المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5832 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{مثنى‏ وثلاث ورباع}
2024-04-29
معنى حوب
2024-04-29
صلة الأرحام
2024-04-29
عادات الدجاج الرومي
2024-04-29
مباني الديك الرومي وتجهيزاتها
2024-04-29
تعريف بعدد من الكتب / المسائل الصاغانيّة.
2024-04-29

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الناكثون  
  
2380   04:40 مساءً   التاريخ: 20-4-2020
المؤلف : عبد الهادي مسعود
الكتاب أو المصدر : عَليٌّ وَمُناوِئُوه
الجزء والصفحة : ص 134- 155
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الخلفاء الاربعة / علي ابن ابي طالب (عليه السلام) / الامام علي (عليه السلام) /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-1-2020 2629
التاريخ: 1-8-2020 2593
التاريخ: 2-11-2018 1896
التاريخ: 18-4-2020 971

الناكثون

اشترك طلحة ، والزبير ، وعائشة في تأليب المسلمين على عثمان ، كما ساهم كل منهم بقلبه ولسانه في قتل الخليفة على الشكل الذي وصفناه .

وكان اشد الثلاثة وطأة على عثمان الزبير بن العوام ، واخفهم طلحة بن عبيد الله . هذا مع العلم بأن عثمان كان يقول عن طلحة ـ وهو اخفهم وطأة عليه كما ذكرنا:

«ويلي من طلحة! اعطيته كذا ذهبا وهو يروم دمي ... اللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه» (1).

ويلوح للباحث ان طلحة قد تظاهر بالمطالبة بدم عثمان ـ في اوائل خلافة الامام ـ وهو ادرى من غيره بقتلة الرجل وبالدور الذي لعبه هو ـ والزبير وعائشة ـ في هذا الشأن ليغالط الناس ويوهمهم « انه برىء من دمه . فلقد قال علي لطلحة وعثمان محصور :

انشدك الله الا رددت الناس عن عثمان ؟ قال طلحة :

لا والله حتى تعطي بنو امية الحق من انفسها .

ويروي الطبري : ان عثمان كان له على طلحة خمسون الفاً . فخرج عثمان يوماً الى المسجد فقال له طلحة : قد تهيأ مالك فأقبضه » فقال : هو لك يا ابا محمد معونة لك على مروءتك .

قال : فكان عثمان يقول وهو محصور : جزاء سنمار .

وروى المدائني في كتاب « مقتل عثمان » : أن طلحة منع من دفنه ثلاثة ايام . وان حكيم بن حزام ... وجبير بن مطعم . استنجدوا بعلي على دفنه ، فأقعد طلحة لهما في الطريق ناساً بالحجارة » (2) . ولم يكن طلحة على ما يقول الدكتور طه حسين : « ليخفى ميله مع الثائرين ولا تحريضه لهم ولا اطماع فريق منهم في نفسه . وكثيرا ما شكا منه عثمان في السر والجهر .

والرواة يتحدثون بأنه استعان عليه بعلي نفسه ، وبأن عليا استجاب له فذهب الى طلحة ورأى عنده جماعة ضخمة من الثائرين . وحاول ان يرده عن خطته تلك فلم يستجب له طلحة » (3) .

واما عائشة فقد مر بنا ذكر موقفها من عثمان ، فقد خرجت مرارا ـ كما ذكرنا ـ بقميص النبي مؤلبة على عثمان وقائلة .

اقتلوا نعثلا . وكثيرا ما كانت تصيح به ـ من وراء سترها ـ وهو على المنبر ؛ كما ذكرنا ، تلومه على بعض فعاله .

فقد كانت عائشة ـ والحق يقال ـ من اعظم المؤلبين على الخليفة الثالث والمخذلين عن نصرته حتى انه حين بلغها ـ وهي في بيت الله الحرام :

ان عثمان قد انتصر على اعدائه صرخت بأعلى صوتها .

ايقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون الباطل .

وقد سأل سعيد بن العاص ام المؤمنين ، قبل سفرها الى البصرة .

« أين تريدين يا ام المؤمنين ؟ فقالت : اريد البصرة . وماذا تصنعين ؟

اطلب بدم عثمان . فأجابها سعيد : ان قتلة عثمان معك يا ام المؤمنين » (4) .

وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع ان نقول : ان ابطال حركة الجمل كانوا قادة الثورة على عثمان ورءوس الفتنة التي انتهت بمصرع ثالث الخلفاء الراشدين .

وقد كان هؤلاء ـ دون شك ـ عارفين حق المعرفة ـ كغيرهم من المسلمين آنذاك ـ من هم قتلة عثمان ؟

ترى لماذا البوا الناس على علي ؟ !

وهل هناك عوامل خفية ـ قريبة وبعيدة ـ ساقتهم الى القيام بعصيانهم المسلح ضد النظام القائم متخذين من قميص عثمان ذريعة لذلك ؟

ولماذا بايع طلحة ، والزبير عليا بالخلافة ؟

هل المطالبة بدم عثمان ـ ان صحت ـ تستلزم الثورة على النظام القائم ام تتم على اساس تقديم شكوى ، من قبل اولياء عثمان الذين عينهم القرآن بصراحة في سورة الاسراء(5) ـ الى الحكومة لتجري التحقيق في ذلك وتتخذ الاجراءات القانونية بحق الذين تثبت ادانتهم ؟

وما حق عائشة وطلحة والزبير ـ من الناحية الشرعية ـ بالمطالبة بدم عثمان ؟ ان ولى عثمان هو ابنه عمرو ؟ !

