المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



علم التأويل والراسخون في العلم عند الطباطبائي  
  
4930   05:44 مساءً   التاريخ: 10-11-2020
المؤلف : الشيخ عارف هنديجاني فرد
الكتاب أو المصدر : علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ (قده) «دراسة...
الجزء والصفحة : ص 169 - 179 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التأويل /

لا شك في أن الذي يحتم البحث في هذا الموضوع لمعرفة ما بين علم التأويل والراسخين في العلم من اتصال ، هو أن الطباطبائي ، قدّم رؤية جديدة في مجال التفسير والتأويل معاً ، إذ أنه أخرج التأويل من كونه خاصاً بالمتشابه من الآيات ، ليكون للقرآن كله ، كما قال الله تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ . . . ﴾ ، والآيات كما يقول الطباطبائي ، تضيف التأويل إلى مجموع الكتاب (1) .

فهذه الآية تشير إلى المحكم والمتشابه ، وعلم التأويل ، والرسوخ في العلم ، وهي التي ارتكز إليها الطباطبائي لتقديم رؤيته في موضوع التأويل ، خالصاً منها إلى التأكيد على النتائج الآتية .

أولاً : إن مقتضى ما اختاره الطباطبائي من منهج لتفسير القرآن بالقرآن ، أن تكون له نتائج متمايزة ، سواء أقلنا أنه غلّب الرؤية العقلية والعرفانية في تفسيره ، أم حافظ على الطريقة التقليدية في التفسير ، فهو من دون أدنى شك لم يخرج عن المألوف فيما اختاره من قواعد منهجية وعقلية في تفسيره ، وإن كان تميّز في كونه أعطى لظهور النص بعده لكون القرآن يُفسّر بعضه بعضاً ، ويصدّق بعضاً بعضاً ، هذا فضلاً عن كونه تبياناً لكل شيء ، وهو كونه كذلك ، فلا بد أن يكون مبيناً لنفسه . . . الخ .

ثانياً : لقد خلص الطباطبائي إلى نتيجة في تفسيره مثيرة للجدل فعلاً ، إذ هو أخرج التأويل من كونه خاصاً بالمتشابه ليكون للقرآن كله ، كما ذكرنا سابقاً ، وهذا ما عبر عنه بقوله : «إن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة» (2) .

ثالثاً : يرى الطباطبائي أن التأويل ليس من المفاهيم التي هي مداليل للألفاظ ، بل هو من الأمور الخارجية العينية ، واتصاف الآيات بكونها ذات تأويل من قبيل الوصف بحال المتعلق . وأما إطلاق التأويل وإرادة المعنى المخالف لظاهر اللفظ ، فاستعمال مولد نشأ بعد نزول القرآن لا دليل أصلاً على كونه هو المراد من قوله تعالى : ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ . . . ﴾ ، كما لا دليل على أكثر المعاني المذكورة للتأويل (3) .

هذه هي خلاصة الموقف الذي انتهى إليه الطباطبائي في بحوثه عن التأويل في تفسير الميزان ، ولعله موقف متميز لجهة ما انطوى عليه من تقدم في الرؤية في مجال فهم النص القرآني ، إذ كان المعهود في التفريق عند العلماء بين التفسير والتأويل ، هو أن الأول توضيح ما لجانب اللفظ من إبهام ، والثاني ما فيه من مثار الريب وقد استعمل بشكل ثانوي فيما لم يكن ظاهراً بذاته ، وإنما يتوصل إليه بدليل خارج ، وهو ما عبر عنه بالبطن ، كما يعبّر عن تفسيره الأولي بالظهر ، فيقال : تفسير كل آية ظهرها ، وتأويلها بطنها ، والتأويل بهذا المعنى الأخير عام لجميع أي القرآن . . . (4) .

