أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-12-2015
3231
التاريخ: 20-04-2015
2381
التاريخ: 30-05-2015
9343
التاريخ: 30-05-2015
2085
|
ما هي أقرب صيغة أدائية من هذه الصيغ ، إلى الوحي وروح الكتاب والسنّة ؟
لغة العرفاء والوحي
يسجّل الإمام صراحة ودون لبس أو مواربة بأنّ لغة العرفاء هي الأقرب إلى الوحي وإلى روح الكتاب والسنّة من غيرها، وبتعبيره : «القرآن والدعاء مشحونان من هذا الكلام» (1) ، يقصد به كلام العرفاء.
كمثال تطبيقي للتوافق بين لغة العرفاء ولغة الدعاء، يمرّ الإمام على المناجاة الشعبانية التي يتعامل معها على نحو خاص، بحكم الروايات التي تفيد أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السّلام كانوا بأجمعهم يقرءون هذه المناجاة ، ليقول في البدء : «لاحظوا التعبيرات الموجودة في أدعية الأئمة عليهم السّلام ، وقارنوا بالتعبيرات التي جاءت على لسان العرفاء، وانظروا هل هناك فرق بينهما ؟ مع ذلك تحوّلت تعبيرات العرفاء هذه إلى ذريعة للبعض كي يذهب إلى حدّ تكفيرهم من دون أن يلتفت إلى المقصد». ثمّ ينعطف للقول : «المناجاة الشعبانية بحسب الروايات، هي مناجاة الأئمة بأجمعهم ، ولم أر في الروايات أنّ دعاء من الأدعية غير هذه المناجاة مشترك بين الأئمة بأجمعهم. لقد جاء في هذه المناجاة : «إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» حيث جاء بعد ذلك نصا : «إلهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك، ولاحظته فصعق لجلالك» (2).
يتساءل الإمام : «يطلب الإمام [الداعي] (كمال الانقطاع) من اللّه ... وهذا الباب هو باب مرتبة سير الإنسان نفسه، وهو يطلب سيره من اللّه؛ فما معنى ذلك؟
ثمّ ما هي (أبصار القلوب) التي يريد لها أن تنظر إلى الحقّ تعالى ؟ ما هو هذا القلب وبصر القلب ، حتّى ينظر بنور هذا البصر القلبي إلى الحقّ تعالى؟ يقول الإمام [الداعي] بعد ذلك : أعطني ذلك كلّه ، والغاية المرجوّة منه ، هي : «حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور» ، وعند ما تقطع حجب النور، عندئذ : «تصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» ؛ ترى ما معنى هذا؟ هل معناه أن أتعلّق به سبحانه.
ثمّ هذا (الصعق للجلال) الذي يذكره القرآن لموسى أيضا (3) ، هل هو شيء غير الفناء الذي يتحدّث عنه العرفاء؟ [أنّها حركة السير التي ترتقي بالإنسان] مرتبة فوق مرتبة ، حتّى يصل مرتبة تخرق بها «أبصار القلوب» الحجب كلّها ، وتصل بعدئذ إلى معدن العظمة. والسؤال : ما هو «معدن العظمة» ؟ وما هو هذا الوصول ؟
هل هو إلّا ذلك الوصول الذي يتحدّث عنه العرفاء؟ إنّ ذلك الوصول [العرفاني] هو الذي يقول عنه الدعاء : «فتصل إلى معدن العظمة». ثمّ هل يمكن أن يكون (معدن العظمة) هو شيء آخر غير الحقّ تعالى؟ هو سبحانه معدن العظمة، حيث ينبغي أن
تستمدّ منه كلّ ضروب العظمة؛ معدن العظمة هناك [أي عنده سبحانه] وعندئذ :
«فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك»، وحيث تصل إلى هناك، فستغدو الأرواح معلّقة بعزّ قدسك.
هذا هو المعنى نفسه الذي يذكره العرفاء» (4).
الحصيلة التي ينتهي إليها النصّ الخميني حتّى الآن، أنّ العرفاء لجأوا إلى هذه اللغة التي يستخدمونها لأنّها أقرب إلى لغة الوحي وإلى أسلوب الأداء في القرآن والسنة بالأخص الدعاء، وأنّ اللبس الذي يشوب لغتهم أو مساحة منها على أقل تقدير، ناشئ عن ضيق التعبير، وعن عجز اللغة أو فقرها في أداء ما يجيش في صدورهم من معان، والتعبير عمّا يشاهدونه عيانا من حقائق.
نلحظ على سبيل المثال، أنّ الإمام خرج بالحصيلة التالية في تأمّل المقطع المذكور أعلاه من المناجاة الشعبانية : إنّ «كمال الانقطاع» الذي ينشده الداعي من اللّه هو بنفسه تعبير عن السير الذي يقطعه العارف نحو الحقّ. والوصول إلى معدن العظمة وتعلّق الأرواح بالحق سبحانه، هو الوصول العرفاني نفسه، والتعلّق هو تعبير عن العلاقة التي تربط الخلق بالحق. والصعق بلغة القرآن والدعاء، هو الفناء نفسه بلغة العرفاء وهكذا.
عن العلاقة بين الحقّ والخلق، وكيف يعيشها العارف ويمتنع عن التعبير عنها بلغة الفلسفة، بل يختار لها تعابير مثل التجلّي والظهور وما إلى ذلك، ممّا هو أوصل بلغة الوحي وأقرب إلى الكتاب والسنّة ؛ عن ذلك كلّه يعود الإمام للقول مجدّدا : «هذا الربط ما بين الحقّ والخلق هو من المسائل التي يعدّ تصوّرها أصعب من تصديقها؛ فتصديقها ممكن إذا ما تصورها الإنسان. كيف لنا أن نتصوّر : موجود لا يخلو منه مكان قط، ولا يحدّ في مكان بعينه؛ موجود هو باطن الأشياء وهو ظاهرها، والكلّ معلول له، ولكنّنا عاجزون عن التعبير عنه؟ كيف يمكن التعبير عن مؤثّر موجود في باطن الأشياء وظاهرها، حيث لا يخلو منه شيء، بصيغة بحيث تعبّر عنه؟ لقد عجزت الصيغ التعبيرية كافّة عن إفادة المعنى، ما خلا ما صدر من الدعاء من قبل أهله، كما هو الحال في المناجاة الشعبانية» (5).