وما شأن البصرة الثورة على عثمان ؟

لماذا لم يتجهوا الى مصر المؤلبة ؟ وبقدر ما يتعلق الامر بالسيدة عائشة نستطيع ان نقول : ان جفاء حصل بين عائشة وعلي ـ منذ عهد الرسول ايام غزوة بني المصطلق التي سنذكرها ..

وهناك عامل آخر اشار اليه بعض الباحثين المحدثين (6) ملخصه :

ان السيدة عائشة وجدت على الامام ـ من الناحية النفسية ـ فحسدته لعقمها ، ولان عقب الرسول قد انحصروا في بنيه من فاطمة زوج علي ، ولكي نعرض على القارىء عوامل الجفاء بين السيدة عائشة وعلي بن ابي طالب نرى لزاما علينا ان نترك السيدة عائشة نفسها تقص على القارىء ملابسات الموضوع .

قالت السيدة عائشة (7) « كان رسول الله اذا اراد سفرا اقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . فلما كانت غزوة بني المصطلق ( 6 هـ ) اقرع بين نسائه كما كان يصنع فخرج سهمي عليهن . فخرج بي رسول الله .. فلما انتهى من سفر ؟؟؟ وجه قافلاً حتى اذا كان قريباً من المدينة نزل منزلا فبات فيه بعض الليل ثم اذن في الناس بالرحيل .

فلما ارتحل الناس خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي .. فلما فرغت انسل عقدي ولا ادري .

فلما رجعت الى الرحيل ذهبت التمسه في عنقي فلم اجده .

وقد اخذ الناس في الرحيل فرجعت .. الى المكان الذي ذهبت اليه ، فالتمسته حتى وجدته .. ورجعت الى المعسكر وما فيه داع ولا مجيب ؛ قد انطلق الناس . فلفلفت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني ، فوالله اني لمضطجعة اذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي ـ وقد كان تخلف عن المعسكر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس في المعسكر ـ فلما رأى سوادي اقبل حتى وقف علي فعرفني .. ثم قرب البعير فقال : اركبي .. فركبت .

فانطلق سريعا يطلب الناس .. ثم قدمنا المدينة فلم امكث ان اشتكيت شكاية شديدة .. وقد انتهى الحديث الى رسول الله والى ابوي .

فأنكرت من رسول الله بعض لطفه بي. حتى وجدت في نفسي مما رأيت من جفائه عني. فقلت:

يا رسول الله لو اذنت لي فانتقلت الى امي فمرضتني ، قال :

لا عليك ، فانتقلت الى امي .

وجاء رسول الله فدخل علي : ودعا علي بن ابي طالب .

فقال علي : يا رسول الله ان النساء لكثير ، وانك لقادر على ان تستخلف ؛ وسل الجارية فانها تصدقك .

فدعا رسول الله بريرة يسألها .. فقام اليها علي فضربها ضربا شديداً وهو يقول :

اصدقي رسول الله ... فوالله ما برح رسول الله مجلسه حتى تغشاه من الله ما يتغشاه . فسجى بثوبه ووضعت وسادة من ادم تحت رأسه .. ثم جلس فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول : ابشري يا عائشة فقد انزل الله براءتك .

ثم امر بمسطح بن اثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بن جحش ـ وكانوا ممن افصح بالفاحشة ـ فضربوا حدهم » .

يتضح ـ من رواية السيدة عائشة ـ انها خرجت مع النبي في مسيرة مع جيشه الى بني المصطلق ، وانها اثناء رجوع القوم الى المدينة ـ شذت عن الركب لبعض حاجتها ـ دون ان يعلم بها احد من الناس ، ثم عادت الى الركب . ولكنها تفقدت عقدها ـ اثناء عودتها ـ فلم تجده في جيدها . فعادت الى المكان الذي جاءت من عنده ـ دون ان يراها احد من الناس فعثرت على العقد . ثم عادت الى الركب فلم تجده . فمكثت في مكانها ـ بعد ان سار الركب دون ان يتفقدها احد .

فمر بها صفوان ـ الذي هو الاخر ـ كما تحدثنا السيدة عائشة نفسها ـ قد شذ عن الركب لبعض حاجته ، وقد مر صفوان ـ على رسله ـ صدفة بالمكان الذي كانت السيدة عائشة جاثمة فيه . فأركبها على ناقته واتجه بها نحو المدينة كي يلحق بالركب .

وقد ارتاب بعض القوم ، بما فيهم حسان بن ثابت في موضوع عائشة وصفوان فرموهما بالفاحشة ... واشار علي على النبي ـ عندما استشاره بأمرها في حضورها ـ ان يطلقها .

ومن الجدير بالذكر ـ في هذه المناسبة ـ ان البخاري في صحيحه قد نقل رواية السيدة عائشة مفصلة . والى القارىء رواية البخاري (8) .