إن التأويل ، سواء أكان بمعنى توجيه المتشابه ، أم بمعنى ثانوي ، كما عبّر «معرفة» في تلخيص التمهيد (5) ، المعبّر عنه بالبطن ، هو من قبيل المعنى والمفهوم الخافي عن ظاهر الكلام ، وبحاجة إلى دلالة صريحة من خارج ذات اللفظ ، وهذا ما قال فيه الطباطبائي أنه مولد نشأ بعد نزول القرآن ، وحينما يكون الأمر متعلق بكون الآيات ذات تأويل من قبيل الوصف بحال المتعلق ، فهذا أمر يمكن فهمه من السياق القرآني ، وليس مما ذكر في معنى التأويل ، ولا دليل عنده على كون المراد من قوله تعالى : ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ، هو ما ذكر من معاني التأويل المطلقة ، التي تولدت بعد نزول القرآن ، وهذا الرأي للطباطبائي ، كما نعلم ، ولّد رداً عنيفاً من بعض العلماء والمفسرين عليه لكونه يأخذ بالتأويل إلى مصاف الرؤية العقلية والفلسفية ، ويمكن ملاحظة هذا الإعتراض فيما ذهب إليه «معرفة» ، في كتابه التلخيص . . .

ولعلنا لا نخطىء القول أيضاً ، بأن رؤية الطباطبائي وموقفه من التأويل ناشئة من كون ما استقر في الأذهان ، هو أن التأويل إنما يكون في المتشابه القرآني ، وليس هذا هو المعنى الحقيقي للتأويل فيما لو أردنا الوقوف عند ظواهر الآيات القرآنية ، وخاصة ظاهر الآية المتقدمة ، يقول الطباطبائي «ظاهر الكلام رجوع الضمير إلى ما تشابه ، لقربه كما هو الظاهر أيضاً في قوله تعالى : ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ  ، وقد عرفت أن ذلك لا يستلزم كون التأويل مقصوراً على الآيات المتشابهة ، ومن الممكن أيضاً رجوع الضمير إلى الكتاب ، كالضمير في قوله تعالى : ﴿ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ (6) .

فالطباطبائي يرى أن التأويل هو لجميع القرآن ، للمحكم والمتشابه ، فما معنى أن يستقر رأي العلماء والمفسرين عند توجيه المتشابه ، وإرادة المعنى المخالف لظاهر اللفظ في الوقت الذي يمكن فيه تفسير القرآن وفقاً لجميع آياته باعتبار أنه يفسّر بعضه بعضاً ، ومبين لنفسه . . .؟

إن إرجاع المتشابه إلى المحكم في القرآن شيء ، وتأويل القرآن شيء آخر ، وهنا يكمن الالتباس الحقيقي ، الذي يثير الجدل ويجعل من تأويل الطباطبائي موقفاً فريداً في بابه ، وغريباً في مؤداه ، ذلك أن التفسير للقرآن بالقرآن لا يحتاج إلى تأويل من خارج ظواهر الألفاظ ، باعتباره أمراً خارجياً عينياً ، وليس من المفاهيم التي هي مداليل للألفاظ (7) .

انطلاقاً مما تقدم ، نرى أن الطباطبائي في تفسيره لآية آل عمران : ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ ، يرى أن ظاهر الحصر في الآية يفيد أن العلم بالتأويل مقصور على الله تعالى . وأما الراسخون في العلم ، فظاهر الكلام أن الواو للاستئناف بمعنى كونه طرفاً للترديد ، الذي يدل عليه صدر الآية : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ ، ويخلص الطباطبائي إلى القول بأن الناس في الأخذ بالكتاب ، قسمان : فمنهم من يتبع ما تشابه منه ، ومنهم من يقول إذا تشابه عليه شيء منه : آمنا به كل من عند ربنا ، وإنما اختلفا لاختلافهم من جهة زيغ القلب ورسوخ العلم (8) .

إذاً ، التأويل مقصور على الله تعالى ، وهذه الآية كما نعلم كانت ولا تزال مثار جدل عند المفسرين ، وستبقى كذلك طالما هناك مَن يفسّر القرآن ويتدبر فيه ، رغم كون الآية محكمة ، إذ لو كانت متشابهة عادت جميع آيات القرآن متشابهة وفسد التقسيم الذي يدل عليه قوله تعالى : ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ ﴾ (9) . وإذا كانت هذه المسألة في التفسير والتأويل قد أخذت هذا المنحى بين أن تكون عطفاً للتشريك ، أو استئنافاً للكلام ، فقد يكون من المناسب جداً أن نلاحظ المسألة في سياق آخر تستطيع من خلاله كشف حقيقة العلاقة بين التأويل والرسوخ في العلم ، على اعتبار أن الله وحده هو العالم بالتأويل ، وإذا كان هناك من قول للراسخين في العلم ، فهو إنما يكون منهم من حيث هم راسخون في العلم ، ويعرفون أن المحكم والمتشابه من عند الله تعالى ، ويؤمنون به ، ويقولون آمنا به كل من عند ربنا ، ما يعني أن المفسرين غالباً ما كانوا يحدثون المشكلة ، وينصرفون عن الظواهر القرآنية ، تارة بالبحوث اللغوية ، وطوراً بالأنماط السياقية ، إلى غير ذلك مما تطالعنا به كتب المفسرين ، وقد بين الطباطبائي أن الأمر يمكن التدبر فيه وفاقاً لمنهج تفسير القرآن بالقرآن ، بحيث يقال مثلاً : إن الله يعلم الغيب ، كما قال الله تعالى : ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ﴾ [الجن : 26-27] . فالظاهر من الآية أنها تحصر الغيب بالله تعالى ، ومثلما ورد الاستثناء في آية الغيب ورد في آية التأويل ، فلا منافاة في ذلك كما يرى الطباطبائي (10) .

