظاهرها ، الذي يوجب الفتنة في الدين بتنافيه مع المحكمات ، ومرجعه إلى أن في القرآن اختلافاً بين الآيات لا يرتفع إلاّ بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الأفهام ، وهذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيرا ﴾ [النساء : 82] .
وهكذا ، فإن المراد بتأويل الآية ليس مفهوماً من المفاهيم تدل عليه الآية ، سواء كان مخالفاً لظاهرها أو موافقاً ، بل هو من قبيل الأمور الخارجية ، ولا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخبر تأويلاً له ، بل أمر خارجي مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثل إلى المثل والباطن إلى الظاهر (13) . ثم أجاب عن جميع ما اعترض عليه موسى (عليه السلام) جملة واحدة بقوله : ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ . فالذي أريد من التأويل في هذه الآيات ، كما ترى هو رجوع الشيء إلى صورته وعنوانه ، نظير رجوع الضرب إلى التأديب ، لا نظير رجوع قولنا : جاء زيد إلى مجيء زيد في الخارج (14) . . .
يقول الطباطبائي : «إن التدبر في آيات خاصة في آيات القيامة ، يعطي أن المراد هو ذلك أيضاً في لفظة التأويل في قوله تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ . . . ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ . . . ﴾ ، فإن أمثال قوله تعالى : ﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ ، تدل على أن مشاهدة وقوع ما أخبر به الكتاب وأنبأ به الأنبياء يوم القيامة من غير سنخ المشاهدة الحسية ، التي نعهدها في الدنيا . . . فرجوع أخبار الكتاب والنبوة إلى مضامينها الظاهرة يوم القيامة ، ليس من قبيل رجوع الأخبار عن الأمور المستقبلة إلى تحقق مضامينها في المستقبل . فالتأويل للرؤيا ، أو للحكم ، أو للمصلحة شيء ، وتأويل الكتاب شيء آخر ، كما قال الله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾» (15) .
إن للتأويل في تفسير الطباطبائي ميزة خاصة ، وفهم دقيق لم نألفه في كتب المفسرين ، وقد فند الطباطبائي آراءهم في كل ما ذهبوا إليه ، وخصوصاً فيما خلطوا به بين ما هو تأويل للمتشابه من الآيات ، وبين ما هو تأويل لجميع القرآن ، وهذا ما بيّنه الطباطبائي بوضوح فيما أشار إليه بخصوص ما ورد من آيات قرآنية تتضمن معنى التأويل ، مبيِّناً أن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة . فالتأويل عند الطباطبائي لا يختص بالآيات المتشابهة بل لجميع القرآن تأويل ، فللآية المحكمة تأويل كما أن للمتشابهة تأويلاً (16) .
وكيف كان ، فإن فلسفة الطباطبائي في تأويل القرآن تقوم على رؤية ومسلمة ثابتة عنده ، وهي أن القرآن النازل كان عند الله أمراً أعلى وأحكم من أن تناله العقول ، أو يعرضه التقطع والتفصل ، لكنه تعالى عناية بعباده جعله كتاباً مقروءاً وألبسه لباس العربية لعلهم يعقلون ما لا سبيل لهم إليه ما دام الكتاب في أمّ الكتاب ، وأم الكتاب هذا ، هو المدلول عليه يقول الله تعالى : ﴿ يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد : 39] ، وقوله تعالى : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [البروج : 21-22] . فالقرآن عنده يصدر من ناحية تعجز أفهام الناس عن الوصول إليها ، والتوغل فيها ، فلا يدركها إلاّ من كان من المخلصين وعباده المقربين ، وأوليائه الصالحين ، وأهل بيت النبي (عليهم السلام) خير مصداق لذلك (17) .
إن قول الطباطبائي الذي صدّرنا به هذا المبحث ، أن التأويل هو الرجوع ، فتأويل المشابه هو المرجع الذي يرجع إليه ، بأن يرجع المتشابه إلى المحكم ، كما قال الله تعالى : ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران : 7] .
أما تأويل القرآن ، فهو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه ، وهذا ما تم التعرض له في سياق هذا المبحث ، حيث بيَّن الطباطبائي أن المحصّل من الآيات الشريفة أن وراء ما نقرأه ونعقله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد ، وهو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم ، وهو الذي تعتمد وتتكي عليه معارف القرآن المنزل ومضامينه ، وليس من سنخ الألفاظ المفرّقة المقطّعة ولا المعاني المدلول عليها بها ، وهذا بعينه هو التأويل المذكور في الآيات المشتملة عليه لانطباق أوصافه ونعوته عليه . وبذلك يظهر حقيقة معنى التأويل ، ويظهر سبب امتناع التأويل عن أن تمسه الأفهام العادية والنفوس غير المطهرة (18) .