« قالت عائشة : كان رسول الله اذا اراد سفرا اقرع بين ازواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه . قالت عائشة :

فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي . فخرجت مع رسول الله .. فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله من غزوته تلك ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل . فقمت ـ حين آذنوا بالرحيل ـ فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت الى رحلي فلمست صدري فاذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه . قالت :

واقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت اركب عليه وهم يحسبون اني فيه .

وكان النساء آنذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، انما يأكل الملعقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه.

وكنت جارية حديثة السن .. ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش .

فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب . فتيممت منزلي الذي كنت به .

فبينما انا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت

وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش . فأصبح عند منزلي . فرأى سواد انسان نائم فعرفني ، وكان رآني قبل نزول آية الحجاب . فاستيقظت باسترجاعه .. وهوى حتى اناخ راحلته فوطىء على يدها .

فقمت اليها فركبتها . فانطلق يقودها » . اي ان السيدة عائشة ـ حسب رواية البخاري ـ شذت عن الجيش لبعض شأنها في اللحظة التي آذنوا بالرحيل ليلا ، دون ان تخبر أحداً منهم بذلك او تطلب منهم انتظارها . وان الاشخاص الموكلين يحمل هودجها لم يشعروا بخلوه منها لان النساء آنذاك ـ جميعهن لا السيدة عائشة وحدها ـ كن نحيفات الاجسام لقلة ما يتناولنه من الطعام .

ولأن السيدة عائشة بالذات كانت صغيرة اللسن ، بالاضافة الى خفة وزن جسمها فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وهو خلو منها .. ثم انها نامت بعد ان يئست من القوم ، وكان صفوان من وراء الجيش ، فأدركها نائمة فعرفها ـ وهو سائر في الصحراء ليلا ـ لانه كان قد رآها قبل الحجاب ، اي حينما كانت سافرة قبل ان يأمرها الله بالتحجب من الرجال ، فحملها صفوان على بعيره واوصلها الى مكان امنها .

ذلك ما يتصل ببعض عوامل الجفوة بين ام المؤمنين وعلي بن ابي طالب .

وهنالك عوامل اخرى ، غير مباشرة ، تتعلق بالجفاء الذي كان بين السيدة فاطمة « بنت النبي من خديجة » وبين السيدة ام المؤمنين بنت ابي بكر .

فقد كانت السيدة عائشة تريد الاستئثار بحب النبي وتحويل ما تبقى من ذلك الحب الى ابيها بدلا من علي زوج فاطمة . ويذكر بعض الرواة (9) : ان للسيدة عائشة ـ والسيدة حفصة بنت عمر زوج النبي ـ ضلعا في تأخير جيش اسامة في عهد الرسول .

هذا بالاضافة الى العامل النفسي المتصل بحرمان السيدة عائشة من النسل كما اشار الى ذلك الدكتور طه حسين ، والاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود .

اما ما يتصل بموقف الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله تجاه امام زمانهما فيمكننا ان نكشف عوامله القريبة والبعيدة بسهولة ويسر .

فقد كان كل من طلحة والزبير راغبا في الخلافة منذ زمن ليس بالقصير وقد مر بنا ترشيح عمر لها في رهط الشورى . فلما انتقلت الخلافة الى عثمان حاول الرجلان ـ في صدر خلافته ـ ان ينتفعا به الى اقصى حدود الانتفاع .

وعندما رأى الرجلان تأزم الاحوال العامة على الخليفة ساهما في ذلك الى حد كبير على الشكل الذي وصفناه ظنا منهما ان الامر ـ بعد اندحار عثمان ـ سوف ـ لا ينتقل لعلي ـ غير ان انتقال الخلافة للامام قد راعهما . فبايعاه على مضض . ثم سألاه عن ولايتي الكوفة والبصرة فلم يجبهما .

يضاف الى ذلك ان موقف الامام الشديد في تطبيق مبادىء الدين كان هو الآخر من اقوى عوامل انتقاض الرجلين على الخليفة . فلكل منهما مصالح مركزة في جسم الدولة .

ويلوح للباحث ان طلحة والزبير كانا قد اعتادا على الاستئثار ببعض الموارد العامة بعد وفاة الرسول .

وقد مر بنا ذكر بعض ما وصلهما به عثمان .

اما ما حصلا عليه في عهد الشيخين فنذكر منه المثالين التاليين :

قال البلاذري (10) : « حدثني الحسين بن علي الاسود العجلي قال : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابو معاوية عن هشام بن عروة عن عروة قال : اقطع ابو بكر : الزبير ، بين الجرف الى قناة . واخبرني المدائني قال :

قناة واد يأتي من الطائف ويصب الى الارحضية وقرقرة الكدر ثم يأتي سد معاوية ثم يمر على طرف القدوم ويصب في اصل قيدر الشهداء بأحد .

وحدثني الحسين بن علي العجلي قال : حدثنا حفص بن عتاب عن هشام بن عروة قال : خرج عمر يقطع الناس ، وخرج معه الزبير ، فجعل عمر يقطع حتى مر بالعقيق . فقال اين المستقطعون ؟ .. ما مررت بقطعة اجود منها .

