جريمةٌ هزّت نخيل العراق وجبالَه لفضاعتها، أكثر من ألفَي شابٍّ راحوا ضحيّة مجزرةٍ استهدفت الجنود في قاعدة سبايكر الجويّة وسط تكريت، هذه الجريمة استطاعت العتبة العباسيّة إيقاف زمنها وانطلقت بالتوثيق وحفظ تاريخها من التزييف وإضاعة الحقائق. المتولّي الشرعي للعتبة المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي، كان داعياً باستمرارٍ إلى حفظ حقوق الشهداء تاريخياً، وتعويض ذوي ضحايا الهجمات الإرهابيّة في العراق. السيد الصافي شدّد خلال لقاء سماحته بوفدٍ من منظّمة الأمم المتّحدة، برئاسة المساعد والمستشار الخاصّ للأمين العام للمنظّمة الدوليّة، ومدير المركز السيد كريستيان ريتشر، على ضرورة تسجيل وأرشفة الوثائق التي تدين عصابات داعش الإرهابية ومَن وراءها، متسائِلاً عن إمكانيّة منظّمة الأمم المتّحدة في إدانة مَن كان وراء التنظيم الإرهابيّ ومصادر تمويله بالسلاح وأجهزة الاتّصالات القويّة وغيرها، وساعد على احتلال ثلث العراق، داعياً لتعويض ذوي ضحايا الهجمات الإرهابيّة في العراق، ومؤكّداً على أهمّية الدور الذي يجب أن تؤدّيه الأمم المتّحدة فيما يتعلّق بهذا الشأن، لافتاً إلى أنه حتّى بعض مَن أراد أن يعرف الحقيقة لم يكن مُنصِفاً للأسف، وأظهر الحقائق وفق قراءته الخاصّة للتاريخ. موسوعة جريمة سبايكر عملت العتبة العبّاسية المقدّسة على توثيق جرائم التطرّف والإرهاب في العراق، عبر إصدار الموسوعات التي توضّح هذه الجرائم، مثل موسوعة فتوى الدفاع الكفائي وموسوعة جريمة ما يُعرف بـقاعدة سبايكر. رئيس مؤسّسة الوافي للتوثيق والدراسات المهندس أحمد صادق يقول إن "العتبة العبّاسية هي من أوّل الساعين لقضيّة التوثيق، وخاصّة بعد عام 2014، إذ افتتحت مؤسّسات ومراكز عديدة تُعنى بالتوثيق، وأصدرت تلك الموسوعات لتوثيق الجرائم التي حدثت خلال فترة تحرير العراق من العصابات الإرهابية".
من جانبه أبدى رئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتّحدة السيد كريستيان ريتشر، إعجابه بعمل العتبة العبّاسية، قائلاً: أنا منبهر ومعجب جدّاً بالعمل الذي يقوم به مركز التوثيق العراقي في العتبة العبّاسية، وهذا مجهودٌ جيّد وعملٌ رائع، وسنرى ما بالإمكان عمله حول هذا الموضوع من أجل تبادل المعلومات والاستفادة من الطرفين". حفظ الحقيقة معاون المدير العام في مؤسّسة الشهداء- دائرة المقابر الجماعية السيد عامر جبار، أكد أنّ العتبة العباسية وثّقت الحقائق الخاصّة بمجزرة سبايكر ومنعت تزييفها. ويقول جبار إن "العتبة العباسية كان لها دورٌ كبير وضخم في توثيق هذه الجريمة، والحفاظ عليها تاريخياً من التزييف أو التحريفات"، مضيفاً أن "وجود موسوعةٍ متكاملة بأوراق توثيقية حقيقية صادرة من مجلس القضاء أو دائرة الطبّ العدلي أو مؤسّسة الشهداء، تعدّ مصدراً موثوقاً ومهمّاً للأجيال الحاليّة والقادمة، ولا يُمكن أن تكون على غرار الأعمال الفنّية أو الإجراءات التي يُمكن أن تُنسى". بدوره يؤكّد