لا شكّ في أن ما يذهب إليه الطباطبائي في إطار هذه الرؤيا كان موضع انتقاد من قبل بعض المفسّرين ، حيث رأوا أنه يمكن قبول ما عرض له المفسّر في التأويل في عرف القرآن من حيث هو حقيقة يتضمّنها الشيء ، ويؤول إليها ، ويبتني عليها ، كتأويل الرؤيا وهو تعبيرها ، وتأويل الحكم وهو ملاكه ، وتأويل الفعل وهو مصلحته وغايته الحقيقية ، وتأويل الواقعة وهو علّتها الواقعية . أما بخصوص ما ذهب إليه من توسّع فيما فرضه للقرآن من تأويل خارج دائرة الفهم والدراية وافتراض وجود للقرآن محفوظ لا تمسّه الأفهام ، فذلك مما لا يمكن التوافق معه عليه ، وهذا ما ردَّ به العلاّمة «معرفة» فيما توجّه به من نقد لنظرية التأويل عند الطباطبائي ، آخذاً عليه توسّعه في المدلول ، ومتهماً إياه بالعرفانية والاستحسان (19) .
هناك مزاعم كثيرة في التأويل ، فمنهم من يعتبره تفسيراً ، كما هو في عرف السلف ، ومنهم من يعتبره شيئاً وراء المفاهيم الذهنية والتعابير الكلامية ، وهذا ما يرى الطباطبائي له وجهاً لكون القرآن كله ذي تأويل ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ . فالتأويل عنده هو لمجموع الكتاب ، وليس ما ذهب إليه كثير من المفسرين في اعتبار التأويل تفسيراً ، أو مجرّد صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معنى مرجوح لدليلٍ يُقترنُ به ، وقد عُرف هذا النوع كما يذكر المفسّر «معرفة» عند ابن تيمية ، الذي رأى أن المتأوّل عليه وظيفتان : بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي يدّعيه ، وبيان الدليل الموجب للصرف إليه عن المعنى الظاهر . كما نُسب إلى ابن تيمية أيضاً القول بأن التأويل هو نفس المراد بالكلام ، فإن كان طلباً فتأويله العمل المطلوب نفسه ، وإن كان خبراً ، فتأويله نفس الشيء المخبر به (20) .
لقد أوضح الطباطبائي في نظريته ، أن التأويل لا يختصّ بآيات دون أخرى ، وإنما هو للقرآن كلّه ، للمُحكم والمُتشابه ، وهذا الرأي مؤسس على كون القرآن لمّا يأتي تأويله بعد ، خلافاً لما ذهب إليه السلف في اعتبار التأويل مرادفاً للتفسير والبيان ، حيث كانوا يعتبرون تأويل القرآن هو تفسيره وتبيينه ، أو هو مجرّد ردّ المتشابه من الآيات إلى المُحكم منها ، وهذا ما لم يرَ فيه الطباطبائي تأويلاً ، لأن المتشابه عنده هو المتشابه في مراده لا لكونه ذا تأويل ، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً (21) . أما التأويل ، فهو ليس من مداليل الألفاظ ، وإنما هو حقيقة عينية خارجية ، بحيث أن كل ما ورد في القرآن من حكم وآداب وتكاليف وأحكام كلها تعود إليه ، إذ تُنتزَعُ منه وتنتهي إليه في نهاية المطاف ، وبهذا يكون التأويل للقرآن في جميع آياته الكريمة ، ما يعني أن الطباطبائي يميّز بين التأويل بما هو حقيقة يتضمّنها الشيء ويؤول إليها ، كتأويل الرؤيا ، والحكم ، والأفعال ، والوقائع ، وبين التأويل بما هو حقيقة تنتهي إليها سائر الآيات المباركة ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ ، وكما في قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ . . . ﴾ ، المُشعِرِ بكون أصل الكتاب هو تأويل تفصيل الكتاب . وعليه ، فإنه لا معنى لحصر التأويل بردّ المتشابه إلى المُحكم ، ولا لاعتبار التأويل مجرّد نفس المراد بالكلام ، سواءً أكان طلباً أم خبراً ، كما رأى ابن تيمية وغيره ممن اعتبروا أن التأويل هو نفس الأمور الموجودة في الخارج ، سواء أكانت ماضية أم مستقبلية . فالطباطبائي يرى للتأويل هذا المعنى ، إلاّ أنه لا يراه تأويلاً بالمعنى المطلق ، وإنما هو تأويل بنحوٍ خاص يختصّ به التفسير . وأما التأويل فهو حقيقة عينية خارجية وليس من مداليل الألفاظ .
_____________________________
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|