فقال الزبير : اقطعنيها . فأقطعه اياها « .

فلا عجب ان رأى الزبير وطلحة في قميص عثمان ضالتهما المنشودة للانقضاض على الامام .

وقد روى احد المؤرخين (11) ملابسات الموقف بين علي من جهة وطلحة والزبير من جهة اخرى حين قال : « ارسل طلحة والزبير الى علي ـ قبل خروجهما الى مكة ـ محمد بن طلحة يقولان : اننا اصلحنا لك الامر ووطدنا لك الامرة ، واجلبنا على عثمان حتى قتل . فلما طلبك الناس لأمرهم جئنا واسرعنا اليك وبايعناك وقدنا اليك اعناق العرب ، ووطىء المهاجرون والانصار اعقابنا في بيعتك . حتى اذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنا ورفضتنا رفض التريكة واذللتنا ذل الاماء .

فلما جاء محمد بن طلحة ابلغه ذلك . فقال : اذهب اليهما فقل لهما : فما الذي يرضيكما ، فذهب وجاء فقال : انهما يقولان : ول احدنا البصرة ، والآخر الكوفة . فقال :

لها الله !! اذن يحكم الاديم ويستشرى الفساد ، وتنتقض علي البلاد من اقطارها .

والله اني لا آمنهما وهما عندي بالمدينة فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين ! . فاستأذناه في الخروج الى مكة للعمرة . فأذن لهما بعد ان احلفهما الا ينقضا بيعته ولا يغدرا به ، ولا يشقا عصا المسلمين ولا يوقعا الفرقة بينهم ، وان يعودا بعد العمرة الى بيوتهما فحلفا على ذلك كله . ثم خرجا ففعلا ما فعلا .

وكان الامام قد خاطبهما ـ قبل خروجهما الى مكة ـ فقال :

الا تخبراني اي شيء كان لكما فيه حق حتى دفعتكما عنه ؟ ام اي قسم استأثرت عليكما به ؟ ام اي حق رفعه الى احد من المسلمين ضعفت عنه ام جهلته ام اخطأت بابه ؟ والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولافي الولاية اربة . ولكنكم دعوتموني وجملتموني عليها . فلما افضت الي نظرت الى كتاب الله وما وضع لنا وامرنا بالحكم به فاتبعته . وما استن النبي فافتديته .

فلم احتج في ذلك الى رأيكما ولا رأى غيركما .

ولو وقع حكم جهلته فأستشيركما » .

وقد وصف الامام فتنة طلحة والزبير واعوانهما بقوله :

« والله ما انكروا علي منكرا ، ولا جعلوا بيني وبينه نصفا ، وانهم ليطلبون حقا هم تركوه ... ودما هم سفكوه ، (12) .

خرج الزبير وطلحة وعائشة يريدون البصرة مدعين بأنهم يطالبون بدم عثمان . وقد ارتكبوا ـ بعملهم هذا . كما سلف ان ذكرنا جملة اخطاء من الناحية الدينية والزمنية ، فليس من حقهم ان يطالبوا بدم عثمان لانهم ليسوا اولياءه الذين اجازت لهم الشريعة الاسلامية ان يطالبوا بذلك .

ان وليه ـ كما ذكرنا ـ ابنه عمرو . وانهم اتبعوا اسلوبا فظا للتوصل الى ما زعموا انهم يسعون اليه بدلا من ان يرفعوا ـ اذا جاز لهم ذلك ـ طلبهم الى الخليفة الذي له وحده الحق ـ بحكم كونه خليفة المسلمين ـ في اجراء التحقيق وانزال العقوبة بالجناة .

وانهم ارتكبوا من الافعال البشعة ومن القتل ، والنهب والاعتداء ـ كما سنرى ـ ما يتضاءل دونه بمراحل مصرع الخليفة الذبيح على اهميته ، ومالا تجيزه الشريعة السمحاء ومبادىء الشرف والاخلاق .

وانهم قصدوا البصرة ـ دون مصر ـ للبحث عن القاتلين .

وان السيدة عائشة بالذات لا يجوز لها ان تساهم في مثل هذه الامور ، وقد اوصاها الله ان تقر في بيتها (13) .

ثم هل يجوز شرعا ان تعالج فتنة باثارة فتنة اغلظ منها ؟ وقد حصل ذلك كله مع علم الثائرين ان الامام نفسه بريء من دم عثمان براءة الذئب من دم ابن يعقوب . (14)

يضاف الى ذلك ان الامام ـ في سياسته العامة ـ لم يتجه اطلاقا الى الاستعانة بالذين ثاروا على عثمان او تقريبهم او الاعتماد عليهم في الادارة او المال .(15)

فلا غرو ان رأينا اولئك الثوار قد نقموا عليه ، كما نقموا على عثمان من قبله « مع فرق كبير في عوامل تلك النقمة في الحالتين » . فقد نقموا على عثمان : خروجه في سياسته العامة على مباديء الدين ، ونقموا على علي : تقيده ـ في سياسته العامة ـ بمباديء الدين .

لذلك نجد الامام لم يقربهم اليه او يعين بعضهم في القضاء او الامارة او الادارة

وقد اصبح الوضع الجديد اشد وطأة عليهم منه في عهد عثمان .

اي ان الامام ، بعبارة اخرى ، قد ارتقى منبر النبي بعد ثورة لم يساهم فيها .

اي انه اقتطف ثمار ثورة لم يقتطفها الذين قاموا بها . يضاف الى ذلك ان الثوار اخذوا يشعرون بأن الامام سوف يقتص من قتلة عثمان بعد حصول البينة عنده .

وطلحة ، والزبير ، وعائشة يعرفون ذلك حق المعرفة . وعلي نفسه عارف بأنهم عارفون به .

ومهما يكن من شيء فقد خرج الناكثون ـ وعلى رأسهم طلحة وابن الزبير وبنت ابي بكر ـ من مكة يريدون البصرة . ومرت ابلهم ـ في طريقها على ماء الحوأب (16) » فنبحتهم كلابه . فنفرت صعاب ابلهم .

فقال قائل منهم : لعن الله الحوأب فما اكثر كلابها !!

فلما سمعت عائشة قالت :

ردوني ... اني سمعت رسول الله يقول :

كأني بكلاب الحوأب قد نبحت بعض نسائي ثم قال : اياك يا حميراء ان تكونيها ...

فقال الزبير لعائشة : مهلا فانا قد جزنا ماء الحوأب .. فلفق لها الزبير وطلحة خمسين اعرابيا شهدوا بذلك . فكانت هذه اول شهادة زور في الاسلام .. وكتب على عثمان بن حنيف واليه في البصرة : اما بعد فان البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا (17)

فاذا قدموا عليك فادعهم الى الطاعة ... فان اجابوا فأحسن جوارهم .

فلما وصل الكتاب ارسل عثمان بن حنيف ابا الاسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي ، فانطلقا . فدخلا على عائشة ووعظاها .. فقالت : القيا طلحة والزبير ... فقاما من عندها ولقيا : الزبير فكلماه ، فقال لهما : اننا جئنا للطلب بدم عثمان ... فقالا له : ان عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب بدمه فيها ، وانت تعلم من هم قتلته واين هم ، وانك وصاحبك وعائشة كنتم اشد الناس عليه واعظمهم اغراء بدمه ... وقد بايعتم عليا طائعين .. فقال لهما .. اذهبا فالقيا طلحة .

فقاما الى طلحة فوجداه خشن الملمس .. في اثارة الفتنة واضرام نار الحرب .

وأتى طلحة والزبير عبد الله بن حكيم التميمي فأتى بكتب كان كتباها اليه ، فقال لطلحة : أما هذه كتبك الينا ؟ قال : بلى .

قال : فكتبت امس تدعونا الى خلع عثمان وقتله ، حتى اذا قتلته اتيتنا ثائراً بدمه .

وخرج عثمان بن حنيف الى طلحة والزبير في اصحابه فناشدهما الله والاسلام وذكرهما بيعتها لعلي ... فقالا نطلب بدم عثمان ، فقال لهما : ما انتما وذاك ؟ أين بنوه ... الذين احق منكم ؟ فشتماه شتما قبيحا ..

ثم كتب الطرفان كتاباً للصلح ... الى ان يقدم الخليفة ... فمكثوا كذلك اياما .

ثم ان طلحة والزبير ... اجتمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ... فبايعهم على ذلك الازد، وضبة، وقيس بن غيلان ... وبنو عمرو بن تميم ، وبنو حنظلة ... وبنو دارم كلهم الا نفرا من بني مجاشع ذووى دين وفضل .

فلما استوثق لطلحة والزبير امرهما ، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما اصحابهما قد البسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب . فانتهوا الى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف اليه واقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره اصحاب طلحة والزبير ، وقدموا الزبير ، فجاءت السيابجة (18) . فأخروا الزبير وقدموا عثمان بن محنيف ، فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان ، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع ، وصاح بهم : المسجد .. فغلب الزبير فصلى بالناس .

فلما انصرف من صلاته صاح بأصحابه المسلمين : ان خذوا عثمان بن حنيف ، فأخذوا وضربوه ضرب الموت ، ونتف حاجباه واشفار عينيه وشعر رأسه ووجهه واخذوا السيابجة ... فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف الى عائشة .. فأمرت بذبح السيابجة ، فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف اول غدر كان في الاسلام » (19) .

ويجمل بنا ـ اكمالا للبحث في هذه النقطة ـ أن ننقل للقارىء قصة الناكثين كما رواها ابن الاثير (20) :

« خرجت عائشة الى مكة وعثمان محصور ، ثم خرجت من مكة تريد المدينة ، فلما كانت بسرف (21) لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له : عبيد الله بن ابي سلمة ـ وهو ابن أم كلاب ـ فقالت له : مهيم ؟ قال : قتل عثمان وبقوا ثمانيا .. قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : اجتمعوا على بيعة علي فقالت :

ليت هذه انطبقت على هذه .. ردوني .. فانصرفت الى مكة تقول : قتل عثمان .