الباحث في فريق عمل موسوعة مجزرة سبايكر الوثائقية العقيد الدكتور ثائر غالب، أن جميع البيانات والمعلومات هي وثائق وحقائق تمّ تجميعها وتوثيقها، ولا تحمل الآراء الشخصيّة للباحثين، مبيناً أن "فريق البحث يتكوّن من أربعة باحثين كلٌّ منهم له دورٌ معين في إعداد الموسوعة، التي استغرق تأليفها مدّة سنتين متتاليتين، إذ تمّ رصد جميع الحقائق والوثائق الخاصّة بمجزرة سبايكر في هذه الموسوعة". ويضيف "تتألّف الموسوعة من نسختَين، الأولى تتكون من 24 مجلّداً أطلقنا عليها (النسخة البنكية)، والثانية من 18 مجلّداً أسميناها (النسخة المرمّزة)، ويعود السبب في التسمية إلى ترميز عددٍ من الوثائق لدواعٍ أمنية"، ويتابع أن "الإحصائيات التي كانت متداولة حول عدد شهداء المجزرة تصل إلى 1750 شهيد، وبعد تدقيق جميع الأسماء اتّضح أنّ العدد الحقيقي أكبر بكثير إذ بلغ 2165 شهيداً، وهذا العدد موثّق بشكلٍ كامل في الموسوعة، حيث دُوّنت بيانات الشهداء بشكلٍ كامل في وزارتي الدفاع والداخلية ومؤسّسة الشهداء، وهي غير قابلة للشكّ أو الطعن". ويعمل الفريق على ترجمة الموسوعة إلى لغاتٍ أُخَر، لتوضيح حقيقة هذه المجزرة وما ارتكبته العصاباتُ التكفيريّة بحقّ العراقيّين، كما أن هناك فريقاً من الأمم المتّحدة يعمل على هذا الموضوع أيضاً، لغرض تجريم جميع المشاركين في هذه المجزرة دولياً، بحسب غالب. من جانبه أكّد ممثّل عوائل شهداء مجزرة سبايكر الدكتور قيس مري الركابي، أنّ شهداءنا قتلوا بأبشع أنواع القتل، فمنهم من قُتِل ورُمِي في نهر دجلة ومنهم دفنوهم أحياء، ومنهم رُمِي من أماكن مرتفعة حيث تهشمت أجسادهم، ليموتوا نزيفاً تحت وطأة الحرّ اللاهب، وكأنّ هؤلاء القوم قد مسخ الله قلوبهم ونُزِعت منها الرحمة"، ويضيف أن "الشهداء أكثر من 2156 شهيداً توزّعوا على أكثر من 10 محافظات، وتمّ تسليم نحو 1331 شهيداً إلى ذويهم وما زال أكثر من 800 شهيدٍ مجهول، ونحن في الذكرى التاسعة للمجزرة نشدّ على أيدي الجهات المعنيّة في مضاعفة جهودهم، للبحث عن باقي الشهداء وتسليم رفاتهم إلى ذويهم". انتصاراً لدم الشهداء يؤكّد رئيس الهيأة التحقيقيّة العراقية القضائية المختصّة بجريمة سبايكر القاضي ياسر الخزاعي، أنّ إزاحة الستار عن موسوعة مجزرة سبايكر هي انتصارٌ لدماء الشهداء، ويقول: إن "توثيق المجزرة بهذا الشكل هو لتوعية الأجيال القادمة من التنظيمات الإرهابية، وهي خطوة مباركة من العتبة العبّاسية المقدسة"، مشيراً إلى أن "التحقيقات أسفرت عن إلقاء القبض على العديد من المتّهمين المشتركين في تلك المجزرة الأليمة". ويقول مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف والمشرف على الموسوعة الدكتور عباس القريشي إن "عمل الموسوعة استُلهِم من توجيهات المرجعيّة الدينية العُليا في النجف الأشرف وهي حصيلة عامين من الجهد الممتزج بألم الحسرة وحرقة القلب ودمعة العين، بما حملته تلك الوثائق من حقائقَ وآلامٍ موجعةٍ وقصصٍ يشيب لها الرأس".