فلماذا هذا الاضطراب في التفسير والتأويل ، طالما أن القرآن كاشف عن حقيقة هذا الأمر بدلالة الظاهر؟

إن الإضطراب ناشئ من كون المطلوب في البحث والتفسير هو التأويل ، لما اعتقدوه من آيات متشابهة تحتاج إلى تأويل وتوجيه دون المحكم ، وهذا ما حسمه الطباطبائي بقوله : «إن المتشابه إنما هو متشابه من حيث تشابه مراده ومدلوله ، وليس المراد بالتأويل المعنى المراد من المتشابه حتى يكون المتشابه متميزاً عن المحكم بأن له تأويلاً ، بل المراد بالتأويل في الآية أمر يعم جميع الآيات القرآنية من محكمها ومتشابهها كما مر بيانه ، على أنه ليس في القرآن آية أريد فيها ما يخالف ظاهرها ، وما يوهم ذلك من الآيات إنما أريد بها معانٍ تعطيها لها آيات أخر محكمة ، والقرآن يفسر بعضه بعضاً . . .» (11) .

هنا تبدو لنا عبقرية المفسّر فيما يذهب إليه من بيان في معنى التأويل والرسوخ في العلم . بأن القرآن يفسّر بعضه بعضاً . وإذا كانت الآية فيما هي عليه من ظهور تحصر التأويل بالله تعالى ، فذلك لا يمنع من أن يكون الراسخون في العلم كذلك ، طالما أن ظهور آيات أخرى تفسر ذلك وتعطيه بعده الحقيقي في القرآن ، إذ لا منافاة بين أن تدل هذه الآية على شأن من شؤون الراسخين في العلم ، وهو الوقوف عند الشبهة والإيمان ، مقابل الزائغين قلباً ، وبين أن تدل آيات أخر على أنهم أو بعضاً منهم عالمون بحقيقة القرآن وتأويل آياته . . . (12) .

وعلى فرض أن الآية ، أو العطف في الآية يُفيد التشريك كما رأى «معرفة» وغيره فيما رد به على الطباطبائي متهماً إياه بالذوق الأدبي والمسحة العرفانية ، لكونه وافق الإمام الرازي على أن العلم بالله تعالى مقصور عليه تعالى ، فليس من تسويغ اطلاقاً لذلك ، طالما هو انطلق في رده من سؤال ، هل يستطيع أحد أن يقف عند تأويل المتشابهات ، بل وعلى تأويل آي القرآن كله ؟ وقد أجاب على سؤاله من فوره ، أنه لا شك في أن القرآن كما هو مشتمل على آيات محكمات ، مشتمل على آيات متشابهات . . . (13) .

وهنا تكمن الإشكالية الكبرى التي نرى الخطأ فيما افترضه المعترض ، حيث أن الطباطبائي يرى ذلك ، ولكنه لا يرى في رد المتشابه إلى المحكم تأويلاً حتى يؤخذ عليه ذلك ، فهذا من التفسير وليس من التأويل . ثم إنه ما معنى هذا التعصب للعطف والتشريك في ظل هذا الاحتدام التاريخي في تفسير هذه الآية ، وخاصة فيما لو علم المعترض أن الشريف الرضي قد عرض لجميع الوجوه والآراء بشأنها ، وهو أول مَن عرض للرأي بخصوص مَن قال بالتشريك ، شارحاً لقول يزيد بن المفرغ الحميري :

فالريح تبكي شجوها  والبرق يلمع في غمامه» (14) .