يقول أيضا : «عند ما يتأمّل الإنسان أطراف القضية لا يسعه أن يعبّر عنها بالعلّة والمعلول ، وبالأثر والمؤثّر، هناك ضيق في التعبير. التعبير بالخالق والمخلوق هو بيان يتسق ومذاق العامّة ، وهو أفضل من الصيغ التعبيرية أعلاه ، بيد أنّ الأفضل منه هو التجلّي، وهو إلى ذلك أقرب لذلك المعنى الذي لا يمكن التعبير عنه بشيء» (6).
تموج المعاني في صدر العارف وتتدافع في نفسه، فتضيق عندئذ اللغة عن الاستيعاب وتقصر وسائل الأداء، والمطلوب قبل المبادرة إلى التكفير والرمي بالجهل، تفهّم الحالة واستيعابها. يتساءل الإمام : «لو أردت أنت أيضا أن تعبّر عن هذا المعنى، فكيف تعبّر؟ أفهموا ما ذا يقول اولئك [العرفاء] وما هي معاناتهم وما الذي يضطرم في قلوبهم، بحيث يعجزهم ذلك عن التعبير إلّا بهذه الصيغ التي يستعملونها فعلا، وقد يحصل في حالات أن يتوهّج قلبه [العارف] بالنور، فيقول :
كلّ شيء هو [اللّه]. [و عليكم أن لا تستوحشوا من هذا التعبير] وأنتم تقولون في أدعيتكم : علي عين اللّه، أذن اللّه، يد اللّه (7)، وهي صيغة معروفة أيضا، فما هو معناها يا ترى؟ إنّه التعبير نفسه الذي يستخدمه اولئك [العرفاء].
في روايتكم أيضا أنّ الصدقة التي تعطيها الفقير، تقع بيد الربّ (8). وفي القرآن أيضا : { وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى } [ الأنفال : 17] ؛ فما معنى ذلك؟ هل معنى ذلك أنّ اللّه جاء ومدّ يده هكذا [و هنا رفع الإمام يده بحالة الاستعطاء] إنّه المعنى الواحد ذاته الذي تقولونه بأجمعكم» (9). هنا يعود الإمام إلى ما كان أكّده مطلع حديثه من أنّ جميع الاتجاهات تتحدّث عن حقيقة واحدة، ولكن بصيغ تعبيرية مختلفة.
آخر ما يومئ إليه الإمام في هذا الصدد، أنّ العرفاء يعرفون مغبّة استخدام هذه اللغة، والعواقب الوخيمة التي تترتب عليها، وهي تجرّ إلى تجهيلهم وتفسيقهم بل وتكفيرهم من قبل بعض أهل العلم، بيد أنّهم لم يرفعوا اليد عن ذلك إخلاصا للحقيقة التي بذلوا أنفسهم فداء لها : «حسنا، إنّ هذا الإنسان [العارف] مطّلع على ما تصير إليه العواقب.
لكنّه مع ذلك لم يتنصّل عن مقالته، لأنّه لا يريد التضحية بالحقيقة لحساب نفسه، بل جعل نفسه فداء الحقيقة». ثمّ ينعطف للتأكيد مجدّدا أنّ لغة العارف هي لغة الأئمة، بحيث لو أنّنا فهمنا مغزى لغته لاستعملناها أيضا : «لو فهمنا كلامه [العارف] لعبّرنا نحن أيضا بمثلها، تماما كما عبّر القرآن بذلك، وكما استخدم الأئمة هذه الصيغة التعبيرية أيضا» (10). كما يقول أيضا في تأكيد النتيجة ذاتها : «من هذه الجهة يعدّ هذا النمط من التعبير أقرب إلى الكتاب والسنّة في إفادة المعنى، من الأنماط التي يستخدمها الآخرون» (11).
___________________
(1)- تفسير سورة حمد : 185.
(2)- الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة 3 : 299، وقد قدّم الراوي لها، بقوله : «إنّها مناجاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، والأئمة من ولده عليهم السّلام، كانوا يدعون بها في شهر شعبان». (المصدر : 295)
(3)- إشارة لقوله سبحانه : {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقاً}. (الأعراف : 143)
(4)- تفسير سورة حمد : 182- 183، راجع أيضا في تحليل هذا المقطع من الدعاء ، بإثارة الأسئلة ذاتها والخروج بالاستنتاجات نفسها عبر المطابقة بين مضمون الدعاء ولغة العرفاء : سرّ الصلاة : 38- 39، الذي انتهى الإمام من تأليفه سنة 1358 هـ .
(5)- تفسير سورة حمد : 183- 184.
(6)- نفس المصدر : 183.
(7)- عن هاشم بن أبي عمارة الجنبي ، قال : «سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام ، يقول : أنا عين اللّه، وأنا يد اللّه، وأنا جنب اللّه، وأنا باب اللّه». (الكافي 1 : 145/ 8)
(8)- إشارة إلى الحديث الشريف الذي ينصّ أنّ الصدقة «تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد». (الكافي 4 : 3/ 5)
(9)- تفسير سورة حمد : 184- 185.
(10)- نفس المصدر : 185.
(11)- نفس المصدر : 185- 186.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|