مظلوما (22) ، فقال لها عبيد الله بن ابي سلمة :

ان اول من امال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر .

فمنك البداء ومـنـك الغيـر *** ومنك الريـاح ومنـك المطر

وأنت أمـرت بقتـل الامام *** وقلت لـنا : انـه قد كـفر

فهبنا اطعنـاك في قتـلـه *** وقـاتله عندنا من أمــر

 

فانصرفت الى مكة فقصدت الحجر فتسترت فيه ، فاجتمع الناس حولها ، فقالت : ايها الناس ان الغوغاء من اهل الامصار .. سفكوا الدم الحرام .. والله لأصبع عثمان خير من طباق الارض .

وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ، ويعلى بن امية ـ بن منية ـ من اليمن فلقيا عائشة ، فاستقام الرأي على البصرة ، وكان ازواج النبي مع عائشة على قصد المدينة ، فلما تغير رأيها الى البصرة تركن ذلك .

وخرجت عائشة ومن معها من مكة ، فلما خرجوا منها اذن مروان بن الحكم

ثم جاء طلحة والزبير وقال : على ايكما اسلم بالأمرة ، فقال عبد الله بن الزبير على ابي ، وقال محمد بن طلحة على ابي ، فأرسلت عائشة الى مروان وقالت له :

أتريد أن تفرق أمرنا ؟ ليصل بالناس ابن أختي عبد الله بن الزبير .

وكان معاذ بن عبد الله يقول : والله لو ظفرنا لاقتتلنا ، ما كان الزبير يترك طلحة والامر ، ولا كان طلحة يترك الزبير والامر .. فلما بلغوا ذات عرق لقى سعيد بن العاص مروان بن الحكم واصحابه بها فقال : أين تذهبون وتتركون ثأركم على اعجاز الابل وراءكم ؟ يعني عائشة، وطلحة والزبير ، اقتلوهم ثم ارجعوا الى منازلكم .

ثم خلا بطلحة والزبير فقال : ان ظفرتما لمن تجعلان الامر ؟ ومضى القوم ، ومروا بماء الحوأب فنبحتهم كلابه ، فأتوا الحفير .

ولما بلغ ذلك اهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن الحصين ، وابا الاسود الدؤلي وقال لهما : انطلقا الى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها .

فخرجا : فأتيا اليها بالحفير ، فأذنت لهما فدخلا وسلما ، وسألاها عن سبب خروجها .

فقالت : المطالبة بدم عثمان ... فأتيا طلحة ... فقال : المطالبة بدم عثمان ، فأتيا الزبير وقال لهما : مثل قول طلحة ، فرجعا الى عثمان بن حنيف وأخبراه ...

واقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا الى المربد ... فتكلم طلحة بالناس وذكر عثمان وفضله ... ودعا الى الطلب بدمه وحثهم على الاخذ به .

وكذا فعل الزبير ، وعائشة ... واقبل جارية بن قدامة السعدي وقال : يا أم المؤمنين :

والله لقتل عثمان اهون من خروجك من بيتك ... وقد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وابحت حرمتك ...

وخرج غلام شاب من بني سعد الى طلحة والزبير وقال : هل جئتما بنسائكما ؟

صنـتم حلائلكم وقدتم امـكم *** هذا لـعمرك قلة الانصـاف

أمرت بـجر ذيولها في بيتها *** فهوت تشق البيد بالايجـاف

غرضا يقـاتل دونها أبناؤها *** بالنيـل والخطى والاسيـاف

هتكت بطلحة والزبير ستورها *** هذا الـمخبر عنهم والكـاف

ـ وجرت بين الطرفين مناوشات باللسان وبالسيف ـ

ثم كتبا كتابا للصلح وتهادنا .. وجاء في كتاب الصلح :

هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معهما ... وعثمان بن حنيف ومن معه .

ان عثمان يقيم حيث ادركه الصلح على مافي يده ، وان طلحة والزبير يقيمان

حيث ادركهما الصلح على مافي ايديهما .. ولا يضار واحد من الفريقين في مسجد ولا سوق ولا طريق .. ولكن طلحة والزبير جمعا رجالهما في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر .

ثم قصد المسجد فوافقا صلاة العشاء .

فقاتلوا أصحاب عثمان بن حنيف في المسجد .. وأخذوا عثمان أسيرا .

وضربوه اربعين سوطا ونتفوا لحيته ، وحاجبيه واشفار عينيه وحبسوه .

وكتبت عائشة الى زيد بن صوحان :

من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله الى ابنها الخالص زيد بن صوحان اما بعد : فان اتاك كتابي هذا فأقدم فانصرنا فان لم تفعل فخذل الناس عن علي ، فكتب اليها :

اما بعد : فأنا ابنك الخالص ان اعتزلت ورجعت الى بيتك . والا فأنا اول من نابذك . وقال زيد :

رحم الله أم المؤمنين امرت ان تلزم بيتها وامرنا ان نقاتل ، فتركت ما امرت به وامرتنا به وصنعت ما امرنا به ونهيتنا عنه .

وقام طلحة والزبير خطيبين يطالبان بدم عثمان .. فقال الناس لطلحة : يا ابا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا .. ثم قام رجل من عبد قيس فقال :

يا معشر المهاجرين .. لما توفي الرسول بايعتم رجلا منكم فرضينا وسلمنا . . ثم مات واستخلف عليكم رجلا فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلمنا .

فلما توفي جعل امركم الى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورتنا

ثم انكرتم منه شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا .

ثم بايعتم عليا عن غير مشورة منا . فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفيء ؟ ام عمل بغير الحق ؟ أو أتى شيئا تنكرونه ؟ فنكون معكم عليه . والا فما هذا ؟ فهموا بقتل ذلك الرجل فمنعته عشيرته .

فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه فقتلوا منه سبعين .

وبقى طلحة والزبير [ بعد اخذ عثمان بن حنيف ] بالبصرة ومعهم بيت المال والحرس .

وتجهز علي الى الشام . فبينما هو كذلك اتاه الخبر عن طلحة والزبير وعائشة . فتوجه الى البصرة ووقعت الحرب وانتصر علي ، فدخل البصرة ... وراح الى عائشة وهي في دار عبد الله بن خلف .. وكانت صفية زوجة عبد الله مختمرة ... فلما رأته كلمته بكلام غليظ . فلم يرد عليها شيئا ، ودخل على عائشة وسلم عليها وقعد عندها . ثم قال : جبهتنا صفية ... فلما خرج اعادت صفية عليه قولها . فكف بغلته وقال :

هممت أن افتح هذا الباب ـ واشار الى باب في الدار ـ واقتل من فيه . وكان فيه ناس من الجرحى فأخبر علي بمكانهم فتغافل عنهم .

وكان مذهبه الا يقتل مدبرا ولا يدنف على جريح (23) ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا .

ولما خرج علي ... قال له رجل من أسد : والله لا تغلبنا هذه المرأة . فقال له :

لا تهتكن سترا ، ولا تدخلن داراً ، ولا تهيجن امرأة بأذى ، وان شتمن أعراضكم وسفهن امراءكم وصلحاءكم .. ومضى فلحقه رجل فقال يا امير المؤمنين :

قام رجلان على الباب فتناولا من هو امض شتما لك من صفية . قال :

ويلك لعلها عائشة ! قال نعم ، فبعث القعقاع بن عمرو الى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين من ازد الكوفة وهما : عجلان ، وسعد ، ابنا عبد الله ، فضربهما مئة سوط واخرجهما من ثيابهما .

ثم جهز عائشة بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك ، وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها الا من احب المقام ، واختار لها اربعين امرأة من نساء البصرة والمعروفات .

وسير معها اخاها محمد بن ابي بكر .

فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه اتاها علي فوقف لها .

وحضر الناس ، فخرجت وودعتهم ، وقالت :

يا بني لا يعتب بعضنا على بعض ، انه والله ما كان بيني وبين علي في القديم الا ما يكون بين المرأة وأحمائها ... وشيعها على اميالا وسرح بنيه معها يوما .

وقال عمار حين ودعها : ما ابعد هذا المسير من العهد الذي عهد اليك ؟ قالت : والله انك ـ ما علمت ـ تقول الحق . قال : الحمد لله الذي قضى على لسانك لي » .

تلك هي قصة الناكثين . ولا نشك في ان القارىء قد لاحظ معنا الجرائم الكثيرة التي قاموا بها ؛ ومدى صلتها بالمطالبة بدم الخليفة الذبيح . فقد لفق الزبير وطلحة خمسين شاهد زور لعائشة في ماء الحوأب .

وكانت اول شهادة زور في الاسلام ، على ما يروي المؤرخون . وفي معرض التحدث عن شهادة الزور بنظر النبي يقول البخاري في صحيحه ( ج 8 ص 48 ) بأسانيده المختلفة عن ابي بكرة قال : « قال النبي اكبر الكبائر الاشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور ثلاثاً اقولها ، او اقول شهادة الزور .

فما زال يكررها ، قلنا : ليته سكت !! » .

على أن أم المؤمنين ـ لو كانت جادة في امر عودتها الى المدينة قبل ان تبلغ البصرة ـ لما ثناها عن ذلك ـ برأينا ـ شهود الزور . ذلك لانهم لم ينفوا مرورهم بالحوأب وانما قالوا : انهم مروا به قبل فترة .

وقد نكث الزبير وطلحة بيعتهم لعلي ، ونقضا عهدهما لعثمان بن حنيف مخالفين بذلك نص الاية الكريمة :

« وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا »

كما اعتديا على حرمة المسجد وعلى الصلاة وقتلا السيابجة غدراً وصنعا ما صنعا بعثمان ابن حنيف والي البصرة ، ولعل موقف الناكثين في باطلهم من عثمان بن حنيف ـ في حقه ـ يعيد الى الذاكرة ـ على قاعدة وبضدها تتميز الاشياء ـ موقف النبي على حقه من سهيل بن عمرو ـ وهو على باطل ـ حين قال عمر بن الخطاب للنبي على ما يحدثنا الطبري (24) . :

« انتزع ثنيتي سهيل بن عمرو السفليين ، يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً في موطن ابداً . فقال رسول الله : لا امثل به فيمثل الله بي وان كنت نبياً » .