وإذا كان ذلك سائغاً ، كما يقول الشريف الرضي ، في اللغة ، وجب حمله على موافقة دلالة الآية ، في وجوب رد المتشابه إلى المحكم ، فيعلم الراسخون في العلم تأويله إذا استدلوا بالمحكم على معناه . . . فما هو جديد المفسّر «معرفة» إذن ؟؟

وكما نلاحظ أن المرتكز فيما عرض له الشريف الرضي هو رد المتشابه إلى المحكم ، وكأن أحداً يناقش في ذلك ؟

فأصل المناقشة هو التأويل وما إذا كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله ، أم أن التأويل محصور بالله تعالى؟

هناك مَن توجّه بالنقد الشديد واللاذع لمنهج الطباطبائي ورؤيته فيما عرض له ، سواء في فهمه للتأويل ، أم في مَن له حق التأويل ، على اعتبار أن المفسر «معرفة» ، قال : «لا يعدو كونه ـ أي التأويل ـ مسحة عرفانية غير مستندة ، ومن ثم هي غريبة شذّت عنه . . .» (15) . ولعله أخطأ في تعبيره ، لأن منهج الطباطبائي ، كما فهمنا هو أن التأويل محصور بالله تعالى ، هذا ما يقضي به ظاهر الآية الشريفة : ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ . . . ﴾ ، وهذا ما سهى عنه المعترض «معرفة» (16) . والحق يقال : إن الطباطبائي أسس لرؤيته بإحكام انطلاقاً من إيمانه بأن القرآن أُحكمت آياته ثم فصلّت من لدن حكيم خبير ، فهي حيث أحكمت ما كان بإمكان أحد أن ينالها بفهم ، ولكن بعد أن فصلّت ويسّرت بلسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما قال الله تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [مريم : 97] ، ووفقاً لهذه الآية ، وغيرها من الآيات ، كما يرى الطباطبائي ، فإن القرآن الكريم يصدر من ناحية تعجز أفهام الناس عن الوصول إليها ، فلا يدركها إلاّ مَن كان من المخلصين وعباده المقربين ، وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خير مصداق لذلك . . . وما يذكره القرآن بكلمة «تأويل» لم يكن مدلولاً للفظ بل حقائق وواقعيات أعلى شأناً من فهم عامة الناس ، وهي الأساس للمسائل الإعتقادية والأحكام العملية للقرآن . . . (17) .

هذا هو ما يراه الطباطبائي ، ولعل كثيرين التبس عليهم هذا التأويل الذي لا يعلمه إلاّ الله تعالى ، ومن ارتضى له التأويل ، لأن حق التأويل لا يعلمه إلاّ الله تعالى ، وعليه ، فإنّه يمكن فهم نظرية الطباطبائي في التأويل في ضوء منهجه ، بحيث يمكن القول : إن التأويل للقرآن إنما يكون حيثُ أحكم القرآن ، أما حيث فصل ونزَّل فله التفسير ، لكونه كتاباً مبيناً وهدىً للعالمين ، وتبياناً لكل شيء ، وإذا كان للقرآن هذا المعنى وهذا النزول ، فلا بد أن يكون مبيناً لنفسه ، ولهذا ، نرى أن الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) تتحدث عن تفسير وتصديق القرآن لبعضه البعض ، عن أن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، ولعل البعض يريد أن يسمي البطن للقرآن تأويلاً ، كما سُمي ظهره تنزيلاً ، لقول المعصوم (عليه السلام) : «ظهره تنزيله وبطنه تأويله» ، وهذا ما اعتبره بعض المعترضين على نظرية الطباطبائي بالتأويل الثانوي ، مقابل اعتباره توجيه المتشابه تأويلاً أساسياً . . . وهذا ما لا يرى فيه الطباطبائي تأويلاً ، وإنما هو جري وانطباق . أما التفسير ، فهو الذي جاءت به الروايات وأحكمته الآيات ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ في عالم النزول ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ في عالم الإحكام والاتقان . هذا من جهة .

