تعد الأجهزة الأمنية أكثر أجهزة إنفاذ القانون فعالية في مواجهة الجرائم، باعتبارها أجهزة تتمتع باختصاص عام في ذلك وبما لها من بعد وقائي يتمثل في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع الجريمة قبل وقوعها، والبعد الردعي من خلال الملاحقة الجزائية بعد  وقوع الجريمة(1)  ورغم ما للأجهزة الأمنية من أهمية كبرى في محاربة الجريمة والمحافظة على الأمن والاستقرار داخل الدولة، إلا أن مهمتها سوف لن تنجح في ذلك ما لم يتم إيجاد مناخ فعال ومثمر من التعاون الناجح بين هذه الأجهزة والمجتمع المدني، ذلك أن الجهود المتخذة من جهة واحدة تبقى غير متكاملة ومحدودة الإمكانية في مكافحة الجريمة، وخاصة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، التي تفوق جماعاتها الإمكانيات المتاحة للأجهزة الأمنية. ويشكل الوعي الوقائي ضد الجريمة لدى الأفراد، أهمية كبيرة في الوقاية من الجريمة وهو ما يتعين أن تستفيد منه الدولة في الإستراتيجية المعدة في مجال مكافحة الجريمة بتصعيد إسهامهم في مكافحة الجريمة وتبصيرهم بوجوب الحرص على اتخاذ الإجراءات اللازمة وتنمية الإحساس لديهم بمسؤوليتهم في التعاون مع الأجهزة الأمنية للتصدي لكل من  يحاول الإخلال بأمن المجتمع(2) ونتيجة للتغيرات الحاصلة في المجتمع حدث تغيير جدري وعميق في مفهوم المسؤولية الأمنية، إلى درجة اعتبار الأمن مسؤولية تضامنية تشارك فيها مختلف الجهات، بما فيها الأجهزة الأمنية والأهلية الفاعلة في المجتمع( 3)، ذلك أن معادلة الأمن والاستقرار تخدم كل شرائح المجتمع وتنعكس على كل فرد من أفراده، الأمر الذي يتطلب التفكير جديا في البحث عن الوسائل والأساليب التي يمكن من خلالها إشراك الجمهور بشكل أكثر فعالية وتنظيم في  حفظ الأمن وضمن جهود مخططة ومدروسة(4) ومن أجل ضمان نجاح أكبر لمشاركة المجتمع المدني في مجال مكافحة الجريمة، فإن النشاطات الطواعية المساندة لعمل الأجهزة الأمنية، خاصة في مجال الإبلاغ عن الجرائم وتقديم المعلومات المساعدة في الكشف عنها وملاحقة مرتكبيها والقبض عليهم، يتعين بلورتها في صيغ تنفيذية(5)، كما هو الحال في تشجيع الأفراد على إنشاء الجمعيات وممارسة نشاطهم في مجال الوقاية من الجريمة ومكافحتها في شكل منظم تحت غطاء تكتل قانوني.

وقصد تشجيع الدول بعضها البعض على تبني استراتيجيات في إقامة علاقة رصينة بين المجتمع المدني، أقر العديد من المتدخلين في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية بأن سياسة مكافحة الجريمة لا يمكن أن تكون فعالة إذا اقتصرت على أجهزة إنفاذ القانون، بما فيها الأجهزة الأمنية، على أساس أن لنهج المنع القائمة على المعرفة ومشاركة المجتمع المدني أهمية في ذلك، وقدم العديد منهم أمثلة لعمليات تشاورية وتشاركية جرت على الصعيد الوطني في كثير من الأحيان، واتخذت أشكالا مثل لجان وقائية وشراكات أمنية ومراكز عدالة مجتمعية، في إطار برامج خاصة لإشراك أفراد المجتمع كمتطوعين في مجال منع الجريمة وٕاقامة العدل، بما في ذلك متطوعين معاونين للأجهزة  الأمنية(6) كما أبرز العديد من المشاركين في المؤتمر، المذكور أعلاه، ضرورة بناء الثقة بين الأجهزة الأمنية والمجتمع المدني، وتشجيع المزيد من الشراكات التعاونية مع تدليل ما يواجهها من تحديات(7) وعلى هذا الأساس يمكن القول أنه يتعين على الدول، بما فيها الجزائر، أن تعمل جاهدة من أجل إشراك المجتمع المدني في الأنشطة المتعلقة بالوقاية من الجريمة ومكافحتها إذا ما أرادت أن تسلم من شر الجماعات الإجرامية المنظمة أو على الأقل تكبح من جماحها، وذلك ضمن أطر تنظيمية مناسبة، حتى يتمكن المجتمع المدني من أداء مهامه المكملة لجهود الدولة في التصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما فيها السماح بمشاركته في صوغ السياسات العامة وتنفيذها بشكل يضمن فعاليتها.

________________

1- أحمد علي البدري علي، دور الشرطة في مكافحة جريمة غسل الأموال، ط الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة   مصر، سنة 2012. ص 67 .

2-  أكرم نشأت إبراهيم ،ص 31 .

3- حمدي شعبان، مقال بعنوان: الإعلام والأمن ( علاقة تبادلية... وحتمية نجاح)، متاح على الموقع الرسمي للمكتب  العربي للإعلام الأمني. ص 2

4- عديل أحمد الرشمان، دور برامج الإعلام الأمني التلفزيونية في الوقاية من الجريمة، دار جامعة  نايف للنشر، الرياض المملكة العربية السعودية، سنة 2015 ص 4 .

5- أكرم نشأت إبراهيم، مرجع سابق. ص 32 .

6- تقرير مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، مرجع سابق. ص 67 و 68.

7 - مرجع نفسه. ص 68