فقد امتنع الرسول الكريم عن التمثيل بأحد شيوخ المشركين، في حين ان عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير قد مثلوا بأمير البصرة وهو شيخ من افاضل المسلمين دون ان يقترف ذنبا يستحق عليه العقاب اللهم الا الوقوف بوجه العصاة على الخليفة ومن ورائه كتاب الله وسنة الرسول .

ولسنا نعلم صلة ذلك بالمطالبة بدم عثمان .

وهل : الاعتداء على عثمان ـ بغض النظر عن مسبباته ـ اكثر فظاعة من الاعتداء على عثمان بن حنيف واصحابه ؟

ولماذا اعتدى طلحة والزبير على مسلمي البصرة ؟

هل يجيز الدين الحنيف ذلك الاعتداء من حيث المبدأ العام ؟ ومن حيث الشكل الذي وقع فيه ؟

ذكر الامام مسلم (25) بأسانيده المختلفة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : « قال رسول الله : اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : اذا حدث كذب ، واذا عاهد غدر ، واذا وعد اخلف ، واذا خاصم فجر » .

والمنافقون ، كما وصفهم الله في سورة المنافقين :

« واتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ألا ساء ما كانوا يعملون » (26) .

ونحن نترك للقارىء تقدير الخلال الاخرى « تزيد عن الخلال الاربع » التي اتصف بها الناكثون .

ويتجسم ذلك الموقف اذا ما وازنه القارىء بموقف الامام الكريم ، في حربه وسلمه ، مع خصومه وانصاره على السواء .

____________

(1) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى : علي وبنوه » ص 8 .

(2) ابن ابي الحديد : « شرح نهج البلاغة » 2 / 505 ، 506 الطبعة الاولى بمصر .

(3) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى ، علي وبنوه » ص 8 .

(4) عبد الفتاح عبد المقصود « الامام علي بن ابي طالب » 3 / 427 ، 428 .

(5) « ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما لقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصوراً » الاسراء : 33 ، بغض النظر عن شرعية القتل او عدمها .

(6) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى » ، وعبد الفتاح عبد المقصود : « الامام علي ابن ابي طالب » .

(7) الطبري « تاريخ الامم والملوك 3 / 76 ـ 70 .

(8) صحيح البخاري 3 / 154 ، 156 و 5 / 55 ، 56 .

(9) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » .

(10) فتوح البلدان ص 26 .

(11) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 3 / 4 ـ 9 الطبعة الاولى .

(12) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 2 / 403 ـ 405 .

(13) في لقاء لي مع : الدكتور طه حسين عام 1965 م سألته : عن رأيه في عائشة اجاب بقوله : كان احد الاساتذة يقول : لو ادركت عائشة لا وجعتها ضرباً حتى اقعدتها في بيتها لقوله تعالى : « وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى » الاحزاب : 33 . راجع كتابنا : « مع رجال الفكر في القاهرة » ص 160 / 175 الطبعة الاولى القاهرة ـ مطبعة حسان عام 1974 م . « الناشر »

(14) هذا التشبيه غير مؤدب « الناشر »

(15) وهو ماء لبني عامر بن صعصعة يقع في بادية العراق الجنوبية .

(16) ويذكر التاريخ ان الامام استعان على جملة منهم كعمار بن ياسر ومحمد بن ابي بكر ومالك الاشتر وغيرهم « الناشر »

(17) يشير الى بيعة الزبير وطلحة له ، ثم نكوصهما عن ذلك ، والى عهدهما له حين خرجا للعمرة من المدينة لمكة ـ بالرجوع الى المدينة وخرقهما لذلك العهد .

(18) وهم : الشرطة حرس بيت المال ، وهم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحرس سجون .

(19) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 2 / 497 ـ 501 .

(20) الكامل في التاريخ : 5 / 105 ـ 133 .

(21) موقع بين مكة والمدينة .

(22) لابد ان القارىء قد لاحظ ان السيدة عائشة لم تعلق بشيء حين سمعت بمقتل عثمان ، ولكنها ثارت لمجرد سماعها بأجماع المسلمين على بيعة علي فطلبت ان يردوها الى مكة واصبح عثمان مظلوما بنظرها .

(23) يدنف : اي مجهز عليه بالقال . « الناشر »

(24) تاريخ الامم والملوك 2 / 289 .

(25) صحيح مسلم 1 / 42 .

(26) المنافقين : 2 .

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





بالفيديوغراف: ممثل المرجعية الدينية العليا والامين العام للعتبة الحسينية يتفقدان مشروع مطار كربلاء الدولي
بالصور: سنابل تفيض بالخير في مزارع العتبة الحسينية (عمليات حصاد الحنطة)
تضمنت الجولة توجيهات متعلقة براحة المسافرين.. ممثل المرجعية العليا والامين العام للعتبة الحسينية يطلعان ميدانيا على سير العمل في مطار كربلاء الدولي
بالفيديو: مركز لعلاج العقم تابع للعتبة الحسينية يعلن عن أجراء (117) عملية تلقيح اصطناعي خلال الربع الاول من العام الحالي