أما من جهة أُخرى ، فليس لأحد من الباحثين في علوم القرآن أن يتوجه بالنقد لمنهج الطباطبائي ، لكونه قال بالوقف وحصر التأويل بالله تعالى بناءً على الظاهر من اللفظ ، وذلك نظراً لما هو معهود من تباين في الآراء والقراءات ، هذا فضلاً عن وجود آراء تفسيرية تقبل بالقراءتين ، كما بين الشريف الرضي في حقائق التأويل (18) . . ومن هنا ، فقد تصح قراءة الوقف . . ومعظم هذه القراءات والتفسيرات تدور حول مرتكز أن هناك متشابهاً ينبغي رده إلى المحكم ، ويحتاج إلى تأويل وهذا ما رفضه الطباطبائي من منطلق منهجه في التفسير بأن القرآن يفسّر بعضه بعضاً ولا يؤول بعضه بعضاً ، على اعتبار أن الله تعالى يريد لكتابه أن يكون معقولاً ، كما قال الله تعالى : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ . وهذا ما عبر عنه الطباطبائي بقوله : « . . . لو لم يكن هذا القرآن مفهوماً لدى العامة ، فإن مثل هذه الآيات لا اعتبار لها . . .» (19) .

وهكذا ، فإن ما فهمه البعض عن الطباطبائي أنه يقول بالحيثية المكانية للقرآن في اللوح المحفوظ ، أو في أم الكتاب ، فقد ذهب مذهباً شططاً فيما اعتبره مسحة عرفانية ، أو لوحةً مادية أو معنوية (20) . فالطباطبائي لم يتوهم المكان في تفسير قوله تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ . إن فهم كلام الطباطبائي على هذا النحو ، هو تبسيط إن لم يكن تسفيهاً للرأي ، ولعل مَن ذهب إلى هذا الفهم صادر في قوله عن موقف سلبي اتجاه نظرية الطباطبائي ، سواء في التأويل ، أم في علم الراسخين في العلم ، في حين كان المطلوب من هؤلاء أن يتعمّقوا جيداً في موقف الطباطبائي ، ليكونوا أكثر إنصافاً ، ويدركوا أن التأويل عند الطباطبائي ليس ذاك الذي يعني توجيه الكلام ، أو مداليل الألفاظ ، وإنما هو أعمق من ذلك بكثير ، ولا يعلمه إلا الله تعالى ، وهو الذي عناه تعالى بقوله : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ . . . ﴾ فالقرآن بعد أن تنزّل نجوماً ، وصار معقولاً ، وتيسّر بلسان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) جعله الله تعالى نوراً يُفسّر بعضه بعضاً ، فقوله تعالى : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ . . . ﴾ ، فهم إنما يكونون كذلك فيما لو ابتغوا خلاف ما أمر الله تعالى به . أما إذا لم يبتغوا تأويله ، وعادوا بالمتشابه إلى المحكم ، فلا يكون ذلك منهم تأويلاً . . .

غاية القول : إن ما يراه الطباطبائي ، هو ما سبق لكثير من المفسرين أن رأوه وتوقفوا عنده في تفسير هذه الآية ، فمنهم مَن قال بالعطف ، ومنهم مَن قال بالوقف ، ويبقى الفرق بين المفسرين والطباطبائي ، هو أن هذا الأخير توقف ملياً عند الظواهر ، وفسّر القرآن بالقرآن ، وحصر التأويل بعلم الله تعالى إلاّ مَن ارتضى من رسول ، أو إمام أن يطلعه سواء على التأويل ، أم على الغيب ، وقد بين الطباطبائي أنه يفهم من ظواهر الكتاب ما جعل للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) من مرجعية علمية للمعارف الإسلامية ، وهذه الظواهر للآيات قد جعلت أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرحلة الثانية بعد القرآن مباشرة وتعتبر حجة كالآيات القرآنية ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل : 44] .

وانطلاقاً من ذلك ، فقد رأى الطباطبائي أن أهل البيت (عليهم السلام) هم الراسخون في العلم ، ولكن لا من خلال ظاهر آية : ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ، بل من ظواهر قرآنية أخرى ، وهذا ما يقتضيه منهجه في تفسير القرآن بالقرآن ، الذي يفسّر بعضه بعضاً . أما التأويل ، فهو لا يختص بالآيات المتشابهة ، بل هو لجميع القرآن للمحكم والمتشابه معاً ، وهو حقيقة ـ أي التأويل ـ محصورة بالله تعالى ، كما أنه لا ينبغي الخلط بين معنى المتشابه وتأويل الآيات ، وهو في ما يذهب إليه يدعو الباحث إلى التأمل فيما روي عن المعصوم ، عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) : «أن رجلاً قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) هل تصف لنا ربنا نزداد له حباً ومعرفة ؟ فغضب وخطب الناس . . . قال واعلم يا عبد الله : أن الراسخين في العلم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب ، فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فقالوا : آمنا به كل من عند ربنا» .

يقول الطباطبائي : «قوله (عليه السلام) واعلم يا عبد الله أن الراسخين في العلم ، ظاهراً في أنه أخذ الواو في قوله تعالى : ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ﴾ للاستئناف دون العطف ، كما استظهرناه من الآية ، ومقتضى ذلك الظهور لا يساعد على كون الراسخين في العلم عالمين بتأويله ، لا أنه يساعد على عدم إمكان علمهم به . . . وقوله (عليه السلام) فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره ، ولم يقل بجملة ما جهلوا تأويله فافهم» (21) .

________________________________

  1.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص28 .
  2.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص31 .
  3.  م .ع ، ج3 ، ص31 .
  4.  انظر : معرفة ، محمد هادي ، تلخيص التمهيد ، دار الميزان ، بيروت ، ط1 ، 1991 ، ج2 ، ص461 ـ 462 .
  5.  م .ع ، ص463 .
  6.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص32 .
  7.  يقول معرفة في رده على الطباطبائي فيما عرض له من معاني التأويل : «فهذه أربعة معان للتأويل استعملت في سبعة عشرة موضعاً من القرآن ، ولم يكن واحد منها بمعنى العين الخارجية إطلاقاً . . .!؟» . را : تلخيص التمهيد ، م .س ، ج2 ، ص466 .
  8.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص32 .
  9.  م .ع ، ج3 ، ص24 .
  10.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص24 .
  11.  م .ع ، ج3 ، ص44 .
  12.  م .ع ، ج3 ، ص33 .
  13.  معرفة ، محمد هادي ، تلخيص التمهيد ، م .س ، ص468 .
  14.  انظر مبحث الشريف الرضي في حقائق التأويل ، فهو يعرض لأقوال العلماء في هذه الآية بعد ذكره طرفاً من الخلاف ومما عرضه الرضي ما يأخذ به «معرفة» في تلخيصه ، فهو لم يأت بشيء جديد ، وقد يصح القول منا بأن ما عرض له الرضي من وجوه القول والاستدلال في كلامه لا يخلو من تأويل وتعميق في وجوه اللغة ، رغم أن هذا ليس مطلوباً لمعرفة ظواهر الكتاب التي تمت مراعاتها بدقة في منهج الطباطبائي ، الذي ميز بدقة بين التفسير والتأويل ، في حين نجد الرضي يستعملهما في سياق واحد ، يقول : «لأن معنى التفسير والتأويل إنما يكون لما غمض ودق ولم يُعلم بظاهره ، وهذه صفة المتشابه ، وأما المحكم الذي يعلم بظاهره ، فلا حاجة بأحد إلى تعليمه ، لأن أهل اللسان فيه سواء . . .» را : حقائق التأويل . م .س ، ص133 . وكلامه كاشف عن حقيقة التأويل للمتشابه دون المحكم ، ونظرية الطباطبائي في تفسيره تجعل من التأويل مختلفاً عن التفسير ، فضلاً عما تراه من رد للمتشابه للمحكم لا على النحو التأويل ، وإنما على نحو أن القرآن يُفسر بعضه بعضاً . . . والتأويل هو لجميع آيات القرآن ولا يعلمه إلاّ الله تعالى ، كما هو ظاهر الحصر في الآية المباركة .
  15.  معرفة ، محمد هادي ، التمهيد ، م .س ، ص466 .
  16.  م .ع ، ص467 .
  17.  الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، م .س ، ص85 .
  18.  الشريف الرضي ، حقائق التأويل . . . م .س ، ص134 .
  19.  الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، ص79 .
  20.  را : معرفة ، محمد هادي ، تلخيص التمهيد ، م .س ، ص467 ، ما كنا نعتقد أن يبسّط «معرفة» كلام الطباطبائي إلى هذا المستوى ، إذ هو ينسب إليه أنه توهم الوعاء في أمّ الكتاب ، «وإنما جاءت هذه الاستفادة الخاطئة من توهم المكان من قوله تعالى «لدينا» ، ويشرح للطباطبائي بثقة تامة أن لهذا القرآن شأناً عظيماً عند الله في سابق علمه الأزلي . . .!؟
  21.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص80 .



وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .